مدارک تحریر الوسیله للامام الخمینی: کتاب الصوم

اشارة

سرشناسه : بنی فضل، مرتضی، 1312 - ، شارح

عنوان و نام پديدآور : مدارک تحریر الوسیله للامام الخمینی: کتاب الصوم/ تالیف مرتضی بنی فضل؛ تحقیق و نشر موسسه تنظیم و نشر آثار الامام الخمینی قدس سره

مشخصات نشر : تهران: موسسه تنظیم و نشر آثار الامام الخمینی(س)، 1422ق. = 1380.

مشخصات ظاهری : ص 468

شابک : 15000ریال

يادداشت : عربی

یادداشت : کتابنامه به صورت زیرنویس

عنوان دیگر : تحریر الوسیله. برگزیده. شرح

عنوان دیگر : کتاب الصوم

موضوع : خمینی، روح الله، رهبر انقلاب و بنیانگذار جمهوری اسلامی ایران، 1368 - 1279. تحریر الوسیله -- نقد و تفسیر

موضوع : فقه جعفری -- رساله علمیه

موضوع : روزه

شناسه افزوده : خمینی، روح الله، رهبر انقلاب و بنیانگذار جمهوری اسلامی ایران، 1368 - 1279. تحریر الوسیله. برگزیده. شرح

شناسه افزوده : موسسه تنظیم و نشر آثار امام خمینی(س)

رده بندی کنگره : BP183/9/خ 8ت 302323 1380

رده بندی دیویی : 297/3422

شماره کتابشناسی ملی : م 81-15547

مقدّمة التحقيق

اشارة

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

إنّ «تحرير الوسيلة» هو خير وسيلة يبتغيها المكلّف في سيره و سلوكه، و هو أوثقها عُرى، و أصلحها منهاجاً؛ لِما امتاز به من سداد في تحديد الموقف العمليّ، و إصابة في تشخيص الوظائف المُلقاة على عاتق المكلّفين، و ذلك على ضوء الدليلين: الاجتهاديّ و الفقاهتيّ، النابعين من الكتاب و السنّة. ناهيك عن جمعه للمسائل العمليّة، و نأيه عن المسائل ذات الصبغة النظريّة التي لا تمسّ إلى واقعنا المُعاش بصلة.

و لئن كتب الشهيد الأوّل قدّس اللّٰه نفسه الزكيّة كتاب «اللّمعة الدمشقيّة» و هو سجين، فإنّ إمامنا العظيم نوّر اللّٰه ضريحه قد ألّف هذا الكتاب حينما كان منفيّاً في مدينة بورسا التركيّة من قبل الطاغوت الغاشم، و لم يكن بحوزته إلّا «وسيلة النجاة» و «العروة الوثقى» و «وسائل

الشيعة».

نعم لم تكن بيده المباركة إلّا هذه الكتب الثلاثة، و لكنّ نفسه العلويّة لو لم تكن خزانة للعلوم الحقّة، و فؤاده مهبطاً للإلهام و التحديث، لامتنع وجود هذا السفر الخالد في تلك الظروف العصيبة.

و نظراً إلى أهمّية هذا الكتاب، و ضرورة نشره على مختلف المستويات و الأصعدة؛ لذا فقد أخذت مؤسّسة تنظيم و نشر آثار الإمام الخميني (قدّس سرّه) على عاتقها نشر شروح و تعاليق العلماء المحقّقين على «تحرير الوسيلة» و من نفقتها الخاصّة.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 6

و يعدّ الكتاب الذي بين يديك، واحداً من هذه السلسلة الضخمة التي تروم مؤسّستنا طبعها، و هو شرح لمباحث الصوم من «التحرير»، تأليف سماحة آية اللّٰه الشيخ مرتضى بني فضل دام بقائه. نسأل اللّٰه تعالى أن يوفّقه و إيّانا و أن يختم لنا جميعاً بالحسنى إنّه سميع الدعاء.

منهجنا في تحقيق الكتاب

أمّا منهجنا في تحقيق الكتاب فهو كما يلي:

1 تقويم النص و تقطيعه و تزيينه بعلامات الترقيم المناسبة و لم ندمج متن التحرير مع الشرح رغبةً في تسهيل مراجعة القراء الكرام، بل أثبتنا المتن في صدر الصفحة و ذكرنا شرحها في ذيلها. و قد اقتصرنا في عنونة المطالب على العناوين الموجودة في تحرير الوسيلة و لم نضف إليها عناوين أخرى.

2 تخريج الآيات الكريمة و الأحاديث الشريفة، و قد اكتفينا في تخريج الأحاديث بالوسائل الحديثة لاشتمالها على الإشارة إلى المنابع الأصلية إلّا في صورة عدم تطابق الرواية المذكورة في المتن مع ما في الوسائل، حيث عزوناها إلى مصادرها الأصلية.

3 تخريج أقوال العلماء التي نقلها المصنّف بلفظها أو ما يقاربها دون ما أشار إليها روماً للاختصار و حذراً من التطويل.

و في الختام تتقدّم المؤسسة بالشكر الجزيل و الثناء العاطر إلى

كلّ الإخوة الفضلاء الذين ساهموا في تحقيق هذا الكتاب راجيةً لهم التسديد و الموفقية في خدمة ديننا الحنيف.

مؤسّسة تنظيم و نشر آثار الإمام الخميني (قدّس سرّه) فرع قم المقدّسة

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 7

[مقدمة المؤلف]

بسم اللّٰه الرحمن الرحيم الحمد للّٰه ربّ العالمين، و الصلاة و السلام على أشرف خلقه أجمعين و آله الطاهرين و بعد، فيقول العبد الفقير الراجي رحمة ربّه الغني، مرتضى بني فضل ابن المرحوم المغفور له الحاجّ سيفعلي: لقد وفّقني اللّٰه تعالى للبحث عن المسائل الفقهية في حضور جماعة من الفضلاء، و كان محور أبحاثي كتاب «تحرير الوسيلة» تأليف المحقّق المدقّق، جامع المعقول و المنقول، أُستاذ الأساتذة و كثير من المراجع العظام، قائد الثورة الإسلامية في إيران، الذي عجز القلم و اللسان عن ذكر أوصافه المنحصرة بشخصه بين مراجع الدين، العبد الصالح المخلص للّٰه، آية اللّٰه العظمى الإمام الخميني، قدّس سرّه الشريف.

و لقد جمعتُ ما وصل إليه نظري القاصر من مدارك مسائله، و اجتنبتُ التطويل محيلًا على المفصّلات، و سمّيته ب «مدارك تحرير الوسيلة» و أرجو من اللّٰه تعالى أن يوفّقني لإدامة البحث و التأليف، و يجعله ذخراً ليوم فقري و فاقتي بحقّ محمّد و آله الأطهرين.

و غير خفي: أنّ كتاب «تحرير الوسيلة» أكمل و أجود ما أُلّف في بابه؛ من حيث اشتماله على جميع أبواب الفقه من الاجتهاد و التقليد و الطهارة إلى الديات،

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 8

مع إضافة المسائل المستحدثة التي لم تكن لها موضوعات في الأزمنة السابقة.

قال الشهيد آية اللّٰه القاضي الطباطبائي (رحمه اللّٰه): كنت أقترح على كبار علماء الحوزة في قم و النجف الأشرف أن يقوموا بتأليف كتاب جامع لأبواب الفقه ليكون

مورداً لتحشية الأعلام و المراجع في الأزمنة الآتية، و مرجعاً لعلماء الشيعة في الاطّلاع على الفتاوى و الاحتياطات بسهولة، و أكّدت أنّ الموجود في أيدي العلماء للتحشية كتابان: «العروة الوثقى» و «وسيلة النجاة»، و كلاهما ناقص. و أجابوا (رحمهم اللّٰه): بأنّ هذا الأمر المقترح من أهمّ الأُمور التي لا بدّ من الإقدام عليها، و أنّه بحاجة إلى صرف وقت طويل و ليست لنا فرصة ذلك.

قال: و مضت الأيّام حتّى لاقاني بعض أصدقائي راجعاً من زيارة مولانا أمير المؤمنين عليه آلاف التحية و السلام و كان قد جلب معه كتباً طبعت أخيراً في النجف، فكنت أُلاحظها ليلًا، عندها رأيت مجلّدين باسم «تحرير الوسيلة» و طالعتهما إلى الصبح، فوجدتهما عين ما اقترحته على زعماء الحوزة مع إضافة المسائل المستحدثة.

أقول: و قد وفّق اللّٰه تعالى مؤلّفه قدّس سرّه الشريف لتأليفه في المنفي؛ أي بورسا من مدن تركيا، حيث كان محبوساً فيها و تحت المراقبة؛ لقيامه على طواغيت زمانه دفاعاً عن الإسلام.

فجزاه اللّٰه أوفر الجزاء، و جعل عواقب أُمورنا خيراً، بحقّ محمّد و آله الأطيبين، آمين يا ربّ العالمين.

مرتضى بنى فضل 17 ربيع الأوّل 1422 عشّ آل محمّد قم المقدّسة

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 9

بسم اللّٰه الرحمن الرحيم، و به نستعين الحمد للّٰه ربّ العالمين و الصلاة و السلام على خير خلقه محمّد و آله الطاهرين، و لعنة اللّٰه على أعدائهم أجمعين. و بعدُ: فهذه تعليقةٌ على كتاب الصوم من «تحرير الوسيلة» للإمام الخميني قدّس سرّه الشريف تأليف العبد مرتضى بني فضل.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 11

كتاب الصوم

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 13

[القول في النية]

اشارة

القول في النية

[ (مسألة 1): يشترط في الصوم النية]

(مسألة 1): يشترط في الصوم النية (1)؛

______________________________

(1) اشتراط النية في مطلق الصوم واجباً كان أو غيره، رمضاناً كان أو غيره ممّا أجمع به الإمامية، و به قال أكثر فقهاء العامّة، و نُسب إلى بعضهم و هم زفر بن الهذيل و مجاهد و عطاء أنّه إذا تعيّن عليه صوم رمضان على وجه لا يجوز له الفطر؛ بأن كان صحيحاً مقيماً، أجزأه من غير نيّةٍ؛ لأنّه فرضٌ مستحقّ بعينه. و هذا كوجوب ردّ الوديعة، إلّا أنّه حقّ الآدمي و الصوم حقّ اللّٰه.

و الدليل على اشتراط النية: أنّ الصوم عبادة وَ مٰا أُمِرُوا إِلّٰا لِيَعْبُدُوا اللّٰهَ مُخْلِصِينَ «1».

و قال الشيخ (رحمه اللّٰه): إنّه روي عن النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) أنّه قال

الأعمال بالنيات «2»

، و روى عنه (عليه السّلام) أنّه قال

إنّما الأعمال بالنيات «3»

، و عن الرضا (عليه السّلام) أنّه قال:

______________________________

(1) البيّنة (98): 5.

(2) وسائل الشيعة 10: 13، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم و نيته، الباب 2، الحديث 11.

(3) وسائل الشيعة 10: 13، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم و نيته، الباب 2، الحديث 12.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 14

بأن يقصد تلك العبادة المقرّرة في الشريعة، و يعزم على الإمساك عن المفطرات المعهودة بقصد القُربة (2). و لا يعتبر في الصحّة العلم بالمفطرات على التفصيل (3)، فلو نوى الإمساك عن كلّ مفطر؛ و لم يعلم بمفطريّة بعض الأشياء كالاحتقان مثلًا أو زعم عدمها، و لكن لم يرتكبه، صحّ صومه (4).

______________________________

لا قول إلّا بعمل، و لا عمل إلّا بنية، و لا نية إلّا بإصابة السنّة «1».

(2) هذا تفسيرٌ لنية الصوم و أنّ الصوم ليس مجرّد ترك المفطرات المعهودة، بل من

حيث إنّه عبادة خاصّة و أحد الأركان الخمسة التي بُني عليها الإسلام لا بدّ فيه من العزم و القصد إليه؛ بأنّه الإمساك عن المفطرات بقصد القربة.

(3) و ذلك لكفاية القصد و نية الإمساك عمّا هو مفطر إجمالًا في تحقّق الصوم المتقرّب به إلى اللّٰه تعالى، و لا دليل على اعتبار أزيد منه.

(4) أمّا صحّة صومه فيما لم يعلم بمفطرية خصوص بعض المفطرات فلعدم اشتراط العلم التفصيلي بكلّ واحدٍ واحدٍ منها، كما هو المتعارف في أكثر الصائمين من العوام، بل العلماء أيضاً، حيث إنّهم لو سئلوا عن عدد المفطرات و عدّها، لا يعدّون كلّها تفصيلًا بالفعل و يحتاجون في العلم التفصيلي بكلّها إلى المراجعة، و كفاية القصد إجمالًا إلى الإمساك عن كلّ ما هو مفطر في الصحّة، و المفروض حصول هذا القصد.

و أمّا صحّته فيما نوى الإمساك عن كلّ ما هو مفطرٌ، و زعم أنّ الاحتقان مثلًا غير مفطر و مع ذلك لم يرتكبه، فلأنّه نوى الصوم المشروع و الإمساك عن كلّ ما هو مفطر واقعاً؛ و منها الاحتقان. و اعتقاده بأنّه غير مفطر خطأً لا يضرّ صحّة

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 13، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم و نيته، الباب 2، الحديث 13.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 15

و كذا لو نوى الإمساك عن أُمور يعلم باشتمالها على المفطرات، صحّ على الأقوىٰ (5). و لا يعتبر في النية بعد القربة و الإخلاص سوىٰ تعيين الصوم الذي قصد إطاعة أمره (6).

______________________________

الصوم بعد فرض تحقّق النية المزبورة.

نعم لو فرض نية الإمساك عن كلّ ما هو مفطر غير الاحتقان بطل صومه و إن لم يرتكبه؛ لعدم القصد إلى ما هو المأمور به المقرّر شرعاً اجتهاداً أو تقليداً

من الإمساك عن كلّ ما هو مفطر، و من جملته الاحتقان.

و كذلك بطل صومه فيما نوى الإمساك عن كلّ مفطر و اعتقد عدم مفطرية الاحتقان، و مع هذا الاعتقاد الخطئي ارتكبه؛ و ذلك لاستعماله المفطر.

(5) و ذلك لتحقّق نية الصوم و الإمساك عن كلّ ما هو مفطر معلومٌ إجمالًا في ضمن نية الإمساك عن أُمور شاملة للمفطرات و غيرها.

و لا يخفى: أنّه لا يلزم التشريع من نية الإمساك عن أُمور يعلم باشتمالها على غير المفطرات، كما توهّمه مقرّر «مستند العروة الوثقى» كي يوجّه بأن ضمّ غير المفطر. و نية الإمساك عن الكلّ من باب الاحتياط و مقدّمة للإمساك عن جميع المفطرات المعلومة إجمالًا لا من باب التشريع؛ إذ لا منافاة بين الإمساك عن غير المفطرات منضمّاً إلى كلّ ما هو مفطر و قصد التقرّب بالإمساك عن المفطرات.

و بعبارة اخرى: يقصد الإمساك عن أُمور، و يتقرّب بالإمساك عن خصوص مفطراتها المعلومة إجمالًا، لا أنّه يتقرّب بالإمساك عن جميع الأُمور مفطراً كان أو غير مفطر حتّى يقال: إنّه تشريع، و لا بدّ من توجيهه بما ذكره المقرّر.

(6) لمّا كان حقيقة الصوم و ماهيته عبارة عن الإمساك عن المفطرات المخصوصة في وقت مخصوص، و كفى في عباديته نية القربة و الإخلاص، و كانت

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 16

و يكفي في صوم شهر رمضان نية صوم غد؛ من غير حاجة إلىٰ تعيينه (7)،

______________________________

تلك الحقيقة مشتركة بين جميع أفراده من الواجب و المندوب و المكروه و المحذور بأقسامها و الأداء و القضاء، فلا بدّ في تحقّق كلّ منها و امتثال أمره من القصد إلى العنوان الذي يتحقّق به الصوم المأمور به؛ بأن يقصد العنوان الذي به يمتاز

الصوم الخاصّ عمّا عداه، و يعيّنه في نيته حتّى يتعيّن و يتشخّص و يتميّز عمّا عداه؛ و حينئذٍ يقع عمّا نواه و يصحّ، و بدونه لا يتميّز و لا يصحّ.

(7) قال الشيخ (رحمه اللّٰه) في «الخلاف»: و لا تجب فيه أي في صوم رمضان نية التعيين؛ فلو نوى صوماً آخر نفلًا أو قضاءً وقع عن شهر رمضان و إن كان التعيين (المتعيّن خ. ل) بيوم مثل النذر يحتاج إلى نية معيّنة. و أمّا الصوم الواجب في الذمّة مثل قضاء رمضان أو الصوم في النذر غير المعيّن أو غيره من أنواع الصوم الواجب، و كذلك صوم النفل، فلا بدّ في جميع ذلك من نية التعيين و نية القربة. إلى أن قال: و نية التعيين أن ينوي الصوم الذي يريده و يعيّنه بالنية «1»، انتهى.

و في «المنتهي» فسّر نية التعيين بأن ينوي وجه ذلك الصوم «2».

و استدلّ العلّامة (رحمه اللّٰه) في «التذكرة» و «المنتهي» على كفاية نية القربة و عدم الافتقار إلى التعيين في صوم رمضان بأنّ القصد من نية التعيين تمييز أحد الفعلين أو أحد وجهي الفعل الواحد عن الآخر، و لا يتحقّق التعدّد هنا؛ فإنّه لا يقع في رمضان صوم غيره «3».

و هذا الاستدلال متين، و لا يخفى متانته بالنسبة إلى المكلّف الذي يصحّ منه

______________________________

(1) الخلاف 2: 146، المسألة 4.

(2) منتهى المطلب 2: 557/ السطر 17.

(3) تذكرة الفقهاء 6: 8، منتهى المطلب 2: 557/ السطر 18.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 17

بل لو نوىٰ غيره فيه جاهلًا به أو ناسياً له صحّ و وقع عن رمضان (8)،

______________________________

الصوم، و أمّا بالنسبة إلى المسافر غير القاصد للإقامة فعليه عدّة من أيّام أُخر؛ فلا يجب عليه

صوم رمضان، و لا يصحّ منه لو صام، لصحيحة صيقل، قال: كتبت إليه: يا سيّدي رجل نذر أن يصوم يوماً من الجمعة دائماً ما بقي فوافق ذلك اليوم يوم عيد فطر أو أضحى أو أيّام تشريق أو سفر أو مرض، هل عليه صوم ذلك اليوم أو قضاءه، أو كيف يصنع يا سيّدي؟ فكتب إليه

قد وضع اللّٰه عنك الصيام في هذه الأيّام كلّها و يصوم يوماً بدل يوم «1»

و لكن لو نوى في السفر صوم النذر في السفر فلا مانع من صحّته، إلّا أن يقوم الإجماع على عدم صحّته، و على مدّعيه الإثبات.

و لك أن تقول: قد ورد في رواية مسعدة بن صدقة في الرجل يوقّت على نفسه أيّاماً معروفة مسمّاة في كلّ شهر، فيسافر بعدّة الشهور، قال

لا يصوم؛ لأنّه في سفر، و لا يقضيها إذا شهد «2».

إلّا أن تقول بضعف مسعدة، و لكنّه معتمد على روايته، فالأحوط بل الأقوى ترك الصوم في السفر.

نعم يجب لو كان نذراً معيّناً؛ لوجوب الوفاء بالنذر. فمن نذر صوم أيّام الخميس في السفر وجب الوفاء به إلّا أن يمنع مانع، كإقامة العشرة للمسافر، و الخميس المصادف للعيدين، و غيرها من الموانع.

(8) لأنّه قصد التقرّب بالإمساك عن المفطرات في وقت لا يصلح وقوع غير رمضان فيه. و نية غير رمضان للجهل أو النسيان غير قادحةٍ بعد حصول قصد التقرّب بصوم الغد المنطبق عليه صوم رمضان واقعاً؛ إذ العبرة بنفس ذلك الزمان

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 196، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 10، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 10: 392، كتاب الصوم، أبواب بقيّة الصوم الواجب، الباب 17، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 18

بخلاف العالم

به فإنّه لا يقع لواحد منهما (9).

______________________________

الذي وجب صومه بعينه، و المفروض كون ما وقع من الصوم فيه عين الماهية المأمور بها و قد أتى به بداعي التقرّب.

(9) أمّا عدم وقوعه لرمضان: لأنّ المكلّف مع علمه و التفاته بأنّ الوقت و اليوم من رمضان و كلّف بصومه و مع ذلك نوى صوماً آخر، فلم يقصد امتثال أمره و لم يحصل منه قصد التقرّب بما هو مأمور به.

و أمّا عدم وقوعه لما نواه من غير رمضان: فلعدم الدليل على مشروعية غير رمضان فيه.

قال العلّامة في «التذكرة»: و لو نوى غيره مع الجهل فكذا أي يصحّ للاكتفاء بنية القربة في رمضان و قد حصلت فلا يضرّ الضميمة، و مع العلم كذلك؛ لهذا الدليل. و يحتمل البطلان؛ لعدم قصد رمضان و المطلق؛ فلا يقعان؛ لقوله (عليه السّلام)

لكلّ امرئ ما نوى

، و المقصود منهيٌ في رمضان «1»، انتهى.

و في «التحرير» و «المنتهي» توقّف، قال: أمّا مع العلم فقيل: إنّه كذلك أي وقع رمضان و قيل لا يجزي عن أحدهما، و نحن في هذا من المتوقّفين «2».

و قال الشيخ في «المبسوط»: و متى نوى أن يصوم في شهر رمضان النذر أو القضاء أو غير ذلك أو نفلًا فإنّه يقع عن شهر رمضان دون غيره «3»، انتهى.

و استدلّ على إجزائه بأنّ نية القربة حاصلة، و ما زاد عنها لغو لا عبرة به، و حكي هذا القول عن السيّد و «المعتبر» أيضاً.

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء 6: 10.

(2) تحرير الأحكام 1: 76/ السطر 9، منتهى المطلب 2: 558/ السطر 2.

(3) المبسوط 1: 276.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 19

و لا بدّ فيما عدا شهر رمضان من التعيين؛ بمعنى قصد صنف الصوم المخصوص، كالكفّارة

و القضاء و النذر المطلق، بل المعيّن أيضاً على الأقوىٰ (10)، و يكفي التعيين الإجمالي،

______________________________

و لا يكاد ينقضي عجبي كيف يفتي بصحّة الصوم المزبور و وقوعه عن رمضان مع توجّه المكلّف و التفاته إلى أنّ ما نواه و عيّنه في قصده غير مأمور به، و في الحقيقة عزم عن علم و عمد ترك صوم رمضان، فمع هذا القصد و العزم كيف يتحقّق منه قصد امتثال ما هو المأمور به؟!

(10) و ذلك لأنّ صوم غير رمضان فعل مشترك صالح لأن يقع على وجوهٍ شتّى لا ينصرف إلى واحد منها ما لم يعيّنه بالقصد؛ فلا بدّ في صوم غير رمضان من قصد صنف الصوم من الكفّارة و القضاء و النذر المطلق ليتميّز عمّا عداه و يقع عمّا نواه.

و في النذر المعيّن خلاف بين الفقهاء؛ حكي عن السيّد و ابن إدريس و «المنتهي» و «المدارك»: أنّ صوم النذر المعيّن له زمان متعيّن ليس له وجه آخر، و هو كصوم رمضان، إلّا أنّ تعيّن زمان صوم رمضان بالأصالة و تعيّن زمان صوم النذر المعيّن بالعرض، و هذا الاختلاف لا يقتضي اختلافهما في الحكم.

و فيه: أنّ الزمان في حدّ ذاته صالح لوقوع أيّ صوم من أنواعه فيه، و هذا المقدار كافٍ في كون الفعل الواقع فيه مشتركاً بين أنواعه؛ فلا بدّ في تشخّص كلّ نوع منها من قصد التعيين؛ فلذا يصحّ الصوم الآخر المنوي في اليوم الذي غفل عن كونه للنذر المعيّن بلا كلامٍ، و هذا بخلاف رمضان حيث إنّه لا يقع فيه صوم غيره و إن نواه غفلةً.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 20

كما إذا كان ما وجب في ذمّته صنفاً واحداً، فقصد ما في الذمّة، فإنّه يجزيه

(11). و الأظهر عدم اعتبار التعيين في المندوب المطلق (12)،

______________________________

(11) بأن كان في ذمّته صوم النذر؛ مطلقاً كان أو معيّناً، أو كان الواجب عليه صوم الكفّارة؛ سواءٌ كانت كفّارة الإفطار العمدي أو كفّارة قتل الخطأ أو العمد أو كفّارة الظهار أو غيرها من الكفّارات.

فإذا كان عليه صوم النذر مطلقاً كان أو مقيّداً بيوم الخميس فنوى صوم الغد نذراً و اتّفق كون الغد بيوم الخميس، كفى. و كذا لو كان عليه صوم الكفّارة أيّ كفّارة كانت و نوى صوم الكفّارة مطلقاً، من غير تعيين كونه كفّارة الإفطار العمدي مثلًا و كان ما في ذمّته هو بالخصوص، كفى؛ لأنّ ما أتى به بقصد القربة ينطبق قهراً على ما في ذمّته، و لا دليل على اعتبار أزيد منه؛ فيحصل الامتثال و يسقط الأمر.

و في «العروة الوثقى»: و يكفي التعيين الإجمالي، كأن يكون ما في ذمّته واحداً فيقصد ما في ذمّته، و إن لم يعلم أنّه من أيّ نوع، و إن كان يمكنه الاستعلام أيضاً. بل فيما إذا كان ما في ذمّته متعدّداً أيضاً يكفي التعيين الإجمالي، كأن ينوي ما اشتغلت به ذمّته أوّلًا أو ثانياً أو نحو ذلك «1»، انتهى.

(12) أي لا يشترط في الصوم المندوب المطلق القصد إليه بما أنّه مطلق مقابل المندوب المعيّن بإحدى التعيّنات الملحوظة في أقسام المندوب المعيّن.

فلو نوى صوم غد لِلّٰه تعالى من غير ملاحظة أنّه مطلق، صحّ و وقع ندباً بشرطين: الأوّل: أن يكون الزمان صالحاً للصوم المندوب المطلق؛ بأن لم يكن من

______________________________

(1) العروة الوثقى 2: 167، فصل في النية.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 21

فلو نوىٰ صوم غد للّٰه تعالىٰ، صحّ و وقع ندباً لو كان الزمان صالحاً له،

و كان الشخص ممّن يصحّ منه التطوّع بالصوم. بل و كذا المندوب المعيّن أيضاً إن كان تعيّنه بالزمان الخاصّ، كأيّام البيض و الجمعة و الخميس (13).

______________________________

الأزمنة التي يجب الصوم فيها أو يحرم. الثاني: أن يكون الشخص ممّن يصحّ منه التطوّع بالصوم؛ بأن لا يكون ممّن يضعّفه الصوم عن الدعاء يوم العرفة، أو ممّن لم يأذنه مضيفه أو والده و نحوه.

(13) مثلًا: إذا كان الغد نصف شعبان، و صامه بنية القربة من غير تعيين أنّه لنصف شعبان، انطبق صومه قهراً صوم النصف من شعبان و يكون كصوم رمضان.

و النراقي (رحمه اللّٰه) في «المستند» بعد أن نقل عن الشهيد في «البيان» إلحاق الندب المعيّن كأيّام البيض بشهر رمضان في عدم افتقاره إلى التعيين للتعيّن هناك بأصل الشرع، بل إلحاق مطلق المندوب به استشكل: بأنّ التعيين بأصل الشرع إنّما يفيد في التعيين لو امتنع وقوع غيره فيه، و ذلك مختصّ بالواجب، و أمّا المندوب فليس كذلك؛ فإنّ أيّام البيض لم يتعيّن للصوم المندوب فيها، و كذلك مطلق الأيّام لمطلق المندوب، لجواز وقوع غيرهما فيهما «1».

و فيه: أنّه أيّ فرق بين الصوم المنوي غفلةً نذراً مثلًا و اتّفق في رمضان و هو يحسب من رمضان، و الحال أنّه لم يعيّنه في النية، و بين صوم الغد المنوي ندباً و كان الغد نصف شعبان مثلًا؟! لِمَ لا يصدق عليه صوم نصف شعبان، فيصدق أنّ صومه مندوب خاصّ و إن لم يعيّنه؟!

______________________________

(1) مستند الشيعة 10: 179 180.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 22

نعم في إحراز ثواب الخصوصيّة يعتبر إحراز ذلك اليوم و قصده (14).

[ (مسألة 2): يعتبر في القضاء عن الغير نية النيابة]

(مسألة 2): يعتبر في القضاء عن الغير نية النيابة و لو لم يكن في ذمّته صوم

آخر (15).

______________________________

(14) لما كان ثواب صوم بعض الأيّام أكثر بمراتب من ثواب أصل الصوم، فلو نوى الصوم المندوب من غير قصد تعيين الخصوصية أصاب ثواب أصل الصوم. و أمّا النيل إلى الثواب الأعظم الذي وعده اللّٰه تعالى بالصوم المندوب في أيّام مخصوصة من رجب مثلًا فيحتاج إلى نيته بالخصوص و القصد إليه.

و قد ورد في الرواية أنّه

من صام من رجب يوماً إيماناً و احتساباً استوجب رضوان اللّٰه الأكبر «1».

و عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

من صام من رجب يوماً واحداً من أوّله أو وسطه أو آخره أوجب اللّٰه له الجنّة و جعله معنا في درجتنا يوم القيامة «2»

، و غير ذلك من الأيّام المخصوصة الواردة في الروايات.

(15) و ذلك لأنّ مقتضى طبيعة العمل القربي أن يقع عن نفس الفاعل، و وقوعه عن الغير نيابةً فيما يجوز شرعاً يحتاج إلى القصد و نية النيابة؛ فلو كان للعمل صلاحية وقوعه عن نفسه و عن غيره بأن كان في ذمّته قضاء رمضان و كان أجيراً للنيابة عن قضاء رمضان الغير فلا بدّ في القضاء عن الغير من نية النيابة. و كذلك فيما لم يكن في ذمّته صوم آخر غير القضاء عن الغير لا بدّ من نية النيابة عن الغير؛ لأنّ طبيعة العمل القربي مقتضاها أن يقع عن نفسه ندباً، فوقوعه عن الغير يحتاج إلى تعيينه بنية النيابة.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 476، كتاب الصوم، أبواب الصوم المندوب، الباب 26، الحديث 9.

(2) وسائل الشيعة 10: 473، كتاب الصوم، أبواب الصوم المندوب، الباب 26، الحديث 5.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 23

[ (مسألة 3): لا يقع في شهر رمضان صوم غيره]

(مسألة 3): لا يقع في شهر رمضان صوم غيره؛ واجباً كان أو ندباً؛ سواء كان مكلّفاً

بصومه أم لا كالمسافر و نحوه (16)،

______________________________

(16) قد مرّ في شرح قوله: «و يكفي في صوم شهر رمضان نية صوم غد» أنّه لا يقع في شهر رمضان صوم غيره أيُّ صوم كان لمن يصحّ عنه صوم رمضان كالصحيح الحاضر.

و أمّا من لا يصحّ عنه صوم رمضان كالمسافر غير القاصد لإقامة العشرة فلم يرد على المنع عن صوم غير رمضان للمسافر إلّا ما رواه مسعدة بن صدقة عن أبي جعفر (عليه السّلام) في الرجل يوقّت على نفسه أيّاماً معروفة مسمّاةً في كلّ شهر فيسافر بعدّة الشهور، قال

لا يصوم؛ لأنّه في سفر، و لا يقضيها إذا شهد «1»

، و مسعدة موثّق عند بعضٍ و ضعّفه جماعة، لكن الاعتماد على روايته عند الأكثر؛ فالأحوط بل الأقوى ترك الصوم في السفر مطلقاً إلّا النذر المقيّد به.

و مع ذلك كلّه: قال الشيخ (رحمه اللّٰه) في «المبسوط»: فأمّا إذا كان مسافراً سفراً يوجب التقصير فإن صام بنية رمضان لم يجزه، و إن صام بنية التطوّع كان جائزاً. و إن كان عليه صوم نذر معيّن و وافق ذلك شهر رمضان فصام عن النذر و هو حاضر وقع عن رمضان و لا يلزمه القضاء لمكان النذر، و إن كان مسافراً وقع عن النذر و كان عليه القضاء لرمضان. و كذلك الحكم إن صام و هو حاضر بنية صوم واجب عليه غير رمضان وقع عن رمضان و لم يجزه عمّا نواه، و إن كان مسافراً وقع عمّا نواه. و على الرواية التي رويت: أنّه لا يصام في السفر فإنّه لا يصحّ هذا الصوم بحال «2»، انتهى.

و في «التهذيب»: قال الشيخ (رحمه اللّٰه) أي المفيد في «المقنعة» و لا يجوز لأحد

______________________________

(1) وسائل الشيعة

10: 392، كتاب الصوم، أبواب بقية الصوم الواجب، الباب 17، الحديث 1.

(2) المبسوط 1: 277.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 24

..........

______________________________

أن يصوم في السفر تطوّعاً و لا فرضاً، إلّا صوم ثلاثة أيّام دم المتعة من جملة العشرة الأيّام. يدلّ على ذلك ما رواه الحسين بن سعيد عن عثمان بن عيسى عن سماعة قال: سألته عن الصيام في السفر، فقال

لا صيام في السفر، قد صام أُناس على عهد رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) فسمّاهم العصاة، فلا صيام في السفر إلّا الثلاثة الأيّام التي قال اللّٰه عزّ و جلّ فِي الْحَجِّ «1»

، انتهى.

و قال (رحمه اللّٰه) في «التهذيب»: فأمّا صوم النذر فهو على ثلاثة أضرب:

أحدها: أن ينذر أن يصوم لِلّٰه تعالى شهراً أو أيّاماً معدودة، فيجب عليه ذلك الصوم، و لا يجوز له أن يصوم في السفر.

و الثاني: أن ينذر صوم يوم بعينه، فيوافق ذلك اليوم أن يكون مسافراً، فحكمه حكم الأوّل في أنّه لا يجوز له صومه في السفر.

و الثالث: أن يعيّن صوم يوم بعينه و يشترط على نفسه أن يصومه في السفر و الحضر، و حينئذٍ يلزمه صيام ذلك اليوم في السفر كما يلزمه في الحضر «2»، انتهى.

ثمّ استدلّ (رحمه اللّٰه) على الضرب الأوّل و الثاني بعدّة روايات، ثمّ قال (رحمه اللّٰه):

و أمّا ما رواه علي بن الحسن بن فضّال عن جعفر بن محمّد بن أبي الصباح عن إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي الحسن (عليه السّلام) قال: سألته عن الرجل يجعل لِلّٰه عليه صوم يوم مسمّى، قال

يصومه أبداً في الحضر و السفر

، و هو القسم الثالث من الأقسام التي قدّمناه.

و الذي يدلّ على ذلك ما رواه محمّد

بن الحسن الصفّار عن أحمد بن محمّد و عبد اللّٰه بن محمّد عن علي بن مهزيار قال: كتب بندار مولى إدريس: يا سيّدي نذرتُ أن أصوم كلّ يوم سبت، فإن أنا لم أصمه ما يلزمني من الكفّارة؟ فكتب (عليه السّلام)

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 4: 230.

(2) نفس المصدر 4: 233.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 25

..........

______________________________

و قرأته

لا تتركه إلّا من علّة، و ليس عليك صومه في سفر و لا مرض إلّا أن تكون نويت ذلك، فإن كنت أفطرت منه في غير علّة فتصدّق بقدر كلّ يوم على سبعة مساكين، نسأل اللّٰه التوفيق لما يحبّ و يرضى.

ثمّ قال (رحمه اللّٰه): فأمّا التطوّع في السفر بالصوم فمكروه «1»، انتهى موضع الحاجة.

و الحاصل: أنّ الصوم من المسافر في رمضان لا يصحّ مطلقاً؛ واجباً كان أو ندباً إلّا في النذر المقيّد به، و قول الشيخ (رحمه اللّٰه) في «المبسوط» بجواز صوم غير رمضان للمسافر في رمضان نادرٌ.

و قال صاحب «الجواهر» (رحمه اللّٰه): و على كلّ حال فالمشهور بين الأصحاب نقلًا و تحصيلًا: أنّه لا يقع في شهر رمضان صوم غيره واجباً أو مندوباً من المكلّف بصومه و غيره كالمسافر و نحوه، بل هو المعروف في الشريعة، بل كاد يكون من قطعيات أربابها إن لم يكن من ضرورياتها «2»، انتهى.

و قال (رحمه اللّٰه) في البحث عن دلالة مرسل الحسن بن بسّام الجمّال عن رجل قال: كنت مع أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) فيما بين مكّة و المدينة في شعبان و هو صائم ثمّ رأينا هلال شهر رمضان فأفطر، فقلت له: جعلت فداك أمس كان من شعبان و أنت صائم و اليوم من شهر رمضان و أنت مفطر؟! فقال

إنّ ذلك

تطوّع و لنا أن نفعل ما شئنا، و هذا فرض فليس لنا أن نفعل إلّا ما أُمرنا

، و كأنّه أومأ بذيله إلى ما استدلّ به هنا غير واحد من أصحابنا من أنّ العبادة وظيفةٌ متلقّاة من الشارع، فتتوقّف على النقل، و لم يثبت التعبّد في شهر رمضان بصوم سوى الصوم الواجب منه بالأصالة؛ فيكون فعله بدعة محرّمة «3»، انتهى.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 4: 233 235.

(2) جواهر الكلام 16: 203.

(3) نفس المصدر.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 26

بل مع الجهل بكونه رمضاناً أو نسيانه، لو نوىٰ فيه صوم غيره يقع عن رمضان كما مرّ (17).

[ (مسألة 4): الأقوىٰ أنّه لا محلّ للنية شرعاً في الواجب المعيّن رمضاناً كان أو غيره]

(مسألة 4): الأقوىٰ أنّه لا محلّ للنية شرعاً في الواجب المعيّن رمضاناً كان أو غيره، بل المعيار حصول الصوم عن عزم و قصد باقٍ في النفس و لو ذهل عنه بنوم أو غيره. و لا فرق في حدوث هذا العزم بين كونه مقارناً لطلوع الفجر أو قبله، و لا بين حدوثه في ليلة اليوم الذي يريد صومه أو قبلها (18)،

______________________________

(17) وقوعه عن رمضان لقصد التقرّب بصوم اتّفق في رمضان، و قد مرّ تفصيله و لا نعيد، فراجع.

(18) قد تقدّم في أوّل الكتاب أنّ الصوم عبادة لا بدّ فيه من النية، و أمّا وجوب النية في زمان معيّن بالخصوص بحيث لا يجوز تقديمها و تأخيرها عنه فلا دليل عليه، بل مع العلم و التوجّه إلى الصوم يجوز النية مقارناً لطلوع الفجر. و يجوز قبل الفجر؛ حتّى في اليوم السابق أو الأيّام السابقة بشرط الاستدامة و الاستمرار بحيث كان العزم مودّعاً في خزينة الخيال؛ أي لو التفت إلى العمل لوجد العزم عليه باقياً في نفسه، فلو نوى و ذهل منه بنوم أو غيره

كفى بشرط عدم العزم على الترك و لا التردّد، و به قال جماعةٌ من فقهائنا؛ منهم النراقي في «المستند» و الهمداني في «مصباح الفقيه».

و الدليل على عدم وجوب خصوصية زمان معيّن هو الأصل و النبويان المشهوران؛ و هما قوله (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)

لا صيام لمن لا يبيت الصيام من الليل

، و قوله (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)

من لم يبيت الصيام من الليل فلا صيام له «1».

______________________________

(1) مستدرك الوسائل 7: 316، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم و نيته، الباب 2، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 27

..........

______________________________

و لا يخفى: أنّ المرسلتين ناظرتان إلى أنّ النية لا بدّ أن تكون قبل الفجر الذي هو زمان نفس الصوم و ساكتتان عن أنّ أوّل وقت النية، هل هو أوّل الليل أو غيره.

و ليعلم: أنّ هنا مسائل ثلاث:

الاولى: جواز إيقاع النية ليلًا، و الدليل عليه الإجماع، و قوله (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)

لا صيام لمن لا يبيت الصيام من الليل.

الثانية: لا يجوز تأخيرها عن طلوع الفجر مع العلم، و يدلّ عليه قوله (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) المزبور، حيث إنّ النية شرط في الصوم؛ فمن تركها إلى الفجر فقد أخلّ بشرط الصحّة. و حكي عن السيّد المرتضى (رحمه اللّٰه) جواز تأخير النية إلى الزوال عمداً، و عن ابن جُنيد جواز التأخير إلى ما قبل الغروب. و قولهما مخالف للإجماع على وقوع العبادة بتمامها عن نية القربة.

الثالثة: يجوز تأخيرها عن طلوع الفجر لعذر من الجهل و النسيان و غيرهما إلى الزوال، و سيأتي دليله.

قال العلّامة في «التذكرة»: وقت النية في المعيّن كرمضان و النذر المعيّن من أوّل الليل إلى أن

يطلع الفجر؛ فلا يجوز تأخيرها عن الطلوع مع العلم، فيُفسِد صومه إذا أخّر عامداً لمضيّ جزء من النهار بغير نية، و الصوم لا يُتبعّض و يجب عليه الإمساك. و لو تركها ناسياً أو لعذر جاز تجديدها إلى الزوال؛ لأنّ أعرابياً جاء إلى النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و قد أصبح الناس يوم الشكّ، فشهد برؤية الهلال، فأمر (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) منادياً ينادي

من لم يأكل فليصم و من أكل فليمسك

، و إذا جاز مع العذر و هو الجهل جاز مع النسيان «1»، انتهى. و به قال في «التحرير» و «المنتهي».

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء 6: 10.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 28

فلو عزم علىٰ صوم الغد من اليوم الماضي، و نام علىٰ هذا العزم إلىٰ آخر النهار، صحّ على الأصحّ (19).

______________________________

(19) و يظهر من عبارات بعض علمائنا: أنّه لا بدّ في النية أن يكون من أوّل الليل إلى طلوع الفجر؛ أي في أيّ جزء كان من هذا الوقت كفى، فلا يتحقّق قبله، و عليك بعبارة «التذكرة» المذكورة.

و في «التحرير»: وقت النية في الصوم المعيّن كرمضان و النذر المعيّن من أوّل الليل حتّى يطلع الفجر «1»، انتهى. فعلى هذا القول لو نوى في اليوم صوم الغد، و نام في اليوم، و لم يستيقظ إلّا بعد زوال الغد أو بعد تمامه، و كان الصوم صوم أوّل يوم من رمضان، فاللازم فساد صومه؛ لأنّه في زمان الأمر كان نائماً غير قابل لتوجّه الأمر إليه، و في زمان النية لم يكن مأموراً بالصوم.

و أمّا في صوم اليوم الثاني من رمضان فلو نواه في اليوم الأوّل فاللازم صحّته؛ لظاهر قوله تعالى فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ

الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ «2» حيث إنّ الأمر يحدث في أوّل الشهر و يشمله كلّه، فكأنّ الأوامر بعدد الأيّام كلّها تحدث دفعة في أوّل الشهر.

و فيه أوّلًا: أنّه يكفي في النية وجودها في خزينة الخيال في الليل قبل الفجر و إن كان ابتداء تحقّقها قبل الليل.

و ثانياً: أنّ من نوى في اليوم الأوّل من رمضان صوم اليوم الثاني أو بقية الأيّام كلّها لا يصدق عليه أنّه شهد الشهر بل شهد بعضه، فالآية ظاهرة في وجوب صوم تمام الشهر لمن شهد تمامه، و لا دلالة فيها بالنسبة إلى كيفية نية صومه، بل هي ساكتة عنها.

______________________________

(1) تحرير الأحكام 1: 76/ السطر 10.

(2) البقرة (2): 185.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 29

نعم لو فاتته النية لعذر كنسيان أو غفلة أو جهل بكونه رمضاناً أو مرض أو سفر فزال عذره قبل الزوال يمتدّ وقتها شرعاً إلى الزوال لو لم يتناول المفطر (20)،

______________________________

(20) يعني أنّ المكلّف إذا تذكّر في أيّ جزء من طلوع الفجر إلى الزوال بوجوب صوم هذا اليوم عليه يوقع النية حال الذكر فوراً بحيث لو أخّر لزم خلوّ جزء من النهار من النية اختياراً، فيفسد صومه من غير فرق في الصوم الواجب المعيّن بين رمضان و النذر المعيّن و النذر المطلق و القضاء المضيّقين.

و الدليل على وجوب النية إلى الزوال في الجاهل و الناسي و الغافل، الشهرة العظيمة، بل عن «الغُنية» و «المعتبر» و «المنتهي» و «التذكرة» دعوى الإجماع عليه. و لم ينقل الخلاف إلّا عن ظاهر ابن أبي عقيل من عدم الفرق بين العامد لترك النية و الناسي في بطلان الصوم، و هو شاذّ لا يُعبأ به.

و استشهد في «مصباح الفقيه» بما روي أنّ ليلة الشكّ أصبح

الناس، فجاء أعرابي إلى النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) فشهد برؤية الهلال، فأمر النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) منادياً ينادي

كلّ من لم يأكل فليصم، و من أكل فليمسك

، فإنّه كما يعمّ الشاكّ يعمّ الغافل و الجاهل الذي يزعم عدم انقضاء شعبان، فإذا جاز مع الجهل بالموضوع بأنحائه جاز مع النسيان أيضاً؛ لعدم الفرق بينهما في المعذورية. و ضعفه مجبور باشتهاره بين الأصحاب «1»، انتهى ملخّصاً.

و فيه: أنّ أصل المسألة و هو وجوب النية قبل الزوال لمن كان جاهلًا و نحوه في نفسها مشهورة، إلّا أنّ اعتماد المشهور على الرواية المذكورة غير ثابت.

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الصوم 14: 314.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 30

..........

______________________________

و على فرض ثبوت اعتمادهم عليها يقع الإشكال في دلالتها بأنّه لا اعتبار بشهادة الشاهد الواحد المجهول الحال في الحكم بثبوت الهلال.

و قد يستدلّ أيضاً: بأنّ المريض إذا برئ و المسافر إذا قدم أهله و كان البُرء و القدوم قبل الزوال وجب عليهما النية، و لم يكونا مكلّفين قبل البُرء و القدوم واقعاً، و كان الإفطار جائزاً لهما حينئذٍ، و اتّفق أنّهما لم يفطرا، و مع هذا يجب عليهما الصوم الناقص، و كيف الجاهل و نحوه فإنّه مكلّف بالصوم من طلوع الفجر؟! إلّا أنّه معذور لعدم العلم به، فيجب الصوم بمجرّد الالتفات قبل الزوال بطريق أولى.

و أُورد عليه: أنّ الحكم بوجوب الصوم الناقص فيمن برئ أو قدم إلى أهله قبل الزوال منصوصٌ، و مورده من لم يكلّف بالصوم من الفجر إلى حصول البُرء و القدوم إلى أهله قبل الزوال، فكيف يقاس عليه من هو مكلّف به من طلوع الفجر و لم ينوه لجهل و نحوه؟!

و استدلّ أيضاً بغير ذلك من الوجوه، و أُجيب عنه، فلا نطيل.

و أمّا الدليل على وجوب النية على من برئ من المرض قبل الزوال فهي الشهرة المدّعاة، و في «المدارك» نسبه إلى علمائنا، و حكي عن «المفاتيح» أنّه لا خلاف فيه.

و في «المدارك»: أنّ المريض أولى من المسافر القادم على أهله؛ لكونه أعذر منه «1». و فيه: أنّه قياس لا نقول به، و الأولوية منوطةٌ على إحراز مناط الحكم و لم يحرز.

و في «مستند الشيعة»: فلو ثبت الإجماع في المسألة، و إلّا كما هو الظاهر حيث إنّ ابني زهرة و حمزة أطلقا القول باستحباب إمساك المريض بقية اليوم إذا

______________________________

(1) مدارك الأحكام 6: 196.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 31

..........

______________________________

برئ، من غير تفصيل بين قبل الزوال و بعده فالحكم بالوجوب مشكل، و أمر الاحتياط واضح «1»، انتهى.

و قال المصنّف (رحمه اللّٰه): إنّه يشكل جريان الحكم في مطلق الأعذار و في خصوص المرض، و إن لا يخلو من قرب. و قال السيّد (رحمه اللّٰه) في «العروة الوثقى»: و أمّا لو برئ قبله و لم يتناول مفطراً فالأحوط أن ينوي و يصوم، و إن كان الأقوى عدم وجوبه.

أقول: الأحوط النية و إتمام الصوم و القضاء. و بالجملة: المريض و المسافر خارجان عن تكليف الصوم في الآية و عليهما القضاء فَمَنْ كٰانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّٰامٍ أُخَرَ «2». و لكن المسافر القادم أهله قبل الزوال مكلّف على الصوم بالنصوص المعتبرة، و نُشير إليها، و لم يرد في المريض نصّ معتبر، و لم يبق إلّا الإجماع، و هو غير مسلّم كما عرفت من «المستند» و الاحتياط حسنٌ.

و الدليل على وجوب تجديدها على من قدم

أهله قبل الزوال موثّقة أبي بصير قال: سألته عن الرجل يقدم من سفر في شهر رمضان؟ فقال

إن قدم قبل زوال الشمس فعليه صيام ذلك اليوم و يعتدّ به «3».

و موثّقة سماعة قال: سألته عن الرجل كيف يصنع إذا أراد السفر؟ إلى أن قال

إن قدم بعد زوال الشمس أفطر و لا يأكل ظاهراً، و إن قدم من سفره قبل زوال الشمس فعليه صيام ذلك اليوم إن شاء «4»

؛ أي قبل أن يدخل أهله و هو في الطريق و لم يدخل بعد، إن شاء أفطر في الطريق و إن شاء دخل أهله و ينوي الصوم.

______________________________

(1) مستند الشيعة 10: 377.

(2) البقرة (2): 184.

(3) وسائل الشيعة 10: 191، كتاب الصوم، أبواب من يصحّ منه الصوم، الباب 6، الحديث 6.

(4) وسائل الشيعة 10: 191، كتاب الصوم، أبواب من يصحّ منه الصوم، الباب 6، الحديث 7.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 32

..........

______________________________

و مصحّح يونس في حديث قال

في المسافر يدخل أهله و هو جنب قبل الزوال و لم يكن أكل فعليه أن يتمّ صومه و لا قضاء عليه «1».

و رواية أحمد بن محمّد البزنطي قال: سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن رجل قدم من سفر في شهر رمضان و لم يطعم شيئاً قبل الزوال؟ قال

يصوم «2»

، و في طريقه سهل بن زياد الآدمي الرازي الذي وثّقه الشيخ، و ضعّفه النجاشي و الشيخ في موضع آخر و جماعةٌ كثيرة من الأعاظم.

و لا يخفى: أنّه لا يعارضها الأخبار الدالّة على التخيير بين الصوم و الإفطار لمن دخل أهله قبل الزوال، كصحيحة محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في حديث قال

فإذا دخل أرضاً قبل طلوع الفجر

و هو يريد الإقامة بها فعليه صوم ذلك اليوم، و إن دخل بعد طلوع الفجر فلا صيام عليه و إن شاء صام «3».

و صحيحة رفاعة بن موسى قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الرجل يقبل في شهر رمضان من سفر حتّى يرى أنّه سيدخل أهله ضحوةً أو ارتفاع النهار، قال

إذا طلع الفجر و هو خارج و لم يدخل فهو بالخيار؛ إن شاء صام و إن شاء أفطر «4».

و صحيحةٌ اخرى لمحمّد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن الرجل يقدم من سفر في شهر رمضان فيدخل أهله حين يصبح أو ارتفاع النهار، قال (عليه السّلام)

إذا طلع الفجر و هو خارج و لم يدخل أهله فهو بالخيار؛ إن شاء صام و إن شاء أفطر «5».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 190، كتاب الصوم، أبواب من يصحّ منه الصوم، الباب 6، الحديث 5.

(2) وسائل الشيعة 10: 190، كتاب الصوم، أبواب من يصحّ منه الصوم، الباب 6، الحديث 4.

(3) وسائل الشيعة 10: 189، كتاب الصوم، أبواب من يصحّ منه الصوم، الباب 6، الحديث 1.

(4) وسائل الشيعة 10: 189، كتاب الصوم، أبواب من يصحّ منه الصوم، الباب 6، الحديث 2.

(5) وسائل الشيعة 10: 190، كتاب الصوم، أبواب من يصحّ منه الصوم، الباب 6، الحديث 3.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 33

فإذا زالت الشمس فات محلّها. نعم في جريان الحكم في مطلق الأعذار إشكال، بل في المرض لا يخلو من إشكال و إن لا يخلو من قرب. و يمتدّ محلّها اختياراً في غير المعيّن إلى الزوال دون ما بعده (21)،

______________________________

وجه عدم التعارض: أنّ هذه الأخبار محمولة على التخيير قبل أن يدخل على أهله، و هو صريح

الصحيحة الأخيرة؛ يعني أنّ القادم من سفره قبل أن يدخل أهله في وطنه أو المحلّ الذي يريد الإقامة فيه عشرة أيّام و هو في الطريق و لم يدخل بعد، فهو بالخيار؛ إن شاء أفطر في الطريق و لا يصوم، و إن شاء يدخل و ينوي الصوم. و إن أبيت عن حمل هذه الأخبار على تخيير من هو في الطريق لا تخيير من دخل أهله، فنقول بطرح الأخبار المذكورة؛ لإعراض الأصحاب عنها.

ثمّ إنّ مصحّحة يونس المذكورة دالّة على وجوب نية الصوم على من قدم أهله قبل الزوال و هو جنب، و فسّر الجنب في الرواية بقوله: «يعني إذا كانت جنابته عن احتلام».

و لا يخفى: أنّ التفسير إن كان من الإمام (عليه السّلام) فهو، و إن كان من الراوي فيرجع إلى إخباره عن مراد المعصوم (عليه السّلام) و أنّه أراد من الجنب من كانت جنابته عن احتلام ليلًا أو نهاراً لا عن عمدٍ.

(21) أي: يمتدّ محلّ نية الصوم الواجب الغير المعيّن كقضاء رمضان و النذر المطلق الموسّعين و الكفّارة مثلًا من قبل طلوع الفجر إلى الزوال، و لا يكفي بعد الزوال. أمّا امتداده إلى الزوال اختياراً أي من غير عذر فهو ممّا لا خلاف معتدّ به. و في «المدارك»: قد قطع الأصحاب بأنّ وقت النية فيه يستمرّ من الليل إلى الزوال إذا لم يفعل المنافي نهاراً.

و يدلّ عليه روايات كثيرة: منها: صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 34

..........

______________________________

حديث قال: قلت له: إنّ رجلًا أراد أن يصوم ارتفاع النهار أ يصوم؟ قال (عليه السّلام)

نعم «1»

، و إطلاقها يشمل الواجب الغير المعيّن.

و منها: صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج عن

أبي الحسن (عليه السّلام) في الرجل يبدو له بعد ما يصبح و يرتفع النهار في صوم ذلك اليوم ليقضيه من شهر رمضان و لم يكن نوى ذلك من الليل، قال

نعم، ليصمه و ليعتدّ به إذا لم يكن أحدث شيئاً «2».

و في «مستند العروة الوثقى»: أنّ التعبير بقوله: «يبدو» ظاهرٌ في عدم كون القضاء متعيّناً عليه؛ فموردها الواجب الغير المعيّن.

و فيه: أنّه من المحتمل أنّه كان عليه قضاء مضيّق وقته و قد نسيه و تذكّر به قبل الزوال و بدا له أي خطر له رأيٌ في صومه، فله ذلك، و يتعيّن عليه الصوم إذا لم يكن أحدث شيئاً، و قد أمره بالصوم بقوله (عليه السّلام)

ليصمه

، و لو كان الصوم غير معيّن لم يأمره بالصوم بل خيّره بين الصوم و الإفطار، كما في صحيحة أُخرى لابن الحجّاج و موثّقة عمّار و غيرهما، و سيأتي نقلها.

و منها: رواية عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال في حديث

إن بدا له أن يصوم بعد ما ارتفع النهار فليصم؛ فإنّه يحسب له من الساعة التي نوى فيها «3»

، و دلالتها كدلالة صحيحة ابن الحجّاج.

و منها: رواية صالح بن عبد اللّٰه عن أبي إبراهيم (عليه السّلام) قال: قلت له: رجلٌ جعل لِلّٰهِ عليه الصيام شهراً فيصبح و هو ينوي الصوم، ثمّ يبدو له فيفطر و يصبح و هو

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 10، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم و نيته، الباب 2، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 10: 10، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم و نيته، الباب 2، الحديث 2.

(3) وسائل الشيعة 10: 10، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم و نيته، الباب 2، الحديث 3.

مدارك تحرير الوسيلة

- الصوم، ص: 35

..........

______________________________

لا ينوي الصوم فيبدو له فيصوم، فقال

هذا كلّه جائز «2»

، و دلالتها تامّة حيث إنّ صيام الشهر الواجب عليه بالنذر غير معيّن؛ إذ لو كان معيّناً وجب له الإتمام بعد نية الصوم و يحرم الإفطار. فجواز الإفطار بعد نية الصوم قرينةٌ على كون النذر مطلقاً موسّعاً وقته.

و سند هذه الرواية ضعيف حيث لم يوثّق و لم يمدح صالح بن عبد اللّٰه. نعم قد نقل «جامع الرواة» رواية ابن فضّال و عبد اللّٰه بن خِداش الذي ضعّفه النجاشي و علي بن إبراهيم و فضالة و ابن أبي عمير عنه، و في الاكتفاء بهذا المقدار في إدراج روايته في الحسان تأمّل.

و منها: صحيحة أُخرى لعبد الرحمن بن الحجّاج قال: سألت أبا الحسن موسى (عليه السّلام) عن الرجل يصبح و لم يطعم و لم يشرب و لم ينو صوماً و كان عليه يوم من شهر رمضان، إله أن يصوم ذلك اليوم و قد ذهب عامّة النهار؟ فقال (عليه السّلام)

نعم، له أن يصومه و يعتدّ به من شهر رمضان «1».

قال صاحب «الوسائل»: هذا محمول على ما بين الفجر و الزوال، و ذهاب عامّة النهار على وجه المجاز، ذكره جماعة من الأصحاب، على أنّ ما بين طلوع الفجر و الزوال أكثر من نصف النهار، انتهى.

و هذه الرواية صحيحةٌ من طريق معاوية بن حكيم لا من طريق علي بن السندي.

و منها: صحيحة محمّد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

قال علي (عليه السّلام): إذا لم يفرض الرجل على نفسه صياماً ثمّ ذكر الصيام قبل أن يطعم طعاماً أو يشرب شراباً و لم يفطر، فهو بالخيار؛ إن شاء صام و إن شاء أفطر «3».

______________________________

(2) وسائل

الشيعة 10: 11، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم و نيته، الباب 2، الحديث 4.

(1) وسائل الشيعة 10: 11، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم و نيته، الباب 2، الحديث 6.

(3) وسائل الشيعة 10: 11، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم و نيته، الباب 2، الحديث 5.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 36

..........

______________________________

وجه الدلالة: أنّ الرجل قدّر و تصوّر أوّلًا أنّه ليس عليه صيام، ثمّ تذكّر و التفت أنّ عليه صيام، فقال (عليه السّلام): إن كان الذكر قبل أن يفطر فهو بالخيار إن شاء صام. و لا يخفى: أنّ الرواية لا تعرّض لها لوقت النية، كما في رواية صالح بن عبد اللّٰه عن أبي إبراهيم (عليه السّلام) المتقدّمة.

و منها: صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قلت له: الرجل يصبح و لا ينوي الصوم، فإذا تعالى النهار حدث له رأيٌ في الصوم، فقال

إن هو نوى الصوم قبل أن تزول الشمس حسب له يومه، و إن نواه بعد الزوال حسب له من الوقت الذي نوى «1».

و لا يخفى: أنّ ذيلها الدالّ على جواز النية بعد الزوال محمول على المندوب.

و في «الوسائل»: و يحتمل إرادة صحّة الصوم إن نوى قبل الزوال و بطلانه إن نوى بعده، انتهى. و ذلك لأنّه لم يعهد في الشرع احتساب الصوم في بعض اليوم فيكون باطلًا.

و لا يخفى: أنّ قوله (عليه السّلام)

حسب له من الوقت الذي نوى

غير ظاهر في البطلان، و احتماله (رحمه اللّٰه) خلاف الظاهر.

و الرواية المذكورة أتمّ دلالةً على محلّ النية و أنّه قبل الزوال، كموثّقة عمّار الساباطي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الرجل يكون عليه أيّامٌ من شهر رمضان و يريد أن يقضيها، متى

يريد أن ينوي الصيام؟ قال

هو بالخيار إلى أن تزول الشمس، فإذا زالت الشمس فإن كان نوى الصوم فليصم و إن كان نوى الإفطار فليفطر

، سئل: فإن كان نوى الإفطار يستقيم أن ينوي الصوم بعد ما زالت الشمس؟ قال

لا «2».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 12، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم و نيته، الباب 2، الحديث 8.

(2) وسائل الشيعة 10: 13، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم و نيته، الباب 2، الحديث 10.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 37

فلو أصبح ناوياً للإفطار و لم يتناول مفطراً، فبدا له قبل الزوال أن يصوم قضاء شهر رمضان أو كفارة أو نذراً مطلقاً، جاز و صحّ (22) دون ما بعده. و محلّها في المندوب يمتدّ إلىٰ أن يبقىٰ من الغروب زمان يمكن تجديدها فيه (23).

______________________________

و أمّا عدم كفاية النية بعد الزوال في الواجب الغير المعيّن فللموثّقة المذكورة حيث سئل (عليه السّلام): فإن كان نوى الإفطار أي قبل الزوال يستقيم أن ينوي الصوم بعد ما زالت الشمس؟ قال

لا.

و توهّم: أنّ بعض الروايات المذكورة مختصّ بقضاء رمضان؛ فلا يشمل سائر الصيام الواجبة الغير المعيّنة من النذر و الكفّارة، مدفوع بعدم القول بالفصل في المسألة.

و أمّا مرسلة البزنطي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قلت له: الرجل يكون عليه القضاء من شهر رمضان و يصبح فلا يأكل إلى العصر، أ يجوز له أن يجعله قضاءً من شهر رمضان؟ قال

نعم «1».

فقد يقال بدلالتها على كفاية النية بعد الزوال في قضاء رمضان. و فيه مضافاً إلى أنّها غير منجبرةٍ معرض عنها عند المشهور.

و قد نقل صاحب «الوسائل» عن الشيخ (رحمه اللّٰه) محامل للمرسلة لا يخلو بعضها من تأمّل؛ قال: المراد من

العصر أوّل وقت العصر، و هو عند زوال الشمس.

(22) و يدلّ عليه رواية صالح بن عبد اللّٰه المتقدّمة «2» بضميمة عدم القول بالفصل بين قضاء رمضان و سائر أقسام الصوم الواجب الغير المعيّن.

(23) و يدلّ عليه صحيحة أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الصائم المتطوّع تعرض له الحاجة؟ قال

هو بالخيار ما بينه و بين العصر، و إن مكث

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 12، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم و نيته، الباب 2، الحديث 9.

(2) وسائل الشيعة 10: 11، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم و نيته، الباب 2، الحديث 4.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 38

..........

______________________________

حتّى العصر ثمّ بدا له أن يصوم و إن لم يكن نوى ذلك فله أن يصوم ذلك اليوم إن شاء «1».

و أمّا صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

كان أمير المؤمنين (عليه السّلام) يدخل إلى أهله فيقول: عندكم شي ء و إلّا صمتُ؟ فإن كان عندهم شي ء أتوه و إلّا صام «2»

، فقد يتوهّم المتوهّم مؤلّف «مستند العروة الوثقى» الاستدلال بها على امتداد محلّ النية في المندوب إلى ما بعد الزوال؛ بأنّ الدخول إلى الأهل يكون بحسب الغالب بعد صلاة الظهر لأجل صرف الغذاء كما هو المتعارف، و إلّا فيبعد الدخول قبل ذلك لصرف الطعام؛ و لا سيّما مع التعبير بلفظ «كان» الظاهر في الاستمرار و أنّ ذلك كان من عادته و ديدنه (عليه السّلام).

و فيه: أنّ التوهّم المذكور لا يناسب شأن أمير المؤمنين (عليه السّلام) في حياته و غذائه و لعلّ منشأ توهّمه قياسه أمير المؤمنين (عليه السّلام) لسائر الناس، و أنّ أغلبهم يأكلون الغذاء كلّ يوم ثلاث مرّات في الصبح

و الظهر و الليل، و أمير المؤمنين (عليه السّلام) أيضاً مثلهم يدخل إلى أهله في الظهر بعد صلاته و يقول

عندكم شي ء و إلّا صمتُ؟

و المناسب لشأنه (عليه السّلام) أكل الغذاء قليلًا مرّة في اليوم أو مرّتين في الغداة و العشاء، و لعلّ سؤاله (عليه السّلام) عن أهله

عندكم شي ء؟

لأجل أنّه لم يكن عند أهله قوت في غالب الأيّام لبذلهم الفقراء، و التعبير بلفظ «كان» بهذا الاعتبار.

و كيف كان: فدلالة الصحيحة على أنّ الصوم منه (عليه السّلام) كان تطوّعاً تامّةٌ باعتبار القرينة الحالية القائمة على أنّه من المستبعد أن يكون عليه (عليه السّلام) صوم واجب من القضاء و النذر فضلًا عن الكفّارة و يدخل إلى أهله و يقول

عندكم شي ء و إلّا صمتُ؟.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 14، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم و نيته، الباب 3، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 10: 12، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم و نيته، الباب 2، الحديث 7.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 39

[ (مسألة 5): يوم الشكّ في أنّه من شعبان أو رمضان يبني علىٰ أنّه من شعبان]

(مسألة 5): يوم الشكّ في أنّه من شعبان أو رمضان يبني علىٰ أنّه من شعبان، فلا يجب صومه (24)، و لو صامه بنية أنّه من شعبان ندباً، أجزأه عن رمضان لو بان أنّه منه (25).

______________________________

(24) البناء على شعبان هو مقتضى استصحاب بقاء شعبان و عدم دخول رمضان. و تدلّ عليه موثّقة بل صحيحة سماعة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام). إلى أن قال (عليه السّلام)

إنّما يصام يوم الشكّ من شعبان و لا تصومه من شهر رمضان؛ لأنّه قد نهى أن ينفرد الإنسان بالصيام في يوم الشكّ، و إنّما ينوي من الليلة أنّه يصوم من شعبان، فإن كان من شهر رمضان أجزأ عنه بتفضّل اللّٰه و

بما قد وسّع على عباده، و لو لا ذلك لهلك الناس «1».

و رواية الزهري عن علي بن الحسين (عليهما السّلام) قال (عليه السّلام)

ينوي ليلة الشكّ أنّه صائم من شعبان «2»

، و لا اعتبار بسندها أصلًا؛ لوقوع الضعاف و خصوص الزهري الذي لعن عليه فيه.

(25) و يدلّ عليه موثّقة سماعة المذكورة قال (عليه السّلام)

و إنّما ينوي من الليلة أنّه يصوم من شعبان، فإن كان من شهر رمضان أجزأ عنه بتفضّل اللّٰه.

الحديث، و رواية الزهري المذكورة حيث قال (عليه السّلام)

ينوي ليلة الشكّ أنّه صائم من شعبان، فإن كان من شهر رمضان أجزأ عنه

، و رواية عبد اللّٰه بن سنان أنّه سأل أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل صام شعبان. إلى أن قال (عليه السّلام)

و إن أضمر من شعبان فبان أنّه من رمضان فلا شي ء عليه «3».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 21، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم و نيته، الباب 5، الحديث 4.

(2) وسائل الشيعة 10: 22، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم و نيته، الباب 5، الحديث 8.

(3) وسائل الشيعة 10: 23، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم و نيته، الباب 5، الحديث 10.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 40

و كذا لو صامه بنية أنّه منه قضاءً أو نذراً أجزأه لو صادفه (26).

______________________________

(26) و يدلّ عليه صحيحة سعيد الأعرج قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): إنّي صمتُ اليوم الذي يشكّ فيه، فكان من شهر رمضان، أ فأقضيه؟ قال

لا، هو يوم وفّقت له «1»

، وجه الدلالة: أنّ صومه في يوم الشكّ مطلق يشمل الواجب و المندوب.

و صحيحة معاوية بن وهب قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): الرجل يصوم اليوم الذي يشكّ فيه من شهر رمضان، فيكون

كذلك؟ فقال

هو شي ء وفّق له «2».

و صحيحة سماعة قال: سألته عن اليوم الذي يشكّ فيه من شهر رمضان لا يدري أ هو من شعبان أو من شهر رمضان، فصامه فكان من شهر رمضان؟ قال

هو يوم وفّق له، لا قضاء عليه «3».

و صحيحة أُخرى لسماعة قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل صام أوّل يوم من شهر رمضان و هو شاكّ لا يدري أ مِن شعبان أو من رمضان؟ فقال

هو يومٌ وفّق له، لا قضاء عليه «4».

و مرسلة محمّد بن الحسن بإسناده عن معمّر بن خلّاد عن أبي الحسن (عليه السّلام) قال: كنتُ جالساً عنده آخر يوم من شعبان. إلى أن قال (عليه السّلام)

أ ليس تدرون إنّما ذلك إذا كان لا يعلم أ هو من شعبان أم من شهر رمضان فصام الرجل فكان من شهر

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 20، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم و نيته، الباب 5، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 10: 22، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم و نيته، الباب 5، الحديث 5.

(3) وسائل الشيعة 10: 22، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم و نيته، الباب 5، الحديث 6.

(4) وسائل الشيعة 10: 24، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم و نيته، الباب 5، الحديث 11.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 41

بل لو صامه علىٰ أنّه إن كان من شهر رمضان كان واجباً، و إلّا كان مندوباً، لا يبعد الصحّة و لو علىٰ وجه الترديد في النية في المقام (27).

______________________________

رمضان، كان يوماً وفّق له؟ «1»

الحديث.

و دلالة هذه الروايات كلّها كدلالة صحيحة سعيد الأعرج.

(27) في المسألة قولان:

الأوّل: البطلان، نسب إلى الشيخ في بعض كتبه و الحلّي و المحقّق و أكثر المتأخّرين؛ و

منهم صاحب «المدارك» و الشهيد الثاني في «المسالك». و نسب إلى العلّامة في «التذكرة» الإجماع على عدم جواز نية الصوم عن رمضان أو نافلة.

قال في «الشرائع»: و لو صام على أنّه إن كان من رمضان كان واجباً و إلّا كان مندوباً، قيل يجزي، و قيل لا يجزي و عليه الإعادة، و هو الأشبه «2»، انتهى.

و في «المدارك»: و هو المعتمد. و في «المسالك»: فعدم الإجزاء أوجه.

و قال الشيخ الأنصاري (رحمه اللّٰه) في «كتاب الصوم»: و كذا لا يقع عن شي ء من الواجب و المندوب لو أوقعه بنية الوجوب؛ يعني نية الصوم الواجب على تقديره؛ أي على تقدير وجوبه واقعاً أو على تقدير رمضان، و بنية الندب؛ أي قصد حقيقة الصوم المندوب إن لم يكن من رمضان؛ لأنّ حقيقة صوم رمضان تغاير حقيقة الصوم المندوب، كما يكشف عن ذلك اختلاف أحكامهما. فإذا لم يتعيّن حقيقة أحدهما في النية التي حقيقتها استحضار حقيقة الفعل المأمور به لم يقع عن أحدهما «3»، انتهى.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 24، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم و نيته، الباب 5، الحديث 12.

(2) شرائع الإسلام 1: 169.

(3) كتاب الصوم، ضمن تراث الشيخ الأعظم 12: 121.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 42

..........

______________________________

و في «العروة الوثقى»: الأقوى بطلانه. و استدلّ على هذا القول بوجوه:

الأوّل: أنّ صوم يوم الشكّ إنّما يقع من شعبان فقط ندباً أو وجوباً غير رمضان؛ و ذلك للحصر المستفاد من بعض النصوص، كما في موثّقة بل صحيحة سماعة من قوله (عليه السّلام)

إنّما يصام يوم الشكّ من شعبان و لا يصومه من رمضان

، و قوله (عليه السّلام) فيها

و إنّما ينوي من الليلة أنّه يصوم من شعبان «3»

، و معلومٌ أنّ نية

غير شعبان فيه يحتاج إلى دليل شرعي، و بدونه يلزم التشريع المحرّم.

الثاني: أنّ النية يشترط فيها الجزم و تبطل بالترديد.

الثالث: ما أشار إليه الشيخ الأنصاري (رحمه اللّٰه) من أنّ النية عبارةٌ عن استحضار حقيقة الشي ء المأمور به؛ فإذا لم يتعيّن المأمور به واجباً كان أو مندوباً و لم يقصد بالخصوص كما هو المفروض في المقام فكيف يستحضر حقيقة الشي ء المأمور به؟! و يرد على الأوّل: أنّ الحصر ليس حقيقياً بل إضافي؛ بمعنى نفي نية خصوص رمضان في يوم الشكّ، فالحصر في صدد أنّه لا يجوز نية خصوص صوم رمضان في يوم الشكّ، و هذا المعنى لا يمنع من نية الصوم، و أنّه في الواقع إمّا من شعبان أو من رمضان. و يمكن استفادة النية بهذه الكيفية من حسنة بشير النبّال عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن صوم يوم الشكّ، فقال

صمه، فإن يكُ من شعبان كان تطوّعاً، و إن يك من شهر رمضان فيوم وفّقت له «1».

و على الثاني: أنّ الجزم في النية حاصل، و لا ترديد في النية، و إنّما الترديد

______________________________

(3) وسائل الشيعة 10: 21، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم و نيته، الباب 5، الحديث 4.

(1) وسائل الشيعة 10: 21، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم و نيته، الباب 5، الحديث 3.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 43

..........

______________________________

في المنوي و أنّه صوم شعبان أو صوم رمضان، و هو غير مضرّ.

و على الثالث: أنّه لا دليل على وجوب تعيين خصوصية المأمور به فيما لم يعلم تفصيلًا، بل يكفي نية الكلّي القابل للانطباق، كما في نية ما في الذمّة إذا كان مشتركاً بين فردين أو أزيد، كنية أربع ركعات فيما تردّدت الفائتة

بين الظهر و العصر مثلًا و نية صوم الكفّارة المردّدة بين مواردها.

و القول الثاني في المسألة: إجزاء الصوم المنوي بالنية المذكورة عن رمضان، و هو المختار عندنا لما سيأتي، و هو قول الشيخ (رحمه اللّٰه) في «الخلاف» و «المبسوط» و ابن حمزة و العمّاني هو ابن أبي عقيل الذي كان معاصراً للكليني و العلّامة في «المختلف» و الشهيد في «الدروس» و «البيان» و «اللمعة»، و الشهيد الثاني في «الروضة» و الأردبيلي و المحدِّث الكاشاني في «الوافي».

قال في «الخلاف»: إذا كان ليلة الثلاثين فنوى إن كان غداً من رمضان فهو صائم فرضاً أو نفلًا، أو نوى إن كان من رمضان فهو فرض و إن لم يكن فهو نفل، أجزأه «1». و قال في «المبسوط»: و إن صام بنية الفرض إن كان فرضاً، و بنية النفل إن كان نفلًا فإنّه يجزيه «2».

و في «الدروس»: و يشترط الجزم (في النية) مع علم اليوم، و في يوم «الشكّ» بالمتردّدة قول قوي «3». و في «اللمعة» و «الروضة»: و لو ردّد نيته يوم الشكّ بل يوم الثلاثين مطلقاً بين الوجوب إن كان من رمضان و الندب إن لم يكن فقولان؛ أقربهما الإجزاء «4»، انتهى.

______________________________

(1) الخلاف 2: 179، المسألة 22.

(2) المبسوط 1: 277.

(3) الدروس الشرعية 1: 267.

(4) الروضة البهية 2: 140.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 44

نعم لو صامه بنية أنّه من رمضان لم يقع لا له و لا لغيره (28).

______________________________

و استدلّ لهذا القول بحصول النية المطابقة للواقع، و ضميمة الآخر و هو نية الندب غير قادحة؛ لأنّها غير منافية؛ لأنّ المطلوب من النية الصوم، و الوجه أي الوجوب و الندب خارج عن حقيقته، و بأنّه لو جزم بالندب أجزأ

عن رمضان إجماعاً. فالضميمة المتردّد فيها أُدخل في المطلوب.

و في «الجواهر»: قلت: يقوى في النظر عدم وجوب القضاء إذا كان قد نوى القربة المطلقة، و الترديد إنّما هو في الشي ء في نفسه و في حدّ ذاته، لا أنّه ترديد في النية إذ هو كالترديد لاحتمال طروّ العارض من حيض أو سفر، الذي صرّح بصحّة الصوم معه و أنّه ليس من الترديد في النية، و لعلّه بذلك يمكن رجوع النزاع هنا إلى لفظ «1»، انتهى.

و العلّامة (رحمه اللّٰه) في «التحرير» «2» و «المنتهي» «3» نقل القولين المذكورين عن الشيخ و لم يرجّح أحدهما على الآخر.

(28) هذا القول هو المشهور بين الأصحاب، و نسبه في «المبسوط» إلى الأصحاب، و قال في «الخلاف» بالخلاف، قال: إذا عقد النية ليلة الشكّ على أن يصوم من رمضان من غير أمارة من رؤية أو خبر مَن ظاهره العدالة فوافق شهر رمضان أجزأه «4»، انتهى.

و يدلّ عليه النهي الوارد في الروايات الدالّ على فساد الصوم، كموثّقة سماعة

______________________________

(1) جواهر الكلام 16: 213.

(2) تحرير الأحكام 1: 76/ السطر 27.

(3) منتهى المطلب 2: 561/ السطر 21.

(4) الخلاف 2: 180، المسألة 23.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 45

..........

______________________________

قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام). إلى أن قال (عليه السّلام)

و لا تصومه من شهر رمضان؛ لأنّه قد نهي أن ينفرد الإنسان بالصيام في يوم الشكّ. «1»

الحديث.

و حسنة جعفر الأزدي عن قتيبة الأعشىٰ قال: قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام)

نهى رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) عن صوم ستّة أيّام: العيدين و أيّام التشريق و اليوم الذي يشكّ فيه من شهر رمضان «2».

و صحيحة عبد الكريم بن عَمرو قال: قلت لأبي عبد اللّٰه

(عليه السّلام): إنّي جعلت على نفسي أن أصوم حتّى يقوم القائم، فقال

(صم و) لا تصم في السفر، و لا العيدين، و لا أيّام التشريق، و لا اليوم الذي يشكّ فيه من شهر رمضان «3».

و رواية محمّد بن شهاب الزهري قال: سمعت علي بن الحسين (عليه السّلام) يقول

يوم الشكّ أُمرنا بصيامه و نهينا عنه؛ أُمرنا أن يصومه الإنسان على أنّه من شعبان، و نهينا عن أن يصومه على أنّه من شهر رمضان و هو لم ير الهلال «4».

و في بعض الروايات أمر بقضائه، كصحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام) في الرجل يصوم اليوم الذي يشكّ فيه من رمضان، فقال

عليه قضاؤه و إن كان كذلك «5»

؛ أي و إن كان صومه واقعاً في رمضان فلا يجزيه و عليه قضاؤه.

و صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال في يوم الشكّ

من صامه قضاه و إن كان كذلك يعني من صامه على أنّه من شهر رمضان بغير رؤية قضاه

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 21، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم و نيته، الباب 5، الحديث 4.

(2) وسائل الشيعة 10: 25، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم و نيته، الباب 6، الحديث 2.

(3) وسائل الشيعة 10: 26، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم و نيته، الباب 6، الحديث 3.

(4) وسائل الشيعة 10: 26، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم و نيته، الباب 6، الحديث 4.

(5) وسائل الشيعة 10: 25، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم و نيته، الباب 6، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 46

[ (مسألة 6): لو كان في يوم الشكّ بانياً على الإفطار، ثمّ ظهر في أثناء النهار أنّه من شهر رمضان]

(مسألة 6): لو كان في يوم الشكّ بانياً على الإفطار، ثمّ ظهر في أثناء النهار أنّه من شهر

رمضان، فإن تناول المفطر، أو ظهر الحال بعد الزوال و إن لم يتناوله، يجب عليه إمساك بقيّة النهار تأدّباً (29) و قضاء ذلك اليوم،

______________________________

و إن كان يوماً من شهر رمضان لأنّ السنّة جاءت في صيامه على أنّه من شعبان، و من خالفها كان عليه القضاء «1».

و أمّا وجه عدم وقوع هذا الصوم لغير رمضان فلأنّ المفروض أنّه إذا نوى فيه لرمضان و كان اليوم رمضان في الواقع لم يقع له، فكيف يقع عن غير رمضان مع عدم نيته أصلًا؟!

(29) هنا مسائل:

الاولى: أنّه لا يجب صوم يوم الشكّ؛ فيجوز الإفطار فيه و يجوز صومه بنية شعبان.

الثانية: لو بنى على الإفطار في يوم الشكّ قبل الزوال و أفطر ثمّ بان له أنّه من شهر رمضان، وجب عليه القضاء؛ لفوات الصوم بالإفطار.

الثالثة: لو بنى يوم الشكّ على الإفطار و بان بعد الزوال أنّه من رمضان و أنّه لم يفطر شيئاً لم يكن له صوم؛ لفوات وقت النية في الصوم الواجب من رمضان، و يجب عليه قضاء ذلك اليوم.

الرابعة: يجب إمساك بقية النهار تأدّباً فيما نوى الإفطار يوم الشكّ و أفطر ثمّ بان أنّه من رمضان، و كذلك فيما نوى الإفطار ثمّ بان بعد الزوال كونه من رمضان و أنّه لم يفطر شيئاً.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 27، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم و نيته، الباب 6، الحديث 5.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 47

و إن كان قبل الزوال و لم يتناول مفطراً يجدّد النية و أجزأ عنه (30).

______________________________

و الدليل على وجوب الإمساك الإجماع الذي ادّعاه في «الخلاف»، قال: إذا أصبح يوم الشكّ و هو يوم الثلاثين من شعبان و يعتقد أنّه من شعبان بنية الإفطار، ثمّ بان أنّه

من شهر رمضان لقيام بيّنة عليه قبل الزوال، جدّد النية و صام و قد أجزأه. و إن بان بعد الزوال أمسك بقية النهار و كان عليه القضاء، و به قال أبو حنيفة. و قال الشافعي: يمسك و عليه القضاء على كلّ حال. إلى أن قال: دليلنا إجماع الفرقة و أخبارهم «1»، انتهى.

و يشهد لوجوب إمساك بقية النهار المرسل المتقدّم ذكره عن «تذكرة» العلّامة (رحمه اللّٰه)، ذكرناه في المسألة الثالثة من المسائل الثلاث في شرح قول الماتن (رحمه اللّٰه): «الأقوى أنّه لا محلّ للنية شرعاً».

(30) و العمدة في دليل المسألة هو الإجماع. و البناء على الإفطار و إن قلنا بكونه مبطلًا للصوم لا يخلّ هنا، و إنّما هو يخلّ فيما كان الصوم واجباً معيّناً و كان المكلّف ملتفتاً إليه. و أمّا فيما لم يكن واجباً أصلًا كصوم يوم الشكّ أو كان واجباً و لم يكن معيّناً، أو كان واجباً معيّناً و لكن لم يلتفت إليه المكلّف لجهل أو نسيان مثلًا و نوى الإفطار و لم يفطر، و ظهر قبل الزوال أنّه من رمضان، جدّد النية و أجزأ عنه، كما لو لم يكن قد نوى الصوم أصلًا و لم يفطر شيئاً و بان قبل الزوال أنّ اليوم من رمضان، و قد تقدّم ما يناسب الاستشهاد للمسألة في الكلام على قول المصنّف: «نعم لو فاتته النية لعذر كنسيان أو غفلة أو جهل» في ضمن المسألة الرابعة، فراجع.

______________________________

(1) الخلاف 2: 178، المسألة 20.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 48

[ (مسألة 7): لو صام يوم الشكّ بنية أنّه من شعبان، ثمّ تناول المفطر نسياناً]

(مسألة 7): لو صام يوم الشكّ بنية أنّه من شعبان، ثمّ تناول المفطر نسياناً، و تبيّن بعد ذلك أنّه من رمضان، أجزأ عنه (31). نعم لو أفسد صومه برياء

و نحوه لم يُجزِهِ منه؛ حتّى لو تبيّن كونه منه قبل الزوال و جدّد النية (32).

[ (مسألة 8): كما تجب النية في ابتداء الصوم تجب الاستدامة عليها في أثنائه]

(مسألة 8): كما تجب النية في ابتداء الصوم تجب الاستدامة عليها في أثنائه (33)،

______________________________

(31) و ذلك لأنّ المبطل هو الإفطار العمدي دون الإفطار نسياناً أو بلا قصدٍ، من غير فرق بين الصوم الواجب و المندوب. و سيأتي دليل كلّ من بطلان الصوم بالإفطار العمدي و عدم بطلانه بالإفطار الغير العمدي في شرح المسألة الثامنة عشرة.

(32) و ذلك لأنّه أفسد صومه بالرياء، و لم يبق محلّ لتجديد نية القربة بعد كونه مبعّداً، فكيف يكون العمل الريائي المبعّد عن اللّٰه تعالى متقرّباً به إليه تعالى و جُنّةً من النار؟! فهو كمن أفطر بأحد المفطرات عمداً قبل الزوال في نفي محلّ النية، لكنّه غير عاصٍ، بخلاف المرائي.

(33) نية الصوم الواجب المعيّن عبارةٌ عن القصد إلى الإمساك عن المفطرات في وقت محدود مضبوط تقرّباً إلى اللّٰه تعالى، و هي كما تجب في ابتداء الصوم كذلك تجب في كلّ آنٍ من آنات اليوم؛ بأن لا يرفع يده عن القصد المذكور في ذلك الوقت، و إن لم تكن موجودة بالفعل في الذهن بعد تحقّقها؛ لعدم اشتراط الالتفات و التوجّه إلى الصوم فعلًا في كلّ آنٍ؛ تجب النية ابتداءً و استدامةً.

و حينئذٍ: فلو توجّه إلى الصوم و نوى قطعه و رفع يده عن قصد الصوم و يعبّر عنه بنية القطع بطل صومه على الأقوى؛ فلو عاد إلى نية الصوم قبل الزوال لا يجزي؛ لفساد الصوم في جزء من أجزاء الوقت.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 49

فلو نوى القطع في الواجب المعيّن بمعنى قصد رفع اليد عمّا تلبّس به من الصوم بطل على الأقوىٰ و إن

عاد إلىٰ نية الصوم قبل الزوال. و كذا لو قصد القطع لزعم اختلال صومه ثمّ بان عدمه (34). و ينافي الاستدامة أيضاً التردّد في إدامة الصوم أو رفع اليد عنه (35). و كذا لو كان تردّده في ذلك لعروض شي ء لم يدرِ أنّه مبطل لصومه أو لا (36).

______________________________

(34) و ذلك لأنّه قصد القطع على أيّ حال و إن اشتبه في اعتقاد اختلال صومه، و قَصد القطع قصدٌ لترك الصوم عمداً و إن اشتبه في اختلال صومه.

(35) و ذلك لأنّ الصوم العبادي الصحيح يعتبر فيه وجود النية و تحقّق القصد إليه حتماً، و حالة التردّد في إدامة قصد الصوم أو رفع اليد عنه تنافي تلك النية قطعاً؛ فيبطل الصوم من ناحية النية و لو في آنٍ من الآنات.

و بعبارة اخرى النية يُشترط فيها الجزم حدوثاً و بقاءً، و لا جزم في النية حالة التردّد، و ذلك واضح.

(36) كمن يعرض له الاحتلام نائماً في نهار رمضان و هو جاهل بالمسألة و أنّه مبطل للصوم أو لا، و يتردّد في صومه، و حالة التردّد في الصوم تنافي نية الصوم بطور البتّ و الجزم.

و لا يخفى: أنّه لا يبطل صومه في فرض المسألة لو كان ترديده في حكم الشارع بالبطلان و عدمه لا في صومه، بل يبني على الصوم حتّى يسأل عن حكم الشارع.

و في الحقيقة: المتردّد في حكم الشارع بالبطلان و عدمه ناوٍ للصوم، و لم يرفع يده عن نيته إلى زمان السؤال و العلم بحكم المسألة، و إذا علم حكم المسألة و أنّ الاحتلام غير مبطل يُديم نيته كما كان، و ذلك واضح.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 50

و أمّا في غير الواجب المعيّن لو نوى

القطع ثمّ رجع قبل الزوال صحّ صومه (37). هذا كلّه في نية القطع. و أمّا نية القاطع بمعنى نية ارتكاب المفطر فليست بمفطرة على الأقوىٰ و إن كانت مستلزمة لنية القطع تبعاً (38). نعم لو نوى القاطع و التفت إلى استلزامها ذلك فنواه استقلالًا، بطل على الأقوىٰ.

______________________________

(37) و ذلك لامتداد وقت نية غير الواجب المعيّن كالكفّارة و النذر الغير المعيّن إلى الزوال، و عدم اشتراط تحقّق النية من طلوع الفجر إلى المغرب للحاضر الصحيح، بل يجوز له نية الصوم إلى الزوال و إن كان نوى و قطع و كرّر ذلك مرّات.

(38) قال في «الشرائع»: الثاني لو عقد نية الصوم ثمّ نوى الإفطار و لم يفطر ثمّ جدّد النية، كان صحيحاً «1»، انتهى.

و في «الجواهر»: استصحاباً للصحّة السابقة بعد السلامة عن المعارض؛ لحصر الناقض للصوم في صحيح ابن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

لا يضرّ الصائم ما صنع إذا اجتنب عن ثلاث خصال: الطعام و الشراب و النساء و الارتماس في الماء «2»

، انتهى.

و بالجملة: قصد المفطر ليس مفطراً؛ لأنّ المفطر إمّا رفع اليد عن نية الصوم استقلالًا في ضمن قصد المفطر، و إمّا الإفطار بما يجب الإمساك عنه كما ورد في الروايات، و الفرض أنّه لم يفطر بشي ء منه.

و لا يخفى عليك: أنّه بمجرّد نية القاطع و قصد ارتكاب المفطر ينتفي نية الصوم قهراً؛ لامتناع اجتماع النيتين المتضادّتين في النفس في آنٍ واحدٍ. و العجب

______________________________

(1) شرائع الإسلام 1: 169.

(2) جواهر الكلام 16: 214 215.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 51

..........

______________________________

من المصنّف (رحمه الهّٰي) كيف أفتى بعدم مفطرية نية القاطع؟! فالأقوى هو بطلان الصوم بنية القاطع.

و صاحب «الجواهر» (رحمه اللّٰه) فصّل في

نية القطع و قال بما ملخّصه: أنّه إن كانت نية القطع بمعنى إنشاء رفع اليد عمّا تلبّس به من الصوم فيبطل الصوم، و إن كانت بمعنى العزم على ما يحصل به ذلك و إن لم يتحقّق الإنشاء المزبور فيقوى عدم البطلان استصحاباً للصحّة السابقة التي لم يحصل ما ينافيها؛ إذ الواقع عند التأمّل يؤكّدها، فهو بالفعل صائم «1».

و فيه: أنّ حقيقة الصوم عبارة عن الإمساك في جميع آنات اليوم، و أنّ النية حين تحقّقها لا بدّ أن تتعلّق بتلك الحقيقة، و ينافيها العزم على ما يحصل به رفع اليد عن الصوم، فكأنّه رفع اليد عن النية المذكورة و بدّلها على نية الإمساك في آنات اليوم، إلّا في بعضها الذي يحصل القطع و رفع اليد فيها، تأمّل دقيقاً.

______________________________

(1) جواهر الكلام 16: 215.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 52

[القول فيما يجب الإمساك عنه]

اشارة

القول فيما يجب الإمساك عنه

[الأول و الثاني الأكل و الشرب]

[ (مسألة 1): يجب على الصائم الإمساك عن أُمور]

(مسألة 1): يجب على الصائم الإمساك عن أُمور: الأوّل و الثاني: الأكل و الشرب (1)؛

______________________________

(1) هذه المسألة إجماعية من الفريقين، بل من الضروريات.

و يدلّ عليه ما رواه السيّد المرتضى (رحمه اللّٰه) في رسالة «المحكم و المتشابه» نقلًا عن «تفسير النعماني» بإسناده عن علي (عليه السّلام) قال

و أمّا حدود الصوم فأربعة حدود: أوّلها: اجتناب الأكل و الشرب، و الثاني: اجتناب النكاح، و الثالث: اجتناب القي ء متعمّداً، و الرابع: اجتناب الاغتماس في الماء و ما يتّصل بها و ما يجري مجراها و السنن كلّها «1».

و ما رواه أحمد بن أبي عبد اللّٰه و هو أحمد بن محمّد بن خالد البرقي عن أبيه مرفوعاً إلى أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

خمسة أشياء تفطر الصائم: الأكل و الشرب و الجماع و الارتماس في الماء و الكذب على اللّٰه و على رسوله و على الأئمّة (عليهم السّلام) «2».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 32، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 1، الحديث 3.

(2) وسائل الشيعة 10: 34، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 2، الحديث 6.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 53

معتاداً كان كالخبز و الماء، أو غيره كالحصاة و عصارة الأشجار؛ و لو كانا قليلين جدّاً كعُشر حَبّة و عُشر قطرة (2).

______________________________

و في بعض الروايات عُبّر عن الأكل و الشرب بالطعام و الشراب؛ ففي صحيحة ابن مسلم قال: سمعت أبا جعفر (عليه السّلام) يقول

لا يضرّ الصائم ما صنع إذا اجتنب ثلاث خصال: الطعام و الشراب و النساء و الارتماس في الماء «1».

(2) و هو المشهور شهرةً عظيمة، بل إجماعي بين الفريقين، و نسب الخلاف إلى السيّد (رحمه اللّٰه)

في بعض كتبه و إلى ابن الجنيد لأنّهما خصّا الطعام و الشراب المفطرين بالمعتاد منهما، و نسب أيضاً إلى بعض العامّة كالحسن بن صالح و أبي طلحة الأنصاري، و لا يعتنى بخلافهم. مع أنّه نسب إلى السيّد المرتضى في «الناصريات» دعوى الاتّفاق على مفطرية غير المعتاد منهما.

و استشهد بعدم مفطرية غير المعتاد برواية مسعدة بن صدقة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن آبائه:

إنّ علياً (عليه السّلام) سئل عن الذباب يدخل في حلق الصائم، قال: ليس عليه قضاء؛ لأنّه ليس بطعام «2».

و صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام) في الصائم يكتحل، قال

لا بأس به، ليس بطعام و لا شراب «3».

و فيه أوّلًا: أنّ الذباب الداخل في الحلق من غير اختيارٍ غير مبطل، و إلّا فمن

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 31، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 1، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 10: 109، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 39، الحديث 2.

(3) وسائل الشيعة 10: 74، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 25، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 54

[ (مسألة 2): المدار هو صدق الأكل و الشرب]

(مسألة 2): المدار هو صدق الأكل و الشرب و لو كانا على النحو غير المتعارف، فإذا أوصل الماء إلى جوفه من طريق أنفه صدق الشرب عليه و إن كان بنحو غير متعارف (3).

______________________________

أكله عن عمدٍ و اختيارٍ فقد أبطل صومه و يقال عرفاً: إنّه أكل الذُّباب، و أمّا الاكتحال فليس أكلًا عرفاً؛ فهاتان الروايتان لا شاهد فيهما بأنّ الأكل و الشرب بغير المعتاد غير مبطل.

و ثانياً: أنّ أمثال هذه الروايات مع اعتبار سندها معرض عنها بعد قيام الإجماع على مفطرية غير المعتاد من

المأكول و المشروب.

و كيف كان: فيمكن الاستشهاد على مفطرية غير المعتاد بمضمرة سليمان بن حفص المروزي الموثّق قال: سمعته يقول

إذا تمضمض الصائم في شهر رمضان أو استنشق متعمّداً أو شمَّ رائحةً غليظة أو كنس بيتاً فدخل في أنفه و حلقه غبارٌ، فعليه صوم شهرين متتابعين؛ فإنّ ذلك مفطر مثل الأكل و الشرب و النكاح «1»

، حيث إنّ الغبار الغليظ ليس معتاداً في الأكل. و لا يخفى: أنّ دخول الغبار في الحلق و إن كان عن عمد و مبطلًا للصوم فهو للنصّ لا لأجل صدق الأكل عليه؛ فلا يصدق عليه الأكل عرفاً، و هذا واضح.

(3) لا يخفى: أنّه قد ورد في بعض الروايات الاجتناب عن الأكل و الشرب، كما عن السيد المرتضى في «رسالة المحكم و المتشابه» نقلًا من «تفسير النعماني» عن علي (عليه السّلام) قال

و أمّا حدود الصوم فأربعة حدود: أوّلها: اجتناب الأكل و الشرب، و الثاني: اجتناب النكاح، و الثالث: اجتناب القي ء متعمّداً، و الرابع:

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 69، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 22، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 55

..........

______________________________

اجتناب الاغتماس في الماء و ما يتصل بها و ما يجري مجريها و السنن كلها «1».

و يكفي في صدقهما إدخال شي ء من المأكول و المشروب في الجوف من طريق الحلق مطلقاً؛ أي و لو كان من غير طريق الفم، و هو المعيار في إبطال الصوم، و لا يعتبر في صدقهما دخول المأكول و المشروب من طريق الفم فقط. و لو أدخل في الحلق من طريق الأنف و غيره من الوسائل المعمولة في المستشفيات و غيرها كان مبطلًا، و لو دخل في الجوف من غير طريق الحلق

لم يكن مبطلًا؛ لعدم صدق الأكل و الشرب عليه.

ففي «العروة الوثقى»: فلا يضر مجرد الوصول إلى الجوف إذا لم يصدق الأكل و الشرب كما إذا صبّ دواءً في جرحه أو شيئاً في اذنه أو إحليله فوصل إلى جوفه، نعم إذا وصل من طريق أنفه فالظاهر أنّه موجب للبطلان إن كان متعمّداً، لصدق الأكل و الشرب حينئذٍ، انتهى.

و ما في «المستمسك»: من تقوّمهما أي الأكل و الشرب بالفم، و إطلاقهما على غير ذلك مسامحة بلحاظ ترتّب الغاية «2» لعلّ منشأه دعوى انصراف الأكل و الشرب إلى ما كان الوصول إلى الجوف من ذلك الطريق لغلبته تحقّقاً.

و فيه: أنّ الوصول إلى الجوف من طريق الفم و إن كان أغلب في الخارج و لكنّه لا يوجب الانصراف، فلا يرفع اليد عن إطلاق الأكل و الشرب بالغلبة المزبورة، و لذا عدل (رحمه اللّٰه) في ذيل كلامه عمّا ذكره بقوله: اللّهم إلّا أن يقال: الظاهر عرفاً من الأكل و الشرب إيصال المأكول و المشروب من طريق الحلق و إن لم يكن بواسطة الفم «3». انتهى.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 32، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 1، الحديث 3.

(2) مستمسك العروة الوثقى 8: 238.

(3) نفس المصدر 8: 239.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 56

[الثالث: الجِماع]

الثالث: الجِماع؛ ذكراً كان الموطوء أو أُنثى، إنساناً أو حيواناً، قُبلًا أو دُبراً، حيّاً أو ميّتاً، صغيراً أو كبيراً، واطئاً كان الصائم أو موطوءاً. فتعمّد ذلك مبطل و إن لم يُنزل (4)،

______________________________

(4) لا إشكال و لا خلاف في كون الجماع من مبطلات الصوم في الجملة، بل هو من الضروريات.

و يدلّ عليه الكتاب أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيٰامِ الرَّفَثُ إِلىٰ نِسٰائِكُمْ «1».

و الأخبار المستفيضة: منها: صحيحة

محمّد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر (عليه السّلام) يقول

لا يضرّ الصائم ما صنع إذا اجتنب ثلاث خصال: الطعام و الشراب و النساء، و الارتماس في الماء «2».

________________________________________

بنى فضل، مرتضى بن سيف على، مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، در يك جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، تهران - ايران، اول، 1422 ه ق

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم؛ ص: 56

و منها: رواية علي بن الحسين المرتضى في رسالة «المحكم و المتشابه» نقلًا من «تفسير النعماني» بإسناده عن علي (عليه السّلام) قال

و أمّا حدود الصوم فأربعة حدود: أوّلها: اجتناب الأكل و الشرب، و الثاني: اجتناب النكاح، و الثالث: اجتناب القي ء متعمّداً، و الرابع: اجتناب الاغتماس في الماء. «3»

الخبر.

و منها: الرواية الثانية و الثالثة و الخامسة و الثامنة و التاسعة و الثالثة عشر من الباب الثامن من أبواب ما يمسك عنه الصائم من «الوسائل» «4».

و منها: رواية عبد السلام بن صالح الهروي قال: قلت للرضا (عليه السّلام): يا بن رسول اللّٰه قد روي عن آبائك: فيمن جامع في شهر رمضان أو أفطر فيه ثلاث

______________________________

(1) البقرة (2): 187.

(2) وسائل الشيعة 10: 31، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 1، الحديث 1.

(3) وسائل الشيعة 10: 32، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 1، الحديث 3.

(4) وسائل الشيعة 10: 45، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 8.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 57

..........

______________________________

كفّارات، و روى عنهم أيضاً كفّارة واحدة، فبأيّ الحديثين نأخذ؟ «2» الخبر.

و منها: مضمرة سماعة قال: سألته عن رجل أتى أهله في رمضان متعمّداً، فقال

عليه عتق رقبة و إطعام ستّين مسكيناً و صيام

شهرين متتابعين و قضاء ذلك اليوم. «3»

الخبر. و غيرها من الروايات.

و قد عبّر في بعض الروايات المذكورة بالإتيان على الأهل، و في بعضها بالوقاع، و في بعضها بالجماع، و في بعضها بالإصابة على الجارية، و في بعضها بقرب النساء، و كلّها عبارة عن الوطء و المبطل هو الوطء.

و لا يخفى: أنّ الجماع مبطل إجماعاً في قُبل المرأة و إن لم يُنزل، و كذلك الجماع في دُبرها مع الإنزال ممّا لا شبهة و لا كلام في كونه مبطلًا؛ لأنّ الإنزال عمداً بدون الوطء مبطل، و مع الوطء بطريق أولى.

و أمّا الجماع في دبرها بلا إنزال فالبطلان هو المشهور بين الفقهاء، و ادّعى في «الخلاف» و «الوسيلة» الإجماع عليه.

و يدلّ عليه إطلاق المفهوم في قوله تعالى أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيٰامِ الرَّفَثُ إِلىٰ نِسٰائِكُمْ «1» حيث دلّ على حرمة الرفث حتّى في الدبر و بدون الإنزال للصائم، و إطلاق الاجتناب عن النساء في صحيحة ابن مسلم المتقدّمة، و غيرها من الروايات الدالّة على الاجتناب عن الجماع و الوقاع و الإتيان بالأهل و غيرها من العناوين الصادقة على الوطء في الدُّبر بدون الإنزال، هذا.

مع ما يدلّ عليه مرسلة حفص بن سوقة عمّن أخبره قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل يأتي أهله من خلفها؟ قال

هو أحد المأتيين فيه

______________________________

(2) وسائل الشيعة 10: 53، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 10، الحديث 1.

(3) وسائل الشيعة 10: 54، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 10، الحديث 2.

(1) البقرة (2): 187.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 58

..........

______________________________

الغسل «1»

، و هو كالنصّ في أنّ أحكام الوطء في القُبل ثابتة للجماع في الدبر.

و ليعلم: أنّه كما يبطل

صوم الواطئ بالوطء في دبر المرأة بغير إنزال كذلك يبطل صوم الموطوءة في دُبرها؛ لشمول الأدلّة المذكورة.

و أمّا ما دلّ على عدم فساد صوم الموطوءة في دبرها كمرسلة علي بن الحكم عن رجل عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

إذا أتى الرجل المرأة في الدبر و هي صائمة لم ينقض صومها، و ليس عليها غسل «2»

و غيرها، ففيه أوّلًا: أنّها لا تكافئُ الأدلّة الدالّة على بطلان الصوم، و ثانياً: أنّها معرض عنها عند الأصحاب.

و أمّا وطء الغلام و الدابّة بغير إنزال ففي «الشرائع» التردّد فيه، قال: و في فساد الصوم بوطء الغلام و الدابّة تردّد و إن حرم، و كذا القول في فساد صوم الموطوء، و الأشبه: أنّه يتّبع وجوب الغسل «3»، انتهى. و قال (رحمه اللّٰه) في موجبات الغسل: و لو وطء غلاماً فأوقبه و لم يُنزل قال المرتضى (رحمه اللّٰه): يجب الغسل معوّلًا على الإجماع المركّب، و لم يثبت الإجماع، و لا يجب الغسل بوطء بهيمة إذا لم ينزل «4»، انتهى.

توضيح الإجماع المركّب على زعم المرتضى (رحمه اللّٰه): أنّ فقهاء الأُمّة قد اختلفوا في وطء المرأة في الدبر و وطء الغلام على قولين: أحدهما إيجاب الغُسل بوطء كلّ منهما، و الثاني نفي الوجوب في كلّ منهما، و لمّا قام الدليل على وجوب الغسل في الوطء في دبر المرأة بغير إنزال يثبت وجوبه في وطء

______________________________

(1) وسائل الشيعة 20: 147، كتاب النكاح، أبواب مقدمات النكاح و آدابه، الباب 73، الحديث 7.

(2) وسائل الشيعة 20: 147، كتاب النكاح، أبواب مقدّمات النكاح و آدابه، الباب 73، الحديث 9.

(3) شرائع الإسلام 1: 170.

(4) نفس المصدر 1: 18.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 59

..........

______________________________

الغلام، و لو

لا ذلك لزم خرق الإجماع المركّب، كذا قيل.

و قال المحقّق الهمداني (رحمه اللّٰه) في «مصباح الفقيه» في وطء الغلام: إنّ القول بعدم وجوب الغسل أوفق بالقواعد و إن كان الاحتياط مما لا ينبغي تركه، و في وطء البهيمة في القُبل و الدبر قال بعدم وجوب الغسل، و نسبه إلى المشهور، و هو مقتضى الأصل السالم عن المعارض «1».

و في «المستند» بعد أن نظر في أدلّة القائلين ببطلان الصوم بالدخول في دُبر الغلام بلا إنزال قال: الظاهر عدم الفساد؛ للأصل، و صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة الحاصرة للمفطرات فيما ليس ذلك منها. و منه يظهر قوّة عدم الفساد بوطء البهيمة مطلقاً من دون إنزالٍ؛ وفاقاً لمحتمل بعض من ذكر، و صريح الحلّي و «الشرائع» و «التذكرة» و «المنتهي» و «التحرير» و «التلخيص». و أمر الاحتياط واضح، و هو مطلوب جدّاً؛ خصوصاً في المقام «2»، انتهى.

و قال في «الخلاف»: إذا أتى بهيمةً فأمنى كان عليه القضاء و الكفّارة، فإن أولج و لم ينزل فليس لأصحابنا فيه نصّ، و لكن يقتضي المذهب أنّ عليه القضاء؛ لأنّه لا خلاف فيه. و أمّا الكفّارة فلا تلزمه؛ لأنّ الأصل براءة الذمّة و ليس في وجوبها دلالة. فأمّا الحدّ فلا يجب عليه و يجب عليه التعزير.

و قال أبو حنيفة: لا حدّ و لا غسل و لا كفّارة. إلى أن قال (رحمه اللّٰه): فأمّا إذا لم ينزل فلا دلالة على وجوب الغسل و لا الكفّارة؛ فيجب نفيهما؛ لأنّ الأصل براءة الذمّة «3»، انتهى.

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 227 228.

(2) مستند الشيعة 10: 239 240.

(3) الخلاف 2: 191، المسألة 42.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 60

و لا يبطل مع النسيان أو القهر السالب للاختيار

(5)،

______________________________

و المختار في المسألة: إن ثبت إجماع على البطلان فهو، و إلّا فالاحتياط بالقضاء في الدخول على الغلام و البهيمة.

فرع: لو كان الصائم موطوءاً للبهيمة فالأصل عدم الجنابة، و لا يفسد الصوم به.

(5) المفطرات و منها الجماع توجب بطلان الصوم إذا وقعت عن عمدٍ و اختيارٍ، و أمّا مع عدم العمد و القصد إليه و بدون الاختيار فلا توجب البطلان.

و الدليل على عدم بطلانه في صورة النسيان موثّقة عمّار بن موسى أنّه سأل أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الرجل ينسي و هو صائم فجامع أهله؟ فقال

يغتسل و لا شي ء عليه «1».

و روى في «التهذيب» عن عمّار قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الرجل و هو صائم فيجامع أهله؟ فقال

يغتسل و لا شي ء عليه «2»

، و في «الوسائل»: أقول حمله الشيخ على النسيان، و قد صرّح به الصدوق في روايته كما مرّ، و يحتمل الحمل على الجاهل، و على الصوم المندوب فلا شي ء عليه و إن بطل «3»، انتهى.

و لا يخفى: أنّه يمكن الاستدلال على عدم بطلان الصوم بالجماع نسياناً بالروايات الدالّة على بطلانه بالإفطار العمدي الشامل للجماع و غيره من سائر المفطرات:

منها: صحيحة عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في رجل أفطر من شهر

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 51، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 9، الحديث 2.

(2) تهذيب الأحكام 4: 208/ 602.

(3) وسائل الشيعة 10: 53، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 9، ذيل الحديث 11.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 61

..........

______________________________

رمضان متعمّداً يوماً واحداً من غير عُذرٍ

يعتق نسمةً أو يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستّين مسكيناً، فإن لم

يقدر تصدّق بما يطيق «1».

و صحيحة جميل بن درّاج عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) أنّه سئل عن رجل أفطر يوماً من شهر رمضان متعمّداً؟ فقال

إنّ رجلًا أتى النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) فقال: هلكتُ يا رسول اللّٰه، فقال: و ما لك؟ قال: النار يا رسول اللّٰه، قال (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): و ما لك؟ قال: وقعت على أهلي، قال: تصدّق و استغفر (ربّك). «2»

الخبر.

و مضمرة عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه قال: سألته عن رجل أفطر يوماً من شهر رمضان متعمّداً؟ قال

يتصدّق بعشرين صاعاً و يقضي مكانه «3».

و رواية محمّد بن النعمان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) أنّه سئل عن رجل أفطر يوماً من شهر رمضان؟ فقال

كفّارته جريبان من طعام؛ و هو عشرون صاعاً «4».

و رواية البزنطي عن المشرقي عن أبي الحسن (عليه السّلام) قال: سألته عن رجل أفطر من شهر رمضان أيّاماً متعمّداً، ما عليه من الكفّارة؟ فكتب (عليه السّلام)

من أفطر يوماً من شهر رمضان متعمّداً فعليه عتق رقبة مؤمنة و يصوم يوماً بدل يومٍ «5»

، و غيرها من الروايات. فبطلان الصوم و وجوب القضاء و الكفّارة مقيّد بالتعمّد في الإفطار؛ فلا يبطل في صورة النسيان، هذا.

و يمكن الاستدلال على عدم بطلان الصوم بالجماع مع النسيان بالأخبار الدالّة على بطلانه بالأكل و الشرب متعمّداً، فلا يبطل بهما إذا وقعا نسياناً، و كذلك

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 44، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 8، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 10: 45، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 8، الحديث 2.

(3) وسائل الشيعة 10: 46، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه

الصائم، الباب 8، الحديث 4.

(4) وسائل الشيعة 10: 47، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 8، الحديث 6.

(5) وسائل الشيعة 10: 49، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 8، الحديث 11.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 62

..........

______________________________

الجماع؛ لعدم القول بالفصل:

ففي صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) أنّه سئل عن رجل نسي فأكل و شرب ثمّ ذكر؟ قال

لا يفطر، إنّما هو شي ء رزقه اللّٰه، فليتمّ صومه «1».

و صحيحة أو حسنة حمّاد بن عيسى عن حريز عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) في المحرم يأتي أهله ناسياً، قال

لا شي ء عليه، إنّما هو بمنزلة من أكل في شهر رمضان و هو ناسٍ «2»

، و الخبر يكون صحيحاً أو حسناً بحريز بن عبد اللّٰه السجستاني، و الذمّ الوارد فيه كذمّ زرارة محمول على التقية.

و موثّقة عثمان بن عيسى عن سماعة و هي مضمرة قال: سألته عن رجل صام في شهر رمضان، فأكل و شرب ناسياً؟ قال

يتمّ صومه و ليس عليه قضاؤه «3».

و رواية سهل بن زياد عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر (البزنطي) عن داود بن سرحان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في الرجل ينسي و يأكل في شهر رمضان، قال

يتمّ صومه، فإنّما هو شي ء أطعمه اللّٰه إيّاه «4»

، و غيرها من روايات الباب.

و أمّا عدم بطلان الصوم بالقهر السالب للاختيار فلتقييد بطلانه بالتعمّد إلى الإفطار أي القصد إليه باختياره كما في صحيحة عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في رجل أفطر من شهر رمضان متعمّداً يوماً واحداً من غير عُذر، قال

يعتق نسمة. «5»

الخبر، و غيرها من الروايات المقيّد فيها

البطلان بالتعمّد،

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 50، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 9، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 10: 51، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 9، الحديث 4.

(3) وسائل الشيعة 10: 51، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 9، الحديث 5.

(4) وسائل الشيعة 10: 51، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 9، الحديث 6.

(5) وسائل الشيعة 10: 44، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 8، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 63

دون الإكراه، فإنّه مبطل أيضاً (6)،

______________________________

و قد ذكرتُ جملة منها في الاستدلال على عدم البطلان بالنسيان.

(6) اختلف فقهاؤنا فيما إذا تناول الصائم أحد المفطرات عمداً تحرّزاً عن الضرر الذي يخاف من ترتّبه على مخالفة المكره من قتل أو ضرب أو هتك عرض أو ذهاب مال نفسه أو من يعدّ ضرره ضرراً عليه؛ فقال المحقّق في «الشرائع»: و لو كان وقوعه سهواً بأن نسي و تناول المفطر لم يفسد صومه؛ سواء كان الصوم واجباً أو ندباً، و كذا لو اكره على الإفطار أو و جر في حلقه «1»، انتهى.

و في «المدارك»: ذهب الأكثر إلى أنّه لا يفطر بذلك؛ للأصل، و قوله (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)

رُفع عن أُمّتي الخطأ و النسيان و ما استكرهوا عليه

، و لأنّ المكرَه لا خِيرَة له فلا يتوجّه النهي إليه. ثمّ ذكر قول الشيخ في «المبسوط» بفساد صومه و استدلاله بأنّه مع التوعّد يختار فيصدق أنّه فعل المفطر اختياراً فوجب عليه القضاء، ثمّ ضعّفه: بأنّا نمنع كون الفعل الصادر عن الاختيار على هذا الوجه مفسداً للصوم، بل ذلك محلّ النزاع «2»، انتهى.

أقول: الظاهر من كلام صاحب

«المدارك» (رحمه اللّٰه) الميل إلى القول بعدم الفساد، و ذهب الشيخ في «المبسوط» و الشهيد الثاني في «المسالك» و صاحب «الرياض» و المحقّق الهمداني في «مصباح الفقيه» و صاحب «الجواهر» و السيّد (رحمه اللّٰه) في «العروة الوثقى» و المحشّون ل «العروة» المعاصرون و المصنّف (رحمه اللّٰه) ببطلان الصوم، و هو المختار عندنا.

و الدليل: أنّ الفعل المفطر من المكره بالفتح يقع عن إرادةٍ و عمدٍ و اختيارٍ

______________________________

(1) شرائع الإسلام 1: 171.

(2) مدارك الأحكام 6: 69 70.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 64

فإن جامع نسياناً أو قهراً، فتذكّر أو ارتفع القهر في الأثناء، وجب الإخراج فوراً، فإن تراخى بطل صومه (7).

______________________________

لدفع الضرر المتوعّد به عليه، فيشمله إطلاق أدلّة المفطرات، و حديث الرفع يرفع حرمة الإفطار و وجوب الكفّارة المترتّب على حرمة الإفطار العمدي.

و لا يتوهّم: أنّ حديث الرفع يكفي في صحّة صوم المكرَه؛ لأنّ حديث الرفع شأنه الرفع و النفي لما لو لم يكن إكراه في البين كان ثابتاً، و ليس شأنه إثبات الحكم و وضعه. و أمّا وجوب القضاء فهو ليس من آثار ارتكاب المفطر عن عمدٍ و عصيانٍ، بل هو من آثار ترك المأمور به واقعاً؛ فلا يرفعه الإكراه الرافع لآثار الفعل الواقع عن إكراه.

و في «الجواهر»: قلت: الأولى الاستدلال بما دلّ على حكم اليوم الذي يفطر فيه للتقية؛ إذ هو في معنى الإكراه، كمرسل رفاعة عن الصادق (عليه السّلام) قال

دخلت على أبي العبّاس بالحيرة فقال: يا أبا عبد اللّٰه ما تقول في الصيام اليوم؟ فقلت: ذاك إلى الإمام؛ إن صمت صمنا و إن أفطرت أفطرنا، فقال: يا غلام عليّ بالمائدة، فأكلتُ معه و أنا أعلم و اللّٰهِ أنّه يومٌ من شهر

رمضان، فكان إفطاري يوماً و قضاؤه أيسر عليَّ من أن يضرب عنقي و لا يعبد اللّٰه «1».

و في آخر مرسلة داود بن حصين-

أفطر يوماً من شهر رمضان أحبّ إليّ من أن يضرب عنقي «3» «2»

، انتهى.

(7) و تجب الكفّارة أيضاً؛ و ذلك لصدق الجماع عن عمدٍ على إبقاء الآلة فيما أدخله، و ذلك واضح.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 132، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 57، الحديث 5.

(3) وسائل الشيعة 10: 131، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 57، الحديث 4.

(2) جواهر الكلام 16: 258.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 65

و لو قصد التفخيذ مثلًا فدخل بلا قصد لم يبطل (8)، و كذا لو قصد الإدخال و لم يتحقّق؛ لما مرّ من عدم مفطريّة قصد المفطر (9). و يتحقّق الجِماع بغيبوبة الحشفة أو مقدارها (10)،

______________________________

(8) و ذلك لأنّ المبطل هو الإدخال عن قصدٍ و عمدٍ و لا قصد له.

(9) و قد مرّ مختارنا في نية القاطع و المفطر أيّ مفطر كان و أنّها منافية لنية الصوم، و في الحقيقة رفع اليد عن نية الصوم حين قصد الجماع، فراجع.

(10) لا دليل بالخصوص على مبطلية إدخال مقدار الحشفة للصوم؛ فالمبطل له هو الجماع الموجب للغسل، و الموجب للغسل هو التقاء الختانين، كما في صحيحة محمّد بن إسماعيل بن بزيع قال: سألت الرضا (عليه السّلام) عن الرجل يجامع المرأة قريباً من الفرج فلا ينزلان، متى يجب الغسل؟ فقال

إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل

، فقلت: التقاء الختانين هو غيبوبة الحشفة؟ قال

نعم «1».

و صحيحة علي بن يقطين قال: سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن الرجل يُصيب الجارية البكر لا يفضي إليها و لا ينزل

عليها، أ عليها غسل؟ و إن كانت ليست ببكر ثمّ أصابها و لم يفض إليها أ عليها غسل؟ قال

إذا وقع الختان على الختان فقد وجب الغسل؛ البكر و غير البكر «2».

و صحيحة الحلبي قال: سئل أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الرجل يصيب المرأة فلا ينزل، أ عليه غسل؟ قال

كان علي (عليه السّلام) يقول: إذا مسَّ الختانُ الختانَ فقد وجب الغسل

، قال

و كان علي (عليه السّلام) يقول: كيف لا يوجب الغسل و الحدّ يجب

______________________________

(1) وسائل الشيعة 2: 183، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 6، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 2: 183، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 6، الحديث 3.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 66

بل لا يبعد إبطال مسمّى الدخول في المقطوع و إن لم يكن بمقدارها (11).

______________________________

فيه؟ و قال: يجب عليه المهر و الغُسل «1».

و صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

جمع عمر بن الخطّاب أصحاب النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) فقال: ما تقولون في الرجل يأتي أهله فيخالطها و لا ينزل؟ فقالت الأنصار: الماء من الماء، و قال المهاجرون: إذا التقى الختانان فقد وجب عليه الغسل، فقال عمر لعلي (عليه السّلام): ما تقول يا أبا الحسن؟ فقال (عليه السّلام): أ توجبون عليه الحدّ و الرجم و لا توجبون عليه صاعاً من الماء؟! إذا التقى الختانان فقد وجب عليه الغسل، فقال عمر: القول ما قال المهاجرون و دعوا ما قالت الأنصار «2».

و أمّا خبر محمّد بن عذافر قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) متى يجب على الرجل و المرأة الغسل؟ فقال (عليه السّلام)

يجب عليهما الغسل حين يدخله، و إذا التقى الختانان فيغسلان فرجهما «3»

، فهو

و إن كان يستفاد منه أنّ التقاء الختانين لا يوجب الغسل إلّا أنّه محمول على تلاقي الختانين من دون إدخال أصلًا، بقرينة صدره حيث قال (عليه السّلام)

يجب عليهما الغسل حين يدخله

فيكون غَسل الفرج مستحبّاً لهما.

(11) و ذلك لمجرّد صدق الإدخال و الدخول الموجب للغسل، و هو موضوع الحكم في صحيحة ابن مسلم عن أحدهما (عليهما السّلام) قال: سألته متى يجب الغسل على الرجل و المرأة؟ فقال

إذا أدخله فقد وجب الغسل و المهر و الرجم «4».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 2: 183، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 6، الحديث 4.

(2) وسائل الشيعة 2: 184، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 6، الحديث 5.

(3) وسائل الشيعة 2: 185، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 6، الحديث 9.

(4) وسائل الشيعة 2: 182، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 6، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 67

..........

______________________________

و قال في «مفتاح الكرامة»: إنّه المعروف بين الأصحاب، و قد ادّعي عليه الإجماع.

و التقييد بالتقاء الختانين كما في صحيحة محمّد بن إسماعيل بن بزيع و علي بن يقطين و الحلبي المذكورة لا يوجب الخصوصية؛ لورودها مورد الغالب.

فروع الأوّل: الجماع مبطل في نفسه سواءٌ قصد الإنزال أو لم يقصد و ذلك لكون نفس الجماع موضوعاً للحكم مستقلا في نفسه كما هو صريح الروايات، فراجع.

الثاني: لا يبطل الصوم بالإدخال في ثقب من البدن غير القبل و الدبر بلا إنزال و بلا قصده، بل لا حرمة فيه إذا كان بحليلته. نعم إذا قصد به الإنزال يبطل.

الثالث: لا يضرّ إدخال الإصبع و نحوه لا بقصد الإنزال. و مع قصد الإنزال يبطل و إن أدخل في غير ما يتعارف الإدخال فيه من الفرجين.

الرابع: إذا تماسّ الختانان و شكّ في

الدخول لا يبطل الصوم؛ لأصالة عدم الدخول، و كذا لا يبطل لو شكّ في دخول مقدار الحشفة؛ فالأصل عدم البلوغ بمقدارها. و لا يخفى: أنّ هذا الأصل لا أثر له بعد فرض أنّ الصائمين إن كان قصدهما الدخول فيبطل على المختار، و مع عدم قصدهما إيّاه لا يبطل الصوم و إن دخل، فضلًا عن الشكّ في الدخول.

الخامس: لو دخل الرجل في دُبر الخنثى يبطل صومهما، بناءً على القول ببطلانه بالدخول في دبر الرجل، و أمّا بناءً على مبنى المحقّق (رحمه اللّٰه) من التردّد في البطلان بالدخول فيه فلا وجه لبطلان صومهما، و طريق الاحتياط واضح.

و لو دخل الرجل في قُبل الخنثى بلا إنزال فلا يبطل صومهما؛ لاحتمال أن يكون المدخل غير الفرج؛ فيشكّ في حصول المفطر. و مع إنزالهما بالقصد إليه يبطل صومهما. و مع إنزال أحدهما يبطل صومه فقط.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 68

[الرابع: إنزال المنيّ باستمناء، أو ملامسة، أو قُبلة، أو تفخيذ، أو نحو ذلك]

اشارة

الرابع: إنزال المنيّ باستمناء، أو ملامسة، أو قُبلة، أو تفخيذ، أو نحو ذلك من الأفعال التي يُقصد بها حصوله (12)،

______________________________

و لو دخل الخنثى بالأُنثى قبلًا أو دبراً أو بالرجل لا يبطل صوم واحد منهم.

و لو دخل الرجل بالخنثى و الخنثى بالأُنثى بطل صوم الخنثى دون الرجل و الأُنثى؛ لأنّ الخنثى بناءً على كونه في الواقع رجلًا أو أُنثى قد دخل بالأُنثى و دخل به الرجل؛ فإن كان رجلًا فقد دخل بالأُنثى و إن كان أُنثى فقد وقعت مدخولًا بها للرجل.

و لو دخل الخنثى بالخنثى قبلًا أو دبراً لا يبطل صومهما؛ لاحتمال أن يكونا ذكورين أو إناثين.

(12) لا خلاف بين الأصحاب في مبطلية الإنزال، و ادّعى جماعة منهم الإجماع عليه، و في «المدارك»: عليه أجمع العلماء كافّة.

و تدلّ عليه

صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الرجل يعبث بأهله في شهر رمضان حتّى يمني، قال

عليه من الكفّارة مثل ما على الذي يجامع «1».

و مرسلة حفص بن سوقة عمّن ذكره عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في الرجل يلاعب أهله أو جاريته و هو في قضاء شهر رمضان، فيسبقه الماء فينزل، قال (عليه السّلام)

عليه من الكفّارة مثل ما على الذي جامع في شهر رمضان «2».

و صحيحة اخرى لعبد الرحمن بن الحجّاج عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن رجل يعبث بامرأته حتّى يمني و هو محرم من غير جماع، أو يفعل ذلك في شهر

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 39، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 4، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 10: 39، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 4، الحديث 2.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 69

..........

______________________________

رمضان؟ فقال (عليه السّلام)

عليهما جميعاً الكفّارة مثل ما على الذي يجامع «1».

و موثّقة سماعة قال: سألته عن رجل لزق بأهله فأنزل؟ قال

عليه إطعام ستّين مسكيناً مدّ لكلّ مسكين «2».

و رواية أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل وضع يده على شي ء من جسد امرأته فأدفق؟ فقال

كفّارته أن يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستّين مسكيناً أو يعتق رقبة «3».

و يمكن أن يستأنس لبطلان الصوم بالإمناء بصحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) أنّه سئل عن رجل يمسّ من المرأة شيئاً أ يفسد ذلك صومه أو ينقضه؟ فقال

إنّ ذلك ليكره للرجل الشابّ مخافةَ أن يسبقه المني «4».

و رواية «الفقيه» قال: قال أمير المؤمنين (عليه السّلام)

أما يستحيي أحدكم أن لا

يصبر يوماً إلى الليل؟! إنّه كان يقال: إنّ بدو القتال اللطام، و لو أنّ رجلًا لصق بأهله في شهر رمضان فأدفق كان عليه عتق رقبة «5».

و موثّقة سماعة أنّه سأل أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الرجل يلصق بأهله في شهر رمضان؟ قال

ما لم يخف على نفسه فلا بأس «6».

و صحيحة ابن مسلم و زرارة جميعاً عن أبي جعفر (عليه السّلام) أنّه سئل هل يباشر الصائم أو يقبّل في شهر رمضان؟ فقال

إنّي أخاف عليه؛ فليتنزّه من ذلك، إلّا

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 40، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 4، الحديث 3.

(2) وسائل الشيعة 10: 40، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 4، الحديث 4.

(3) وسائل الشيعة 10: 40، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 4، الحديث 5.

(4) وسائل الشيعة 10: 97، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 33، الحديث 1.

(5) وسائل الشيعة 10: 98، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 33، الحديث 5.

(6) وسائل الشيعة 10: 98، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 33، الحديث 6.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 70

بل لو لم يقصد حصوله و كان من عادته ذلك بالفعل المزبور، فهو مبطل أيضاً (13).

______________________________

أن يثق أن لا يسبقه منيه «1».

و ليعلم: أنّ الاستمناء و الملامسة و القُبلة و التفخيذ و نحوها إن قصد بها الإمناء و حصول الإنزال بطل الصوم؛ لما اخترناه من كون قصد المفطر مبطلًا له.

(13) و ذلك لأنّه و إن لم يقصد بالفعل المزبور حصول الإنزال إلّا أنّ عادته بالإنزال بالفعل المزبور مع التوجّه إليه طريق إلى الإنزال، فيشمله إطلاق صحيحة ابن الحجّاج عن

الصادق (عليه السّلام) عن الرجل يعبث بأهله في شهر رمضان حتّى يمني؟ قال (عليه السّلام)

عليه من الكفّارة مثل ما على الذي يجامع «2»

، و كذلك إطلاق سائر الروايات المذكورة في مبطلية الإنزال، فراجع.

و قال الشيخ في «التهذيب»: فإن أمنى الرجل من نظرٍ أو كلامٍ من غير مباشرة لم يكن عليه شي ء «3». و اختاره المحقّق (رحمه اللّٰه) في «الشرائع» قال: و كذا أي لم يفسد صومه لو نظر إلى امرأةٍ فأمنى على الأظهر، أو استمع فأمنى «4»، انتهى.

و استدلّ عليه في «التهذيب» برواية أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل كلّم امرأته في شهر رمضان و هو صائم فأمنى؟ فقال

لا بأس «5»

، و أورد

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 100، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 33، الحديث 13.

(2) وسائل الشيعة 10: 39، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 4، الحديث 1.

(3) تهذيب الأحكام 4: 273.

(4) شرائع الإسلام 1: 171.

(5) تهذيب الأحكام 4: 273/ 827.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 71

نعم لو سبقه المنيّ من دون إيجاد شي ء يترتّب عليه حصوله و لو من جهة عادته من دون قصد له لم يكن مبطلًا (14).

[ (مسألة 3): لا بأس بالاستبراء بالبول أو الخرطات لمن احتلم في النهار]

(مسألة 3): لا بأس بالاستبراء بالبول أو الخرطات لمن احتلم في النهار؛ و إن علم بخروج بقايا المنيّ الذي في المجرىٰ إذا كان ذلك قبل الغُسل من الجنابة (15)،

______________________________

الصدوق (رحمه اللّٰه) في «المقنع» خبراً عن علي (عليه السّلام) أنّه قال

لو أنّ رجلًا لصِق بأهله في شهر رمضان فأمنى فليس عليه شي ء «1».

أقول: يمكن حمل الروايتين على صورة عدم القصد و الاعتياد.

و فصّل في «المبسوط» و قال: من نظر إلى ما لا

يحلّ النظر إليه بشهوة فأمنى فعليه القضاء، فإن كان نظره إلى ما يحلّ فأمنى لم يكن عليه شي ء، فإن أصغى أو سمع إلى حديث فأمنى لم يكن عليه شي ء «2»، انتهى. و لا دليل لهذا التفصيل.

(14) كأن قبّل أو لامس أو فعل نحو ذلك بدون قصد الإنزال، و لم يكن من عادته الإنزال عند فعله و اتّفق أنّه أنزل، فالأقوى عدم البطلان. و يمكن الاستدلال له بما رواه في «التهذيب» و «المقنع» عن عليّ (عليه السّلام) و نقلناه من قريب، و قد حمل صاحب «الوسائل» مرسلة «المقنع» على صورة عدم القصد و الاعتياد «3».

(15) و ذلك لأنّ المني الخارج ليس مستنداً إلى فعل اختياري للصائم؛ فلا يقال: إنّه أمنى اختياراً، بل هو مستند إلى الاحتلام، و هو أمر غير اختياري، و لا

______________________________

(1) المقنع: 189.

(2) المبسوط 1: 272 273.

(3) وسائل الشيعة 10: 98، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 35، ذيل الحديث 5.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 72

و أمّا الاستبراء بعده فمع العلم بحدوث جنابة جديدة به فالأحوط تركه، بل لا يخلو لزومه من قوّة (16)،

______________________________

يبطل الصوم بمجرّد خروج المني الغير المستند إلى الاختيار، من غير فرق بين خروجه حال النوم أو بعد الانتباه و كان منشأه النوم.

فالمبطل للصوم هو الإمناء العمدي، و هو فعلٌ يوجب إنزال المني كالتفخيذ و القبلة و نحوهما. و أمّا إخراج بقايا المني بالبول و الخرطات قبل الغسل فالأدلّة منصرفة عنه.

و يمكن الاستدلال عليه بإطلاق صحيحة عبد اللّٰه بن ميمون القَدّاح عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

ثلاثة لا يفطرن الصائم: القي ء و الاحتلام و الحجامة «1»

، حيث إنّ إطلاق الاحتلام يشمل بما خرج المني

بالاستبراء قبل الغسل.

و رواية عمر بن يزيد قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): لأيّ علّة لا يفطر الاحتلام الصائم و النكاح يفطر الصائم؟ قال

لأنّ النكاح فعله و الاحتلام مفعول به «2»

، و الرواية ضعيفة بالقاسم بن محمّد و الحسين بن الوليد؛ فإنّهما مجهولان.

(16) و لعلّه (رحمه اللّٰه) تمسّك بصحيحة أبي سعيد القمّاط أنّه سئل أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) عمّن أجنب في شهر رمضان في أوّل الليل فنام حتّى أصبح؟ قال

لا شي ء عليه؛ و ذلك أنّ جنابته كانت في وقتٍ حلال «3»

، حيث إنّ منطوقها يدلّ على أنّ الجنابة في وقت حلال و هو الليل لا يوجب شيئاً، و مفهومها أنّ الجنابة في وقت حرام

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 103، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 35، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 10: 104، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 35، الحديث 4.

(3) وسائل الشيعة 10: 57، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 13، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 73

و لا يجب التحفّظ من خروج المنيّ بعد الإنزال إن استيقظ قبله، خصوصاً مع الحرج و الإضرار (17).

[الخامس: تعمّد البقاء على الجنابة إلى الفجر في شهر رمضان]

اشارة

الخامس: تعمّد البقاء على الجنابة إلى الفجر في شهر رمضان (18)،

______________________________

يوجب القضاء و الكفّارة. فبعد أن اغتسل المحتلم قبل الاستبراء صار متطهّراً، فإذا استبرأ بالبول أو الخرطات و أخرج باختياره المني فقد يطلق عليه أنّه أجنب عمداً في وقت حرام و أحدث جنابة جديدة.

و فيه: أنّ الإجناب العمدي كما ذكرنا منصرف عن هذا إلى الموارد التي كان فيها لذّة للمجنب بإخراج المني بفعل من الأفعال كالتفخيذ و اللصق و نحوهما و المني الخارج عنه في الفرض و

إن كان مستنداً إلى فعله الاختياري و هو الاستبراء و لكن منشأه هو الاحتلام؛ فلا قوّة في وجوب ترك الاستبراء، بل لا يجب الاحتياط أيضاً، نعم هو حسن.

(17) و ذلك لعدم الدليل على وجوب التحفّظ من خروج المني بعد أن كان الإنزال و حركته من مقرّه بالاحتلام حال النوم؛ فالإنزال و الخروج مستند بالأخرة إلى الاحتلام و ليس هو فعلًا اختيارياً للمكلّف؛ فلا يبطل صومه. هذا إذا لم يكن في التحفّظ حرج أو ضرر، و مع وجود أحدهما فمسلّم أنّه لم يجعل في الشريعة حكم حرجي أو ضرري.

(18) في المسألة قولان:

الأوّل: أنّ تعمّد البقاء على الجنابة إلى الفجر غير مبطل. نُسب هذا القول إلى الصدوقين و الكاشاني و الأردبيلي و الداماد، و يظهر من عبارة «الشرائع» أنّ هذا القول مشهور حيث قال في عداد ما يجب الإمساك عنه للصائم: و عن البقاء على

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 74

..........

______________________________

الجنابة عامداً حتّى يطلع الفجر من غير ضرورة على الأشهر «1»، انتهى.

و استدلّ عليه بالأصل و آية أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيٰامِ الرَّفَثُ إِلىٰ نِسٰائِكُمْ. إلى قوله تعالى فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ «2».

و صحيحة الخَثْعَمي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

كان رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) يصلّي صلاة الليل في شهر رمضان ثمّ يجنب ثمّ يؤخّر الغسل متعمّداً حتّى يطلع الفجر «3».

و صحيحة أبي سعيد القمّاط أنّه سئل أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) عمّن أجنب في شهر رمضان في أوّل الليل فنام حتّى أصبح؟ قال

لا شي ء عليه؛ و ذلك أنّ جنابته كانت في وقت حلال «4».

و صحيحة حمّاد بن عثمان أنّه سأل أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل أجنب في

شهر رمضان من أوّل الليل و أخّر الغسل حتّى يطلع الفجر؟ فقال

كان رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) يجامع نساءه من أوّل الليل، ثمّ يؤخّر الغسل حتّى يطلع الفجر، و لا أقول كما يقول هؤلاء الأقشاب: يقضي يوماً مكانه «5».

و صحيحة عيص بن قاسم قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل أجنب في شهر رمضان في أوّل الليل فأخّر الغسل حتّى طلع الفجر؟ فقال

يتمّ صومه و لا قضاء عليه «6».

______________________________

(1) شرائع الإسلام 1: 170.

(2) البقرة (2): 187.

(3) وسائل الشيعة 10: 64، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 16، الحديث 5.

(4) وسائل الشيعة 10: 57، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 13، الحديث 1.

(5) وسائل الشيعة 10: 57، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 13، الحديث 3.

(6) وسائل الشيعة 10: 58، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 13، الحديث 4.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 75

..........

______________________________

و رواية سليمان بن أبي زينبة قال: كتبتُ إلى أبي الحسن موسى بن جعفر (عليه السّلام): أسأله عن رجل أجنب في شهر رمضان من أوّل الليل، فأخّر الغسل حتّى طلع الفجر؟ فكتب (عليه السّلام) إليَّ بخطّه أعرفه مع مصادف

يغتسل من جنابته و يتمّ صومه و لا شي ء عليه «1».

و رواية إسماعيل بن عيسى قال: سألت الرضا (عليه السّلام) عن رجل أصابته جنابة في شهر رمضان فنام عمداً حتّى يصبح، أيّ شي ء عليه؟ قال (عليه السّلام)

لا يضرّه هذا و لا يفطر و لا يبالي؛ فإنّ أبي (عليه السّلام) قال: قالت عائشة: إنّ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) أصبح جنباً من جماع

غير احتلام، قال: لا يفطر و لا يبالي. «2»

الخبر.

و صحيحة ابن رئاب قال: سئل أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) و أنا حاضر عن الرجل يجنب بالليل في شهر رمضان فينام و لا يغتسل حتّى يصبح؟ قال

لا بأس، يغتسل و يصلّي و يصوم «3».

و صحيحة عبد اللّٰه بن بكير قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل أجنب في شهر رمضان بالليل ثمّ نام حتّى أصبح؟ قال

لا بأس «4».

و لا يخفى ضعف هذا القول، و أدلّته كلّها مخدوشة:

أمّا الأصل: فهو دليل حيث لا دليل على خلافه، و سيأتي إقامة الأدلّة المعتبرة على بطلان الصوم بتعمّد البقاء على الجنابة إلى الفجر.

و أمّا الآية: فتدلّ على جواز مباشرة النساء في الليل، و هي ساكتة عن

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 58، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 13، الحديث 5.

(2) وسائل الشيعة 10: 59، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 13، الحديث 6.

(3) وسائل الشيعة 10: 59، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 13، الحديث 7.

(4) وسائل الشيعة 10: 59، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 13، الحديث 8.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 76

..........

______________________________

الدلالة على جواز البقاء على الجنابة عمداً إلى الفجر.

و أمّا الروايات فأكثرها و إن كانت معتبرة من حيث السند، و بعضها مطلق شامل للعمد و غير العمد كصحيحة عيسى بن القاسم، و بعضها صريح في صورة العمد و لكن غير معتبر كرواية إسماعيل بن عيسى حيث إنّ سعد بن إسماعيل مهمل في كتب الرجال، و أبوه إسماعيل مجهول لكن المطلقات منها تحمل على صورة عدم العمد في التأخير؛ جمعاً بينها و بين الأدلّة

المعتبرة الآتية الدالّة على عدم جواز البقاء عمداً على الجنابة إلى الفجر، و مع فرض تكافؤ الأخبار من الطرفين نقول بطرح الروايات الدالّة على الجواز؛ لمطابقتها للعامّة، و صريح بعضها غير مناسب لشأن رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) كصحيحة حمّاد بن عثمان و رواية إسماعيل بن عيسى، و كيف يعقل أن يجنب رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) ليلًا و نام و لا يغتسل حتّى يصبح و يستمرّ على هذا، كما هو مفاد «كان» في صحيحة حبيب الخثعمي؟! و القول الثاني: أنّ البقاء على الجنابة إلى الفجر متعمّداً مبطل. و هذا القول هو المشهور بين الأصحاب، بل ادّعي الإجماع عليه في كلام جماعة من الأعلام، و ادّعى في «الجواهر» أنّ الحكم من القطعيات.

و يدلّ عليه روايات ادّعى في «الرياض» أنّها قريبة من التواتر، و هي تدلّ على بطلان الصوم و وجوب القضاء و الكفّارة، كصحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) أنّه قال في رجل احتلم أوّل الليل أو أصاب من أهله ثمّ نام متعمّداً في شهر رمضان حتّى أصبح؟ قال

يتمّ صومه ذلك، ثمّ يقضيه إذا أفطر من شهر رمضان و يستغفر ربّه «1».

الأمر بإتمام الصوم للتأديب، و وجوب القضاء لا ينافي وجوب الكفّارة.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 63، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 16، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 77

..........

______________________________

و صحيحة أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في رجل أجنب في شهر رمضان بالليل ثمّ ترك الغُسل متعمّداً حتّى أصبح؟ قال

يعتق رقبة أو يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستّين مسكيناً. «1»

الخبر.

و صحيحة سليمان بن حفص المروزي عن

الفقيه (عليه السّلام) قال

إذا أجنب الرجل في شهر رمضان بليل و لا يغتسل حتّى يصبح فعليه صوم شهرين متتابعين مع صوم ذلك اليوم، و لا يدرك فضل يومه «2».

و مرسلة إبراهيم بن عبد الحميد عن بعض مواليه قال: سألته عن احتلام الصائم؟ قال: فقال

إذا احتلم نهاراً في شهر رمضان فلا يتمّ حتّى يغتسل، و إن أجنب ليلًا في شهر رمضان فلا ينام إلّا ساعة حتّى يغتسل، فمن أجنب في شهر رمضان فنام حتّى يصبح فعليه عتق رقبة أو إطعام ستّين مسكيناً و قضاء ذلك اليوم و يتمّ صيامه و لن يدركه أبداً «3».

و يدلّ عليه أيضاً بالفحوى الخبر الدالّ على وجوب القضاء فيمن نسي غسل الجنابة حتّى مضى عليه شهر أو بعضه، كصحيحة إبراهيم بن ميمون قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الرجل يجنب بالليل في شهر رمضان فنسي أن يغتسل حتّى تمضي بذلك جمعة أو يخرج شهر رمضان؟ قال

عليه قضاء الصلاة و الصوم «4»

، فهي تدلّ على البطلان و وجوب القضاء إذا تعمّد البقاء بطريق أولى.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 63، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 16، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 10: 63، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 16، الحديث 3.

(3) وسائل الشيعة 10: 64، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 16، الحديث 4.

(4) وسائل الشيعة 10: 65، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 17، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 78

و قضائه (19). بل الأقوىٰ في الثاني البطلان بالإصباح جُنُباً و إن لم يكن عن عمد (20).

______________________________

(19) البقاء على الجنابة عمداً إلى الفجر موجب لبطلان صوم القضاء

من شهر رمضان؛ لقاعدة اتّحاد القضاء مع الأداء في الأحكام ما لم يدلّ دليل بالخصوص على اختلافهما، و لصحيحة عبد اللّٰه بن سنان أنّه سأل أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الرجل يقضي شهر رمضان فيجنب من أوّل الليل و لا يغتسل حتّى يجي ء آخر الليل و هو يرى أنّ الفجر قد طلع، قال

لا يصوم ذلك اليوم و يصوم غيره «1».

و صحيحته الأُخرى قال: كتب أبي إلى أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) و كان يقضي شهر رمضان، و قال: إنّي أصبحت بالغسل و أصابتني جنابة فلم أغتسل حتّى طلع الفجر؟ فأجابه (عليه السّلام)

لا تصم هذا اليوم و صم غداً «2».

و موثّقة عثمان بن عيسى عن سماعة بن مهران قال: سألته عن رجل أصابته جنابة في جوف الليل في رمضان فنام و قد علم بها، و لم يستيقظ حتّى أدركه الفجر؟ فقال (عليه السّلام)

عليه أن يتمّ صومه و يقضي يوماً آخر

، فقلت: إذا كان ذلك من الرجل و هو يقضي رمضان؟ قال

فليأكل يومه ذلك و ليقض؛ فإنّه لا يشبه رمضان شي ء من الشهور «3».

(20) الأقوى بطلان قضاء شهر رمضان الموسّع وقته بالإصباح جنباً و إن لم يكن عن عمدٍ؛ و ذلك لإطلاق صحيحتي ابن سنان المتقدّمتين الشامل لصورة العمد و غيره.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 67، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 19، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 10: 67، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 19، الحديث 2.

(3) وسائل الشيعة 10: 67، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 19، الحديث 3.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 79

كما أنّ الأقوىٰ بطلان صوم شهر رمضان بنسيان غسل الجنابة ليلًا قبل

الفجر حتّى مضى عليه يوم أو أيّام (21)، بل الأحوط إلحاق غير شهر رمضان من النذر المعيّن و نحوه به (22) و إن كان الأقوىٰ خلافه إلّا في قضاء شهر رمضان، فلا يترك الاحتياط فيه (23).

______________________________

(21) و ذلك لرواية إبراهيم بن ميمون قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الرجل يجنب بالليل في شهر رمضان، فنسي أن يغتسل حتّى تمضي بذلك جمعة أو يخرج شهر رمضان؟ قال

عليه قضاء الصلاة و الصوم «1».

و صحيح الحلبي قال: سئل أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل أجنب في شهر رمضان فنسي أن يغتسل حتّى خرج شهر رمضان؟ قال (عليه السّلام)

عليه أن يقضي الصلاة و الصيام «2».

وجه الاستدلال أنّ وجوب القضاء مستلزم للبطلان.

(22) لعلّ وجه الاحتياط إلغاء خصوصية صوم شهر رمضان في النصوص المتقدّمة الدالّة على بطلان صوم ناسي الجنابة فتشمل غيره من النذر المعين و نحوه.

(23) وجه القوة عدم إلحاق صوم النذر المعيّن و نحوه بصوم شهر رمضان، اختصاص النصوص المتقدّمة بخصوص صوم شهر رمضان. و التعدّي منه إلى مطلق الصوم يحتاج إلى دليل دالّ على سلب خصوصية و إرادة مطلق الصوم، و هو مفقود.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 65، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 17، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 10: 238، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 30، الحديث 3.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 80

و أمّا غير شهر رمضان و قضائه من الواجب المعيّن و الموسّع و المندوب، ففي بطلانه بسبب تعمّد البقاء على الجنابة إشكال (24)،

______________________________

و أمّا قضاء صوم شهر رمضان: فقد يقال: بإلحاقه به؛ لما دلّ على اتحاد المقضي و قضائه، و إمكان دخول صورة النسيان في

صحيحي ابن سنان، أنّه سأل أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الرجل يقضي شهر رمضان فيجنب من أوّل الليل و لا يغتسل حتى يجي ء آخر الليل و هو يرى أنّ الفجر قد طلع، قال (عليه السّلام)

لا يصوم ذلك اليوم و يصوم غيره

و قال: كتب أبي إلى أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) و كان يقضي شهر رمضان و قال: إنّي أصبحت بالغسل و أصابتني جنابة فلم اغتسل حتّى طلع الفجر، فأجابه (عليه السّلام)

لا تصم هذا اليوم و صم غداً «1».

و يمكن أن يقال: إنّه لا دليل على اتحاد المقضي و قضائه فيما يعتبر في المقضي خصوصية فردية قائمة بشخصه، و المتيقّن من الأدلّة تبعية القضاء للأداء في الخصوصيات المعتبرة في أصل الطبيعة. و أمّا صحيحتا ابن سنان فموردهما و إن كان خصوص قضاء شهر رمضان و لكن الظاهر منهما صورة تأخير الغسل اختياراً إلى طلوع الفجر، فلا يشمل صورة التأخير نسياناً؛ لعدم اختيار المكلّف فيه.

(24) و ذلك لما عرفت من أنّ أدلّة عدم جواز الإصباح جنباً عمداً مختصّة بصوم شهر رمضان و قضائه؛ فيخرج المندوب و سائر الصيام الواجبة مطلقاً معيّناً كان أو موسّعاً و قد ورد في خصوص الصوم المندوب دليل معتبر على جواز تعمّد البقاء.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 67، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 19، الحديث 1 و 2.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 81

الأحوط ذلك خصوصاً في الواجب الموسّع، و الأقوى العدم خصوصاً في المندوب (25).

[ (مسألة 4): من أحدث سبب الجنابة في وقت لا يسع الغسل و لا التيمّم مع علمه بذلك]

(مسألة 4): من أحدث سبب الجنابة في وقت لا يسع الغسل و لا التيمّم مع علمه بذلك، فهو كمتعمّد البقاء عليها (26)،

______________________________

(25) الاحتياط حسن بترك مطلق الصوم لمن بقي على الجنابة عمداً، و

الأقوى عدم البطلان في غير صوم شهر رمضان و قضائه خصوصاً في المندوب لصحيحة حبيب بن معلّى الخثعمي قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): أخبرني عن التطوّع و عن صوم هذه الثلاثة الأيّام إذا أجنبت من أوّل الليل، فأعلم أنّي أجنبتُ فأنام متعمّداً حتّى ينفجر الفجر، أصوم أو لا أصوم؟ قال

صم «1».

و موثّقة ابن بكير قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الرجل يجنب ثمّ ينام حتّى يصبح، أ يصوم ذلك اليوم تطوّعاً؟ فقال

أ ليس هو بالخيار ما بينه و بين نصف النهار؟! «2».

و رواية إسماعيل القصير عن ابن بكير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سئل عن رجل طلعت عليه الشمس و هو جنب، ثمّ أراد الصيام بعد ما اغتسل و مضى ما مضى من النهار؟ قال

يصوم إن شاء، و هو بالخيار إلى نصف النهار «3».

(26) و في «الجواهر»: و على كلّ حال فمِن البقاء على الجنابة عمداً إحداث سببها في وقت لا يسع الغسل بعد حصوله و لا التيمّم «4»، انتهى. و ذلك لأنّ البقاء

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 68، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 20، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 10: 68، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 20، الحديث 2.

(3) وسائل الشيعة 10: 68، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 20، الحديث 3.

(4) جواهر الكلام 16: 244.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 82

و لو وسع التيمّم خاصّة عصىٰ و صحّ صومه المعيّن، و الأحوط القضاء (27).

______________________________

على الجنابة إلى الفجر في وقت لا يسع الغسل و لا التيمّم و إن كان غير اختياري بالفعل إلّا أنّه بالأخرة ينتهي إلى

الاختيار بواسطة كون مقدّماته اختيارية؛ فالبقاء على الجنابة اختياري باختيارية حدوثها؛ لأنّ الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار، كما حقّق في محلّه.

(27) يعني من أجنب اختياراً في ضيق الوقت بحيث لا يسع الغسل إلى الفجر و يسع التيمّم خاصّة، ففي اكتفائه بالتيمّم و صحّة صومه وجهان بل قولان:

الأوّل: عدم الاكتفاء؛ لأنّ التيمّم المزبور لا يرفع الجنابة؛ فالجنابة باقية على حالها و إن جاز له الدخول فيما هو مشروط بالطهارة كالصلاة. و قد يستظهر ذلك من موثّقة ابن بكير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قلت له: رجل أمَّ قوماً و هو جنب و قد تيمّم و هم على طهور؟ قال

لا بأس، فإذا تيمّم الرجل فليكن ذلك في آخر الوقت، فإن فاته الماء فلن تفوته الأرض «1»

، وجه الاستظهار: أنّ الرجل المتيمّم وصف بأنّه جنب، و المفطر هو البقاء على الجنابة؛ فلا يصحّ صومه.

الثاني: الاكتفاء بالتيمّم و صحّة صومه؛ لأنّ المستفاد من الأدلّة أنّ المفطر هو تعمّد البقاء على حدث الجنابة لا نفس الجنابة؛ ففي كلّ مورد أُمر بالتيمّم فقد يرتفع به الحدث و لو في وقت محدود موقّت؛ ففي صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

إنّ ربّ الماء هو ربّ الصعيد فقد فعل أحد الطهورين «2».

و لك أن تقول: إنّ المستفاد من أدلّة بدلية التيمّم أنّ التيمّم بدل عن الطهارة المائية فيما لم يجد الماء طبعاً، أو كان موجوداً و لكن كان مانع بالطبع عن استعماله

______________________________

(1) وسائل الشيعة 3: 384، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 22، الحديث 3.

(2) وسائل الشيعة 3: 386، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 23، الحديث 6.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 83

[ (مسألة 5): لو ظنّ السعة و أجنب فبان الخلاف]

(مسألة

5): لو ظنّ السعة و أجنب فبان الخلاف، لم يكن عليه شي ء إذا كان مع المراعاة، و إلّا فعليه القضاء (28).

______________________________

كالمريض و نحوه. و أمّا مَن لم يكن معذوراً بالطبع كمن يهريق الماء و يجعل نفسه فاقد الماء باختياره، أو يجنب في وقت لا يسع الغسل أو أخّر الغسل عمداً إلى وقت لا يسع إلّا التيمّم ففي كفاية التيمّم له إشكال.

نعم قد ورد الدليل على كفاية التيمّم لمن أجنب نفسه و أخّر صلاته إلى آخر الوقت و لم يتمكّن من الغسل، فيجب عليه التيمّم و الدخول في الصلاة، كإطلاق قوله (عليه السّلام)

الصلاة لا تترك بحال «1».

و إطلاق موثّقة عبد اللّٰه بن بكير المذكورة، و روايته الأُخرى قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل أجنب فلم يجد ماءً يتيمّم و يصلّي؟ قال

لا حتّى آخر الوقت، إنّه إن فاته الماء لم تفته الأرض «2».

و أمّا كفايته في خصوص الصوم فلم يرد عليه دليل إلّا عموم أدلّة البدلية؛ فالأحوط وجوباً التيمّم و صوم ذلك اليوم ثمّ قضاؤه، هذا كلّه في الصوم الواجب المعيّن.

و أمّا في غير المعيّن فقد تقدّم أنّه لا يقدح البقاء على الجنابة فيه عمداً. و وجه العصيان مع صحّة الصوم بالتيمّم لعلّه لتفويت مصلحة الغسل عمداً و اختياراً و عدم وفاء التيمّم بتمام مصلحة الغسل.

(28) و يدلّ عليه موثّقة سماعة بن مهران قال: سألته عن رجل أكل أو شرب بعد ما طلع الفجر في شهر رمضان؟ قال

إن كان قام فنظر فلم ير الفجر فأكل ثمّ

______________________________

(1) انظر وسائل الشيعة 2: 373، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 5.

(2) وسائل الشيعة 3: 385، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 22، الحديث 4.

مدارك تحرير

الوسيلة - الصوم، ص: 84

[ (مسألة 6): كما يبطل الصوم بالبقاء على الجنابة متعمّداً، كذا يبطل بالبقاء علىٰ حدث الحيض و النفاس]

(مسألة 6): كما يبطل الصوم بالبقاء على الجنابة متعمّداً، كذا يبطل بالبقاء علىٰ حدث الحيض و النفاس إلىٰ طلوع الفجر (29)،

______________________________

عاد فرأى الفجر فليتمّ صومه و لا إعادة عليه، و إن كان قام فأكل و شرب ثمّ نظر إلى الفجر فرأى أنّه قد طلع الفجر فليتمّ صومه و يقضي يوماً آخر؛ لأنّه بدأ بالأكل قبل النظر فعليه الإعادة «1».

و مورد الرواية و إن كان هو الأكل و الشرب إلّا أنّ المستفاد من التعليل لأنّه بدأ بالأكل قبل النظر المتفرّع عليه وجوب الإعادة ترتّب القضاء على كلّ مفطر صدر من دون رعاية الفجر. و ذكر الأكل و الشرب في الرواية باعتبار كونهما غالبين وقوعاً في ذلك الوقت أي قرب طلوع الفجر لا لخصوصية فيهما، كما هو واضح.

و خصوص موثّقة إبراهيم بن مهزيار قال: كتب الخليل بن هاشم إلى أبي الحسن (عليه السّلام): رجل سمع الوطء و النداء في شهر رمضان و ظنّ أنّ النداء للسحور فجامع و خرج، فإذن الصبح قد أسفر؟ فكتب بخطّه

يقضي ذلك اليوم إن شاء اللّٰه «2»

، الظاهر أنّ المراد من الوطء صوت وطء أقدام العابرين في المعابر في الليالي إلى منازلهم.

(29) هذه المسألة ممّا لا خلاف فيه. و يدلّ عليه في خصوص الحيض موثّقة أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

إن طهرت بليل من حيضتها ثمّ توانت أن تغتسل في رمضان حتّى أصبحت، عليها قضاء ذلك اليوم «3».

و قد تردّد في

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 115، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 44، الحديث 3.

(2) وسائل الشيعة 10: 115، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 44، الحديث 2.

(3)

وسائل الشيعة 10: 69، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 21، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 85

..........

______________________________

المسألة المحقّق (رحمه اللّٰه) في «المعتبر» و الشهيد في «الذكرى» و الشيخ في «النهاية». و عن الأردبيلي (رحمه اللّٰه) الميل إلى عدم وجوب الغسل للحائض إذا انقطع دمها قبل الفجر. و قال صاحب «المدارك» (رحمه اللّٰه): نعم يمكن الاستدلال على الوجوب بما رواه الشيخ (رحمه اللّٰه) عن أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

إن طهرت بليل من حيضتها ثمّ توانت أن يغتسل من رمضان حتّى أصبحت، عليها قضاء ذلك اليوم

، لكن الرواية ضعيفة السند باشتماله على جماعة من الفطحية و اشتراك أبي بصير بين الثقة و الضعيف، و من ثَمّ تردّد في ذلك المصنّف (رحمه اللّٰه) في «المعتبر»، و جزم العلّامة في «النهاية» بعدم الوجوب و لا يخلو من قوّة «1»، انتهى.

أقول: تردّدهم في المسألة و قول بعضهم بعدم وجوب الغسل عليها لأجل تضعيفهم سند الرواية المذكورة. و فيه: أنّ الرواية موثّقة معتبرة.

و قد يستدلّ على الحكم في الحائض بالأولوية القطعية و أنّ المستحاضة يجب عليها الاغتسال لصحّة صومها؛ لصحيحة علي بن مهزيار الآتية، و في الحائض بطريق أولى؛ لعظم شأنها. و هذا الاستدلال كما ترى، هذا كلّه في حدث الحيض.

و أمّا النفاس: فقد يستدلّ بما قد ورد في بعض النصوص أنّه حيض محتبس، و فيه: أنّ السند غير ثابت.

و العمدة في الاستدلال عليه: أنّ الحيض و النفاس متّحدان في الأحكام إجماعاً، و قد يستفاد ذلك الاتّحاد من الروايات. نعم يفترقان في بعض الخصوصيات، كتحديد أقلّ النفاس بلحظة و تحديد أقلّ الحيض بثلاثة أيّام.

______________________________

(1) مدارك الأحكام 6: 57.

مدارك تحرير الوسيلة -

الصوم، ص: 86

فإذا طهرتا منهما قبل الفجر وجب عليهما الغسل أو التيمّم، و مع تركهما عمداً يبطل صومهما. و كذا يُشترط على الأقوىٰ في صحّة صوم المستحاضة الأغسالُ النهاريّة التي للصلاة دون غيرها (30)،

______________________________

(30) اشتراط صحّة صوم المستحاضة بالغسل في الجملة مشهورة بين الأصحاب شهرة عظيمة، و ادّعي عليه الإجماع، و قال جماعة من الأصحاب و منهم المصنّف (رحمه اللّٰه) بتوقّف صوم المستحاضة على الأغسال النهارية و حكموا بعدم توقّف صحّة صومها على غسل الليلة المستقبلة. و يظهر من المحقّق في «المعتبر» توقّف صحّة صومها على الأغسال كلّها حيث قال: و لو صامت و الحال هذه قال في المبسوط: روى أصحابنا أنّ عليها القضاء «1».

و لا يخفى: أنّه لا يشترط في صحّة صوم المستحاضة فعل الصلاة التي اغتسلت لها.

و لنا أن نذكر رواية الباب؛ و هي صحيحة علي بن مهزيار قال: كتبتُ إليه (عليه السّلام): امرأة طهرت من حيضها أو دم نفاسها في أوّل يوم من شهر رمضان، ثمّ استحاضت فصلّت و صامت شهر رمضان كلّه من غير أن تعمل ما تعمل المستحاضة من الغسل لكلّ صلاتين، هل يجوز صومها و صلاتها أم لا؟ فكتب (عليه السّلام)

تقضي صومها و لا تقضي صلاتها؛ لأنّ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) كان يأمر (فاطمة (سلام اللّٰه عليها) و) المؤمنات من نسائه بذلك «2»

، و الظاهر من الرواية بقرينة التقييد بقوله: «لكلّ صلاتين» اختصاص الحكم بالمستحاضة الكثيرة؛ فلا يشمل المتوسّطة، كما أنّ الصحيحة لا تقييد فيها للغسل بالنهارية بل يشمل الليلية أيضاً، و لا يبعد شمولها

______________________________

(1) المعتبر 1: 248.

(2) وسائل الشيعة 10: 66، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 18، الحديث

1.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 87

فلو استحاضت قبل الإتيان بصلاة الصبح أو الظهرين بما يوجب الغسل كالمتوسّطة و الكثيرة فتركت الغسل بطل صومها، بخلاف ما لو استحاضت بعد الإتيان بصلاة الظهرين، فتركت الغسل إلى الغروب، فإنّه لا يبطله (31)، و لا يُترك الاحتياط بإتيان الغسل لصلاة الليلة الماضية (32)، و يكفي عنه الغسل قبل الفجر لإتيان صلاة الليل أو الفجر، فصحّ صومها حينئذٍ على الأقوىٰ.

______________________________

لغسل صلاة الفجر أيضاً باعتبار أنّ المراد أنّها لم تعمل عمل المستحاضة. و حينئذٍ يتوقّف صحّة صوم المستحاضة على الأغسال النهارية و الليلية.

و احتمل في «الوسائل» أنّ قوله (عليه السّلام)

تقضي صومها و لا تقضي صلاتها

ليس إخباراً بل استفهام إنكاري؛ يعني كيف تقضي صومها و لا تقضي صلاتها؟! بل تقضيهما معاً.

و فيه: أنّ الحمل على الاستفهام الإنكاري يصحّ فيما لو فصّل في السؤال بين الصوم و الصلاة بالقضاء في الأوّل دون الثاني.

و لا يخفى أنّ اشتمال الحديث على ما لا يقول به الأصحاب من عدم قضاء الصلاة، لا يضرّ بحجّية الحديث المعتبر.

(31) يعني أنّ الاستحاضة الكثيرة إذا حدثت بعد فعل صلاة الظهرين في أيّ وقت من الأوقات إلى الغروب لا تكون مانعةً من الصوم؛ أي صحّة صوم المستحاضة ليست مشروطةً بالخلوّ من الاستحاضة، بخلاف الحائض و النفساء.

و لقائل أن يقول: إنّ صحّة صومها مع حدوث استحاضتها بعد صلاة الظهرين و قبل الغروب مشروطة بغسل الليلة المستقبلة للعشاءين، بناءً على صحّة الاشتراط بالشرط المتأخّر بالوجوه المذكورة في محلّه.

(32) فرض المسألة هو أنّه إذا استحاضت المرأة قبل صلاة العشاءين و تركت

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 88

[ (مسألة 7): فاقد الطهورين يصحّ صومه مع البقاء على الجنابة أو حدث الحيض أو النفاس]

(مسألة 7): فاقد الطهورين يصحّ صومه مع البقاء على الجنابة أو حدث الحيض

أو النفاس (33). نعم فيما يفسده البقاء على الجنابة و لو عن غير عمدٍ كقضاء شهر رمضان فالظاهر بطلانه به (34).

[ (مسألة 8): لا يُشترط في صحّة الصوم الغسل لمسّ الميّت]

(مسألة 8): لا يُشترط في صحّة الصوم الغسل لمسّ الميّت، كما لا يضرّ مسّه به في أثناء النهار (35).

______________________________

الغسل فصحّة صومها في اليوم الآتي ليست مشروطة بالغسل، و لا يترك الاحتياط بإتيان الغسل لصلاة الليلة الماضية. و مع وجوب الغسل المذكور و كونه على عهدتها لا يجوز لها الدخول في نافلة الليل أو في صلاة الفجر، إلّا أن تغتسل لهما و حينئذٍ فيجوز الدخول فيهما. فإذا اغتسلت للصبح يصحّ صومها على الأقوى عند المصنّف (رحمه اللّٰه)، و أمّا عندنا فلا يصحّ؛ لاشتراط صحّة صومها في اليوم الآتي بغسل الليلة الماضية، على ما استفدناه من الصحيحة المذكورة.

(33) و ذلك لأنّ الطهارة ليست شرطاً لوجوب الصوم حتّى لا يكون واجباً لفاقد الطهورين، بل هي شرط للواجب؛ فصحّته مشروطة بها. فحينئذٍ يختصّ اشتراط صحّته بالطهارة لمن تمكّن من رفع الحدث، و يسقط اشتراطها من الفاقد لها؛ فالفاقد للطهورين ليس متعمّداً للبقاء على الحدث؛ فيصحّ صومه.

(34) قد تقدّم سابقاً وجه بطلان قضاء صوم شهر رمضان بالإصباح جُنباً و لو عن غير عمدٍ؛ و هو إطلاق صحيحتي ابن سنان و موثّقة عثمان بن عيسى، و تلك الروايات مذكورة في الباب التاسع عشر من أبواب ما يمسك عنه الصائم من «الوسائل» «1».

(35) و ذلك لعدم الدليل على مانعية المسّ على الميّت عن صحّة الصوم و إن

______________________________

(1) راجع وسائل الشيعة 10: 67، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 19.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 89

[ (مسألة 9): من لم يتمكّن من الغسل لفقد الماء أو لغيره من أسباب التيمّم]

(مسألة 9): من لم يتمكّن من الغسل لفقد الماء أو لغيره من أسباب التيمّم؛ و لو لضيق الوقت وجب عليه التيمّم للصوم، فمن تركه حتّى أصبح كان كتارك الغسل (36). و لا يجب

عليه البقاء على التيمّم مستيقظاً حتّى يصبح و إن كان أحوط (37).

______________________________

كان حدثاً أكبر موجباً للغسل؛ فلا دليل على مانعية مطلق الحدث الأكبر عن صحّته؛ لوضوح حصر المفطرات المستفادة من النصوص في أشياء مخصوصة ليس مطلق الحدث الأكبر منها، هذا. مع أنّ مقتضى الأصل هو عدم وجوب الغسل لمسّ الميّت على الصائم لصومه.

(36) الفرق بين هذه المسألة و المسألة التي ذكرها سابقاً بقوله: «و لو وسع التيمّم خاصّة عصى و صحّ صومه المعيّن» هو أنّ المقصود في المسألة السابقة بيان صحّة الصوم بالتيمّم عند تعجيز نفسه اختياراً عن الغسل في ضيق الوقت قبل الفجر و قد قلنا فيها: إنّ في كفاية التيمّم إشكالًا و إنّ الأحوط وجوب التيمّم و صوم ذلك اليوم و قضاؤه و المقصود في هذه المسألة أنّ المعذور شرعاً عن الغسل إمّا لفقد الماء أو لوجود المانع عن استعماله وجب عليه التيمّم للصوم؛ لكون التيمّم أحد الطهورين، و هذا مبني على أنّ الجنابة بنفسها ليست مانعة عن الصوم كالحيض و النفاس، بل المانع هو حدث الجنابة، و أنّ التيمّم رافع للحدث موقّتاً ما دام العذر باقياً، فوجب التيمّم على من لم يتمكّن من الغسل، فتارك التيمّم عمداً كتارك الغُسل عمداً يصدق عليه الباقي على الجنابة عمداً.

(37) و ذلك لكون التيمّم رافعاً للحدث ما دام العذر باقياً؛ فمن كان وظيفته التيمّم للصوم يجوز له النوم قبل الفجر حتّى يصبح كالمغتسل، و لا ينتقض بالحدث الأصغر كالبول و النوم. نعم الأحوط البقاء على التيمّم مستيقظاً.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 90

[ (مسألة 10): لو استيقظ بعد الصبح محتلماً]

(مسألة 10): لو استيقظ بعد الصبح محتلماً، فإن علم أنّ جنابته حصلت في الليل صحّ صومه إن كان مضيّقاً (38)، إلّا في

قضاء شهر رمضان، فإنّ الأحوط فيه الإتيان به و بعوضه؛ و إن كان جواز الاكتفاء بالعوض بعد شهر رمضان الآتي لا يخلو من قوّة (39). و إن كان موسّعاً بطل إن كان قضاء شهر رمضان (40)،

______________________________

(38) و ذلك لأنّ المفطر هو تعمّد البقاء على الجنابة إلى الفجر، و لم يتحقّق تعمّد البقاء في فرض المسألة؛ فيصحّ صومه.

(39) وجه الاحتياط في الإتيان به الجمود على لفظ النصّ في صحيحة ابن سنان

لا تصم هذا اليوم و صم غداً «1»

حيث إنّ في المضيّق لا يمكن الصوم في الغد فيجب صوم خصوص اليوم الذي فيه للضيق.

و وجه الإتيان بعوضه: أنّ الغد لا خصوصية فيه، بل المقصود أنّ صوم هذا اليوم لا يصحّ و يصوم غير هذا اليوم؛ سواء كان غده كما في القضاء الموسّع وقته، أو كان بعد شهر رمضان الآتي في يوم كما في المضيّق. و أمّا قوّة الاكتفاء بالعوض بعد شهر رمضان الآتي فللصحيحة الاولى لابن سنان حيث قال (عليه السّلام)

لا يصوم ذلك اليوم و يصوم غيره «2»

؛ فإطلاق الغير يشمل الغد في الموسّع و غيره في المضيّق؛ فيجوز الاكتفاء بالعوض في يوم من الأيّام بعد شهر رمضان الآتي في المضيّق.

(40) و ذلك للصحيحة الأُولى لابن سنان المذكورة، حيث نهى عن الصوم في هذا اليوم.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 67، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 19، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 10: 67، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 19، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 91

و صحّ إن كان غيره أو كان مندوباً، إلّا أنّ الأحوط إلحاقهما به. و إن لم يعلم بوقت وقوع الجنابة، أو علم بوقوعها نهاراً، لا

يبطل صومه (41) من غير فرق بين الموسّع و غيره و المندوب، و لا يجب عليه البدار إلى الغسل، كما لا يجب علىٰ كلّ من أجنب في النهار بدون اختيار؛ و إن كان أحوط (42).

______________________________

(41) لأنّه لو كان سابقاً على النهار و من الليل لم يكن من تعمّد البقاء على الجنابة، و إن كان بعد الفجر كان من الاحتلام في النهار غير المضرّ.

(42) حقّ العبارة أن يقال: و لا يجب عليه الغسل للصوم؛ لأنّ كلمة «البدار» توهم أنّه يجب الغسل للصوم، و لكنّه لا يجب فوراً و الحال أنّ صحّة الصوم ليست مشروطة بالطهارة.

و كيف كان: و ادّعى في «الجواهر» الإجماع بقسميه على عدم وجوبه، و الوجه فيه عدم اشتراط صحّة الصوم بالطهارة، و المفطر إنّما هو البقاء على الجنابة عمداً.

و يدلّ عليه صحيح عيص بن قاسم أنّه سأل أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الرجل ينام في شهر رمضان فيحتلم ثمّ يستيقظ ثمّ ينام قبل أن يغتسل؟ قال

لا بأس «1».

و أمّا مرسلة إبراهيم بن عبد الحميد عن بعض مواليه قال: سألته عن احتلام الصائم؟ قال: فقال

إذا احتلم نهاراً في شهر رمضان فلا ينام حتّى يغتسل. «2»

الخبر، فمحمولة على استحباب الغسل بقرينة صحيح عيص المذكور، و هذه المرسلة دليل على الاحتياط.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 57، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 13، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 10: 64، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 16، الحديث 4.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 92

[ (مسألة 11): من أجنب في الليل في شهر رمضان]

(مسألة 11): من أجنب في الليل في شهر رمضان، جاز له أن ينام قبل الاغتسال إن احتمل الاستيقاظ حتّى بعد الانتباه أو الانتباهتين، بل و

أزيد، خصوصاً مع اعتياد الاستيقاظ، فلا يكون نومه حراماً (43)؛ و إن كان الأحوط شديداً ترك النوم الثاني فما زاد (44). و لو نام مع احتمال الاستيقاظ فلم يستيقظ حتّى طلع الفجر، فإن كان بانياً علىٰ عدم الاغتسال لو استيقظ، أو متردّداً فيه، أو غير ناوٍ له و إن لم يكن متردّداً و لا ذاهلًا و غافلًا لحقه حكم متعمّد البقاء على الجنابة، فعليه القضاء و الكفّارة كما يأتي، و إن كان بانياً على الاغتسال لا شي ء عليه؛ لا القضاء و لا الكفّارة (45).

______________________________

(43) و ذلك للأصل مع عدم الدليل على الحرمة، و به قال جماعة من فقهائنا.

و قال الشهيد الثاني في «المسالك»: إنّ النومة الأُولى إنّما تصحّ مع العزم على الغسل و إمكان الانتباه أو اعتياده؛ فإذا نام بالشرط ثمّ انتبه ليلًا حرم عليه النوم ثانياً، و إن عزم على الغسل و اعتاد الانتباه. لكن لو خالف و أثم فأصبح نائماً وجب عليه القضاء خاصّة «1»، انتهى. و لعلّه (رحمه اللّٰه) اعتمد على صحيحة معاوية بن عمّار حيث إنّه (عليه السّلام) عبّر بالعقوبة «2».

و فيه: أنّه لا ملازمة بين العقوبة و الحرمة؛ إذ لعلّ العقوبة دنيوية، كما في عقوبة إعادة الصلاة لمن صلّى في الثوب النجس. نعم الملازمة بين الحرمة و العقوبة الأُخروية ثابتة.

(44) و لعلّ الوجه في الاحتياط صحيحة معاوية بن عمّار الآتية.

(45) هنا أي فيما نام مع احتمال الاستيقاظ صورٌ أربعة:

______________________________

(1) مسالك الأفهام 2: 18.

(2) وسائل الشيعة 10: 61، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 15، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 93

لكن لا ينبغي للمحتلم أن يترك الاحتياط لو استيقظ ثمّ نام و لم يستيقظ حتّى طلع

الفجر بالجمع بين صوم يومه و قضائه و إن كان الأقوىٰ صحّته (46).

______________________________

الاولى: أن يكون بانياً على عدم الاغتسال لو استيقظ؛ فلو نام و أصبح فعليه القضاء و الكفّارة؛ لكونه من مصاديق متعمّد البقاء على الجنابة إلى الفجر اختياراً، من غير فرق بين حالتي اليقظ و النوم. بل مورد بعض روايات تحريم تعمّد البقاء على الجنابة حتّى يطلع الفجر هو النوم، كما في صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) «1».

الثانية: أن يكون بانياً على الاغتسال لو استيقظ؛ فلا شي ء عليه لا القضاء و لا الكفّارة؛ لصحيحة أبي سعيد القمّاط، أنّه سئل أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) عمّن أجنب في شهر رمضان في أوّل الليل فنام حتّى أصبح؟ قال (عليه السّلام)

لا شي ء عليه؛ و ذلك أنّ جنابته كانت في وقت حلال «2».

الثالثة: التردّد في الغسل و عدمه، الظاهر أنّه لاحق بالمتعمّد على البقاء على الجنابة في بطلان صومه و وجوب القضاء و الكفّارة عليه؛ لعدم تحقّق نية الصوم و الإمساك عن المفطرات التي منها تعمّد البقاء على الجنابة حتّى يصبح إذ لا بدّ في النية من الجزم، و هو ينافي التردّد، كما هو واضح.

الرابعة: الذهول و الغفلة عن الاغتسال، و سيأتي حكمه في ذيل البحث عن هذه المسألة.

(46) وجه الصحّة صحيحة أبي سعيد القمّاط المذكورة و الفقرة الاولى من صحيحة معاوية بن عمّار قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): الرجل يجنب في أوّل الليل

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 63، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 16، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 10: 57، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 13، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 94

..........

______________________________

ثمّ ينام

حتّى يصبح في شهر رمضان؟ قال

ليس عليه شي ء «1».

و رواية إسماعيل بن عيسى قال: سألت الرضا (عليه السّلام) عن رجل أصابته جنابة في شهر رمضان فنام عمداً حتّى يصبح، أيّ شي ء عليه؟ قال

لا يضرّه هذا و لا يفطر و لا يبالي. «2»

الخبر. و صحيحة ابن رئاب قال: سئل أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) و أنا حاضر عن الرجل يجنب بالليل في شهر رمضان، فينام و لا يغتسل حتّى يصبح؟ قال

لا بأس، يغتسل و يصلّي و يصوم «3».

و رواية عبد اللّٰه بن بكير قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل أجنب في شهر رمضان بالليل ثمّ نام حتّى أصبح؟ قال

لا بأس «4».

و وجه الاحتياط موثّقة سماعة بن مهران قال: سألته عن رجل أصابته جنابةٌ في جوف الليل في رمضان، فنام و قد علم بها، و لم يستيقظ حتّى يدركه الفجر؟ فقال

عليه أن يتمّ صومه و يقضي يوماً آخر «5».

و صحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السّلام) قال: سألته عن الرجل تصيبه الجنابة في شهر رمضان، ثمّ ينام قبل أن يغتسل؟ قال

يتمّ صومه و يقضي ذلك اليوم. «6»

الخبر. و صحيحة أحمد بن محمّد بن أبي نصر عن أبي الحسن (عليه السّلام) قال: سألته عن رجل أصاب من أهله في شهر رمضان أو أصابته جنابة، ثمّ ينام حتّى يصبح متعمّداً؟ قال

يتمّ ذلك اليوم و عليه قضاؤه «7».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 61، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 15، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 10: 59، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 13، الحديث 6.

(3) وسائل الشيعة 10: 59، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم،

الباب 13، الحديث 7.

(4) وسائل الشيعة 10: 59، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 13، الحديث 8.

(5) وسائل الشيعة 10: 62، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 15، الحديث 5.

(6) وسائل الشيعة 10: 62، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 15، الحديث 3.

(7) وسائل الشيعة 10: 62، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 15، الحديث 4.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 95

و لو انتبه ثمّ نام ثانياً حتّى طلع الفجر بطل صومه، فيجب عليه الإمساك تأدّباً و القضاء (47).

______________________________

(47) تدلّ عليه صحيحة معاوية بن عمّار حيث قال في ذيلها: قلت: فإنّه استيقظ ثمّ نام حتّى أصبح؟ قال

فليقض ذلك اليوم عقوبة «1»

، بناءً على أنّ المراد أنّه استيقظ من النوم الأوّل ثمّ نام ثانياً حتّى أصبح. و صحيحة ابن أبي يعفور قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): الرجل يجنب في شهر رمضان ثمّ (حتّى) يستيقظ ثمّ ينام ثمّ يستيقظ ثمّ ينام حتّى يصبح؟ قال

يتمّ يومه (صومه) و يقضي يوماً آخر «2».

و وجوب القضاء في النوم الثاني ممّا قام به الإجماع و ادّعى في «المستند» استفاضة نقل الإجماع عليه.

و أمّا الكفّارة فالأصل عدم وجوبها، و لا دليل على وجوبها عدا ما يقال: من الملازمة بين وجوب القضاء و الكفّارة. و من رواية المروزي عن «الفقيه» (عليه السّلام) قال

إذا أجنب الرجل في شهر رمضان بليل و لا يغتسل حتّى يصبح فعليه صوم شهرين متتابعين مع صوم ذلك اليوم، و لا يدرك فضل يومه «3».

و مرسلة إبراهيم بن عبد الحميد عن بعض مواليه قال: سألته عن احتلام الصائم. إلى أن قال

فمن أجنب في شهر رمضان

فنام حتّى يصبح فعليه عتق رقبة أو إطعام ستّين مسكيناً و قضاء ذلك اليوم، و يتمّ صيامه و لن يدركه أبداً «4».

و فيه: أنّ الملازمة لا كلّية لها كما يشهد بها موارد انفكاك القضاء عن الكفّارة،

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 61، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 15، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 10: 61، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 15، الحديث 2.

(3) وسائل الشيعة 10: 63، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 16، الحديث 3.

(4) وسائل الشيعة 10: 64، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 16، الحديث 4.

________________________________________

بنى فضل، مرتضى بن سيف على، مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، در يك جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، تهران - ايران، اول، 1422 ه ق

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم؛ ص: 96

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 96

و لو عاد إلى النوم ثالثاً و لم ينتبه فعليه الكفّارة أيضاً على المشهور، و فيه تردّد، بل عدم وجوبها لا يخلو من قوّة، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط (48). و لو كان ذاهلًا و غافلًا عن الاغتسال، و لم يكن بانياً عليه و لا علىٰ تركه، ففي لحوقه بالأوّل أو الثاني وجهان، أوجههما اللحوق بالثاني (49).

______________________________

و من جملتها صوم يوم أو أيّام مع نسيان الجنابة فإنّه يجب فيه القضاء دون الكفّارة.

و أمّا رواية المروزي و المرسلة فهما ظاهرتان في صورة تعمّد البقاء على الجنابة إلى الفجر، كما يظهر بالتأمّل فيهما.

(48) لا يخفى: أنّ وجوب القضاء في النومة الثالثة ممّا لا خلاف فيه، و يدلّ عليه ما تقدّم في النوم الثاني.

و أمّا وجوب الكفارة فلم يدلّ عليه

دليلٌ سوى ما ادّعي في النوم الثاني من الملازمة و خبر المروزي و المرسلة، و قد عرفت الجواب عنها، و لم يبق إلّا الإجماع الذي ادّعاه في «الخلاف» و «الغنية» و «الوسيلة» و «جامع المقاصد».

و فيه: أنّه لا اعتماد على الإجماع بعد مخالفة كثير من أصحابنا، كالمحقّق و العلّامة و غيرهما. نعم مقتضى الاحتياط هو الكفّارة حتّى في النوم الثاني.

(49) المراد من الأوّل صورة البناء على عدم الاغتسال أو التردد فيه أو كونه غير ناوٍ له، و من الثاني صورة البناء على الاغتسال.

و وجه إلحاقه بالأوّل فقد النيّة، حيث إنّها لا تتحقّق إلّا بمقدّمات من تصور الشي ء و التصديق بفائدته ثمّ العزم و الجزم، فالنية في الحقيقة متقوّمة بالعزم و الجزم و كلّ هذه مفقودة في الذهول و الغفلة، فيبطل صومه، و يجب عليه القضاء.

و وجه إلحاقه بالثاني أنّ الموجب للقضاء و الكفّارة هو البناء على ترك الاغتسال و تعمّد البقاء على الجنابة إلى الفجر، و هو مفقود مع الذهول و الغفلة عن

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 97

[السادس: تعمّد الكذب على الهّٰ7 تعالىٰ و رسوله و الأئمّة صلوات اللّٰه عليهم على الأقوىٰ]

اشارة

السادس: تعمّد الكذب على اللّٰه تعالىٰ و رسوله و الأئمّة صلوات اللّٰه عليهم على الأقوىٰ (50).

______________________________

الاغتسال. و هذا الوجه أوجه عند المصنف (رحمه اللّٰه).

و أوجه منه ما ذهب إليه بعض الأعاظم (رحمه اللّٰه) في تقريره «مستند العروة الوثقى» من وجوب القضاء عليه لا من جهة إلحاقه بالأوّل، بل من حيث إنّ الذهول و الغفلة لا ينفكّان عن النسيان فتشمله النصوص الدالّة على وجوب القضاء على من نسي الجنابة حتّى مضى عليه يوم أو أيّام «1».

(50) اختلف فقهاؤنا في فساد الصوم بالكذب على اللّٰه و رسوله و الأئمّة صلوات اللّٰه عليهم أجمعين فقال جماعةٌ: إنّه

يفسد؛ منهم الشيخ المفيد و الشيخ الطوسي و السيّد المرتضى في «الانتصار» و السيّد أبو المكارم في «الغنية»، و ادّعى الأخيران الإجماع عليه، و نسبه في «الرياض» إلى الأكثر، و في «الدروس»: المشهور الوجوب و إن ضعف المأخذ.

و قال جماعة أُخرى بعدم الفساد؛ منهم العمّاني و السيّد (رحمه اللّٰه) في «جمله» و الحلّي و المحقّق (رحمه اللّٰه) في «المعتبر» و «الشرائع» و العلّامة في «التذكرة» و «المختلف»، و نسبه في «الحدائق» إلى المشهور بين المتأخّرين.

و القول الأوّل هو المختار.

و تدلّ عليه موثّقة سماعة قال: سألته عن رجل كذب في رمضان؟ فقال

قد أفطر و عليه قضاؤه

، فقلت: فما كذبته؟ قال

يكذب على اللّٰه و على رسوله (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) «2».

______________________________

(1) مستند العروة الوثقى، الصوم 1: 210.

(2) وسائل الشيعة 10: 33، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 2، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 98

..........

______________________________

و موثّقة أُخرى لسماعة قال: سألته عن رجل كذب في شهر رمضان؟ فقال

قد أفطر و عليه قضاؤه و هو صائم يقضي صومه و وضوءه إذا تعمّد «2».

و رواية أبي بصير قال: سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) يقول

الكذبة تنقض الوضوء و تفطر الصائم

، قال: قلت له: هلكنا، قال

ليس حيث تذهب، إنّما ذلك الكذب على اللّٰه و على رسوله و الأئمّة «1».

و في رواية أُخرى عن أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)

إنّ الكذب على اللّٰه و على رسوله و على الأئمّة: يفطر الصائم «5»

، و في سند روايتي أبي بصير منصور بن يونس و قد وثّقه النجاشي.

و مرفوعة أحمد بن أبي عبد اللّٰه و هو أحمد بن محمّد بن خالد

عن أبيه بإسناده رفعه إلى أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

خمسة أشياء تفطر الصائم: الأكل و الشرب و الجماع و الارتماس في الماء و الكذب على اللّٰه و على رسوله و على الأئمّة «3»

، و غيرها من روايات الباب.

و استدلّ على القول بعدم الإفساد بأصالة البراءة، و باتّصاف الكاذب بأنّه صائم في رواية أبي بصير بقوله (عليه السّلام)

و هو صائم «4»

، و بأنّ المفطر محصور في غير الكذب على ما يستفاد من روايات الباب الأوّل من أبواب ما يمسك عنه الصائم من «الوسائل»، فراجع.

و أجاب القائلون بهذا القول: أمّا عن الإجماع الذي ادّعاه القائلون بالإفساد، فبأنّ الإجماع مع وجود المخالفين غير ثابت، و عن المحقّق في

______________________________

(2) وسائل الشيعة 10: 34، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 2، الحديث 3.

(1) وسائل الشيعة 10: 33، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 2، الحديث 2.

(5) وسائل الشيعة 10: 34، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 2، الحديث 4.

(3) وسائل الشيعة 10: 34، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 2، الحديث 6.

(4) وسائل الشيعة 10: 34، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 2، الحديث 7.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 99

..........

______________________________

«المعتبر»: أنّ دعوى الإجماع مكابرة.

و أمّا عن الروايات المذكورة، فبأنّها غير صحيحة و دلالتها قاصرة من حيث شمولها على نقض الوضوء بالكذب، و المراد نقض كمال الوضوء كنفي صلاة جار المسجد في داره و كذلك نقض كمال الصوم؛ فيراد من إفطار الصوم بالكذب نفي كماله لا إفطاره حقيقة، و ذلك بوحدة السياق.

و يؤيّده ما ورد في بعض روايات الباب من إفطار الصوم بالغيبة، كما في رواية

«عقاب الأعمال» عن رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) في حديث قال

و من اغتاب أخاه المسلم بطل صومه و نقض وضوؤه. «1»

الخبر، و رواية محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام) في حديث قال

و الغيبة يفطر الصائم و عليه القضاء «2»

، و رواية «تحف العقول» عن رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) في وصيته لأمير المؤمنين (عليه السّلام) قال

يا علي احذر الغيبة و النميمة؛ فإنّ الغيبة تفطر و النميمة توجب عذاب القبر «3».

و فيه: أنّه لا مجال لأصالة البراءة بعد قيام الدليل المعتبر على الإفطار بالكذب، و لو لم يكن في المسألة إلّا موثّق سماعة لكفى في الفتوى بالإفطار بالكذب.

و أمّا معنى قوله (عليه السّلام)

و هو صائم

في رواية أبي بصير، فهو: أنّه حال كونه صائماً قد كذب، و ليس معناه أنّه صائم حقيقةً بعد ارتكابه بالكذب بحيث لا قضاء له. و يحتمل أن يكون المراد أنّه صائم تأدّباً.

و أمّا الروايات الحاصرة فليست فيها رواية حاصرة لجميع المفطرات عدا الكذب المذكور.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 34، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 2، الحديث 5.

(2) وسائل الشيعة 10: 35، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 2، الحديث 8.

(3) وسائل الشيعة 10: 35، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 2، الحديث 10.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 100

و كذا باقي الأنبياء و الأوصياء: (51) على الأحوط؛ من غير فرق بين كونه في الدين أو الدنيا (52)،

______________________________

و أمّا شمول الروايات على نقض الوضوء المراد منه نقض كماله كما احتمله في «الجواهر»، و قال باحتمال القراءة بالصاد المهملة الكذبة تنقص الوضوء ففيه أنّ

ارتكاب خلاف الظاهر في نقض الوضوء بالقرينة لا يوجب ارتكابه في إفطار الصوم بالكذب إلّا لوحدة السياق، و لا نقول بها هنا؛ لوجود الدليل على الإفطار الحقيقي بوجوب القضاء؛ و هو موثّق سماعة «1». و أمّا مفطرية الغيبة للصوم فلم يقل به أحد.

(51) لا يخفى: أنّ الكذب على الأنبياء و الأوصياء و كذا فاطمة الزهراء عليها سلام اللّٰه إن كان راجعاً إلى الكذب على اللّٰه تعالى يفسد الصوم، و إن لم يكن راجعاً إليه تعالى فلا دليل على إفساده. و وجه الاحتياط إطلاق الرسول و الأئمّة على مطلق النبي و الأوصياء، و هو كما ترى خلاف الظاهر.

و في «الجواهر»: الأولى إلحاق فاطمة الزهراء عليها سلام اللّٰه و باقي الأنبياء و الأوصياء؛ لرجوع الكذب عليهم إلى الكذب على اللّٰه «2»، انتهى. و في «مصباح الفقيه»: و لا يبعد أن يكون المراد بالأئمّة: في أخبار الباب و نظائرها ممّا ورد في كلماتهم أعمّ من فاطمة الزهراء عليها سلام اللّٰه فإلحاق الكذب بها بالكذب بهم لا يخلو من وجه «3»، انتهى.

(52) المراد من «الدين» الأُمور الشرعية التي كان بيانها وظيفة لهم:.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 33، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 2، الحديث 1.

(2) جواهر الكلام 16: 226.

(3) مصباح الفقيه، الصوم 14: 381.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 101

و بين كونه بالقول أو بالكتابة أو الإشارة أو الكناية و نحوها؛ ممّا يصدق عليه الكذب عليهم: (53) فلو سأله سائل: هل قال النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) كذا؟ فأشار «نعم» في مقام «لا»، أو «لا» في مقام «نعم» بطل صومه (54). و كذا لو أخبر صادقاً عن النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله

و سلّم) ثمّ قال: ما أخبرتُ به عنه كذب، أو أخبر عنه كاذباً في الليل، ثمّ قال في النهار: إنّ ما أخبرتُ به في الليل صدق، فسد صومه (55). و الأحوط عدم الفرق بين الكذب عليهم في أقوالهم أو غيرها (56)،

______________________________

و المراد من «الدنيا» غير الأُمور الشرعية، كما لو أخبر كذباً بأنّ الحسين (عليه السّلام) قال في يوم الطفّ كذا و فعل كذا و قتل كذا. و الدليل على عدم الفرق بين أُمور الدين و الدنيا إطلاق الروايات.

(53) و ذلك لأنّ موضوع الكذب نسبة أمر غير واقع إلى الشخص بأيّ مبرز كان؛ بالقول أو بالكتابة أو الإشارة أو غيرها، و لا دليل على الاختصاص بالقول فقط، كما هو مقتضى إطلاق الكذب في الأدلّة.

(54) و ذلك لصدق الكذب عليه، حيث إنّه أبرز نسبة أمر غير واقع إلى النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) بالإشارة.

(55) و ذلك لكونه كذباً غير صريح فيشمله الإطلاق، فلا تسمع دعوى انصرافه إلى الصريح، هذا إذا كان مقصود المخبر نسبة الأمر الغير الواقع إليه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم). و أمّا إذا كان المقصود نفي الخبر المطابق فلا يبطل به صومه؛ لعدم كونه كذباً على النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)، بل هو كذب على نفسه.

(56) و كذا تقريراتهم، و عدم الفرق فيها لا يخلو من قوّة؛ و ذلك لإطلاق الكذب؛ و هو نسبة أمر غير واقع إليهم و الأمر الغير الواقع لا اختصاص له بالقول، بل يشمل الفعل و التقرير.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 102

كالإخبار كاذباً بأنّه فعل كذا، أو كان كذا. و الأقوى عدم ترتّب الفساد مع عدم القصد الجدّي إلى الإخبار؛

بأن كان هازلًا أو لاغياً (57).

[ (مسألة 12): لو قصد الصدق فبان كذباً لم يضرّ]

(مسألة 12): لو قصد الصدق فبان كذباً لم يضرّ، و كذا إذا قصد الكذب فبان صدقاً و إن علم بمفطريّته (58).

______________________________

(57) و ذلك لعدم صدق نسبة أمر غير واقع إليه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) فيما لم يكن قصد جدّي و يعبّر عنه بالعمد. و يدلّ عليه مفهوم موثّقة سماعة قال: سألته عن رجل كذب في شهر رمضان؟ فقال

قد أفطر و عليه قضاؤه، و هو صائم يقضي صومه و وضوءه إذا تعمّد «1».

(58) أمّا عدم إضراره فيما قصد الصدق و بان كذباً فلعدم تعمّده بنسبة أمر مخالف للواقع إلى اللّٰه أو إليهم:. و أمّا فيما إذا قصد الكذب و بان صدقاً فصحّة صومه و بطلانه مبنيان على مفطرية قصد المفطر و عدمها.

و لا يخفى: أنّه لا يعقل قصد المفطر مع عدم العلم بمفطرية الكذب، فإذا علم بمفطرية الكذب و قصده دخل في عنوان قصد المفطر. و المصنّف رحمة اللّٰه عليه يقول بعدم مفطريته، و نحن نقول وفاقاً للأكثر بكونه مفطراً، و قد حقّقناه سابقاً فراجع.

و في «المستند» لو ذكر حديثاً كذباً ثمّ ظهر صدقه قبل القضاء، فهل يسقط أم لا؟ الظاهر: لا؛ لبطلان صومه أوّلًا و استقرار القضاء في ذمّته «2»، انتهى.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 34، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 3، الحديث 3.

(2) مستند الشيعة 10: 255.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 103

[ (مسألة 13): لا فرق بين أن يكون الكذب مجعولًا له أو لغيره]

(مسألة 13): لا فرق بين أن يكون الكذب مجعولًا له أو لغيره (59)، كما إذا كان مذكوراً في بعض كتب التواريخ أو الأخبار؛ إذا كان علىٰ وجه الإخبار. نعم لا يُفسده إذا كان علىٰ وجه الحكاية و النقل من شخص أو كتاب.

[السابع: رمس الرأس في الماء على الأحوط]

اشارة

السابع: رمس الرأس في الماء على الأحوط (60)

______________________________

(59) أمّا نسبة الكذب المجعول لنفسه إلى شخص فبأن يقول: قال فلانٌ كذا و كذا، أو إنّه فعل كذا و كذا، مع العلم بأنّه لم يقله و لم يفعله.

و أمّا نسبة الكذب المجعول للغير إليه فبأن يقول: إنّ فلاناً قال كذا و كذا. و قوله مذكورٌ في كتاب كذا مع العلم بأنّه لم يقله فهذا كذبٌ؛ لأنّه كان على وجه الإخبار، و أمّا لو لم ينسب ذلك الأمر إليه بنحو الإخبار بل بطور النقل و الحكاية عن شخص آخر أو كتابه؛ بأن قال: إنّ فلاناً كتب كذا أو نقل عن المعصوم (عليه السّلام) كذا فلا يكون كذباً بل يكون حكاية للكذب؛ فلا يكون مبطلًا للصوم.

(60) اختلف فقهاؤنا في حرمة غمس الرأس في الماء على الصائم تكليفاً و وضعاً؛ فقال جماعة بأنّه يجب الإمساك عنه، و نسبه في «الحدائق» إلى الأشهر، و في «الجواهر» على المشهور بين الأصحاب بل قيل إنّه إجماع، و في «المستند»: أنّه غير جائز في الصوم على الحقّ الموافق للأكثر، و هو المختار عندنا.

و قال جماعة بعدم الحرمة التكليفية، و حكي هذا القول عن العماني و السيّد في أحد قوليه و الحلّي.

و استدلّ للقول الأوّل برواية يعقوب بن شعيب عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

لا يرتمس المُحرم في الماء و لا الصائم «1».

و صحيحة محمّد بن مسلم عن

______________________________

(1) وسائل الشيعة

10: 35، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 3، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 104

..........

______________________________

أبي جعفر (عليه السّلام) قال

الصائم يستنقع في الماء و يصبّ على رأسه و يتبرّد بالثوب و ينضح بالمروحة و ينضح البوريا تحته، و لا يغمس رأسه في الماء «1».

و مرسلة سهل بن زياد عن بعض أصحابه عن مثنّى الحنّاط و الحسن الصيقل قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الصائم يرتمس في الماء، قال

لا، و لا المحرم. «2»

الخبر.

و موثّقة حنّان بن سدير أنّه سأل أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الصائم يستنقع في الماء، قال

لا بأس و لكن لا ينغمس، و المرأة لا تستنقع في الماء؛ لأنّها تحمل الماء بقُبلها «3».

و صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

الصائم يستنقع في الماء و لا يرمس رأسه «4».

و صحيحة حريز عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

لا يرتمس الصائم و لا المحرم رأسه في الماء «5».

و صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: سمعت أبا جعفر (عليه السّلام) يقول

لا يضرّ الصائم ما صنع إذا اجتنب ثلاث خصال: الطعام و الشراب و النساء و الارتماس في الماء «6».

و رواية أحمد بن أبي عبد اللّٰه عن أبيه بإسناده رفعه إلى أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

خمسة أشياء تفطر الصائم: الأكل و الشرب و الجماع و الارتماس في الماء و الكذب على اللّٰه و على رسوله و على الأئمّة «7».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 36، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 3، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 10: 36، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 3،

الحديث 4.

(3) وسائل الشيعة 10: 37، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 3، الحديث 6.

(4) وسائل الشيعة 10: 37، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 3، الحديث 7.

(5) وسائل الشيعة 10: 38، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 3، الحديث 8.

(6) وسائل الشيعة 10: 31، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 1، الحديث 1.

(7) وسائل الشيعة 10: 34، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 2، الحديث 6.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 105

..........

______________________________

و استدلّ للقول الثاني بالأصل، و أنّ الأخبار المانعة المذكورة محمولة على الكراهة؛ للجمع بين تلك الأخبار الظاهرة في الحرمة و بين رواية عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

يكره للصائم أن يرتمس في الماء «3».

و فيه: أنّ الأصل دليل حيث لا دليل، و مع وجود الدليل لا مورد للأصل. و حمل النهي في الأخبار المذكورة على الكراهة ليس بأولى من حمل الكراهة في رواية عبد اللّٰه بن سنان على الحرمة. قال صاحب «الوسائل» بعد ذكر الرواية: هذا محمول على التحريم لما مرّ. و في «الجواهر»: يمكن إرادة الحرمة من الكراهة فيه، بل هو أولى من حمل النهي في النصوص السابقة عليها «1».

ثمّ إنّ القائلين بالحرمة اختلفوا في بطلان الصوم؛ فقال جماعة بعدم البطلان؛ منهم الشيخ في «الاستبصار» و العلّامة في «المختلف» و «المنتهي» و المحقّق في «المعتبر» و «الشرائع» و المحقّق الثاني في «حاشية الإرشاد» قال في «المسالك»: و أصحّ الأقوال تحريمه دون أن يفسد الصوم، و في «المدارك» بعد أن اختار قول الشيخ بأنّه محرّم و لا يوجب قضاء و لا كفّارة قال: و هو

المعتمد. و قال جماعة أُخرى بأنّه مبطل و موجب للقضاء و الكفّارة؛ منهم السيّد في «الانتصار» و الشيخ في «النهاية» و «الجمل» و ابن البرّاج، و نسب في «الدروس» هذا القول إلى المشهور، و هو المختار. و حكي عن أبي الصلاح الحلبي أنّه قال بوجوب القضاء دون الكفّارة.

و استدلّ للقول بعدم البطلان بالجمع بين الأخبار المانعة الظاهرة في المفطرية و الإضرار، و بين موثّقة إسحاق بن عمّار قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): رجل صائم ارتمس في الماء متعمّداً، عليه قضاء ذلك اليوم؟ قال

ليس عليه قضاؤه و لا

______________________________

(3) وسائل الشيعة 10: 38، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 3، الحديث 9.

(1) جواهر الكلام 16: 228.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 106

و لو مع خروج البدن (61)، و لا يلحق المضاف بالمطلق (62).

______________________________

يعودنّ «1»

حيث إنّ الموثّقة صريحة في عدم وجوب القضاء.

و فيه: أنّ الأخبار المانعة مشهور و أكثرها معتبر سنداً و تامّ دلالة، و كيف ترفع اليد عنها بالموثّقة المذكورة و هي شاذّة؟! فلا بدّ من طرحها. و إن أبيت إلّا عن إعمال المرجّحات فنقول: إنّ الموثّقة موافقة للعامّة، و الروايات المانعة مخالفة لهم و الرشد في خلافهم، فترجّح على الموثّقة، و هذا المقدار من المقال كافٍ في الاستدلال على المختار.

(61) يكفي في فساد الصوم غمس الرأس فقط في الماء، و إن كان سائر البدن خارجاً عنه؛ و ذلك لذكر خصوص الرأس في بعض روايات الباب، كصحيحة محمّد بن مسلم و صحيحة حريز المذكورتين. و لا يخفى: أنّه لا ينافي غمس الرأس مع غمس سائر أعضاء البدن كي يدّعى أنّ المبطل هو غمس الرأس في ضمن الارتماس و هو الغوص في

الماء و يقال: إنّه هو الظاهر المستفاد من بعض الروايات، كرواية حنّان بن سُدير المذكورة. و بالجملة: المبطل هو غمس الرأس؛ سواء كان منفرداً أو بجميع البدن.

(62) نسب إلى «المسالك» أنّ في حكم الماء مطلق المائعات؛ سواء كان ماءً مضافاً أو غير ماء، كما نبّه عليه بعض الفقهاء. و نسب إلى «كشف الغطاء» إلحاق خصوص المضاف بالماء، و فيه: أنّ المذكور في النصوص هو الغمس و الارتماس و الرمس في الماء، و هو المضرّ و المفطر، و الماء حقيقة في الماء المطلق و استعماله في المضاف يحتاج إلى قرينة.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 43، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 6، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 107

نعم لا يُترك الاحتياط في مثل الجلّاب خصوصاً مع ذهاب رائحته (63)، و لا بأس بالإفاضة و نحوها ممّا لا يُسمّىٰ رمساً و إن كثر الماء (64)، بل لا بأس برمس البعض و إن كان فيه المنافذ (65)،

______________________________

و دعوى أنّ الماء لا خصوصية لإطلاقه لكونه وارداً مورد الغالب غير مسموعة؛ للجمود على ظواهر النصوص في تشخيص موضوعات الأحكام و متعلّقاتها.

(63) و ذلك لأنّ الجلاب ليس كسائر المياه المضافة التي هي معصرات أو مخلوطات، كماء البطّيخ و المرق مثلًا و نحوهما، بل هو في الحقيقة قطرات ماء مطلق حارّ مأخوذ معه الورد المؤثّر في رائحتها، هذا. و مع ذلك يضاف الماء إلى الورد و يقال: ماء الورد؛ فلا يترك الاحتياط؛ خصوصاً مع ذهاب رائحته؛ لأنّ العرف يراه ماءً.

(64) و ذلك مضافاً إلى عدم صدق رمس الرأس في الماء على الإفاضة لصحيحة ابن مسلم «1» المجوّزة لصبّ الماء على رأسه. و أمّا إذا أدخل رأسه أو تمام

بدنه في النهر المنصب من العالي إلى السافل بطل صومه؛ سواء كان الغمس من الأعلى أو من الأسفل، و كذا الميزاب الكبير إذا كثر ماؤه فهو كالنهر المزبور، كلّ ذلك لصدق غمس الرأس في الماء.

(65) و ذلك لعدم صدق رمس الرأس على رمس بعضه الذي فيه المنافذ، و ما في «المدارك» من أنّه لا يبعد تعلّق التحريم بغمس المنافذ كلّها دفعة و إن كانت منابت الشعر خارجة من الماء «2». و فيه: أنّه خلاف المتفاهم العرفي من غمس الرأس.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 36، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 3، الحديث 2.

(2) مدارك الأحكام 6: 50.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 108

و لا بغمس التمام على التعاقب؛ بأن غمس نصفه ثمّ أخرجه، و غمس نصفه الآخر (66).

______________________________

(66) لا يخفى: أنّ المنساق إلى الذهن من غمس الرأس في الماء غمس تمامه فيه في زمان واحد؛ سواء حصل دفعة أو تدريجاً، و أمّا غمس تمامه في الماء لا دفعةً بل غمس نصفه أوّلًا و أخرجه ثمّ غمس نصفه الآخر ثانياً فلا يبطل صومه؛ إذ لا يصدق عليه عرفاً أنّه غمس رأسه في الماء لا أوّلًا و لا ثانياً.

فروع الأوّل: خروج شعر الرأس من الماء لا يقدح في صدق غمس الرأس فيبطل الصوم.

الثاني: لو شكّ في غمس تمام الرأس بني على صحّة الصوم؛ لاستصحاب عدم غمس التمام.

الثالث: لو أدخل رأسه في شي ء يتّصل ببشرة الرأس و كان مانعاً من وصول الماء إليها ثمّ رمس رأسه في الماء فلا يرفع به حكم الغمس؛ لصدق غمس الرأس في الماء عرفاً، و أمّا لو أدخل رأسه فيما ينفصل عن رأسه كالحلب و نحوه و رمس في الماء رفع

حكم الغمس فلا يبطل صومه؛ لعدم صدق غمس الرأس في الماء.

و قد تنظر صاحب «الجواهر» (رحمه اللّٰه) في المتّصل و قال بعدم بطلان الصوم فيه أيضاً، و علّله بكون الرأس اسماً للبشرة «1». و فيه: أنّ المعيار هو الصدق العرفي، فيصدق في العرف غمس الرأس في الماء في المتّصل دون المنفصل.

______________________________

(1) جواهر الكلام 16: 230.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 109

..........

______________________________

الرابع: لو كان هناك مائعان يعلم بكون أحدهما ماءً مطلقاً يجب الاجتناب عنهما؛ لوجوب الاجتناب عن جميع أطراف العلم الإجمالي. و أمّا بطلان الصوم فلا يحكم به إلّا بعد ارتكاب جميع الأطراف، هذا بناءً على عدم إلحاق سائر المائعات بالماء المطلق؛ فعلى إلحاقه به يحكم بالبطلان بمجرّد الغمس في أحدهما.

الخامس: لو غمس رأسه في المائع المشكوك في أنّه ماءٌ مطلق أو مضاف أو مائع غير الماء فلا يبطل صومه؛ لأصالة البراءة عن وجوب الاجتناب عن الغمس مع كون الشبهة مصداقية.

السادس: لو غمس ذو الرأسين كلاهما بطل صومه بلا إشكال فيه، و كذلك لو غمس أحدهما و كان أصلياً. و أمّا لو غمس خصوص الزائد فيحتمل أن يكون موجباً للبطلان لإطلاق الرأس عليه، و يحتمل أن يكون الرأس منصرفاً إلى المتعارف الأصلي، و طريق الاحتياط واضح.

السابع: لو ارتمس في المغصوب أو في إناء يحرم استعماله ناسياً للصوم بطل غسله دون صومه، و ذلك واضح.

الثامن: لو توقّف خروج نفس محترمة أو مال محترم على غمس رأسه في الماء و نوى الغسل صحّ غسله و بطل صومه؛ أمّا صحّة غسله فلعدم النهي عن الارتماس، بل وجب عليه في بعض الموارد؛ لتوقّف الواجب عليه. و أمّا بطلان صومه لتعمّد الغمس عن الصائم.

التاسع: لو ارتمس و نوى الغسل و

غفل عن الصوم صحّ صومه و غسله؛ و ذلك لعدم التعمّد، فلا نهي عن ارتماسه.

العاشر: لو اكره على غمس الرأس في الماء يبطل صومه؛ لتعمّد الفاعل و تحقّق القصد و الإرادة إلى الغمس لدفع الضرر المتوعّد عليه، و حديث رفع الإكراه

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 110

[ (مسألة 14): لو ألقىٰ نفسه في الماء بتخيّل عدم الرمس فحصل]

(مسألة 14): لو ألقىٰ نفسه في الماء بتخيّل عدم الرمس فحصل، لم يبطل صومه إذا لم تقضِ العادة برمسة (67)، و إلّا فمع الالتفات فالأحوط إلحاقه بالعمد إلّا مع القطع بعدمه (68).

[ (مسألة 15): لو ارتمس الصائم مغتسلًا]

(مسألة 15): لو ارتمس الصائم مغتسلًا، فإن كان تطوّعاً أو واجباً موسّعاً، بطل صومه و صحّ غسله (69)، و إن كان واجباً معيّناً، فإن قصد الغسل بأوّل مسمّى الارتماس، بطل صومه و غسله علىٰ تأمّل فيه (70)،

______________________________

يرفع المؤاخذة و الآثار المترتّبة على الفعل كالكفّارة، و الحديث لا يثبت الصحّة. و أمّا إذا كان مقهوراً عليه فلا يبطل لانتفاء العمد.

(67) و ذلك لعدم العمد على الرمس.

(68) إذ مع العادة على الغمس دائماً لا يعتني العقلاء بتخيّل عدم الرمس و لا يترتّب عليه أثر؛ فيلحق بالعمد، إلّا مع القطع بعدم الرمس. فمع وجود هذا القطع لا يصدق أنّه غمس متعمّداً مع تحقّق الغمس اتّفاقاً؛ فلا يبطل صومه.

(69) وجه بطلان الصوم تعمّد غمس الرأس في الماء و وجه صحّة غسله عدم حرمة الإفطار عمداً بأيّ مفطر كان في الصوم المندوب و الواجب الموسّع أيّ واجب كان غير رمضان؛ فالارتماس ليس منهياً عنه حتّى يبطل غسله.

(70) وجه بطلان الصوم واضح، و أمّا وجه بطلان الغسل فلكون الارتماس منهياً عنه موجباً للبطلان، و أمّا وجه التأمّل في بطلان الغسل، فهو أنّ النهي عن الارتماس للإرشاد إلى كونه مانعاً عن صحّة الصوم، فالمحرّم هو إبطال الصوم، و الارتماس مقدّمة له، و المقدّمة ليست منهيّة ذاتاً، فلا وجه لبطلان الغسل، خصوصاً على القول بجواز اجتماع الأمر و النهي، و تفصيل البحث موكول إلى محلّه.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 111

و إن نواه بالمكث أو الخروج صحّ غسله دون صومه

في غير شهر رمضان (71)، و أمّا فيه فيبطلان معاً (72)، إلّا إذا تاب و نوى الغسل بالخروج، فإنّه صحيح حينئذٍ (73).

[الثامن: إيصال الغبار الغليظ إلى الحلق]

الثامن: إيصال الغبار الغليظ إلى الحلق، بل و غير الغليظ على الأحوط و إن كان الأقوىٰ خلافه (74)؛

______________________________

(71) وجه صحّة غسله فيما كان صومه ندباً أو واجباً معيّناً غير رمضان قد علم ممّا ذكر؛ و هو أنّ ارتكاب المفطر بعد إبطال الصوم في غير رمضان ليس حراماً؛ فلا يكون الغسل الارتماسي حال المكث و الخروج مبغوضاً للمولى؛ فيصحّ.

(72) أمّا الصوم فيبطل بمجرّد الغمس العمدي. و أمّا بطلان الغسل حال المكث أو الخروج فلأنّه و إن بطل صومه بمجرّد الغمس أوّلًا إلّا أنّ حالة المكث و الخروج أيضاً منهيان باعتبار صدق الغمس عليهما. و الخروج و إن كان لازماً بحكم العقل للتخلّص عن الغمس الحرام حتّى بعد بطلان صومه إلّا أنّه منتهٍ بالأخرة إلى الاختيار الناشئ من سوء الاختيار؛ فهو مبغوض للمولى و لا يصلح للصحّة.

(73) يعني أنّه إذا عصى بالارتماس و حكم ببطلان صومه فتاب قبل الخروج عن الماء ارتفعت مبغوضية الخروج؛ فلا مانع حينئذٍ من نية القربة، فيصحّ غسله.

(74) موضوع المسألة هو الغبار الذي لا يبلغ حدّا يصدق عليه العنوان المضاف إليه الغبار كالتراب و الدقيق مثلًا و إلّا فيشمله إطلاق الأكل أي المأكول.

و في «المستند»: نعم لو كان الغبار بحيث يحسّ منه أجزاء ترابية مشاهدة حسّا معلومة عياناً موسومة بالتراب عرفاً ابتداءً أو بعد الاجتماع في أُصول الأسنان

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 112

..........

______________________________

و ابتلعها، يحكم بفساد الصوم و وجوب القضاء و الكفّارة؛ لصدق أكل التراب لا لدخول الغبار «1».

و قد اختلف فقهاؤنا في مفطرية الغبار على أقوال:

الأوّل: أنّه

غير مفطر مطلقاً، نسب هذا القول إلى الصدوق و السيّد و الديلمي و الشيخ.

الثاني: أنّه مفطر مطلقاً، نسب إلى الشيخين و الحلّي و الحلبي و المحقّق في «الشرائع» و «المختصر النافع» و غيرهم، و هو المختار عندنا.

الثالث: أنّ المفطر هو الغليظ من الغبار لا رقيقه، نسب هذا التفصيل إلى المحقّق في «المعتبر».

الرابع: التردّد و التوقّف في المبطلية، نسب إلى ظاهر «المعتبر» و اختاره صاحب «المدارك» و قال: و يظهر من المصنّف في «المعتبر» التوقّف في هذا الحكم حيث قال بعد أن أورد رواية سليمان المروزي و هذه الرواية فيها ضعف؛ لأنّا لا نعلم القائل و ليس الغبار كالأكل و الشرب و لا كابتلاع الحصىٰ و البَرَد، و هو في محلّه «3»، انتهى.

و استدلّ للقول الأوّل بالأصل و بموثّقة عمرو بن سعيد المدائني عن الرضا (عليه السّلام) قال: سألته عن الصائم يتدخّن بعود أو بغير ذلك فتدخل الدخنة في حلقه، فقال

جائز، لا بأس به

، قال: و سألته عن الصائم يدخل الغبار في حلقه، قال

لا بأس «2».

و فيه: أنّ الأصل دليل حيث لا دليل، و أنّ الموثّقة محمولة على صورة عدم

______________________________

(1) مستند الشيعة 10: 230.

(3) مدارك الأحكام 6: 52.

(2) وسائل الشيعة 10: 70، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 22، الحديث 2.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 113

..........

______________________________

التعمّد جمعاً بينها و بين موثّقة سليمان بن حفص المروزي قال: سمعته يقول

إذا تمضمض الصائم في شهر رمضان أو استنشق متعمّداً أو شمّ رائحة غليظة أو كنس بيتاً فدخل في أنفه و حلقه غبارٌ فعليه صوم شهرين متتابعين؛ فإنّ ذلك له مفطر مثل الأكل و الشرب و النكاح «1».

إن قلت: إنّ الرواية شاملة

لأُمور لا تبطل الصوم اتّفاقاً؛ و هي المضمضة و الاستنشاق و الرائحة الغليظة، و كذلك الغبار لوحدة السياق؛ فحينئذٍ يحمل قوله (عليه السّلام)

فعليه صوم شهرين متتابعين

على الاستحباب.

قلت أوّلًا: نقول بالتفكيك بين الأُمور المذكورة و الغبار؛ لقرينة خارجية و هي وجود الاتّفاق على عدم كونها مبطلًا و لا مانع من التفكيك الدالّ عليه الدليل في رواية واحدة.

و ثانياً: أنّ حمل قوله

فعليه صوم شهرين متتابعين

على استحباب الكفّارة لا يساعده بل ينافيه قوله (عليه السّلام) في ذيل الرواية

فإنّ ذلك له مفطر مثل الأكل و الشرب و النكاح.

و الدليل على القول الثاني: أنّ الغبار نوع من المتناولات، فإن كان مفسداً للصوم أفسد قليله و كثيره، و إلّا لم يفسد كذلك. و في «الجواهر»: و الظاهر أنّ عدم القيد أجود؛ لأنّ الغبار المتعدّي إلى الحلق نوع من المتناولات و إن كان غير معتاد، فيحرم و يفسد الصوم «2»، انتهى. و إنّ المستفاد من رواية المروزي مفطرية مطلق الغبار، و لا دليل على تقييده بالغليظ.

و استدلّ على القول الثالث: بأنّ مفطرية الغبار مخالفة للأصل، فيكتفى بالقدر المتيقّن و هو الغليظ منه و أنّه يستفاد من الكنس في الرواية.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 69، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 22، الحديث 1.

(2) جواهر الكلام 16: 235.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 114

سواء كان الإيصال بإثارته بنفسه بكنس أو نحوه، أو بإثارة غيره، أو بإثارة الهواء؛ مع تمكينه من الوصول و عدم التحفّظ (75)، و فيما يعسر التحرّز عنه تأمّل (76).

______________________________

و هذا الاستدلال كما ترى غير تامّ؛ لأنّ الغبار كسائر المفطرات المنصوصة الخارجة من الأصل مطلق شامل للغليظ و الخفيف، كما أنّ المأكول و المشروب يشمل قليلهما كعشر

الحبّة و القطرة، و لا يخفى دلالة رواية المروزي على وجوب الكفّارة فيما تعمّد على إدخال الغبار في الحلق و لو باختيار إيجاد مقدّمته كالكنس و نحوه. و في «الجواهر»: و يجب به الكفّارة.

و استدلال القول الرابع يظهر ممّا حكيناه من صاحب «المدارك» من ضعف رواية المروزي. و فيه: أنّ الرواية موثّقة.

(75) قد يتوهّم المتوهّم هو صاحب «مستند العروة الوثقى» اختصاص المفطر بالغبار الناشئ من الكنس من نفس الصائم أو غيره و أنّه مورد النصّ، و لا يجب التحفّظ عن الغبار الذي كان بإثارة الهواء؛ فلذا قال كاشف الغطاء بعدم وجوب التحفّظ و عدم البطلان فيما دخل الغبار في حلقه بإثارة الهواء «1».

و فيه: أنّ المبطل هو الغبار الداخل في حلق الصائم باختياره، و لا دخالة لخصوص الكنس في موضوع الحكم. و لعلّ ذكره في الرواية باعتبار الغالب. ففيما أثارت الهواء الغبار و لم يتحفّظ من وصوله إلى حلقه و لم يتحرّز منه و وصل إليه يبطل صومه.

(76) و كذا فيما أدّى التحرّز عنه إلى الحرج، فإن كان دخوله في حلقه

______________________________

(1) مستند العروة الوثقى، الصوم 1: 149.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 115

و لا بأس به مع النسيان أو الغفلة أو القهر الرافع للاختيار أو تخيّل عدم الوصول (77)، إلّا أن يجتمع في فضاء الفم ثمّ أكله اختياراً (78). و الأقوى عدم لحوق البخار به إلّا إذا انقلب في الفم ماء و ابتلعه. كما أنّ الأقوىٰ عدم لحوق الدخان به أيضاً (79).

______________________________

باختياره فيبطل و لا يحرم للعسر و الحرج، و إن كان بلا اختيار فلا يبطل.

(77) و ذلك لاعتبار العمد في مفطرية كلّ مفطر، و هو منفي في الصور المذكورة. و زاد عليها

في «العروة الوثقى» صورة ظنّ عدم الوصول مع ترك التحفّظ، و قال بعدم كونه مفطراً. و فيه: أنّ الاكتفاء بمجرّد الظنّ بعدم الوصول لا يخلو من تأمّل، نعم لو حصل الاطمئنان بعدم الوصول مع ترك التحفّظ و مع ذلك وصل إلى الحلق فلا يبطل.

(78) فيبطل حينئذٍ لصدق الأكل عليه حقيقة.

(79) و هذا القول هو المختار عندنا.

و في «المسالك»: و ألحق به بعض الأصحاب الدخان الغليظ و بخار القدر و نحوه، و هو حسن إن تحقّق معهما جسم «1»، انتهى. و في «المدارك»: و ألحق المتأخّرون بالغبار الدخان الغليظ الذي يحصل منه أجزاء و يتعدّى إلى الحلق و بخار القدر و نحوهما و هو بعيد «2»، انتهى.

و لا دليل على إلحاقهما بالغبار إلّا أن يقال: إنّ البخار أجزاء مائية وصلت إلى الجوف بالحلق، كالغبار الذي هو أجزاء ترابية مثلًا انتشرت في الهواء و دخلت في الجوف، فيصدق عليهما الأكل و الشرب. و إنّ الدخان يدخل في رواية المروزي

______________________________

(1) مسالك الأفهام 2: 17.

(2) مدارك الأحكام 6: 52 53.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 116

نعم يُلحق به شرب الأدخنة على الأحوط (80).

[التاسع: الحُقنة بالمائع و لو لمرض و نحوه]

التاسع: الحُقنة بالمائع (81) و لو لمرض و نحوه،

______________________________

باعتبار أنّ المستفاد منها كلّما يدخل في جوف الإنسان؛ و منه الدخان.

و لا يخفى ما فيه؛ من أنّ مفطرية الغبار على القول به ليس لصدق الأكل عليه كي يقاس عليه البخار و يقال إنّه يصدق عليه الشرب، بل لخصوص النصّ و موثّقة سليمان المروزي. و إنّ وجه إلحاق الدخان ممّا لا شاهد له، بل و موثّقة عمرو بن سعيد المذكورة آنفاً تدلّ على عدم مفطريته قال: سألته الرضا (عليه السّلام) عن الصائم يتدخّن بعود أو بغير

ذلك فتدخل الدخنة في حلقه، فقال

جائزٌ لا بأس «1»

، و في «كشف الغطاء»: إنّ الدخان غير مفطر إلّا لمن اعتاده و تلذّذ به فقام عنده مقام القوت؛ فإنّه أشدّ من الغبار و كذا البخار غير مفطر، إلّا مع الغلبة و الاستدامة فإنّه إذا فقد الماء قد يقوم هذا مقامه، و الأحوط تجنّب الغليظ منهما مطلقاً «2»، انتهى. و هو كما مرّ لا شاهد له. نعم الاحتياط لا ينبغي تركه.

و لا يخفى: أنّه إذا انقلب البخار و صار ماءً في الفم و ابتلعه يفسد صومه بلا إشكال؛ لصدق شرب الماء عليه حقيقة.

(80) و لعلّه لإطلاق الشرب عليه، أو لما ذكره كاشف الغطاء من قيامه مقام القوت، أو لاستقرار سيرة المسلمين على التحرّز عن الدخانيات حال الصوم.

(81) في المسألة أقوال:

الأوّل: أنّ الحُقنة جائزة للصائم و يستحبّ الاجتناب عنها، نسب هذا القول إلى ابن جنيد، و لعلّه لصحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السّلام) قال:

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 70، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 22، الحديث 2.

(2) كشف الغطاء: 319/ السطر 37.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 117

..........

______________________________

سألته عن الرجل و المرأة هل يصلح لهما أن يستدخلا الدواء و هما صائمان؟ قال

لا بأس «1».

و فيه: أنّ المراد من الدواء هو خصوص الجامد؛ للنهي عن الاحتقان بالمائع في النصوص الأُخر.

الثاني: أنّها مفسد للصوم مطلقاً، نسب هذا القول إلى المفيد (رحمه اللّٰه).

الثالث: أنّ الحقنة حتّى بالمائع حرام تكليفاً فقط؛ فلا يوجب البطلان فلا قضاء و لا كفّارة، نسب هذا القول إلى المحقّق في «المعتبر» و اختاره صاحب «المسالك» و «المدارك»؛ قال في «المسالك»: و الأصحّ تحريم الحقنة بالمائع من دون

أن يفسد الصوم «2»، و قال في «المدارك»: و استوجه المصنّف في «المعتبر» تحريم الحقنة بالمائع و الجامد دون الإفساد، و هو المعتمد «3».

الرابع: أنّها موجبة لبطلان الصوم، و أنّه يجب القضاء خاصّة و لا كفّارة، و نسب هذا القول إلى السيّد أبي المكارم في «الغنية» و أبي الصلاح الحلبي. و نفي الكفّارة لأجل أنّ الأصل عدم وجوبها إلّا فيما ورد فيه دليل خاصّ. و فيه: أنّ وجوب الكفّارة مترتّب على تعمّد الإفطار بأيّ مفطر كان، إلّا ما خرج بالدليل.

الخامس: أنّه يجب الكفّارة أيضاً، نسبه السيّد (رحمه اللّٰه) في «الناصريات» إلى قوم من أصحابنا، و هو المختار عندنا، و اختاره صاحب «الجواهر» (رحمه اللّٰه) و قال: الأقوى إن لم ينعقد إجماع كما حكاه في «المختلف» عن السيّد وجوب الكفّارة به؛ لاندراجه فيمن أفطر متعمّداً «4».

السادس: التردّد في كونها بالمائع مبطلة للصوم، و هو قول المحقّق (رحمه اللّٰه) في

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 41، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 5، الحديث 1.

(2) مسالك الأفهام 2: 19.

(3) مدارك الأحكام 6: 64.

(4) جواهر الكلام 16: 274.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 118

و لا بأس بالجامد المستعمل للتداوي كالشياف (82). و أمّا إدخال نحو الترياك للمعتادين به و غيرهم للتغذّي و الاستنعاش ففيه إشكال، فلا يترك الاحتياط باجتنابه، و كذلك كلّ ما يحصل به التغذّي من هذا المجرىٰ، بل و غيره كتلقيح ما يتغذّى به (83).

______________________________

«الشرائع»، منشأه إمكان حمل الأخبار على إرادة محض التكليف.

و استدلّ من قال بعدم الحرمة أو بعدم الإفساد بصحيحة علي بن جعفر المذكورة، و فيه: أنّها محمولة على الجامد بقرينة سائر الروايات.

و الدليل على كون الحقنة مفسدة ظهور صحيحة البزنطي عن

أبي الحسن (عليه السّلام) أنّه سأله عن الرجل يحتقن تكون به العلّة في شهر رمضان، فقال

الصائم لا يجوز له أن يحتقن «1».

و ظهور البأس المستفاد من مفهوم موثّقة علي بن الحسن بن فضّال عن محمّد بن الحسن عن أبيه قال: كتبتُ إلى أبي الحسن (عليه السّلام): ما تقول في اللَّطَف يستدخله الإنسان و هو صائم؟ فكتب (عليه السّلام)

لا بأس بالجامد «2»

، حيث إنّ عدم الجواز و البأس ظاهران في الحكم الوضعي.

(82) لموثّقة ابن فضّال المذكورة، فكتب (عليه السّلام)

لا بأس بالجامد.

(83) لا يخفى: أنّ مجرّد التغذّي من غير طريق الحلق غير مبطل للصوم؛ لأنّ المبطل هو الأكل و الشرب، و الظاهر منهما عرفاً إيصال المأكول و المشروب إلى الجوف من الطريق المتعارف و هو الحلق و إن كان من مجرى الأنف. و أمّا مجرّد إيصال الطعام و الشراب إلى الجوف من غير طريق الحلق أيّ طريق كان فلا يبطل.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 42، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 5، الحديث 4.

(2) وسائل الشيعة 10: 41، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 5، الحديث 2.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 119

..........

______________________________

و لعلّ وجه احتياط المصنّف (رحمه اللّٰه) هو أنّ الممنوع منه ليس هو خصوص الأكل و الشرب بل الأعمّ منهما، و أنّ المبطل هو الطعام و الشراب الواصل إلى الجوف من أيّ طريق كان.

و يستفاد هذا من صحيحة محمّد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر (عليه السّلام) يقول

لا يضرّ الصائم ما صنع إذا اجتنب ثلاث خصال: الطعام و الشراب و النساء و الارتماس في الماء «1»

، حيث لم يذكر فيها الأكل و الشرب. و رواية أبي بصير قال: قال

أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام)

الصيام من الطعام و الشراب. «2»

الخبر.

و فيه: أنّ الظاهر عرفاً من الاجتناب عن الطعام و الشراب هو الاجتناب عن الأكل و الشرب، و أنّ المبطل خصوص الأكل و الشرب لا مجرّد الإيصال إلى الجوف بأيّ وجه اتّفق، هذا.

مضافاً إلى أنّه لم يعلم وجه الاحتياط عن إدخال الترياك في الدبر لمجرّد الاستنعاش، و العجب منه (رحمه اللّٰه) أنّه لم يحشّ على «العروة الوثقى» في المسألة الرابعة من مسائل الأكل و الشرب من المفطرات، بل وافقه حيث قال السيّد (رحمه اللّٰه): المدار صدق الأكل و الشرب و إن كان بالنحو الغير المتعارف؛ فلا يضرّ مجرّد الوصول إلى الجوف إذا لم يصدق الأكل و الشرب، كما إذا صبّ دواءً في جرحه أو شيئاً في اذنه أو إحليله فوصل إلى جوفه «4»، انتهى. و مقتضى احتياط المصنّف (رحمه اللّٰه) هنا التحشية و الاحتياط فيما وصل إلى الجوف و كان غذاءً في تلك المسألة، و قد كانت للشاهرودي (رحمه اللّٰه) في تلك المسألة حاشية بهذه العبارة: في اللقاح المغذّية الأحوط الاجتناب.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 31، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 1، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 10: 32، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 1، الحديث 2.

(4) العروة الوثقى 1: 177، المسألة 4.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 120

نعم لا بأس بتلقيح غيره للتداوي، كما لا بأس بوصول الدواء إلىٰ جوفه من جرحه (84).

[العاشر: تعمّد القي ء و إن كان للضرورة]

اشارة

العاشر: تعمّد القي ء و إن كان للضرورة، دون ما كان منه بلا عمد، و المدار صدق مسمّاه (85).

______________________________

(84) لعدم صدق عنوان من عناوين المفطرات عليه، و ليس غذاءً كي يحتاط فيه.

(85) في المسألة أقوال:

الأوّل: أنّ القي ء حرام

على الصائم تكليفاً فقط، ذهب إليه ابن إدريس.

الثاني: أنّه موجب للقضاء و الكفّارة، نسبه السيّد (رحمه اللّٰه) إلى بعض علمائنا.

الثالث: أنّه موجب للقضاء فقط، و هو المشهور بين الأصحاب شهرةً عظيمة، بل إجماع من المتأخّرين، بل في «الخلاف» و ظاهر «الغنية» و المحكي عن «المنتهي» الإجماع عليه، و هو المختار عندنا، نعم الكفّارة أحوط.

و يدلّ على كونه مفطراً صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

إذا تقيّأ الصائم فقد أفطر، و إن ذرعه من غير أن يتقيّأ فليتمّ صومه «1».

و صحيحة أُخرى للحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

إذا تقيّأ الصائم فعليه قضاء ذلك اليوم، و إن ذرعه من غير أن يتقيّأ فليتمّ صومه «2»

، و معنى قوله (عليه السّلام)

ذرعه

أي سبقه من غير اختيار، كذا ذكر في «المسالك» و صوم الشيخ الأنصاري (رحمه اللّٰه).

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 86، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 29، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 10: 87، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 29، الحديث 3.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 121

و لو ابتلع في الليل ما يجب عليه ردّه، و يكون القي ء في النهار مقدّمة له، صحّ صومه لو ترك القي ء عصياناً و لو انحصر إخراجه به (86).

______________________________

و موثّقة سماعة قال: سألته عن القي ء في رمضان، فقال

إن كان شي ء يبدره فلا بأس، و إن كان شي ء يكره نفسه عليه فقد أفطر و عليه القضاء «1».

و موثّقة مسعدة بن صدقة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن أبيه (عليه السّلام) أنّه قال

من تقيّأ متعمّداً و هو صائم فقد أفطر و عليه الإعادة، فإن شاء اللّٰه عذّبه و إن شاء غفر

له

، و قال

من تقيّأ و هو صائم فعليه القضاء «2».

و مرسلة عبد اللّٰه بن بُكير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

من تقيّأ متعمّداً و هو صائم قضى يوماً مكانه «3».

و رواية علي بن جعفر في كتابه عن أخيه (عليه السّلام) قال: سألته عن الرجل يستاك و هو صائم فيقي ء ما عليه؟ قال

إن كان تقيّأ متعمّداً فعليه قضاؤه، و إن لم يكن تعمّد ذلك فليس عليه شي ء «4».

و لا يخفى: أنّ القي ء كسائر موضوعات الأحكام تشخيصه موكول إلى العرف، فخروج مثل النواة أو الدودة و كذلك القلس خروج مقدار قليل من الطعام و الشراب إلى الفم لا يعدّ قيئاً.

(86) صورة المسألة: أنّه لو ابتلع قبل الفجر ما لا يرضى صاحبه ببقائه في

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 87، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 29، الحديث 5.

(2) وسائل الشيعة 10: 88، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 29، الحديث 6.

(3) وسائل الشيعة 10: 88، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 29، الحديث 7.

(4) وسائل الشيعة 10: 89، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 29، الحديث 10.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 122

..........

______________________________

جوفه و كان ردّه واجباً عند طلوع الفجر أو بعده فحينئذٍ يجب ردّه إلى صاحبه بالقي ء، فالقي ء واجب لكونه مقدّمة. و لو عصى و ترك القي ء فهل يصحّ الصوم منه أم لا؟ قد أفتى السيّد (رحمه اللّٰه) في «العروة الوثقى» و جماعة من الفقهاء المحشّين عليها بفساد صومه في فرض المسألة، و المسألة متفرّعة على مسألة الترتّب؛ فمن قال: إنّ الأمر الترتّبي أمر غير معقول قال في مسألتنا ببطلان الصوم لو ترك القي ء

في اليوم، و من قال بأنّه أمر معقول قال بصحّة الصوم.

و على هذه المسألة تتفرّع فروع فقهية:

منها: الصلاة في سعة الوقت و إزالة النجاسة عن المسجد.

و منها: ما لو فرض حرمة الإقامة على المسافر من الفجر إلى الزوال، كما لو نهاه الوالد عنها فيه، و فرض مخالفة نهي الوالد و قصد الإقامة؛ فصحّة صومها و عدمها متفرّعان على مسألة الترتّب.

و منها: ما لو فرض وجوب الإقامة على المسافر أوّل الزوال، كمن أمر والده بها فيه؛ فحينئذٍ يجب عليه قصد الإقامة و إتمام الصلاة، فلو خالف أمر والده و ترك قصد الإقامة يجب عليه القصر مترتّباً. و كذا عكسه؛ و هو ما لو فرض حرمة الإقامة عليه في الوقت المزبور للنهي توجّه إليه وجوب القصر، و لو خالف نهيه و قصد الإقامة يجب عليه التمام للترتّب.

و منها: وجوب الخمس المترتّب على عصيان الأمر بأداء الدين و كان الدين قبل عام الربح.

و منها: ما نحن فيه.

و حيث إنّ المشهور و منهم صاحب «العروة الوثقى» قائلون بعدم إمكان الترتّب فإنّ الإفطار المحقّق بالقي ء و الإمساك ضدّان لا ثالث لهما، و كلّ منهما مفروض الوجود عند ترك الآخر، كالحركة و السكون، فلا يعقل الأمر بأحدهما عند

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 123

نعم لو فرض ابتلاع ما حكم الشارع بقيئه بعنوانه، ففي الصحّة و البطلان تردّد، و الصحّة أشبه (87).

[ (مسألة 16): لو خرج بالتجشُّؤ شي ء و وصل إلىٰ فضاء الفم، ثمّ نزل من غير اختيار]

(مسألة 16): لو خرج بالتجشُّؤ شي ء و وصل إلىٰ فضاء الفم، ثمّ نزل من غير اختيار، لم يبطل صومه (88)،

______________________________

ترك الآخر؛ لأنّ أحدهما محقّق قهراً عند ترك الآخر و الأمر به من قبيل طلب الحاصل أفتوا بفساده.

و فيه: أنّ ما نحن فيه ليس من قبيل ضدّين لا ثالث

لهما، حيث إنّ القي ء ليس ضدّه الإمساك المطلق فقط حتّى يقال: إنّه إذا عصى بترك القي ء فقد تحقّق الإمساك المطلق قهراً؛ فلا يعقل الأمر به و إلّا يكون من قبيل طلب الحاصل، بل له ضدّ ثالث؛ و هو الإمساك المخصوص؛ أي الإمساك المتقرّب به إلى اللّٰه تعالى؛ فحينئذٍ يعقل الأمر به على فرض عصيان القي ء؛ فلا إشكال في إمكان التقرّب و صحّة الصوم بترك القي ء إذا لم يكن القي ء مقدّمة منحصرة لردّ ما ابتلع، و إنّما الإشكال و الخلاف فيما توقّف الردّ على خصوص القي ء لا غير.

(87) لكون القي ء حينئذٍ مأموراً به من الشارع فلا يبطل.

(88) هنا مسألتان:

الاولى: أنّ خروج الطعام من الجوف إلى فضاء الفم ليس مبطلًا للصوم؛ لعدم كونه قيئاً. و يدلّ عليه صحيح عبد اللّٰه بن سنان قال: سُئل أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الرجل الصائم يقلس فيخرج منه الشي ء من الطعام، أ يفطره ذلك؟ قال

لا. «1»

الخبر. و صحيح محمّد بن مسلم قال: سئل أبو جعفر (عليه السّلام) عن القلس يفطر الصائم؟ قال:

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 88، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 29، الحديث 9.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 124

و لو بلعه اختياراً بطل (89)

______________________________

لا «1».

و موثّقة سماعة قال: سألته عن القلس و هي الجشاء يرتفع الطعام من جوف الرجل، من غير أن يكون تقيّأ و هو قائم في الصلاة، قال

لا تنقض ذلك وضوءه و لا يقطع صلاته و لا يفطر صيامه «2».

و صحيحة اخرى لمحمّد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن القلس أ يفطر الصائم؟ قال

لا «3»

، و القلس: خروج الطعام أو الشراب من البطن إلى الفم مل ء

الفم أو دونه، كذا في «المنجد».

الثانية: لو بلع من غير اختيار ما خرج من الجوف إلى فضاء الفم فلا يبطل صومه؛ لأنّه و إن كان يصدق عليه الأكل إلّا أنّه مفطر إذا كان مع العمد و الاختيار.

فرع: لو بلع ما خرج من الجوف و بلغ الحلق و لم يصل إلى فضاء الفم فلا يبطل صومه. و يدلّ عليه موثّق عمّار بن موسى الساباطي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن الرجل يخرج من جوفه القلس حتّى يبلغ الحلق ثمّ يرجع إلى جوفه و هو صائم، قال

ليس بشي ءٍ «4».

(89) و ذلك لإطلاق الأكل عليه، و لا يختصّ الأكل بخصوص ما دخل من الخارج في الفم و منه إلى الجوف، و إن كان هو المتداول.

و لقائل أن يقول: إنّ الأكل العمدي و إن كان مبطلًا إلّا أنّه يختصّ بخصوص الداخل من الخارج؛ و ذلك لصراحة صحيحة عبد اللّٰه بن سنان المتقدّمة في أنّ ازدراد

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 89، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 30، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 10: 90، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 30، الحديث 3.

(3) وسائل الشيعة 10: 90، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 30، الحديث 4.

(4) وسائل الشيعة 10: 90، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 30، الحديث 2.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 125

و عليه القضاء و الكفّارة (90). و لا يجوز للصائم التجشُّؤ اختياراً إذا علم بخروج شي ء معه يصدق عليه القي ء، أو ينحدر بعد الخروج بلا اختيار (91)،

______________________________

ما خرج من الجوف و صار على لسانه ليس مفطراً «1».

و فيه: أنّ الصحيحة معرض عنها عند

المشهور، و في «الجواهر»: أنّه لا أجد عاملًا بما في صحيح ابن سنان «2»، أو محمولة على صورة النسيان، هذا. و طريق الاحتياط واضح.

(90) أمّا القضاء فلبطلان الصوم، و أمّا الكفّارة فللإفطار العمدي. و في «العروة الوثقى»: بل تجب كفّارة الجمع إذا كان حراماً من جهة خباثته أو غيرها «3»، كالغصبية و النجاسة.

(91) أمّا عدم جواز التجشّؤ فلكونه موجباً للقي ء المفطر، و القي ء و إن لم يكن اختيارياً حين تحقّقه إلّا أنّه بالأخرة ينتهي إلى الاختيار باختيارية مقدّمته و هي التجشّؤ و كذا لا يجوز التجشّؤ فيما علم بخروج شي ء لا يصدق عليه القي ء و لكنّه يعلم أنّه بعد خروجه إلى فضاء الفم ينحدر و يدخل في الجوف بلا اختيار؛ فإنّ دخوله في الجوف يصدق عليه الأكل، و هو و إن كان غير اختياري إلّا أنّه ينتهي إلى الاختيار.

و في «العروة الوثقى» في المسألة الرابعة و السبعين قال: يجوز للصائم التجشّؤ اختياراً و إن احتمل خروج شي ء من الطعام معه. و أمّا إذا علم بذلك

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 88، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 29، الحديث 9.

(2) جواهر الكلام 16: 295.

(3) العروة الوثقى 2: 194، المسألة 69.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 126

و إن لم يعلم به (92) بل احتمله فلا بأس به، بل لو ترتّب عليه حينئذٍ الخروج و الانحدار لم يبطل صومه (93). هذا إذا لم يكن من عادته ذلك، و إلّا ففيه إشكال (94)، و لا يُترك الاحتياط (95).

[ (مسألة 17): لا يبطل الصوم بابتلاع البصاق المجتمع في الفم]

(مسألة 17): لا يبطل الصوم بابتلاع البصاق المجتمع في الفم؛ و إن كان بتذكّر ما كان سبباً لاجتماعه (96)،

______________________________

فلا يجوز «1»، انتهى.

و لا يخفى: أنّه لا وجه لحرمة

مجرّد التجشّؤ مع العلم بخروج شي ء من الطعام معه من غير صدق القي ء عليه، بل يدلّ على جوازه موثّقة سماعة المتقدّمة «2».

(92) و ذلك لأصالة الجواز في التجشّؤ، و لا وجه للإشكال فيه كما عن بعض محشّي «العروة الوثقى».

(93) أي فيما كان الانحدار بلا اختيار؛ فإنّ الانحدار الاختياري مبطل حتّى فيما لم يحتمل خروج شي ء مع التجشّؤ، و مع ذلك اتّفق خروجه معه و انحدر باختياره فإنّه مفطر عمدي.

(94) وجه الصحّة عدم العمد إلى المفطر حين التجشّؤ، و وجه البطلان أنّه مع العادة يحصل الوثوق و الاطمئنان حين التجشّؤ بالخروج و الانحدار.

(95) لأنّ العادة لها نحو من الطريقية العرفية.

(96) هذه المسألة ممّا لا خلاف فيه، و نسب العلّامة (رحمه اللّٰه) في «التذكرة» عدم البطلان إلى علمائنا، و عليه استقرّت السيرة، و في إلزام الصائمين على دفع البصاق

______________________________

(1) العروة الوثقى 2: 195.

(2) وسائل الشيعة 10: 90، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 30، الحديث 3.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 127

و لا بابتلاع النخامة التي لم تصل إلىٰ فضاء الفم؛ من غير فرق بين النازلة من الرأس و الخارجة من الصدر على الأقوىٰ. و أمّا الواصلة إلىٰ فضاء الفم فلا يترك الاحتياط بترك ابتلاعها (97)،

______________________________

حرجٌ، و مقتضى الأصل البراءة. و يؤيّده رواية أبي جميلة عن زيد الشحّام عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في الصائم يتمضمض، قال

لا يبلع ريقه حتّى يبزق ثلاث مرّات «1»

؛ يعني أنّه لا بأس ببلع ريقه بعد أن يبزق ثلاث مرّات، و قد عنون صاحب «الوسائل» (رحمه اللّٰه) الباب بباب كراهة ابتلاع الصائم ريقه بعد المضمضة حتّى يبزق ثلاث مرّات و يجزي مرّة.

(97) اختلف في المسألة على

أقوال:

الأوّل: أنّه يجوز ابتلاع النخامة و هي الأخلاط مطلقاً؛ سواءٌ كانت نازلة من الرأس أو خارجة من الصدر، و سواءٌ وصلت إلى فضاء الفم أو لم تصل فلا يبطل الصوم بابتلاعها. ذهب إليه العلّامة (رحمه اللّٰه) في «التذكرة» و «المنتهي» و صاحب «الجواهر» (رحمه اللّٰه) و بعض فقهائنا المعاصرين (رحمه اللّٰه) في تعليقته على «العروة»، بل يظهر من العلّامة (رحمه اللّٰه): أنّ محلّ الخلاف بينه و بين العامّة هي النخامة الواصلة إلى فضاء الفم، حيث شبّه النخامة بالريق، و عليك بعين عبارته: قال في «المنتهي»: لو ابتلع النخامة المختلّة (المنقلقة) من صدره أو رأسه لم يفطر، و قال الشافعي: يفطر، و عن أحمد روايتان لنا: أنّه معتاد في الفم غير واصل من خارج فأشبه الريق، و لأنّ البلوى تعمّ به لعدم انفكاك الصائم عنه؛ فالاحتراز عنه مشقّة عظيمة، فوجب العفو عنه كالريق «2»، انتهى.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 91، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 31، الحديث 1.

(2) منتهى المطلب 2: 563/ السطر 29.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 128

و لو خرجت عن الفم ثمّ ابتلعها بطل صومه (98)، و كذا البصاق. بل لو كانت في فمه حصاة، فأخرجها و عليها بِلّة من الريق، ثمّ أعادها و ابتلعها، أو بلّ الخيّاط الخيط بريقه، ثمّ ردّه و ابتلع ما عليه من الرطوبة، أو استاك و أخرج المسواك المبلّل بالريق، فردّه و ابتلع ما عليه من الرطوبة إلىٰ غير ذلك، بطل صومه.

______________________________

و يدلّ عليه موثّقة غياث بن إبراهيم عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

لا بأس أن يزدرد الصائم نخامته «1»

، هذا بناءً على كون النخامة مطلق الأخلاط؛ سواء النازلة من الرأس و الخارجة

من الصدر.

الثاني: التفصيل بين ما يخرج من الصدر من الخلط و ما ينزل من الرأس؛ بجواز الابتلاع في الأوّل و المنع في الثاني؛ لوجوب الاقتصار في الجواز على مورد الدليل و هي النخامة؛ و هي عبارة عن الأخلاط الخارجة من الصدر و يبقى ما ينزل من الرأس مشمولًا للأدلّة المانعة. و فيه: أنّ بعض اللغويين صرّح بالعكس؛ أي كون النخامة ما ينزل من الرأس، و ما يخرج من الصدر يسمّى بالنخاعة، و بعض آخر بأنّهما مترادفان؛ فلا يكون مورد الرواية خصوص الخارج من الصدر.

الثالث: التفصيل بين ما وصل إلى فضاء الفم منهما و بين ما لم يصل إليه؛ بالمنع في الأوّل و الجواز في الثاني، و وجه المنع صدق الأكل عليه. و هذا هو الوجه في احتياط المصنّف (رحمه اللّٰه) و غيره من الفقهاء.

و أوجه الأقوال هو الأوّل ثمّ الثالث.

(98) و ذلك لصدق الأكل عليه حقيقة، كما في البصاق الخارج من الفم الداخل فيه ثمّ يبتلعه الصائم فإنّه يصدق عليه شرب البصاق الخارجي، و كذلك

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 108، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 39، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 129

نعم لو استهلك ما كان عليه من الرطوبة في ريقه علىٰ وجه لا يصدق أنّه ابتلع ريقه مع غيره لا بأس به (99).

______________________________

لو كانت في فمه حصاة و نحوها فأخرجها و عليها بلّة من ريق فمه ثمّ أعادها و ابتلعها، أو بلّ الخياط الخيط بريقه ثمّ ردّه و ابتلع ما عليه من الرطوبة، أو استاك و أخرج المسواك و معه رطوبة ثمّ أعاده و ابتلع ما عليه من الرطوبة، ففي جميع ذلك يبطل صومه؛ لأنّه يصدق عليه أنّه

شرب الرطوبة الخارجية و لو كانت أقلّ من القليل جدّاً.

(99) و ذلك لأنّه إذا استهلكت الرطوبة الخارجية في ريقه انتفى موضوع المبطل، حيث إنّ الرطوبة الخارجية و إن كانت موجودة في الفم غير منتفية حقيقة، بل زيدت على ريق الفم فزاد ريق الفم كمّاً، إلّا أنّه لا يصدق على ما في الفم أنّه شيئان و عنوانان: أحدهما عنوان ريق الفم و الآخر عنوان رطوبة خارجية، بل له عنوان واحد فقط؛ و هو ريق الفم و بصاقه، فزال العنوان الآخر جدّاً.

و قد ورد في خصوص الاستياك بالمسواك المبلّل عدّة من الروايات:

منها: صحيحة الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) أ يستاك الصائم بالماء و بالعود الرطب يجد طعمه؟ فقال

لا بأس به «1».

و منها: رواية موسى بن أبي الحسن الرازي عن أبي الحسن الرضا (عليه السّلام) قال: سأله بعض جلسائه عن السواك في شهر رمضان، قال

جائز

، فقال بعضهم: إنّ السواك تدخل رطوبته في الجوف، فقال: ما تقول في السواك الرطب تدخل رطوبته في الحلق؟ فقال (عليه السّلام)

الماء للمضمضة أرطب من السواك الرطب، فإن قال قائل

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 83، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 28، الحديث 3.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 130

..........

______________________________

لا بدّ من الماء للمضمضة من أجل السنّة فلا بدّ من السواك من أجل السنّة التي جاء بها جبرئيل على النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) «1».

و منها: رواية عبد اللّٰه بن جعفر في «قرب الإسناد» قال: قال علي (عليه السّلام)

لا بأس بأن يستاك الصائم بالسواك الرطب في أوّل النهار و آخره، فقيل لعلي (عليه السّلام) في رطوبة السواك، فقال: المضمضة بالماء أرطب منه، فقال علي

(عليه السّلام): فإن قال قائل لا بدّ من المضمضة لسنّة الوضوء، قيل له فإنّه لا بدّ من السواك للسنّة التي جاء بها جبرئيل «2».

و منها: رواية محمّد بن إدريس في آخر «السرائر» نقلًا من كتاب موسى بن بكر، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) أنّه سئل عن السواك، فقال

إنّي لأستاك بالماء و أنا صائم «3».

و في عدّة من روايات الباب قد ورد النهي عن السواك بالعود الرطب.

منها: رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

لا يستاك الصائم بعود رطب «4».

و منها: صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

يستاك الصائم أيّ (وقت من) النهار شاء، و لا يستاك بعود رطب «5».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 83، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 28، الحديث 4.

(2) وسائل الشيعة 10: 86، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 28، الحديث 15.

(3) وسائل الشيعة 10: 86، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 28، الحديث 16.

(4) وسائل الشيعة 10: 84، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 28، الحديث 7.

(5) وسائل الشيعة 10: 84، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 28، الحديث 8.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 131

و مثله ذوق المرق و مضغ الطعام و المتخلّف من ماء المضمضة. و كذا لا بأس بالعلك على الأصحّ و إن وجد منه طعماً في ريقه (100)؛

______________________________

و منها غير ذلك فراجع الباب. و مقتضى الجمع حمل الأخبار المجوّزة على صورة الاستهلاك، و المانعة على صورة ابتلاع رطوبة العود من غير استهلاك. و يمكن الجمع بينهما بحمل المانعة على الكراهة، قال به الشيخ (رحمه اللّٰه).

(100) اختلف

فقهاؤنا في جواز العِلك و عدمه؛ فقال الشيخ (رحمه اللّٰه) في «النهاية»: إنّه لا يجوز للصائم مضغ العِلك «1»، و قال في «المبسوط»: و يكره استجلابه أي ريق الفم بما له طعم و يجري مجرى ذلك العِلك كالكُندر و ما أشبهه. و ليس ذلك بمفطر في بعض الروايات، و في بعضها أنّه يفطر و هو الاحتياط «2»، انتهى.

و في «التذكرة»: يكره مضغ العِلك و ليس محرّماً، و به قال الشافعي و النخعي و قتادة و أحمد و إسحاق و أصحاب الرأي للأصل. إلى أن قال: و لا فرق بين ذي الطعم و غيره، و لا بين القوي الذي لا يتحلّل أجزاؤه و الضعيف الذي يتحلّل إذا تحفّظ من ابتلاع المتحلّل من أجزائه و إن وجد طعمه في حلقه «3»، انتهى.

و المختار عندنا جوازه مع الكراهة الشديدة المستفادة من بعض الروايات، كصحيحة محمّد بن مسلم قال: قال أبو جعفر (عليه السّلام)

يا محمّد إيّاك أن تمضغ عِلكاً؛ فإنّي مضَغتُ اليوم عِلكاً و أنا صائم فوجدت في نفسي منه شيئاً «4».

______________________________

(1) النهاية: 157.

(2) المبسوط 1: 273.

(3) تذكرة الفقهاء 6: 34 35.

(4) وسائل الشيعة 10: 104، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 36، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 132

ما لم يكن ذلك بتفتّت أجزائه و لو كان بنحو الذَّوَبان في الفم (101).

[ (مسألة 18) كلّ ما يفسد الصوم إنّما يُفسده إذا وقع عن عمد]

(مسألة 18): كلّ ما مرّ من أنّه يفسد الصوم ما عدا البقاء على الجنابة الذي مرّ التفصيل فيه إنّما يُفسده إذا وقع عن عمد، لا بدونه (102) كالنسيان أو عدم القصد،

______________________________

و في صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قلت: الصائم يمضغ العِلك، قال

لا «1».

و في رواية أبي بصير

عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن الصائم يمضغ العِلك؟ قال

نعم «2».

و مقتضى الجمع بين هذه الروايات حمل النهي على الكراهة.

(101) لو تفتّت أجزاء العلك و لو بنحو الذوبان و ابتلعه الصائم مع ريقه يبطل صومه بلا إشكال؛ لكونه أكلًا لشي ء قليل و لو تدريجاً.

(102) أمّا البقاء على الجنابة فقد يفسد الصوم بدون العمد و يجب القضاء في بعض موارده، و قد مرّ منه (رحمه اللّٰه) في ذيل المسألة الحادية عشرة من مسائل «القول فيما يجب الإمساك عنه» قوله (رحمه اللّٰه): «و لو انتبه أي من النوم الأوّل ثمّ نام ثانياً حتّى طلع الفجر بطل صومه فيجب عليه الإمساك تأدّباً و القضاء» و تدلّ عليه صحيحتا معاوية بن عمّار و ابن أبي يعفور المتقدّمتان في شرح قوله المذكور هناك. و أمّا في غير المورد المذكور من سائر المفطرات كلّها فالمبطل منها ما كان عن عمدٍ

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 105، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 36، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 10: 105، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 36، الحديث 3.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 133

..........

______________________________

و اختيارٍ لا بدونه؛ بأن يفطر بدون القصد أو نسياناً. و الإفطار بدون القصد كما فيمن أتى المفطر قهراً و بلا اختيار و مَن اجبر عليه مثلًا فاعتبار العمد في مبطلية المفطرات كلّها ممّا لا خلاف فيه.

و ورد في جملة من الروايات تقييد المبطل بالعمد، كما في الكذب و القي ء و الإفطار قبل الغروب و الجماع:

منها: موثّقة سماعة قال: سألته عن رجل كذب في شهر رمضان، فقال

قد أفطر و عليه قضاؤه و هو صائم يقضي صومه و وضوءه إذا

تعمّد «1».

و منها: موثّقة مسعدة بن صدقة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن أبيه (عليه السّلام) أنّه قال

من تقيّأ متعمّداً و هو صائم فقد أفطر و عليه الإعادة «2».

و منها: مرسلة عبد اللّٰه بن بكير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

من تقيّأ متعمّداً و هو صائم قضى يوماً مكانه «3».

و منها: رواية علي بن جعفر في كتابه عن أخيه قال: سألته عن الرجل يستاك و هو صائم فيقي ء ما عليه؟ قال

فعليه قضاؤه، و إن لم يكن تعمّد ذلك فليس عليه شي ء «4».

و منها: موثّقة سماعة الواردة في الإفطار قبل الغروب عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في قوم صاموا شهر رمضان فغشيهم سحاب أسود عند غروب الشمس فرأوا أنّه

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 34، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 2، الحديث 3.

(2) وسائل الشيعة 10: 88، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 29، الحديث 6.

(3) وسائل الشيعة 10: 88، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 29، الحديث 7.

(4) وسائل الشيعة 10: 89، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 29، الحديث 10.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 134

فإنّه لا يُفسده بأقسامه. كما أنّ العمد يفسده بأقسامه (103)؛

______________________________

الليل فأفطر بعضهم، ثمّ إنّ السحاب انجلى فإذن الشمس، فقال

على الذي أفطر صيام ذلك اليوم، إنّ اللّٰه عزّ و جلّ يقول ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيٰامَ إِلَى اللَّيْلِ فمن أكل قبل أن يدخل الليل فعليه قضاؤه؛ لأنّه أكل متعمّداً «1».

فالمستفاد من الروايات المذكورة و نحوها: أنّ بطلان الصوم مترتّب على الإفطار العمدي؛ ففيما أفطر بلا عمد لا يبطل الصوم، و كذا لا يبطل فيما أفطر ناسياً

للصوم. و قد نفى المفطرية عن الأكل و الشرب و الجماع الواقع كلّها عن نسيان في جملة من روايات الباب التاسع من أبواب ما يمسك عنه الصائم من «الوسائل» كصحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) أنّه سئل عن رجل نسي فأكل و شرب ثمّ ذكر، قال

لا يفطر، إنّما هو شي ء رزقه اللّٰه فليتمّ صومه «2»

، و نحوها غيرها. و مورد الروايات و إن كان خصوص بعض المفطرات كالأكل و الشرب و الجماع إلّا أنّ إلحاق الباقي بها ممّا تسالم عليه الأصحاب.

(103) أي واجباً كان الصوم أو مندوباً، رمضاناً كان أو غيره، بلا خلاف من الأصحاب؛ و لذا قال الصدوق (رحمه اللّٰه) بعد نقل صحيحة الحلبي و عمّار الساباطي: و روى عن الأئمّة:

إنّ هذا في شهر رمضان و غيره و لا يجب منه القضاء «3».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 121، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 50، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 10: 50، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 9، الحديث 1.

(3) وسائل الشيعة 10: 50، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 9، الحديث 1 و 2 و 3.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 135

من غير فرق بين العالم بالحكم و الجاهل به، مقصّراً على الأقوىٰ، أو قاصراً على الأحوط (104).

______________________________

(104) في المسألة أقوال:

الأوّل: أنّ كلّ واحد من المفطرات إذا صدر عن الصائم عامداً فهو مبطل؛ سواءٌ فيه العالم بالحكم و الجاهل به، مقصّراً كان أو قاصراً؛ فيجب القضاء و الكفّارة لكلّ من العالم و الجاهل بقسميه. و في «الجواهر»: أنّ المحكي عن الأكثر بل هو المشهور فساد صومه الجاهل كالعالم «1»، انتهى. و ذلك لإطلاق ما

دلّ على وجوبهما، كصحيحة عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في رجل أفطر من شهر رمضان متعمّداً يوماً واحداً من غير عذر، قال

يعتق نسمة أو يصوم شهرين متتابعين، أو يطعم ستّين مسكيناً، فإن لم يقدر تصدّق بما يطيق «2».

الثاني: أنّه مختصّ بالعالم فلا يبطل بالنسبة إلى الجاهل بقسميه. و نسب إلى الشيخ في «التهذيب» و ابن إدريس: أنّه إذا جامع أو أفطر جاهلًا بالتحريم لم يجب عليه شي ء، و إليه ذهب صاحب «الحدائق» و قال: و بما ذكرنا من التحقيق في المسألة يظهر أنّ أظهر الأقوال في المسألة ما نقل عن ابن إدريس استناداً إلى الأدلّة الدالّة على معذورية الجاهل بالأحكام «3».

و استدلّ لهذا القول بسقوط القلم عن الجاهل؛ ففي صحيحة عبد الصمد بن

______________________________

(1) جواهر الكلام 16: 254.

(2) وسائل الشيعة 10: 44، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 8، الحديث 1.

(3) الحدائق الناضرة 13: 66.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 136

و من العمد من أكل ناسياً فظنّ فساده فأفطر عامداً (105).

______________________________

بشير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) فيمن لبس قميصه المخيط حال الإحرام

أيّ رجل ركب أمراً بجهالة فلا شي ء عليه «1».

و بإطلاق موثّقة زرارة و أبي بصير قالا جميعاً: سألنا أبا جعفر (عليه السّلام) عن رجل أتى أهله في شهر رمضان و أتى أهله و هو محرم و هو لا يرى إلّا أنّ ذلك حلال له، قال

ليس عليه شي ء «2».

الثالث: أنّ العالم يجب عليه القضاء و الكفّارة، و الجاهل يفسد صومه و يجب عليه القضاء دون الكفّارة. ذهب إليه المحقّق في «المعتبر» و اختاره صاحب «المدارك». و وجه وجوب القضاء على الجاهل أنّه تعمّد

إلى ما هو المفطر، و وجه عدم وجوب الكفّارة أنّ الكفّارة عقوبة و لا عقوبة على الجاهل.

الرابع: التفصيل بين الجاهل المقصّر في السؤال و بين القاصر عنه؛ و وجوب القضاء و الكفّارة على الأوّل لكونه غير معذور كالعالم، و وجوب القضاء دون الكفّارة على الثاني. أمّا وجوب القضاء فلإطلاق أدلّته، و لا يعارضه الموثّق المتقدّم لزرارة و أبي بصير؛ فإنّ المراد من نفي الشي ء عليه في الموثّق بناءً على ظهوره في القاصر نفي الكفّارة؛ لأنّ الجاهل المذكور معذور. و أمّا عدم وجوب الكفّارة فلأنّها عقوبة مترتّبة على الآثم، و القاصر ليس بآثم.

(105) الصائم لا يبطل صومه بالأكل ناسياً، و لا اعتبار بظنّ فساد صومه؛ فإفطاره عامداً يوجب بطلانه بلا كلام، غاية الأمر أنّه جاهل بأنّ الأكل ناسياً لا يبطل، فإن كان جاهلًا مقصّراً فهو كالعالم يجب عليه القضاء و الكفّارة، و إن كان

______________________________

(1) وسائل الشيعة 12: 488، كتاب الحج، أبواب تروك الإحرام، الباب 45، الحديث 3.

(2) وسائل الشيعة 10: 53، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 9، الحديث 12.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 137

و المقهور المسلوب عنه الاختيار المؤجَر في حَلقه لا يبطل صومه (106). و المكرَه الذي يتناول بنفسه يبطله (107).

______________________________

قاصراً يجب عليه القضاء فقط.

(106) لعدم تعمّده إلى الإفطار، و قال صاحب «الحدائق» (رحمه اللّٰه) بوجوب القضاء في المؤجر كالمكرَه.

(107) لأنّ المكرَه يتناول المكرَه عليه عمداً و باختياره لدفع الضرر المتوعّد به عنه، فله أن يتحمّل الضرر و لا يختار الإفطار، فإفطاره عمدي و اختياري؛ فيشمله إطلاق أدلّة المفطرات الصادرة عن عمد، فيبطل صومه.

و يؤيّده مرسلة رفاعة عن رجل عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

دخلت على أبي

العبّاس بالحيرة فقال: يا أبا عبد اللّٰه ما تقول في الصيام اليوم؟ فقلت: ذاك إلى الإمام إن صُمتَ صمنا و إن أفطرت أفطرنا، فقال: يا غلام عليَّ بالمائدة فأكلتُ معه و إنّي أعلم و اللّٰهِ أنّه يوم من شهر رمضان، فكان إفطاري يوماً و قضاؤه أيسر عليّ من أن يضرب عنقي و لا يعبد اللّٰه «1»

، حيث صرّح بالقضاء في الإفطار للتقية.

و قال جماعة من فقهائنا و منهم صاحب «المدارك» (رحمه اللّٰه) لا يبطل صوم المكرَه، و نسبه في «الحدائق» إلى المشهور. و العمدة في استدلالهم: هو أنّ أدلّة المفطرات منصرفة إلى من أفطر اختياراً و بطيب نفسه؛ سواء كان ارتكاب المفطر في نفسه مباحاً للصائم كالسفر أو حراماً عليه كسائر المفطرات، و المكره ليس له طيب النفس، و أنّ حديث الرفع يرفع القضاء و الكفّارة.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 132، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 57، الحديث 5.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 138

و لو اتّقىٰ من المخالفين في أمر يرجع إلىٰ فتواهم أو حكمهم فلا يفطره (108)، فلو ارتكب تقيّة ما لا يرى المخالف مُفطّراً صحّ صومه على الأقوىٰ. و كذا لو أفطر قبل ذهاب الحمرة؛ بل و كذا لو أفطر يوم الشكّ تقيّة لحكم قضاتهم بحسب الموازين الشرعيّة التي عندهم لا يجب عليه القضاء مع بقاء الشكّ على الأقوىٰ. نعم لو علم بأنّ حكمهم بالعيد مخالف للواقع، يجب عليه الإفطار تقيّة، و عليه القضاء على الأحوط.

______________________________

و فيه: أنّ المبطل هو الإفطار العمدي الاختياري و طيب النفس ليس مأخوذاً في مفهوم العمد و لا منشأ للانصراف. و إنّ حديث الرفع لا يصلح لإثبات صحّة الصوم؛ لأنّ شأنه الرفع لا الإثبات.

و في «المسالك»: أنّ المراد برفع الخطأ و قسيميه في الحديث رفع المؤاخذة عليها لا رفع جميع أحكامها «1»، انتهى.

(108) اختلف فقهاؤنا في بطلان الصوم بالإفطار للتقية، نسبه صاحب «الحدائق» إلى المشهور و أنّهم قالوا: و في معنى الإكراه الإفطار في يوم يجب صومه للتقية و التناول قبل الغروب لأجل ذلك. إلى أن قال: و ممّا يؤيّد ذلك أنّهم جعلوا الإفطار للتقية في معنى الإكراه؛ فإنّهما في الحقيقة من باب واحد و مرجعهما إلى أمر واحد؛ و هو الإفطار لدفع الضرر «2»، انتهى.

و قد يستدلّ على صحّة العمل و منه الصوم و إجزاؤه في مقام التقية بعدّة من الروايات نذكر بعضها:

منها: رواية أبي عمر الأعجمي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في حديث: أنّه قال:

______________________________

(1) مسالك الأفهام 2: 20.

(2) الحدائق الناضرة 13: 68 69.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 139

..........

______________________________

لا دين لمن لا تقية له، و التقية في كلّ شي ء إلّا في النبيذ و المسح على الخفّين «1».

و منها: صحيحة زرارة قال: قلت له في مسح الخفّين تقية؟ فقال

ثلاثة لا أتّقي فيهنّ أحداً: شرب المسكر و مسح الخفّين و متعة الحجّ

، قال زرارة: و لم يقل الواجب عليكم أن لا تتّقوا فيهنّ أحداً «2». وجه الاستدلال: أنّ استثناء المسح على الخفّين و عدم إجزائه للتقية يقتضي شمول المستثنى منه للحكم الوضعي، و أنّ غير المسح على الخفّين من الأعمال الجارية على طبق التقية صحيح و مجزٍ، و من جملة تلك الأعمال الصوم الذي أُفطر للتقية.

و منها: موثّقة سيف بن عميرة عن أبي الصباح الكناني قال: و اللّٰه لقد قال لي جعفر بن محمّد (عليه السّلام)

إنّ اللّٰه علّم نبيه التنزيل و التأويل، فعلّمه رسول

اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) علياً (عليه السّلام)

قال

و علّمنا و اللّٰه

________________________________________

بنى فضل، مرتضى بن سيف على، مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، در يك جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، تهران - ايران، اول، 1422 ه ق

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم؛ ص: 139

ثمّ قال

ما صنعتم من شي ء أو حلفتم عليه من يمين في تقية فأنتم منه في سعة «3».

و المستفاد منها: أنّ ما صنعه المكلّف حال التقية فهو في سعةٍ منه لا يترتّب عليه شي ء من الإعادة و القضاء و الكفّارة؛ فيجوز له الإفطار للتقية مع صحّة صومه.

ثمّ إنّ القدر المتيقّن في صحّة العمل الجاري على طبق التقية هو ما كان مطابقاً لفتوى العامّة أو حكمهم؛ بأن كان فتواهم بعدم مبطلية رمس الرأس في الماء

______________________________

(1) وسائل الشيعة 16: 215، كتاب الأمر بالمعروف، أبواب الأمر و النهي، الباب 25، الحديث 3.

(2) وسائل الشيعة 16: 215، كتاب الأمر بالمعروف، أبواب الأمر و النهي، الباب 25، الحديث 5.

(3) وسائل الشيعة 23: 224، كتاب الأيمان، الباب 12، الحديث 2.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 140

..........

______________________________

و بوجوب الإمساك إلى استتار القرص أو حكم حاكمهم بكون يوم الشكّ عيداً بحسب الموازين الثابتة عندهم؛ فلو ارتمس أو أفطر قبل زوال الحمرة المشرقية أو أفطر بحكم حاكمهم و كان حكمه على موازينهم و كان كلّ ذلك تقية صحّ صومه. و أمّا لو علم أنّ حكم حاكمهم لم يكن على موازينهم يجب عليه الإفطار للتقية و عليه القضاء، هذا محض الاستدلال على صحّة العمل في مقام التقية.

و فيه: أنّ القدر المسلّم في صحّة العمل المأتي تقيةً هي الصلاة و أجزاؤها و شرائطها، بل

في بعض الأخبار صرّح بعدم الإعادة. و أمّا غيرها من العبادات كالصوم و الحجّ فلا تصريح في الروايات بالإجزاء فيها. و غاية ما يستفاد من الروايات المذكورة و نحوها مشروعية التقية و أنّها من الدين و جائزةٌ في الشريعة، إلّا في بعض الموارد المذكورة في صحيحة زرارة المتقدّمة و غيرها. و معنى قوله

فأنتم منه في سعة

في موثّقة سيف بن عميرة أنّه جائز لكم ارتكاب ما حرّم عليكم لولا التقية، فأنتم في وسع لا مضيقة عليكم.

و الحاصل: أنّ مشروعية التقية بل وجوبها لا يلازم الصحّة و الإجزاء؛ فالأحوط لو لم يكن الأقوى بطلان الصوم بالإفطار للتقية، و قال السيّد (رحمه اللّٰه) في «العروة»: إذا أفطر تقيةً من ظالم بطل صومه «1».

______________________________

(1) العروة الوثقى 2: 198، المسألة 2.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 141

[القول فيما يكره للصائم ارتكابه]

اشارة

القول فيما يكره للصائم ارتكابه

[ (مسألة 1): يكره للصائم أُمور]

(مسألة 1): يكره للصائم أُمور:

منها: مباشرة النساء تقبيلًا و لمساً و ملاعبة، و للشابّ الشبق و من تتحرّك شهوته أشدّ (1).

______________________________

(1) و ذلك لإطلاق رواية «عيون الأخبار» عن الرضا (عليه السّلام) عن آبائه: قال

قال علي بن أبي طالب (عليه السّلام): ثلاثة لا يعرض أحدكم نفسه لهنّ و هو صائم: الحجامة و الحمّام و المرأة الحسناء «1».

و خصوص الخبر الوارد في اللمس و القبلة عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السّلام) قال: و سألته عن الرجل هل يصلح له أن يقبّل أو يلمس و هو يقضي شهر رمضان؟ قال

لا «2».

و النهي في روايات الباب محمول على الكراهة لنفي البأس عنها في عدّة من الروايات، كصحيحة زرارة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

لا تنقض القبلة الصوم «3».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 99، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 33، الحديث 10.

(2) وسائل الشيعة 10: 99، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 33، الحديث 11.

(3) وسائل الشيعة 10: 97، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 33، الحديث 2.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 142

..........

______________________________

و صحيحة جميل و زرارة و أبي بصير جميعاً عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

لا تنقض القبلة الصوم «1».

و موثّقة سماعة بن مهران قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن القُبلة في شهر رمضان للصائم أ تفطر؟ قال

لا «2».

و رواية أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الرجل يضع يده على جسد امرأته و هو صائم، فقال

لا بأس، و إن أمذى فلا يفطر «3».

و لا يخفى: أنّ التقبيل و

اللمس و الملاعبة و غيرها مكروهة مع الشهوة؛ فلا كراهة بدونها؛ سواءٌ كان الصائم رجلًا أو امرأة. و يدلّ عليه روايتا علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السّلام) قال: سألته عن المرأة هل يحلّ لها أن تعتنق الرجل في شهر رمضان و هي صائمة فتقبّل بعض جسده من غير شهوة؟ قال

لا بأس «4».

و سألته عن الرجل هل يصلح له و هو صائم في رمضان أن يقلب الجارية فيضرب على بطنها و فخذها و عجزها؟ قال

إن لم يفعل ذلك بشهوة فلا بأس، و أمّا بشهوة فلا يصلح «5».

قال العلّامة (رحمه اللّٰه) في «التذكرة»: أمّا من يملك إربه كالشيخ الكبير فالأقرب انتفاء الكراهة في حقّه، و به قال أبو حنيفة و الشافعي «6»، انتهى. و في «المستمسك»: و لعلّ الجمع بينها باختلاف مراتب الكراهة أوفق بالقواعد «7». و في «الحدائق»:

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 99، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 33، الحديث 12.

(2) وسائل الشيعة 10: 100، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 33، الحديث 14.

(3) وسائل الشيعة 10: 100، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 33، الحديث 16.

(4) وسائل الشيعة 10: 101، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 33، الحديث 18.

(5) وسائل الشيعة 10: 101، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 33، الحديث 19.

(6) تذكرة الفقهاء 6: 92.

(7) مستمسك العروة 8: 331.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 143

هذا إذا لم يقصد الإنزال بذلك و لم يكن من عادته، و إلّا حرم في الصوم المعيّن (2).

______________________________

و يمكن الجمع بينها و بين ما تقدّم بحمل الأخبار المتقدّمة على تأكّد الكراهة و إن

كان أصل الكراهة يحصل بدون ذلك «1». و فيه: أنّ المستفاد من بعض الروايات عدم الكراهة فيما لم يفعل ذلك بشهوة، كما في صحيحة علي بن جعفر في كتابه عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السّلام) قال

إن لم يفعل ذلك بشهوة فلا بأس، و أمّا بشهوة فلا يصلح

و غيرها من روايات الباب.

و أمّا شدّة الكراهة للشابّ الشبِق كخشن بمعنى شديد الشهوة و من تتحرّك شهوته فلصحيحة منصور بن حازم قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): ما تقول في الصائم يقبّل الجارية و المرأة؟ فقال

أمّا الشيخ الكبير مثلي و مثلك فلا بأس، و أمّا الشابّ الشبِق فلا؛ لأنّه لا يؤمن، و القبلة إحدى الشهوتين

، قلت: فما ترى في مثلي يكون له الجارية فيلاعبها؟ فقال لي

إنّك لشبق يا أبا حازم «2».

و لم يقل أحد من أصحابنا و لا من علماء العامّة بحرمة مباشرة النساء للصائم إلّا بعض الشافعية، قال العلّامة (رحمه اللّٰه) في «التذكرة»: و قال بعض الشافعية بحرمة مباشرة النساء للصائم؛ لأنّه لا يجوز أن يعرض الصوم للإفساد «3».

(2) قد مرّ سابقاً في البحث عن رابع المفطرات و هو الإنزال أنّ كلّ فعل يقصد به الإنزال أو لم يقصد و لكن كانت العادة به فهو محرّم تكليفاً فقط عند المصنّف (رحمه اللّٰه)؛ لأنّه (رحمه اللّٰه) لا يقول بمبطلية قصد المفطر، و كان مختارنا وفاقاً لأكثر علمائنا أنّه مبطل.

______________________________

(1) الحدائق الناضرة 13: 151.

(2) وسائل الشيعة 10: 97، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 33، الحديث 3.

(3) تذكرة الفقهاء 6: 91.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 144

بل الأولىٰ ترك ذلك حتّى لمن لم تتحرّك شهوته عادةً مع احتمال التحرّك بذلك (3).

و

منها: الاكتحال إذا كان بالذرّ أو كان فيه مسك أو يصل منه إلى الحلق أو يخاف وصوله أو يجد طعمه فيه لما فيه من الصبر و نحوه (4).

______________________________

(3) يمكن استفادة ذلك من صحيحة محمّد بن مسلم و زرارة جميعاً عن أبي جعفر (عليه السّلام) أنّه سئل: هل يباشر الصائم أو يقبّل في شهر رمضان؟ فقال

إنّي أخاف عليه فلينزّه من ذلك، إلّا أن يثق أن لا يسبقه منيه «1».

و رواية سعد بن ظريف عن الأصبغ بن نباتة قال: جاء رجل إلى أمير المؤمنين (عليه السّلام) فقال: يا أمير المؤمنين أُقبّل و أنا صائم، فقال له

عفّ صومك فإنّ بدو القتال اللطام «2»

؛ حيث إنّ المطلوب تنزّه الصائم من المباشرة و عفّة الصائم صومه، و التنزّه و العفّة يناسبان احتمال تحرّك الشهوة أيضاً.

(4) لا إشكال في جواز الاكتحال للصائم إذا لم يكن فيه شي ء من المذكورات في المتن. و تدلّ عليه صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام) في الصائم يكتحل، قال

لا بأس به، ليس بطعام و لا شراب «3».

و موثّقة سماعة بن مهران قال: سألته عن الكحل للصائم، فقال

إذا كان كحلًا ليس فيه مسك و ليس له طعم في الحلق فلا بأس به «4».

و صحيحة عبد اللّٰه بن ميمون عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن أبيه (عليه السّلام) في حديث

إنّه كان لا يرى بأساً بالكحل للصائم «5».

و حسنة

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 100، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 33، الحديث 13.

(2) وسائل الشيعة 10: 100، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 33، الحديث 15.

(3) وسائل الشيعة 10: 74، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه

الصائم، الباب 25، الحديث 1.

(4) وسائل الشيعة 10: 74، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 25، الحديث 2.

(5) وسائل الشيعة 10: 75، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 25، الحديث 4.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 145

..........

______________________________

الحسين بن أبي غندر عن ابن أبي يعفور قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الكحل للصائم، فقال

لا بأس به (بالكحل للصائم) إنّه ليس بطعام يؤكل «1».

و صحيحة عبد الحميد بن أبي العلاء الأزدي السمين عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

لا بأس بالكحل للصائم «2».

و لا إشكال في كراهته في موارد:

منها: ما إذا كان بالذرّ. و تدلّ عليه صحيحة سعد بن سعد الأشعري، عن أبي الحسن الرضا (عليه السّلام) قال: سألته عمّن يصيبه الرمد في شهر رمضان، هل يذرّ عينه يذرّها بالنهار و هو صائم؟ قال

يذرّها إذا أفطر و لا يذرّها و هو صائم «3»

، وجه الدلالة: أنّه نهى عن الذرّ، و هو محمول على الكراهة؛ إذ لم يقل أحد بالحرمة. و مثلها في الدلالة صحيحة الحسن بن علي بن زياد الوشّاء «4».

و منها: ما كان فيه مسك. و يدلّ عليه مفهوم موثّقة سماعة بن مهران المتقدّمة، و مفهومها: أنّ الكحل فيه بأس إذا كان فيه مسك، و البأس محمول على الكراهة بقرينة حسنة الحسين بن أبي غندر قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): أكتحلُ بكُحل فيه مسك و أنا صائم؟ فقال

لا بأس به «5».

و منها: ما إذا وصل إلى الحلق أو يخاف وصوله. و يدلّ عليه صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) أنّه سئل عن الرجل يكتحل و هو صائم، فقال

لا، إنّي أتخوّف

______________________________

(1)

وسائل الشيعة 10: 75، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 25، الحديث 6.

(2) وسائل الشيعة 10: 76، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 25، الحديث 7.

(3) وسائل الشيعة 10: 75، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 25، الحديث 3.

(4) وسائل الشيعة 10: 76، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 25، الحديث 8.

(5) وسائل الشيعة 10: 77، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 25، الحديث 11.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 146

و منها: إخراج الدم المُضعِف بحجامة أو غيرها (5)،

______________________________

أن يدخل رأسه «1»

، و المراد خوف دخوله في حلقه من طريق رأسه.

و منها: ما إذا وجد طعمه في حلقه. و يدلّ عليه مفهوم موثّقة سماعة المتقدّمة، حيث إنّ مفهومها أنّ الكحل فيه بأس إذا كان له طعم في الحلق. و صحيح محمّد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السّلام) أنّه سئل عن المرأة تكتحل و هي صائمة، فقال

إذا لم يكن كحلًا تجد له طعماً في حلقها فلا بأس «2».

و رواية الحسين بن علوان عن جعفر عن أبيه (عليهما السّلام)

إنّ علياً (عليه السّلام) كان لا يرى بأساً بالكحل للصائم إذا لم يجد طعمه «3».

(5) الحجامة المضعفة لا تبطل الصوم عند علمائنا بلا خلاف، و به قال أكثر علماء العامّة، و قال أحمد و إسحاق: الاحتجام يفطر الحاجم و المحجوم، و في الكفّارة عن أحمد روايتان.

و كيف كان: لا دخالة لخصوص الحجامة في الكراهة، بل موضوع الكراهة إخراج الدم المضعف من البدن بأيّ وسيلة كان، و ذكر الحجامة في لسان الروايات باعتبار ما هو المتعارف. و في «الحدائق»: و كأنّ التعدية إلى غير الحجامة من باب تنقيح

المناط؛ نظراً إلى ظاهر التعليل فإنّه يقتضي تعدية الحكم «4»، انتهى.

و في «الجواهر» في شرح قول المصنّف «و إخراج الدم المضعف» قال: أي

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 76، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 25، الحديث 9.

(2) وسائل الشيعة 10: 75، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 25، الحديث 5.

(3) وسائل الشيعة 10: 77، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 25، الحديث 12.

(4) الحدائق الناضرة 13: 158.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 147

بل كلّ ما يورث ذلك أو يصير سبباً لهيجان المرّة (6)؛

______________________________

يخشى منه الضعف بحجامة و غيرها و إن كان مورد النصوص الأُولى إلّا أنّ التعليل فيها بتخوّف الغشيان أو ثوران المرّة، و الضعف يقتضي التعميم، بل لغير إخراج الدم ممّا يورث شيئاً من ذلك «1»، انتهى.

و يدلّ على الحكم مفهوم صحيحة الحسين بن أبي العَلاء الخفّاف قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الحجامة للصائم، قال

نعم إذا لم يخف ضعفاً «2».

و صريح صحيح عمّار بن موسى الساباطي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في الصائم ينزع ضرسه، قال

لا، و لا يُدمي فاه و لا يستاك بعود رطب «3»

، و لقد صرّح في هذه الرواية بإخراج الدم بنزع الضرس؛ فلا كراهة في إخراج الدم من غير ضعف، كما يدلّ عليه في ذيل صحيحة الحلبي قوله: قلت: أ رأيت إن قوى على ذلك و لم يخش شيئاً؟ قال

نعم إن شاء «4».

و ممّا يدلّ على الكراهة مع الضعف صحيح سعيد الأعرج قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الصائم يحتجم، فقال

لا بأس، إلّا أن يتخوّف على نفسه الضعف «5».

(6) و تدلّ عليه صحيحة

الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن الصائم

______________________________

(1) جواهر الكلام 16: 318.

(2) وسائل الشيعة 10: 78، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 26، الحديث 2.

(3) وسائل الشيعة 10: 78، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 26، الحديث 3.

(4) وسائل الشيعة 10: 77، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 26، الحديث 1.

(5) وسائل الشيعة 10: 80، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 26، الحديث 10.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 148

من غير فرق بين شهر رمضان و غيره و إن اشتدّ فيه (7)، بل يحرم ذلك فيه بل في مطلق الصوم المعيّن إذا علم حصول الغَشَيان المبطل و لم تكن ضرورة تدعو إليه (8).

و منها: دخول الحمّام إذا خشي منه الضعف (9).

______________________________

أ يحتجم؟ فقال

إنّي أتخوّف عليه، أما يتخوّف (به) على نفسه؟

قلت: ماذا يتخوّف عليه؟ قال

الغشيان أو أن تثور به مرّة

، قلت: أ رأيت إن قوى على ذلك و لم يخش شيئاً؟ قال

نعم إن شاء «1».

(7) أمّا عدم الفرق بين شهر رمضان و غيره فلعدّة من الروايات حيث سئل فيها عن الحجامة للصائم مطلقاً. و أمّا اشتداد الكراهة في شهر رمضان فلصحيحة عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

لا بأس بأن يحتجم الصائم إلّا في شهر رمضان فإنّي أكره أن يغرر بنفسه، إلّا أن لا يخاف على نفسه، و إنّا إذا أردنا الحجامة في رمضان احتجمنا ليلًا «2»

، وجه الدلالة ظاهر.

(8) يحرم على الصائم كلّما يؤدّي يقيناً إلى حصول الغشيان للصائم؛ و ذلك لحرمة إبطال الصوم الواجب المعيّن بالغشيان عن علم و عمد إليه فيما لم

تكن ضرورة إليه، و في مورد الضرورة لا يحرم و لكن يبطل الصوم و يجب القضاء.

(9) و ذلك لصحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام) أنّه سئل عن الرجل يدخل الحمّام و هو صائم، فقال

لا بأس ما لم يخش ضعفاً «3».

و رواية «عيون

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 77، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 26، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 10: 80، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 26، الحديث 12.

(3) وسائل الشيعة 10: 81، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 27، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 149

و منها: السعوط (10)،

______________________________

أخبار الرضا» المتقدّمة في كراهة مباشرة النساء «1». و البأس محمول على الكراهة؛ للإجماع على عدم الحرمة. و في رواية أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الرجل يدخل الحمّام و هو صائم، قال

لا بأس «2»

، و السند ضعيف للقاسم بن محمّد الجوهري.

(10) هو الدواء الداخل في الأنف.

و في المسألة أقوال:

الأوّل: أنّه يحرم و يوجب القضاء و الكفّارة. نسب هذا القول إلى المفيد في «المقنعة» و سلّار.

الثاني: أنّه يحرم و يوجب القضاء خاصّة. نسب إلى أبي الصلاح و ابن البرّاج.

الثالث: أنّه يكره مطلقاً؛ سواء بلغ إلى الدماغ أو لا. نسب إلى الشيخ في «الخلاف» و «النهاية»، و نسب في «الخلاف» إلى الشافعي أنّه قال: ما وصل من السعوط إلى الدماغ يفطر.

الرابع: أنّه مكروه؛ سواءٌ بلغ أو لا، و مع نزوله إلى الحلق يفطر و يوجب القضاء. و هو قول الشيخ في «المبسوط».

الخامس: أنّه ينقص الصوم و إن لم يبطله. نسبه في «الحدائق» إلى قوم و اختاره. و عن الصدوق في

«المقنع»: و يتسعّط «3». و في كتاب «من لا يحضر»:

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 99، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 33، الحديث 10.

(2) وسائل الشيعة 10: 82، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 27، الحديث 2.

(3) المقنع: 191.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 150

و خصوصاً مع العلم بوصوله إلى الدماغ أو الجوف (11)، بل يفسد الصوم مع التعدّي إلى الحلق (12).

و منها: شمّ الرياحين (13)،

______________________________

و لا يجوز للصائم أن يتسعّط «1». و لا منافاة بين قوليه؛ لحمل قوله: «لا يجوز» على الكراهة.

السادس: الجواز بدون الكراهة. نسب إلى ابن جنيد.

و المختار عندنا الكراهة ما لم يدخل الحلق جرمه؛ لموثّقة ليث المرادي أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الصائم يحتجم و يصبّ في اذنه الدهن، قال

لا بأس إلّا السعوط فإنّه يكره «2».

و خبر غياث بن إبراهيم عن جعفر بن محمّد عن أبيه عن علي (عليه السّلام) قال

لا بأس بالكحل للصائم، و يكره السعوط للصائم «3»

، هذا بناءً على حمل الكراهة على معناه الظاهر لا الحرمة.

(11) و لعلّه لكونه القدر المتيقّن.

(12) و ذلك لصدق الشرب عليه، و مع العلم بالوصول و العمد إليه يوجب الكفّارة.

(13) هذه المسألة إجماعية، و يدلّ على أصل جوازه صحيح محمّد بن مسلم قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): الصائم يشمّ الريحان و الطيب؟ قال

لا بأس به «4».

و صحيح عبد الرحمن بن الحجّاج قال: سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن الصائم يشمّ

______________________________

(1) الفقيه 2: 69/ 17.

(2) وسائل الشيعة 10: 43، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 7، الحديث 1.

(3) وسائل الشيعة 10: 44، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك

عنه الصائم، الباب 7، الحديث 3.

(4) وسائل الشيعة 10: 91، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 32، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 151

خصوصاً النرجس (14)،

______________________________

الريحان أم لا ترى له ذلك؟ فقال

لا بأس به «1».

و رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

الصائم يدهن بالطيب و يشمّ الريحان «2».

و الدليل على كراهة شمّها حسنة الحسن بن راشد مولى بني العبّاس إمامي ممدوح في حديث قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): الصائم يشمّ الريحان؟ قال

لا؛ لأنّه لذّة و يكره له أن يتلذّذ «3».

و موثّقة إبراهيم بن أبي بكر عن الحسن بن راشد عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

الصائم لا يشمّ الريحان «4».

و رواية الصدوق (رحمه اللّٰه): و كان الصادق (عليه السّلام) إذا صام لا يشمّ الريحان، فسُئل عن ذلك فقال

إنّي أكره أن أخلط صومي بلذّة «5»

، و غيرها من روايات الباب.

(14) و ذلك لرواية ابن رئاب قال: سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) ينهى عن النرجس للصائم، فقلت: جعلت فداك لِمَ ذاك؟ فقال

لأنّه ريحان الأعاجم «6»

، قال الكليني: و أخبرني بعض أصحابنا أنّ الأعاجم كانت تشمّه إذا صاموا و قالوا: إنّه يمسك الجوع «7». و رواية «المقنعة» قال

إنّ ملوك الفرس كان لهم يوم في السنة

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 93، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 32، الحديث 8.

(2) وسائل الشيعة 10: 94، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 32، الحديث 9.

(3) وسائل الشيعة 10: 93، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 32، الحديث 7.

(4) وسائل الشيعة 10: 94، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم،

الباب 32، الحديث 12.

(5) وسائل الشيعة 10: 95، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 32، الحديث 15.

(6) وسائل الشيعة 10: 92، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 32، الحديث 4.

(7) وسائل الشيعة 10: 93، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 32، الحديث 5.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 152

و المراد بها كلّ نبت طيّب الريح (15). نعم لا بأس بالطيب، فإنّه تُحفة الصائم (16)،

______________________________

يصومونه فكانوا في ذلك اليوم يعدّون النرجس و يكثرون من شمّه ليذهب عنهم العطش، فصار كالسنّة لهم، فنهى آل محمّد: عن شمّه خلافاً على القوم و إن كان شمّه لا يفسد الصيام «1».

(15) يعني ليس المراد من الرياحين خصوص نبت مخصوص. و في «القاموس»: الريحان نبتٌ طيّب الرائحة أو كلّ نبت كذلك.

(16) و تدلّ عليه موثّقة الحسن بن راشد قال: كان أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) إذا صام تطيّب بالطيب و يقول

الطيب تحفة الصائم «2»

، و رواية «الفقيه» قال: سئل الصادق (عليه السّلام) عن المحرم يشمّ الريحان، قال

لا

قيل: فالصائم؟ قال

لا

، قيل: يشمّ الصائم الغالية و الدخنة؟ قال

نعم

، قيل: كيف حلّ له أن يشمّ الطيب و لا يشمّ الريحان؟ قال

لأنّ الطيب سنّة و الريحان بدعة للصائم «3».

و رواية «الخصال» عن الحسن بن علي (عليه السّلام) قال

تحفة الصائم أن يدهن لحيته و يجمّر ثوبه، و تحفة المرأة الصائمة أن تمشط رأسها و تجمّر ثوبها

، و كان أبو عبد اللّٰه الحسين (عليه السّلام) إذا صام يتطيّب و يقول

الطيب تحفة الصائم «4».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 96، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 32، الحديث 18.

(2) وسائل الشيعة 10: 92، كتاب

الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 32، الحديث 3.

(3) وسائل الشيعة 10: 95، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 32، الحديث 14.

(4) وسائل الشيعة 10: 96، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 32، الحديث 17.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 153

لكن الأولىٰ ترك المِسك منه، بل يكره التطيّب به للصائم (17). كما أنّ الأولىٰ ترك شمّ الرائحة الغليظة حتّى تصل إلى الحَلق (18).

[ (مسألة 2): لا بأس باستنقاع الرجل في الماء]

(مسألة 2): لا بأس باستنقاع الرجل في الماء، و يُكره للامرأة (19).

______________________________

(17) و ذلك لرواية غياث بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه (عليهما السّلام)

إنّ علياً (عليه السّلام) كره المسك أن يتطيّب به الصائم «1».

(18) لا يخفى: أنّ الرائحة الغليظة و إن كانت مذكورة في عداد ما يوجب القضاء و الكفّارة في مضمرة سليمان بن حفص المروزي قال: سمعته يقول

إذا تمضمض الصائم في شهر رمضان أو استنشق متعمّداً أو شمّ رائحةً غليظة أو كنس بيتاً فدخل في أنفه و حلقه غبار فعليه صوم شهرين متتابعين؛ فإنّ ذاك مفطر مثل الأكل و الشرب و النكاح «2».

لكنّ المشهور شهرة عظيمة كادت أن تكون إجماعاً عدم بطلان الصوم بوصولها إلى الحلق ما لم يصل إليه معها جرم؛ ففي موثّقة عمرو بن سعيد عن الرضا (عليه السّلام) قال: سألته عن الصائم يتدخّن بعود أو بغير ذلك فتدخل الدخنة في حلقه، فقال

جائز لا بأس به «3».

(19) و تدلّ على جواز الاستنقاع للرجل و المرأة صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

الصائم يستنقع في الماء و يصبّ على رأسه و يتبرّد بالثوب و ينضح بالمروحة و ينضح البوريا تحته، و لا يغمس رأسه في الماء «4».

و حسنة

حسن بن راشد قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): الحائض تقضي الصلاة؟

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 93، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 32، الحديث 6.

(2) وسائل الشيعة 10: 69، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 22، الحديث 1.

(3) وسائل الشيعة 10: 70، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 22، الحديث 2.

(4) وسائل الشيعة 10: 36، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 3، الحديث 2.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 154

كما أنّه يُكره لهما بلّ الثوب و وضعه على الجسد (20).

______________________________

قال

لا

، قلت: تقضي الصوم؟ قال

نعم

، قلت: من أين جاء ذا؟ قال

أوّل من قاس إبليس

، قلت: و الصائم يستنقع في الماء؟ قال

نعم

، قلت: فيبلّ ثوباً على جسده؟ قال

لا. «2»

الخبر.

و صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

الصائم يستنقع في الماء، و لا يرمس رأسه «3».

و تدلّ على كراهته للمرأة موثّقة حنان بن سدير أنّه سأل أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الصائم يستنقع في الماء، قال

لا بأس، و لكن لا ينغمس، و المرأة لا تستنقع في الماء «1»

، حيث إنّ النهي فيها معلّل بأنّها تحمل الماء في قبلها، هذا. مضافاً إلى أنّ الكراهة مشهورة بين الأصحاب شهرةً عظيمة.

و نسب إلى الحلبي القول بالحرمة و وجوب القضاء خاصّة، و عن القاضي و ابن زهرة وجوب القضاء و الكفّارة.

و ألحق الشهيدان في «اللمعة» و شرحها الخنثى و الخصي الممسوح أي المقطوع خصيته بالمرأة؛ لمساواتهما لها في قرب المنفذ إلى الجوف. و قال بعض فقهائنا المعاصرين في حاشية «العروة»: الأحوط وجوباً تركه لها.

(20) و ذلك لرواية عبد اللّٰه بن سنان قال: سمعت

أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) يقول

لا تلزق ثوبك إلى جسدك و هو رطب و أنت صائم حتّى تعصره «4».

و حسنة

______________________________

(2) وسائل الشيعة 10: 37، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 3، الحديث 5.

(3) وسائل الشيعة 10: 37، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 3، الحديث 7.

(1) وسائل الشيعة 10: 37، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 3، الحديث 6.

(4) وسائل الشيعة 10: 36، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 3، الحديث 3.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 155

و لا بأس بمضغ الطعام للصبيّ، و لا زقّ الطائر (21)،

______________________________

الحسن بن زياد الصيقل قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الصائم يرتمس في الماء، قال

لا، و لا المحرم

، قال: و سألته عن الصائم أ يلبس الثوب المبلول؟ قال

لا «1».

و حسنة الحسن بن راشد المتقدّمة، حيث قال: قلت: فيبلّ ثوباً على جسده؟ قال

لا «2».

و حسنة الحسن بن علي البقاح عن الحسن الصيقل عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن الصائم يلبس الثوب المبلول، قال

لا. «3»

الخبر و في نسخة «الوسائل» الحسن بن بقاع بالعين «4» و هو غلط و النهي في هذه الروايات محمول على الكراهة؛ لجواز التبرّد للصائم بالثوب كما في صحيحة ابن مسلم عن أبي جعفر المتقدّمة حيث قال (عليه السّلام)

و يتبرّد بالثوب «5».

(21) و تدلّ عليه صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في حديث أنّه سئل عن المرأة يكون لها الصبي و هي صائمة فتمضغ له الخبز و تطعمه، قال

لا بأس به و الطير إن كان لها «6».

و موثّقة مسعدة بن صدقة عن أبي عبد

اللّٰه (عليه السّلام) قال

إنّ فاطمة صلوات اللّٰه عليها كانت تمضغ للحسن ثمّ للحسين (عليهما السّلام) و هي صائمة في شهر رمضان «7»

، و مرسلة المفيد في «المقنعة» قال: قال (عليه السّلام)

لا بأس

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 36، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 3، الحديث 4.

(2) وسائل الشيعة 10: 37، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 3، الحديث 5.

(3) وسائل الشيعة 10: 38، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 3، الحديث 10.

(4) وسائل الشيعة 7: 24، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 3، الحديث 10. (ط مكتبة الإسلامية).

(5) وسائل الشيعة 10: 36، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 3، الحديث 2.

(6) وسائل الشيعة 10: 108، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 38، الحديث 1.

(7) وسائل الشيعة 10: 108، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 38، الحديث 2.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 156

و لا ذوق المرق، و لا غيرها (22) ممّا لا يتعدّى إلىٰ الحَلق، أو تعدّىٰ من غير قصد، أو مع القصد و لكن عن نسيان (23)؛

______________________________

أن يذوق الطباخ المرق ليعرف حلو الشي ء من حامضه و يزقّ الفرخ و يمضغ للصبي الخُبْزَ. «1»

الخبر.

(22) و تدلّ عليه صحيحة الحلبي أنّه سئل عن المرأة الصائمة تطبخ القدر فتذوق المرق تنظر إليه؟ فقال

لا بأس به «2».

و صحيحة ابن أبي يعفور سأل أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) و أنا أسمع عن الصائم يصبّ الدواء في اذنه، قال

نعم و يذوق المرق و يزقّ الفرخ «3».

و موثّقة عبد اللّٰه بن بكير عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

لا بأس

بأن يذوق الرجل الصائم القدر «4».

و مرسلة المفيد المتقدّمة «5».

(23) لو علم الصائم أنّه يتعدّى ما في فمه إلى الحلق و لو قهراً فيدخل في

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 107، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 37، الحديث 7.

(2) وسائل الشيعة 10: 105، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 37، الحديث 1.

(3) وسائل الشيعة 10: 106، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 37، الحديث 3.

(4) وسائل الشيعة 10: 106، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 37، الحديث 4.

(5) وسائل الشيعة 10: 107، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 37، الحديث 7.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 157

و لا فرق بين أن يكون أصل الوضع في الفم لغرض صحيح أو لا (24). نعم يكره الذوق للشي ء (25). و لا بأس بالسواك باليابس، بل هو مستحبّ. نعم لا يبعد الكراهة بالرطب (26).

______________________________

الإفطار العمدي فيوجب القضاء و الكفّارة.

فرعٌ: يكره ذوق الشراب و الطعام لو وجد طعمه في الحلق؛ لرواية علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السّلام) قال: سألته عن الصائم يذوق الشراب و الطعام يجد طعمه في حلقه، قال

لا يفعل

، قلت: فإن فعل ما عليه؟ قال

لا شي ء عليه و لا يعود «1».

و الظاهر أنّ الكراهة ممّا لا خلاف فيه.

(24) و ذلك لإطلاق الأدلّة المذكورة في الباب، و عن «المنتهي»: أنّه لو أدخل في فمه شيئاً و ابتلعه سهواً فإن كان لغرض صحيح فلا قضاء عليه و إلّا وجب القضاء «2»، انتهى. و لا دليل له على مدّعاه.

(25) لصحيحة سعيد الأعرج قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الصائم أ يذوق الشي ء و لا

يبلعه؟ قال

لا «3».

(26) قد ذكرنا روايات الباب في شرح قوله (رحمه اللّٰه): «نعم لو استهلك ما كان عليه من الرطوبة.» إلى آخره في ذيل المسألة السابعة عشر من مسائل «القول فيما يجب الإمساك عنه» فلا نطيل، فراجع هناك.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 106، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 37، الحديث 5.

(2) منتهى المطلب 2: 568/ السطر 29.

(3) وسائل الشيعة 10: 106، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 37، الحديث 2.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 158

كما أنّه يكره نزع الضّرس، بل مطلق ما فيه إدماء (27).

______________________________

(27) و يدلّ عليه موثّق عمّار بن موسى الساباطي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في الصائم ينزع ضرسه؟ قال

لا، و لا يدمي فاه و لا يستاك بعود رطب «1».

فرعٌ: و من مكروهات الصيام إنشاد الشعر أي قراءته ففي صحيحة حمّاد بن عثمان قال: سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) يقول

تكره رواية الشعر للصائم و للمحرم و في الحرم و في يوم الجمعة و أن يروى بالليل

، قال: قلت: و إن كان شعر حقّ؟ قال

و إن كان شعر حقّ «2».

و صحيحته الأُخرى عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

لا ينشد الشعر بالليل، و لا ينشد في شهر رمضان بليلٍ و لا نهارٍ

، فقال له إسماعيل: يا أبتاه فإنّه فينا؟ قال

و إن كان فينا «3».

و لا يخفى: أنّ المراد من الشعر في الروايتين هو الشعر المربوط بالأُمور الدنيوية و إن كان حقّا؛ لما ورد في عدّة من الروايات المعتبرة جوازه، بل الترغيب عليه من المعصومين: فيما كان متضمّناً للحكمة و الموعظة و مدح أهل البيت: و رثائهم:

منها: صحيحة علي بن

يقطين قال: سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن الكلام في الطواف و إنشاد الشعر و الضحك في الفريضة أو غير الفريضة أ يستقيم ذلك؟ قال

لا بأس به، و الشعر ما كان لا بأس به منه «4».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 78، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 26، الحديث 3.

(2) وسائل الشيعة 10: 169، كتاب الصوم، أبواب آداب الصائم، الباب 13، الحديث 1.

(3) وسائل الشيعة 10: 169، كتاب الصوم، أبواب آداب الصائم، الباب 13، الحديث 2.

(4) وسائل الشيعة 13: 402، كتاب الحج، أبواب الطواف، الباب 54، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 159

..........

______________________________

و منها: صحيحة عبد اللّٰه بن الفضل الهاشمي قال: قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام)

من قال فينا بيت شعر بنى اللّٰه له بيتاً في الجنّة «1».

و في صحيحة الحسن بن الجهم عن الرضا (عليه السّلام) يقول

ما قال فينا مؤمن شعراً يمدحنا به إلّا بنى اللّٰه تبارك و تعالى له مدينة في الجنّة أوسع من الدنيا سبع مرّات يزوره فيها كلّ ملك مقرّب و كلّ نبي مرسل «2».

و في صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

بينا رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) ذات يوم بفناء الكعبة يوم افتتح مكّة إذ أقبل إليه وفدٌ فسلّموا عليه، فقال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): مَن القوم؟ قالوا: وفد بكر بن وائل، قال: فهل عندكم علم من خبر قُسّ بن ساعدة الأيادي؟ كان بليغاً حكيماً قالوا: نعم يا رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)، قال: فما فعل؟ قالوا: مات.

إلى أن قال

ثمّ قال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و

آله و سلّم): هل فيكم أحدٌ يحسن من شعره شيئاً؟ قال بعضهم: سمعته يقول:

في الأوّلين الذاهبين من القرون لنا بصائر

لمّا رأيت موارداً للموت ليس لها مصادر

و رأيت قومي نحوها تمضي الأصاغر و الأكابر

لا يرجع الماضي إليَّ و لا من الباقين غابر

أيقنتُ أنّي لا محالة حيث صار القوم صائر

.» «3» الحديث.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 14: 597، كتاب الحج، أبواب المزار و ما يناسبه، الباب 105، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 14: 598، كتاب الحج، أبواب المزار و ما يناسبه، الباب 105، الحديث 3.

(3) إكمال الدين: 166.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 160

..........

______________________________

و روى الشيخ الطبرسي عن خلف بن حمّاد قال: قلت للرضا (عليه السّلام): إنّ أصحابنا يروون عن آبائك: أنّ الشعر ليلة الجمعة و يوم الجمعة و في شهر رمضان و في الليل مكروه و قد هممت أن أرثي أبا الحسن (عليه السّلام) و هذا شهر رمضان، فقال لي: إرث أبا الحسن (عليه السّلام) في ليلة الجمعة و في شهر رمضان و في الليل و في سائر الأيّام؛ فإنّ اللّٰه عزّ و جلّ يكافئك على ذلك «1».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 14: 599، كتاب الحجّ، أبواب المزار و ما يناسبه، الباب 105، الحديث 8.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 161

[القول فيما يترتّب على الإفطار]

اشارة

القول فيما يترتّب على الإفطار

[ (مسألة 1): الإتيان بالمفطرات المذكورة]

(مسألة 1): الإتيان بالمفطرات المذكورة كما أنّه موجب للقضاء موجب للكفّارة أيضاً إذا كان مع العمد و الاختيار من غير كُره (1)-

______________________________

(1) و يدلّ على وجوب الكفّارة صحيح ابن سنان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في رجل أفطر من شهر رمضان متعمّداً يوماً واحداً من غير عذر، قال

يعتق نسمة أو يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستّين مسكيناً «1»

، و الموثّق المرسل عن سماعة عن أبان بن عثمان عن عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه قال: سألته عن رجل أفطر يوماً من شهر رمضان متعمّداً، قال

يتصدّق بعشرين صاعاً و يقضي مكانه «2».

و مصحّح عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن رجل أفطر يوماً من شهر رمضان متعمّداً، قال

عليه خمسة عشر صاعاً؛ لكلّ مسكين مدٌّ بمدّ النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) أفضل «3».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 44، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 8، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 10: 46، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 8، الحديث 4.

(3) وسائل الشيعة 10: 48، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 8، الحديث 10.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 162

على الأحوط في الكذب على اللّٰه تعالىٰ و رسوله (صلّى الهّٰب عليه و آله و سلّم) و الأئمّة: (2)

______________________________

و صحيح البزنطي عن المشرقي عن أبي الحسن (عليه السّلام) قال: سألته عن رجل أفطر من شهر رمضان أيّاماً متعمّداً، ما عليه من الكفّارة؟ فكتب

من أفطر يوماً من شهر رمضان متعمّداً فعليه عتق رقبة مؤمنة و يصوم يوماً بدل يوم «4».

فالمستفاد من هذه الروايات

وجوب الكفّارة بالإفطار العمدي بأيّ مفطر كان من المفطرات؛ و لذا قال السيّد (رحمه اللّٰه) في «العروة الوثقى»: المفطرات المذكورة كما أنّها موجبة للقضاء كذلك توجب الكفّارة. إلى أن قال: من غير فرق بين الجميع؛ حتّى الارتماس و الكذب على اللّٰه و على رسوله، بل و الحقنة و القي ء على الأقوى «1»، انتهى.

(2) الوجه في كون الكذب موجباً للقضاء فقط دون الكفّارة عند المصنّف (رحمه اللّٰه) هو أنّ الروايات الواردة في مقام البيان لم توجب فيها الكفّارة، بل رتّب عليه القضاء فقط، كما في موثّقتي سماعة قال: سألته عن رجل كذب في رمضان، فقال

قد أفطر و عليه قضاؤه

، فقلت: ما كذبته؟ قال

يكذب على اللّٰه و على رسوله (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) «2».

و قال: سألته عن رجل كذب في شهر رمضان، فقال

قد أفطر و عليه قضاؤه، و هو صائم يقضي صومه و وضوءه إذا تعمّد «3».

و مع ذلك: فقد احتاط (رحمه اللّٰه) باعتبار كون الكذب مفطراً و المفطر موجبٌ للكفّارة.

و لك أن تقول و تفتي بوجوب الكفّارة لموثّقة أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام):

______________________________

(4) وسائل الشيعة 10: 49، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 8، الحديث 11.

(1) العروة الوثقى 2: 202، الفصل 6.

(2) وسائل الشيعة 10: 33، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 2، الحديث 1.

(3) وسائل الشيعة 10: 34، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 2، الحديث 3.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 163

و في الارتماس و الحُقنة (3)،

______________________________

إنّ الكذب على اللّٰه و على رسوله و على الأئمّة: يفطر الصائم «1»

، بضميمة مرفوعة «الخصال» عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)

قال

خمسة أشياء تفطر الصائم: الأكل و الشرب و الجماع و الارتماس في الماء و الكذب على اللّٰه و على رسوله (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و الأئمّة «2»

، و أنّ الموجب للكفّارة هو الإفطار العمدي بأيّ مفطر كان كما ذكرنا؛ و لذا عدل (رحمه اللّٰه) عن الاحتياط إلى الفتوى بقوله: «بل في الكذب عليهم أيضاً لا يخلو من قوّة».

(3) قد مرّ من المصنّف (رحمه اللّٰه) أنّ الارتماس حرام تكليفاً على الصائم، و أنّ الاحتياط وجوباً كونه مبطلًا للصوم. و لعلّ وجه عدم إفتائه (رحمه اللّٰه) بكونه مبطلًا موثّقة إسحاق بن عمّار قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): رجل صائم ارتمس في الماء متعمّداً، عليه قضاء ذلك اليوم؟ قال

ليس عليه قضاؤه، و لا يعودنّ «3»

، و وجه احتياطه (رحمه اللّٰه): أنّه من المحتمل أن يكون النهي في روايات غمس الصائم رأسه في الماء «4» باعتبار أنّ الغمس مفطر و المفطر فيه الكفّارة.

و أمّا الحقنة فهي عند المصنّف مفطرة احتياطاً وجوبياً؛ لاحتمال كون النهي في صحيحة البزنطي عن أبي الحسن (عليه السّلام) عن الحقنة باعتبار كونها مفطراً؛ إنّه سأله عن الرجل يحتقن تكون به العلّة في شهر رمضان، فقال

الصائم لا يجوز له

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 34، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 2، الحديث 4.

(2) وسائل الشيعة 10: 34، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 2، الحديث 6.

(3) وسائل الشيعة 10: 43، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 6، الحديث 1.

(4) وسائل الشيعة 10: 34، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 2، الحديث 6، و الباب 3، الحديث 1 و 2 و 4

و 7 و 8.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 164

و على الأقوىٰ في البقيّة، بل في الكذب عليهم: أيضاً لا يخلو من قوّة. نعم القي ء لا يوجبها على الأقوىٰ (4).

______________________________

أن يحتقن «1»

، و لا يخفى: أنّ الحقنة بناءً على كونها مبطلة موجبة للكفّارة؛ و لا توجبها فيما كانت للعلّة و المعالجة، و هو واضح.

(4) القي ء مبطل للصوم و موجب للقضاء دون الكفّارة إذا كان عن عمدٍ، و هو المختار عند المصنّف (رحمه اللّٰه) و عندنا:

أمّا كونه موجباً للقضاء: فلصحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)

إذا تقيّأ الصائم فعليه قضاء ذلك اليوم. «2»

الخبر. و موثّقة سماعة قال: سألته عن القي ء في رمضان، فقال

إن كان شي ء يبدره فلا بأس، و إن كان شي ء يكره نفسه عليه فقد أفطر و عليه القضاء «3».

و صحيحة مسعدة بن صدقة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن أبيه (عليه السّلام) أنّه قال

من تقيّأ متعمّداً و هو صائم فقد أفطر و عليه الإعادة. «4»

الخبر. و مرسلة عبد اللّٰه بن بكير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

من تقيّأ متعمّداً و هو صائم قضى يوماً مكانه «5».

و رواية علي بن جعفر عن أخيه قال: سألته عن الرجل يستاك و هو صائم فيقي ء، ما عليه؟ قال

إن كان تقيّأ متعمّداً فعليه قضاؤه، و إن لم يكن تعمّد ذلك فليس عليه شي ء «6».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 42، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 5، الحديث 4.

(2) وسائل الشيعة 10: 87، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 29، الحديث 3.

(3) وسائل الشيعة 10: 87، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 29، الحديث 5.

(4) وسائل الشيعة

10: 88، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 29، الحديث 6.

(5) وسائل الشيعة 10: 88، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 29، الحديث 7.

(6) وسائل الشيعة 10: 89، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 29، الحديث 10.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 165

و لا فرق بين العالم و الجاهل المقصّر على الأحوط، و أمّا القاصر غير الملتفت إلى السؤال، فالظاهر عدم وجوبها عليه و إن كان أحوط (5).

______________________________

و أمّا عدم وجوب الكفّارة: فلما في ذيل صحيحة مسعدة بن صدقة المذكورة من قوله (عليه السّلام)

و إن شاء اللّٰه عذّبه و إن شاء غفر له.

(5) المشهور عدم الفرق بين العالم و الجاهل في وجوب الكفّارة عليهما في الموارد التي ثبت وجوبها بالدليل. و الأقوى: أنّه لا كفّارة للجاهل مطلقاً؛ و ذلك لموثّقة زرارة و أبي بصير قالا جميعاً: سألنا أبا جعفر (عليه السّلام) عن رجل أتى أهله في شهر رمضان و أتى أهله و هو محرم، و هو لا يرى إلّا أنّ ذلك حلال له، قال

ليس عليه شي ء «1»

، فهو يعمّ الجاهل حتّى المقصّر إذ يصدق عليه حين الارتكاب أنّه لا يرى ذلك إلّا حلالًا له، فلا شي ء عليه. هذا بالنسبة إلى الجاهل الملتفت فلا يشمل الجاهل الغافل.

فلنا أن نتمسّك في نفي الكفّارة بصحيحة عبد الصمد بن بشير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) فيمن لبس المخيط حال الإحرام

أيّ رجل ركب أمراً بجهالة فلا شي ء عليه «2».

و لا يخفى: أنّ نفي الكفّارة عن الجاهل المقصّر بقسميه للموثّقة و الصحيحة المذكورتين لا ينافي عقوبته لأجل تقصيره في السؤال، كما هو واضح.

و في «العروة الوثقى»: نعم إذا كان جاهلًا بكون

الشي ء مفطراً مع علمه بحرمته كما إذا لم يعلم أنّ الكذب على اللّٰه و رسوله من المفطرات فارتكبه حال

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 53، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 9، الحديث 12.

(2) وسائل الشيعة 12: 488، كتاب الحج، أبواب تروك الإحرام، الباب 45، الحديث 3.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 166

[ (مسألة 2): كفّارة إفطار شهر رمضان أُمور ثلاثة]

(مسألة 2): كفّارة إفطار شهر رمضان أُمور ثلاثة: عتق رقبة و صيام شهرين متتابعين و إطعام ستّين مسكيناً مخيّراً بينها (6)؛

______________________________

الصوم فالظاهر لحوقه بالعالم في وجوب الكفّارة «1»، انتهى. و ذلك لعدم شمول الموثّقة و الصحيحة المذكورتين له؛ لأنّ الظاهر من قوله: «و هو لا يرى إلّا أنّ ذلك حلال له» هو الحلّية المطلقة الشاملة للتكليفية و الوضعية؛ فلا يشمل مَن علم حرمته التكليفية؛ فلا يصدق على من يعلم حرمة الكذب على الصائم مع جهله بوجوب الكفّارة أنّه لا يرى إلّا أنّ ذلك حلال له. و كذا لا يصدق على من كذب حال الصوم مع علمه بحرمته و جهله بوجوب الكفّارة أنّه ركب أمراً بجهالة.

(6) في المسألة قولان:

الأوّل: التخيير بين أُمور ثلاثة.

الثاني: وجوب الترتيب بينها بالعتق أوّلًا و الصوم ثانياً و الإطعام ثالثاً بحيث لو صام مع التمكّن عن العتق لم يجز، و كذا لا يجزي الإطعام مع التمكّن من الصيام. و القول الأوّل هو المشهور بين الأصحاب.

و الدليل على التخيير مضافاً إلى أصالة براءة الذمّة عن وجوب الترتيب عدّة من الروايات المعتبرة الواردة في بيان خصال الكفّارة بكلمة «أو» الموضوعة للتخيير، كما في رواية أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل وضع يده على شي ء من جسد امرأته فأدفق، فقال

كفّارته أن يصوم شهرين متتابعين

أو يطعم ستّين مسكيناً أو يعتق رقبة «2».

و صحيحة عبد الهّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في رجل أفطر من شهر رمضان متعمّداً يوماً واحداً من غير عذر،

______________________________

(1) العروة الوثقى 2: 203.

(2) وسائل الشيعة 10: 40، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 4، الحديث 5.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 167

..........

______________________________

قال

يعتق نسمة أو يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستّين مسكيناً، فإن لم يقدر تصدّق بما يطيق «1».

و موثّقة سماعة قال: سألته عن رجل أتى أهله في شهر رمضان متعمّداً، قال

عليه عتق رقبة أو إطعام ستّين مسكيناً أو صوم شهرين متتابعين و قضاء ذلك اليوم، و من أين له مثل ذلك اليوم «2».

و موثّقة أُخرى لسماعة واردة في المعتكف المواقع أهله عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن معتكف واقع أهله، قال

عليه ما على الذي أفطر يوماً من شهر رمضان متعمّداً؛ عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستّين مسكيناً «3».

و الدليل على الترتيب صحيحة علي بن جعفر في كتابه عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السّلام) قال: سألته عن رجل نكح امرأته و هو صائم في رمضان ما عليه؟ قال

عليه القضاء و عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستّين مسكيناً، فإن لم يجد فليستغفر اللّٰه «4».

و رواية عبد المؤمن بن القاسم الأنصاري عن أبي جعفر (عليه السّلام)

أنّ رجلًا أتى النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) فقال: هلكتُ و أهلكت فقال: ما أهلكك؟ قال: أتيتُ امرأتي في شهر رمضان و أنا صائم، فقال له النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): أعتق رقبة، قال:

لا أجد، قال: فصم شهرين متتابعين، قال: لا أُطيق، قال: تصدّق على ستّين مسكيناً، قال: لا أجد، فأتى النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) بعذق في مكتل فيه خمسة عشر صاعاً من تمر فقال له النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): خذ هذا فتصدّق بها. «5»

الخبر.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 44، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 8، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 10: 49، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 8، الحديث 13.

(3) وسائل الشيعة 10: 547، كتاب الصوم، أبواب الاعتكاف، الباب 6، الحديث 5.

(4) وسائل الشيعة 10: 48، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 8، الحديث 9.

(5) وسائل الشيعة 10: 46، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 8، الحديث 5.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 168

..........

______________________________

و استشكل في «مستند العروة الوثقى» في سند هذه الرواية بأنّ عبد المؤمن لم يوثق.

و فيه: أنّ النجاشي وثّقه. نعم هي غير معتبرة من طريق عمرو بن شمر؛ لتضعيف جماعة إيّاه كالنجاشي و ابن الغضائري و العلّامة و ابن داود.

و كيف كان: فقد وقع التعارض بين روايات التخيير و روايتي الترتيب حيث إنّ كلمة «أو» الواقعة في تلك الروايات للتخيير؛ لوضعها إيّاه. و رواية علي بن جعفر صريحة في الترتيب كآية فَلَمْ تَجِدُوا مٰاءً فَتَيَمَّمُوا «2»، فالترجيح لروايات التخيير؛ لمخالفتها للعامّة حيث إنّ العلّامة (رحمه اللّٰه) قال في «التذكرة». و به قال أبو حنيفة و الثوري و الشافعي و الأوزاعي «3».

و يؤيّد تقديم روايات التخيير الاكتفاء بالتصدّق في عدّة من الروايات:

منها: صحيحة عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في رجل وقع على أهله

في شهر رمضان فلم يجد ما يتصدّق به على ستّين مسكيناً، قال

يتصدّق بقدر ما يطيق «1».

و منها: مصحّح محمّد بن نعمان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) أنّه سئل عن رجل أفطر يوماً من شهر رمضان، فقال

كفّارته جريبان من طعام؛ و هو عشرون صاعاً «5».

و منها: موثّقة عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن رجل أفطر يوماً من شهر رمضان متعمّداً، قال

عليه خمسة عشر صاعاً؛ لكلّ

______________________________

(2) النساء (4): 43.

(3) تذكرة الفقهاء 6: 52.

(1) وسائل الشيعة 10: 46، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 8، الحديث 3.

(5) وسائل الشيعة 10: 47، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 8، الحديث 6.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 169

..........

______________________________

مسكين مدٌّ بمدّ النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) أفضل «1».

و منها: موثّقة سماعة قال: سألته عن رجل لزق بأهله فأنزل، قال

عليه إطعام ستّين مسكيناً؛ مدّ لكلّ مسكين «2».

و يؤيّده أيضاً: ذكر «إطعام ستّين مسكيناً» بعد عتق الرقبة في مرسلة إبراهيم بن عبد الحميد عن بعض مواليه قال: سألته عن احتلام الصائم، قال: فقال

إذا احتلم نهاراً في شهر رمضان فلا ينمّ حتّى يغتسل، و إن أجنب ليلًا في شهر رمضان فلا ينام إلّا ساعة حتّى يغتسل، فمن أجنب في شهر رمضان فنام حتّى يصبح فعليه عتق رقبة أو إطعام ستّين مسكيناً و قضاء ذلك اليوم و يتمّ صيامه و لن يدركه أبداً «3».

فلو كان الترتيب واجباً لا يكتفى بالإطعام مع فقد الرقبة.

و بالجملة: قد ذكر في بعض الروايات جميع الخصال الثلاث بالتخيير بينها بكلمة «أو». و في بعضها اكتفي بذكر عتق

الرقبة فقط، كما في صحيحة البزنطي عن المشرقي عن أبي الحسن (عليه السّلام) قال: سألته عن رجل أفطر من شهر رمضان أيّاماً متعمّداً، ما عليه من الكفّارة؟ فكتب

من أفطر يوماً من شهر رمضان متعمّداً فعليه عتق رقبة مؤمنة و يصوم يوماً بدل يومٍ «4».

و في بعضها اقتصر على صوم شهرين متتابعين فقط، كما في رواية سليمان بن حفص المروزي عن الفقيه (عليه السّلام) قال

إذا أجنب الرجل في شهر رمضان بليل و لا يغتسل حتّى يصبح فعليه صوم شهرين متتابعين مع صوم ذلك اليوم و لا يدرك فضل يومه «5».

و في بعضها إطعام ستّين

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 48، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 8، الحديث 10.

(2) وسائل الشيعة 10: 49، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 8، الحديث 12.

(3) وسائل الشيعة 10: 64، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 16، الحديث 4.

(4) وسائل الشيعة 10: 49، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 8، الحديث 11.

(5) وسائل الشيعة 10: 63، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 16، الحديث 3.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 170

و إن كان الأحوط الترتيب مع الإمكان (7). و الأحوط الجمع بين الخصال إذا أفطر بشي ء محرّم، كأكل المغصوب و شرب الخمر و الجِماع المحرّم و نحو ذلك (8).

______________________________

مسكيناً، كما في مرسلة إبراهيم بن عبد الحميد المذكورة و غيرها.

و ظاهر كلّ من هذه الأخبار التي اكتفي فيه بواحد من الخصال كون المذكور فيه واجباً تعيينياً؛ فيجب رفع اليد عنها بالحمل على الوجوب التخييري بشهادة غير واحد من الأخبار المعتبرة، و هو جمع مقبول لا يحتاج إلى شاهد خارجي.

(7)

و بالعمل بالترتيب يعمل بكلّ من القولين، و في «تذكرة» العلّامة (رحمه اللّٰه): الأولى الترتيب؛ لما فيه من الخلاص عن الخلاف.

(8) اختلف فقهاؤنا في كفّارة الإفطار بالمحرّم على أقوال:

الأوّل: أنّه يجب بالإفطار بالمحرّم إحدى خصال الكفّارة تخييراً، كالإفطار بالمحلّل. و هذا القول مشهورٌ بين القدماء و كثير من المتأخّرين. و استدلّ له بروايات التخيير بين الخصال الثلاث حيث إنّها مطلقة.

الثاني: أنّه يجب كفّارة الجمع. ذهب إليه الصدوق (رحمه اللّٰه) و الشيخ الطوسي في «التهذيب» و «الاستبصار» و قال في «المبسوط»: و قد روي أنّه إذا أفطر بمحظور مثل الخمر و الزنا أنّه يلزمه ثلاث كفّارات، و الشهيد في «الدروس» و «اللمعة» و الشهيد الثاني في «الروضة» و «المسالك» و صاحب «الحدائق» و السيّد في «العروة الوثقى» و أكثر المحشّين، و هو المختار عندنا.

و الدليل عليه: ما رواه محمّد بن الحسن بإسناده عن محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه عن عبد الواحد بن محمّد بن عبدوس النيسابوري عن علي بن محمّد بن قتيبة عن حمدان بن سليمان عن عبد السلام بن صالح الهروي أبي الصلت

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 171

..........

______________________________

قال: قلت للرضا (عليه السّلام): يا بن رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) قد روي عن آبائك: فيمن جامع في شهر رمضان أو أفطر فيه، ثلاث كفّارات، و روى عنهم أيضاً كفّارة واحدة، فبأيّ الحديثين نأخذ؟ قال (عليه السّلام)

بهما جميعاً، متى جامع الرجل حراماً أو أفطر على حرامٍ في شهر رمضان فعليه ثلاث كفّارات: عتق رقبة و صيام شهرين متتابعين و إطعام ستّين مسكيناً و قضاء ذلك اليوم، و إن كان نكح حلالًا أو أفطر على حلال فعليه كفّارة واحدة،

و إن كان ناسياً فلا شي ء عليه «1».

و موثّقة سماعة قال: سألته عن رجل أتى أهله في رمضان متعمّداً، فقال

عليه عتق رقبة و إطعام ستّين مسكيناً و صيام شهرين متتابعين و قضاء ذلك اليوم و أنّى له مثل ذلك اليوم؟! «2».

________________________________________

بنى فضل، مرتضى بن سيف على، مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، در يك جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، تهران - ايران، اول، 1422 ه ق

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم؛ ص: 171

و الشيخ (رحمه اللّٰه) في «التهذيب» بعد أن أورد موثّقة سماعة قال: فيحتمل أن يكون المراد ب «الواو» في الخبر التخيير دون الجمع؛ لأنّها قد تستعمل في ذلك؛ قال اللّٰه تعالى فَانْكِحُوا مٰا طٰابَ لَكُمْ مِنَ النِّسٰاءِ مَثْنىٰ وَ ثُلٰاثَ وَ رُبٰاعَ «3» و إنّما أراد مثنى أو ثُلاث أو رباع و لم يرد الجمع. و يحتمل أيضاً أن يكون هذا الحكم مخصوصاً بمن أتى أهله في حال يحرم الوطء فيها مثل الوطء في الحيض أو في حال الظهار قبل الكفّارة؛ فإنّه متى فعل ذلك لزمه الجمع بين الكفّارات الثلاث؛ لأنّه قد وطء محرّماً في شهر رمضان. يدلّ على هذا التأويل ما رواه أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين (رحمه اللّٰه) «4»، انتهى.

و مرسلة الصدوق بإسناده عن أبي الحسين محمّد بن جعفر الأسدي فيما ورد

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 53، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 10، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 10: 54، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 10، الحديث 2.

(3) النساء (4): 3.

(4) تهذيب الأحكام 4: 208.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 172

..........

______________________________

عليه من الشيخ أبي جعفر محمّد بن عثمان

العمري يعني عن المهدي (عليه السّلام) فيمن أفطر يوماً من شهر رمضان متعمّداً بجماع محرّم عليه أو بطعام محرّم عليه

أنّ عليه ثلاث كفّارات «1»

، و من الواضح أنّ العمري لا يفتي بذلك من قِبل نفسه؛ فالظاهر أنّه أخذه من صاحب الزمان، روحي فداه.

و لا يخفى: أنّ رواية الصدوق عن عبد الواحد أتمّ دلالةً على المطلوب، و أمّا سنداً فقد نوقش في ثلاثة منهم؛ و هم عبد الواحد و ابن قتيبة و عبد السلام الهروي.

فنقول: أمّا عبد الواحد فهو و إن لم يرد توثيقه في كلمات القدماء إلّا أنّه نسب إلى العلّامة في «التحرير» وصف روايته بالصحّة، و تبعه الشهيد الثاني، و احتجّ بأنّه من مشايخ الصدوق (رحمه اللّٰه) من غير واسطة.

و أمّا علي بن محمّد بن قتيبة: فقال النجاشي: اعتمد على روايته أبو عمرو الكشّي، كذا قال العلّامة و ابن داود، فهو إن لم يكن ثقة فممدوح. و في «مستند الشيعة»: أنّ عبد الواحد و ابن قتيبة من مشايخ الإجازة الذين صرّحوا في حقّهم بعدم الاحتياج إلى التوثيق.

و أمّا عبد السلام الهروي فهو من خواصّ الرضا (عليه السّلام) و أنّه شيعي، قال النجاشي: عبد السلام بن صالح الهروي ثقة، صحيح الحديث، له كتاب وفاة الرضا (عليه السّلام)، و هو معروفٌ بالشيعي عند العامّة، و عبّروا عنه بعبارات شتّى؛ فقال بعضهم: إنّ أبا الصلت مأمون على الحديث إلّا أنّه يحبّ آل رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و كان دينه و مذهبه حبّ آل محمّد (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم). و يشهد به ما رواه عن الرضا (عليه السّلام) من فضائلهم: و أنّهم أفضل من جميع الخلائق، فراجع «عيون أخبار

الرضا».

و بالجملة: لا ريب في كونه إمامياً و من خواصّ الرضا (عليه السّلام)؛ فلا يصغي إلى

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 55، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 10، الحديث 3.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 173

[ (مسألة 3): الأقوىٰ أنّه لا تتكرّر الكفّارة بتكرار الموجب في يوم واحد]

(مسألة 3): الأقوىٰ أنّه لا تتكرّر الكفّارة بتكرار الموجب في يوم واحد حتّى الجِماع و إن اختلف جنس الموجب، و لكن لا ينبغي ترك الاحتياط في الجِماع (9).

______________________________

قول الشيخ و العلّامة تبعاً للشيخ بأنّ عبد السلام الهروي عامّي. و لعلّ نسبتهما العامّية إليه ناشٍ عن خلطه لهم و توهّما أنّه منهم في المذهب.

و القول الثالث في المسألة هو الاحتياط بناءً على الخدشة في أدلّة القول الثاني و احتمال وجوب الجميع في الواقع.

فرعٌ: لا فرق في الإفطار بالمحرّم الموجب لكفّارة الجمع بين ما كان تحريمه أصلياً كالزنا و الاستمناء و أكل الحرام، أو عارضيا كوطء الزوجة حال الحيض أو حال الظهار قبل الكفّارة؛ و ذلك لإطلاق الأدلّة.

(9) لا كلام و لا إشكال عند أصحابنا في تكرّر الكفّارة بتكرّر المفطر في يومين فصاعداً. خلافاً لأبي حنيفة قال: إن لم يكفّر عن الأوّل فكفّارةٌ واحدة، و إن كفّر فروايتان: إحداهما أنّها كفّارة واحدة أيضاً، و به قال أحمد و الزهري و الأوزاعي.

إنّما الكلام و الخلاف بيننا في تكرارها بتكرّر الموجب في يوم واحد، ففي المسألة أقوال:

الأوّل: أنّ الكفّارة تتكرّر بتكرار الموجب مطلقاً؛ سواءٌ كان من جنس واحد كالأكل مرّتين مثلًا أو مختلفاً كالأكل مرّة و الشرب اخرى، و سواءٌ تخلّله التكفير أو لا. ذهب إليه المحقّق و الشهيد الثانيان.

الثاني: أنّه لا تتكرّر بتكرّره مطلقاً حتّى في الجماع و هذا القول مشهور عند علمائنا، و هو المختار عند المصنّف (رحمه

اللّٰه) و عندنا، و به قال أبو حنيفة و مالك و الشافعي.

الثالث: تكرّرها بتكرار الموجب فيما كان الثاني من غير جنس الأوّل. نسب

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 174

..........

______________________________

هذا القول إلى العلّامة في «المختلف».

الرابع: تكرارها لو تخلّل التكفير في البين. و به قال ابن الجنيد من علمائنا و أحمد بن حنبل من علماء العامّة.

الخامس: التفصيل بين الجماع و غيره؛ بالتكرار في الأوّل دون الثاني مطلقاً؛ سواء اتّحد الموجبان أو اختلف، و سواء تخلّل التكفير أو لا. و هو خيرة السيّد (رحمه اللّٰه) في «العروة الوثقى» و جماعة من المحشّين عليها، و ألحق السيّد الخوئي (رحمه اللّٰه) في «حاشية العروة» الاستمناء بالجماع في تكرّر الكفّارة.

و القائلون بتكرّرها يقولون بأنّ كلّ واحد من المفطرات سبب مستقلّ للكفّارة؛ حتّى أنّ بعضهم قال بتعدّده في الأكل و الشرب بتعدّد الازدراد و الابتلاع جرعة جرعة و في الجماع بالعود بعد النزع، فالأصل في الأسباب عندهم عدم التداخل؛ فتتكرّر الكفّارة بتكرّر أسبابها و لو من جنس واحد.

و القائلون بعدم التكرار يقولون بالتداخل، و إنّ الأسباب فيما كانت مشتركة في التأثير تؤثّر واحداً و لو كانت مختلفة.

و الحقّ أن يقال فيما نحن فيه: إنّه لا يعقل التأثير في كلّ واحد من الموجبات إذا وقع بعد الموجب الأوّل المفسد للصوم؛ لأنّ الصائم إذا أفطر أوّلًا بأيّ مفطر فقد أفسد صومه، و بعد فساد الصوم لا يطلق على الواقع ثانياً أنّه مفطرٌ و مفسدٌ للصوم فعلًا؛ فالموجب للكفّارة هو ما ارتكبه الصائم أوّلًا و بعده لا يبقى صوم حتّى يطلق على الواقع ثانياً أنّه موجب فعلًا للكفّارة. فإطلاق الموجب للكفّارة على الواقع ثانياً مسامحة باعتبار شأنية الموجبية فيه.

فالقول بعدم تكرّر الكفّارة بتكرّر

المفطر ليس لأجل تداخل الأسباب، بل هو من قبيل السالبة بانتفاء الموضوع. و بعبارة اخرى: أنّ الموجب للكفّارة هو إفطار الصوم عمداً، و بعد الإفطار أوّلًا فقد بطل الصوم؛ فلا صوم حتّى يتصوّر إفطاره ثانياً

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 175

..........

______________________________

كي يقال: إنّ وحدة الكفّارة بتداخل الأسباب في مسبّب واحدٍ، بل انتفى موضوع الكفّارة؛ و هو إفطار الصوم.

و أمّا وجوب الإمساك بعد الإفطار العمدي و حرمة ارتكاب المبطلات بعد فساد صومه فلا يكون دليلًا على وجوب الكفّارة ثانياً، بل هو ثابت بدليل خاصّ، فلولا الدليل لقلنا بعدم وجوب الإمساك بعد فساد صومه.

و القائلون بتعدّد الكفّارة في الجماع يستدلّون عليه بأنّ موضوع وجوب الكفّارة هو الجماع في شهر رمضان سواءٌ كان صائماً بالفعل أو لا كما في صحيحة عبد الهّٰض بن سنان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في رجل وقع على أهله في شهر رمضان فلم يجد ما يتصدّق به على ستّين مسكيناً، قال

يتصدّق بقدر ما يطيق «1».

و موثّقة سماعة قال: سألته عن رجل لزق بأهله فأنزل، قال

عليه إطعام ستّين مسكيناً «2»

، رتّب الكفّارة على الإنزال، و مَن ألحق الاستمناء بالجماع تمسّك بهذه الموثّقة. و موثّقة أُخرى لسماعة قال: سألته عن رجل أتى أهله في شهر رمضان متعمّداً، قال

عليه عتق رقبة أو إطعام ستّين مسكيناً أو صوم شهرين متتابعين و قضاء ذلك اليوم. «3»

الخبر. و صحيحة عبد الرحمن الحجّاج قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الرجل يعبث بأهله في شهر رمضان حتّى يمني، قال

عليه من الكفّارة مثل ما على الذي يجامع «4».

و صحيحة اخرى عنه عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن رجل يعبث بامرأته

حتّى يمني و هو محرم من غير جماع أو يفعل ذلك في شهر رمضان، فقال (عليه السّلام)

عليهما جميعاً الكفّارة مثل ما

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 46، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 8، الحديث 3.

(2) وسائل الشيعة 10: 49، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 8، الحديث 12.

(3) وسائل الشيعة 10: 49، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 8، الحديث 13.

(4) وسائل الشيعة 10: 39، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 4، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 176

..........

______________________________

على الذي يجامع «1».

و مرسلة «الفقيه» قال: و قال أمير المؤمنين (عليه السّلام)

أما يستحيي أحدكم أن لا يصبر يوماً إلى الليل؟!

إنّه كان يقال

إنّ بدو القتال اللطام، و لو أنّ رجلًا لصق بأهله في شهر رمضان فأدفق كان عليه عتق رقبة «2».

و فيه: أنّ الجماع بما أنّه مفطر و مفسد للصوم موجب للكفّارة و موضوع لوجوبها، كما يستفاد من صحيحة عبد المؤمن بن القاسم الأنصاري عن أبي جعفر (عليه السّلام)

إنّ رجلًا أتى النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) فقال: هلكت و أهلكت، فقال: و ما أهلكك؟ قال: أتيتُ امرأتي في شهر رمضان و أنا صائم، فقال له النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): أعتق رقبة. «3»

الخبر. و صحيحة علي بن جعفر عن أخيه (عليه السّلام) قال: سألته عن رجل نكح امرأته و هو صائم في رمضان ما عليه؟ قال

عليه القضاء و عتق رقبة. «4»

الخبر.

حيث قيّد جماعة في شهر رمضان بأنّه صائم؛ يعني أنّ الجماع في شهر رمضان حال كون المجامع صائماً موجبٌ للكفّارة، و من الواضح أنّه بالجماع الأوّل قد فسد صومه؛ فلا

يكون صائماً في الجماع الثاني؛ فلا يطلق على جماعه ثانياً جماع الصائم؛ فلا يكون المتكرّر منه موجباً للكفّارة.

و من بياننا هذا يظهر ما فيما أفاده في «مستند العروة الوثقى» و قال: إنّ موضوع الكفّارة هو الجماع في نهار شهر رمضان ممّن هو مكلّف بالصوم؛ سواءٌ كان صائماً بالفعل أم لا «5».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 40، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 4، الحديث 3.

(2) وسائل الشيعة 10: 98، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 33، الحديث 5.

(3) وسائل الشيعة 10: 46، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 8، الحديث 5.

(4) وسائل الشيعة 10: 48، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 8، الحديث 9.

(5) مستند العروة الوثقى، الصوم 1: 315.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 177

..........

______________________________

و قد يستدلّ على تكرّر الكفّارة في الجماع بروايات ضعيفة سنداً:

منها: رواية الفتح بن يزيد الجرجاني أنّه كتب إلى أبي الحسن (عليه السّلام) يسأله عن رجل واقع امرأة في شهر رمضان من حلال أو حرام في يوم عشر مرّات، قال

عليه عشر كفّارات؛ لكلّ مرّة كفّارة، فإن أكل أو شرب فكفّارة يوم واحد «1».

و فيه: أنّه قد ذكر في سنده أحمد بن الحسن بن صالح عن أبيه و لم يكن اسم و لا رسم منه في كتب الرجال التي كانت بأيدينا، و أبوه الحسن بن صالح ضعيف زيدي تنسب إليه الصالحية.

و منها: ما روى ابن أبي عقيل على ما نقله العلّامة عنه قال: ذكر أبو الحسن زكريا بن يحيى صاحب كتاب «شمس المذهب» عنهم:

إنّ الرجل إذا جامع في شهر رمضان عامداً فعليه القضاء و الكفّارة، فإن عاود إلى المجامعة في يومه ذلك

مرّة أُخرى فعليه في كلّ مرّة كفّارة «2».

ذكر المامقاني في «تنقيح المقال»: لم أقف فيه إلّا على رواية الكليني (رحمه اللّٰه) في باب حجج اللّٰه تعالى على الخلق من أواخر كتاب التوحيد من «أُصول الكافي» عن داود بن فرقد عنه عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)، و زكريا بن يحيى متعدّد لم يتميّز أنّه أيّهم و لم يكن أحد ممّن مرّ منهم بأبي الحسن حتّى يورث الظنّ بأنّه هو «3»، انتهى.

و منها: ما قال العلّامة (رحمه اللّٰه): و روى عن الرضا (عليه السّلام)

إنّ الكفّارة تتكرّر بتكرّر الوطء «4»

، و هذه الرواية كما قبلها مرسلة غير منجبرة بالشهرة الروائية.

هذا. و مع ذلك كلّه لا ينبغي ترك الاحتياط في الجماع و الإمناء بالاستمناء.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 55، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 11، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 10: 55، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 11، الحديث 2.

(3) تنقيح المقال 3: 11/ السطر 16.

(4) وسائل الشيعة 10: 56، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 11، الحديث 3.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 178

[ (مسألة 4): تجب الكفّارة في إفطار صوم شهر رمضان]

(مسألة 4): تجب الكفّارة في إفطار صوم شهر رمضان (10)،

______________________________

(10) الروايات في وجوب الكفّارة في إفطار صوم شهر رمضان بحدّ التواتر و أكثرها صحيح السند، و الروايات كلّها تدلّ على وجوب الكفّارة و موضوعه الإفطار العمدي في صوم شهر رمضان، و لا نذكر جميع الروايات تفصيلًا بل نذكر هنا مواقعها في أبواب متفرّقة من أبواب الصوم من كتاب «الوسائل» «1»، فعليك بالمراجعة:

منها: صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام). و منها: صحيحة أُخرى لعبد الرحمن بن الحجّاج عن أبي عبد اللّٰه

(عليه السّلام). و منها: صحيحة عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام). و منها: صحيحة أُخرى لعبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام). و منها: موثّقة عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه. و منها: صحيحة عبد المؤمن بن القاسم الأنصاري عن أبي جعفر (عليه السّلام). و منها: رواية محمّد بن النعمان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام). و منها: رواية إدريس بن هلال عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام). و منها: صحيحة علي بن جعفر في كتابه عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السّلام). و منها: صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام). و منها: صحيحة البزنطي عن المشرقي عن أبي الحسن (عليه السّلام). و منها: موثّقة سماعة قال: سألته عن رجل. و منها: حسنة بل صحيحة عبد السلام بن صالح الهروي عن الرضا (عليه السّلام). و منها: صحيحة أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام). و منها: صحيحة سليمان بن حفص المروزي عن الفقيه (عليه السّلام). و منها: مرسلة إبراهيم بن عبد الحميد البزّاز الكوفي عن بعض مواليه.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 39، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 4، الحديث 1 و 3، و الباب 8، الحديث 1 و 3 6 و 8 11 و 13، و الباب 10، الحديث 1، و الباب 16، الحديث 2 4.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 179

و قضائه بعد الزوال (11)،

______________________________

(11) يجوز إفطار قضاء شهر رمضان قبل الزوال إذا كان موسّعاً وقته، و يحرم بعد الزوال بلا إشكال و لا خلاف.

و يدلّ عليه موثّقة عمّار الساباطي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)

عن الرجل يكون عليه أيّام من شهر رمضان و يريد أن يقضيها، متى يريد أن ينوي الصيام؟ قال

هو بالخيار إلى أن تزول الشمس، فإذا زالت الشمس فإن كان نوى الصوم فليصم و إن كان نوى الإفطار فليفطر

، سئل: فإن كان نوى الإفطار يستقيم أن ينوي الصوم بعد ما زالت الشمس؟ قال

لا «1»

، هذه الرواية تدلّ على حرمة الإفطار بعد الزوال.

و صحيحة بريد العجلي عن أبي جعفر (عليه السّلام) في رجل أتى أهله في يوم يقضيه من شهر رمضان، قال

إن كان أتى أهله قبل زوال الشمس فلا شي ء عليه إلّا يوم مكان يوم، و إن كان أتى أهله بعد زوال الشمس فإنّ عليه أن يتصدّق على عشرة مساكين، فإن لم يقدر صام يوماً مكان يوم و صام ثلاثة أيّام كفّارة لما صنع «2».

و صحيحة جميل بن درّاج عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) أنّه قال في الذي يقضي شهر رمضان

إنّه بالخيار إلى زوال الشمس؛ فإن كان تطوّعاً فإنّه إلى الليل بالخيار «3»

، حيث دلّ بمفهومها أنّه لا خيار لمن يقضي شهر رمضان في الإفطار بعد زوال الشمس.

و رواية إسحاق بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

الذي يقضي شهر

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 13، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم، الباب 2، الحديث 10.

(2) وسائل الشيعة 10: 15، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم، الباب 4، الحديث 1.

(3) وسائل الشيعة 10: 16، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم، الباب 4، الحديث 4.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 180

..........

______________________________

رمضان هو بالخيار في الإفطار ما بينه و بين أن تزول الشمس، و في التطوّع ما بينه و بين أن تغيب الشمس «3».

و استدلّ في «مستند

العروة الوثقى» على جواز إفطار قضاء شهر رمضان قبل الزوال و عدمه بعده بموثّقة أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن المرأة تقضي شهر رمضان فيكرهها زوجها على الإفطار، فقال

لا ينبغي له أن يكرهها بعد الزوال «4» «5».

و فيه: أنّا نسلّم دلالتها بالمفهوم على جواز الإفطار في قضاء شهر رمضان قبل الزوال، و لا نسلّم دلالتها على حرمة الإفطار بعد الزوال؛ لأنّ قوله

لا ينبغي

ظاهر في الكراهة. نعم بضميمة الروايات المتقدّمة يحمل على الحرمة.

و أمّا وجوب الكفّارة في إفطار قضاء شهر رمضان فهو المشهور عند الأصحاب و ادّعي الإجماع عليه.

و يدلّ عليه حسنة الحارث بن محمّد بن النعمان البجلي عن بريد العجلي عن أبي جعفر (عليه السّلام) في رجل أتى أهله في يوم يقضيه من شهر رمضان، قال

إن كان أتى أهله قبل زوال الشمس فلا شي ء عليه إلّا يوم مكان يوم، و إن كان أتى أهله بعد زوال الشمس فإنّ عليه أن يتصدّق على عشرة مساكين، فإن لم يقدر عليه صام يوماً مكان يوم و صام ثلاثة أيّام كفّارة لما صنع «1».

و صحيحة هشام بن سالم قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): رجل وقع على أهله و هو يقضي شهر رمضان، فقال

إن كان وقع عليها قبل صلاة العصر فلا شي ء عليه

______________________________

(3) وسائل الشيعة 10: 18، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم، الباب 4، الحديث 10.

(4) وسائل الشيعة 10: 16، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم، الباب 4، الحديث 2.

(5) مستند العروة الوثقى، الصوم 1: 297.

(1) وسائل الشيعة 10: 347، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 29، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 181

و النذر المعيَّن (12)،

______________________________

يصوم يوماً

بدل يوم، و إن فعل بعد العصر صام ذلك اليوم و أطعم عشرة مساكين، فإن لم يمكنه صام ثلاثة أيّام كفّارة لذلك «1».

و المراد من «العصر» في هذه الصحيحة ما بعد الزوال و يسمّى عصراً، كما أنّ ما قبل الزوال يسمّى صباحاً. و في «الوسائل» بعد نقل الصحيحة قال: حمله الشيخ على ما يوافق الأوّل أي الحديث الأوّل لدخول وقت الصلاتين عند الزوال، و سيأتي التعرّض لمقدار كفّارة إفطار صوم قضاء شهر رمضان في المسألة الثانية عشر من مسائل «القول في قضاء صوم شهر رمضان» من المتن و أنّ كفّارته إطعام عشرة مساكين أو كفّارة إفطار شهر رمضان، و المختار هو الأوّل.

(12) و كذلك النذر المتعيّن، كنذر صوم يوم واحد من شهر كذا و أخّر حتّى بقي اليوم الآخر منه؛ فإنّه يتعيّن حينئذٍ.

و تدلّ على وجوب الكفّارة في إفطار صوم النذر صحيحة علي بن مهزيار قال: و كتب إليه أي الإمام الهادي (عليه السّلام) يسأله: يا سيّدي رجل نذر أن يصوم يوماً فوقع ذلك اليوم على أهله ما عليه من الكفّارة؟ فكتب إليه

يصوم يوماً بدل يوم و تحرير رقبة مؤمنة «2».

و الاستدلال بهذه الرواية يتمّ بناءً على أنّ تحرير الرقبة أحد أفراد الواجب التخييري، و أمّا كونه واجباً تعيينياً فممّا لم يقل به أحد من علمائنا.

و صحيحة أُخرى لعلي بن مهزيار قال: كتب بندار مولى إدريس: يا سيّدي

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 347، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 29، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 22: 392، كتاب الإيلاء و الكفّارات، أبواب الكفّارات، الباب 23، الحديث 2.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 182

و لا تجب فيما عداها من أقسام الصوم؛ واجباً كان أو

مندوباً، أفطر قبل الزوال أو بعده (13). نعم ذكر جماعة وجوبها في صوم الاعتكاف إذا وجب (14)،

______________________________

نذرتُ أن أصوم كلّ يوم سبت، فإن أنا لم أصمه ما يلزمني من الكفّارة؟ فكتب (عليه السّلام) و قرأته

لا تتركه إلّا من علّة، و ليس عليك صومه في سفر و لا مرض إلّا أن تكون نويت ذلك، و إن كنتَ أفطرت منه من غير علّة فتصدّق بقدر كلّ يوم على سبعة مساكين، نسأل اللّٰه التوفيق لما يحبّ و يرضى «1».

و لا يخفى: أنّ كلمة «سبعة» في الرواية اشتباه من الناسخ، و الصحيح «عشرة»؛ إذ لم يقل أحد من الأصحاب بوجوب التصدّق على سبعة مساكين في مخالفة النذر، و يأتي في كتاب النذر مقدار كفّارة حنث النذر و أنّه مقدار كفّارة حنث اليمين؛ من عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، فإن لم يقدر فصيام ثلاثة أيّام، أو مقدار كفّارة صوم رمضان من التخيير بين الخصال الثلاث المعهودة، و مختار المصنّف الأخير، و لنا فيه إشكال و يأتي في موضعه إن شاء اللّٰه تعالى.

(13) و ذلك لعدم الدليل على وجوب الكفّارة فيها، و بعد الفحص و اليأس عن وجود الدليل يجري أصل البراءة.

(14) وجوب الاعتكاف يثبت بالنذر و شبهه و يجب في اليوم الثالث أيضاً. و كيف كان: لا إشكال و لا خلاف في وجوب الكفّارة على المعتكف بالجماع، و لا يعتنى بخلاف العماني. و يدلّ عليه موثّق سماعة قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن معتكف واقع أهله، فقال (عليه السّلام)

هو بمنزلة من أفطر يوماً من شهر رمضان «2».

و موثّق آخر لسماعة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن معتكف واقع أهله، قال:

______________________________

(1) وسائل

الشيعة 10: 195، كتاب الصوم، أبواب من يصحّ عنه الصوم، الباب 10، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 10: 547، كتاب الصوم، أبواب الاعتكاف، الباب 6، الحديث 2.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 183

و هم بين معمِّم لها لجميع المفطرات، و مخصّص بالجِماع (15)،

______________________________

عليه ما على الذي أفطر يوماً من شهر رمضان متعمّداً؛ عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستّين مسكيناً «1».

و هذان الموثّقان صريحان في وجوب كفّارة شهر رمضان في جماع المعتكف.

و يقابلهما صحيحان يدلّان على وجوب كفّارة الظهار في جماعة؛ و هما صحيح زرارة قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن المعتكف يجامع أهله، قال

إذا فعل فعليه ما على المُظاهر «2».

و صحيح أبي ولّاد الحنّاط قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن امرأة كان زوجها غائباً فقدم و هي معتكفة بإذن زوجها فخرجت حين بلغها قدومه من المسجد إلى بيتها فتهيّأت لزوجها حتّى واقعها، فقال

إن كانت خرجت من المسجد قبل أن تقضي ثلاثة أيّام و لم تكن اشترطت في اعتكافها فإنّ عليها ما على المظاهر «3».

و مقتضى الجمع بين الموثّقين و الصحيحين حمل الصحيحين على الأفضلية، حيث إنّ كفّارة شهر رمضان عبارة عن الخصال الثلاث المعهودة، و كذلك كفّارة الظهار أيضاً عبارة عنها بعينها، إلّا أنّ الاولى بنحو التخيير و الثانية بنحو الترتيب، و الترتيب أفضل.

(15) القائلون بالتعميم لعلّ دليلهم الإجماع على إلحاق سائر المفطرات بالجماع. و نسب إلى الشيخ و العلّامة إلحاق خصوص الاستمناء بالجماع. و لا يخفى ضعف القول بالتعميم و الإلحاق؛ لعدم ثبوت الإجماع بعد مخالفة مثل المحقّق

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 547، كتاب الصوم، أبواب الاعتكاف، الباب 6، الحديث 5.

(2) وسائل الشيعة 10: 546، كتاب

الصوم، أبواب الاعتكاف، الباب 6، الحديث 1.

(3) وسائل الشيعة 10: 548، كتاب الصوم، أبواب الاعتكاف، الباب 6، الحديث 6.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 184

و لكن الظاهر الاختصاص بالجِماع، كما أنّ الظاهر أنّها لأجل نفس الاعتكاف لا للصوم، و لذا لا فرق بين وقوعه في الليل أو النهار (16).

______________________________

و غيره، و نصوص الباب كلّها مختصّة بالجماع، و الأصل البراءة من وجوب الكفّارة في غير الجماع.

و يؤيّد نفي إلحاق سائر المفطرات بالجماع: أنّ الكفّارة واجبة على المعتكف بالجماع في الليل، و حينئذٍ فكيف يلحق سائر المفطرات به؟!

(16) و يدلّ عليه إطلاقات الموثّقين و الصحيحين المذكورة. و يشهد به رواية عبد الأعلى بن أعين قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل وطء امرأته و هو معتكف ليلًا في شهر رمضان، قال

عليه الكفّارة

، قال: قلت: فإن وطءها نهاراً؟ قال

عليه كفّارتان «1».

و مرسلة الصدوق قال: و قد روي أنّه إن جامع بالليل فعليه كفّارة واحدة و إن جامع بالنهار فعليه كفّارتان «2».

و قد يستشكل في رواية عبد الأعلى، لا لأجل نفسه فإنّ الشيخ (رحمه اللّٰه) عدّه من فقهاء أصحاب الصادقين (عليهما السّلام) و الأعلام الرؤساء المأخوذ منهم الحلال و الحرام، و جزم المحقّق الداماد (رحمه اللّٰه) بصحّة خبره بل لأجل محمّد بن سنان و قد طعن فيها جماعة و قالوا: هو رجل ضعيف جدّاً لا يعوّل و لا يلتفت إلى ما تفرّد به، و نسب إلى فضل بن شاذان (رحمه اللّٰه) أنّه قال في حقّه: إنّه من الكذّابين المشهورين، و مدحه جماعة أُخرى؛ قال الشيخ المفيد (رحمه اللّٰه) على ما في «خلاصة» العلّامة (رحمه اللّٰه): إنّه ثقة، و يدلّ على وثاقته رواية جماعة من

المعتمدين العدول و الثقات من أهل العلم عنه، فراجع إلى «جامع الرواة». الأقرب عندي عدم قبول روايته، و المامقاني في «تنقيح المقال»

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 547، كتاب الصوم، أبواب الاعتكاف، الباب 6، الحديث 4.

(2) وسائل الشيعة 10: 547، كتاب الصوم، أبواب الاعتكاف، الباب 6، الحديث 3.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 185

نعم لو وقع في نهار شهر رمضان تجب كفارتان (17)، كما أنّه لو وقع الإفطار فيه بغير الجِماع تجب كفارة شهر رمضان فقط (18).

[ (مسألة 5): لو أفطر متعمّداً لم تسقط عنه الكفّارة]

(مسألة 5): لو أفطر متعمّداً لم تسقط عنه الكفّارة على الأقوىٰ لو سافر فراراً من الكفّارة، أو سافر بعد الزوال (19)،

______________________________

بعد ذكر أُمور في مدحه قال: قد تلخّص ممّا ذكرنا كلّه: أنّ الأقوى كون الرجل ثقة صحيح الاعتقاد معتمداً مقبول الرواية. إلى آخره.

(17) إحداهما لأجل الإفطار في شهر رمضان و الأُخرى لأجل الاعتكاف، و يدلّ عليه رواية عبد الأعلى المتقدّمة.

(18) و ذلك لاختصاص نصوص كفّارة الاعتكاف بالجماع فقط، و أمّا غير الجماع فلا يلحق به، فلا يجري عليه حكمه.

و لا يلحق الاستمناء بالجماع في إثبات كفّارة الاعتكاف؛ نعم يلحقه بالنسبة إلى صوم شهر رمضان و قضائه؛ لموثّقة سماعة «1» المتقدّمة في بحث تكرّر الكفّارة، و مرسلة حفص بن سوقة عمّن ذكره عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في الرجل يلاعب أهله أو جاريته و هو في قضاء شهر رمضان فيسبقه الماء فينزل، فقال

عليه من الكفّارة مثل ما على الذي يجامع في رمضان «2».

(19) هنا مسائل:

الاولى: لو أفطر الصائم متعمّداً من غير عذر حين الإفطار وجبت عليه الكفّارة، و هل تسقط بالسفر اختياراً قبل الزوال بحيث لو لم يفطر و شرع في السفر

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 49،

كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 8، الحديث 12.

(2) وسائل الشيعة 10: 130، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 56، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 186

..........

______________________________

و جاوز حدّ الترخّص كانت وظيفته الإفطار لعدم جواز الصوم في السفر أو لا يسقط؟ لا خلاف في عدم سقوطها، و ادّعى في «الخلاف» الإجماع عليه؛ و ذلك لأنّ متعلّق وجوب الكفّارة هو المفطر متعمّداً؛ فيصدق على من أفطر قبل السفر أنّه مفطرٌ متعمّداً و كان قبل سفره مأموراً بالصوم و إن علم بوقوع السفر حتماً، فما دام لم يسافر لا يجوز له الإفطار.

و تدلّ عليه صحيحة محمّد بن مسلم و زرارة قالا: قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام)

أيّما رجل كان له مال حال عليه الحول فإنّه يزكّيه

، قلت له: فإن وهبه قبل حلّه بشهر أو بيوم؟ قال

ليس عليه شي ء أبداً

، قال: و قال زرارة عنه: إنّه قال

إنّما هذا بمنزلة رجل أفطر في شهر رمضان يوماً في إقامته ثمّ يخرج في آخر النهار في سفر فأراد بسفره ذلك إبطال الكفّارة التي وجبت عليه

و قال

إنّه حين رأى الهلال الثاني عشر وجبت عليه الزكاة، و لكنّه لو كان وهبها قبل ذلك لجاز و لم يكن عليه شي ء بمنزلة من خرج ثمّ أفطر، إنّما لا يمنع الحال عليه، فأمّا ما لا يحلّ فله منعه. «1»

الخبر.

وجه الدلالة: أنّه كما أنّ الهدية قبل حلول الحول تمنع عن تعلّق التكليف بالزكاة و بعد حلول الحول لا تؤثّر و لا يسقط وجوب الزكاة، فكذلك السفر قبل الإفطار يسقط استمرار وجوب الصوم و يجوّز الإفطار، و أمّا السفر بعد الإفطار و لو كان قبل الزوال فلا يؤثّر شيئاً،

و بعد الزوال بطريق أولى؛ لأنّه بالزوال يستقرّ الوجوب لو لم يقع السفر قبله، كتوجّه تكليف الزكاة بحلول الحول لولا الهبة قبله.

الثانية: لو أفطر متعمّداً ثمّ اضطرّ إلى السفر قبل الزوال أو حدث مانع غير اختياري من الحيض و النفاس و المرض فقد يتوهّم سقوط الكفّارة حينئذٍ؛

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 134، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 58، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 187

و على الأحوط في غيره. و كذا لا تسقط لو سافر و أفطر قبل الوصول إلىٰ حدّ الترخّص (20) على الأحوط.

______________________________

للمنع عن التكليف بالصوم لعدم قدرته على إتمامه، فلا يكون مكلّفاً به، و في الحقيقة فرق بين الموانع الاختيارية و الاضطرارية؛ فالموانع الاختيارية الواقعة عقيب الإفطار العمدي كالسفر لا تسقط الكفّارة. و الاضطرارية تسقطها؛ و ذلك لأنّ الاضطرارية تكشف عن عدم الصوم حقيقة.

و فيه: أنّه ما دام لم يوجد و لم يتحقّق المانع الاضطراري فهو مكلّف بالإمساك الصومي القربي من طلوع الفجر؛ لأنّ المانع الاضطراري مبطل من حين وقوعه و تحقّقه لا من أوّل الأمر؛ فتجب الكفّارة لكونه ممّن أفطر متعمّداً في شهر رمضان، و هو موضوع وجوب الكفّارة، و لا تسقط بالمانع القهري.

و يمكن استفادة استمرار الصوم إلى حدوث المانع في خصوص الحيض من صحيحة عيص بن القاسم قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن امرأة تطمث في شهر رمضان قبل أن تغيب الشمس، قال

تفطر حين تطمث «1»

، و صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

أيّ ساعة رأت الدم فهي تفطر الصائمة إذا طمثت «2».

(20) و ذلك لاستمرار وجوب الصوم على المسافر ما لم يبلغ حدّ الترخّص، كوجوب الإتمام

في الصلوات الرباعية. و يدلّ عليه صحيحة معاوية بن وهب عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في حديث قال

هذا واحد، إذا قصرت أفطرت و إذا أفطرت

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 228، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 25، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 10: 229، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 25، الحديث 4.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 188

بل الأحوط عدم سقوطها لو أفطر متعمّداً، ثمّ عرض له عارض قهريّ من حيض أو نفاس أو مرض و غير ذلك؛ و إن كان الأقوىٰ سقوطها. كما أنّه لو أفطر يوم الشكّ في آخر الشهر ثمّ تبيّن أنّه من شوّال، فالأقوىٰ سقوطها كالقضاء (21).

______________________________

قصرت «1».

و موثّقة سماعة قال: قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) في حديث

و ليس يفترق التقصير و الإفطار؛ فمن قصر فليفطر «2»

، و معلوم أنّ المسافر لا يقصر قبل حدّ الترخّص.

(21) أمّا عدم وجوب القضاء فلكونه مترتّباً على فوت صوم رمضان، و المفروض انقضاء شهر رمضان و كون اليوم أوّل شوّال.

و أمّا عدم وجوب الكفّارة فلكونها مرتّبة على تعمّد الإفطار في شهر رمضان، فهو في يوم الشكّ و إن كان مكلّفاً بالصوم للاستصحاب و كان وجوب الصوم حكماً ظاهرياً لكنّه إذا أفطر عمداً ثمّ انكشف أنّه أوّل شوّال لم يكن عليه شي ء؛ لأنّ الحكم الظاهري يوجب مخالفته العقوبة و القضاء و الكفّارة ما لم ينكشف خلافه، و بعد كشف الخلاف لا يترتّب عليه آثاره.

و زاد في «العروة الوثقى» قوله: و كذا لو اعتقد أنّه من رمضان ثمّ أفطر متعمّداً فبان أنّه من شوّال، أو اعتقد في يوم الشكّ في أوّل الشهر أنّه من رمضان فبان أنّه من شعبان

«3»، انتهى؛ يعني أنّه لا قضاء و لا كفّارة فيما لو اعتقد جازماً أنّ اليوم آخر رمضان و مع ذلك أفطر متعمّداً ثمّ انكشف خلاف اعتقاده و أنّه كان أوّل شوّال؛ و ذلك لأنّ اعتقاده القطعي حجّة و يترتّب عليه الآثار و الأحكام ما دام باقياً، و كذلك

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 184، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 4، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 10: 184، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 4، الحديث 2.

(3) العروة الوثقى 2: 206، المسألة 12.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 189

[ (مسألة 6): لو جامع زوجته في شهر رمضان و هما صائمان]

(مسألة 6): لو جامع زوجته في شهر رمضان و هما صائمان، فإن طاوعته فعلى كلّ منهما الكفّارة و التعزير، و هو خمسة و عشرون سوطاً (22)،

______________________________

لو اعتقد قاطعاً أنّ اليوم أوّل رمضان و مع ذلك أفطر متعمّداً ثمّ انكشف أنّه آخر شعبان لم يكن عليه شي ء من القضاء و الكفّارة لعدم فوت صوم رمضان و عدم الإفطار العمدي في شهر رمضان. نعم هو متجرٍّ في إفطاره يعاقب أو يذمّ على تجرّيه، على الخلاف فيه.

(22) أمّا وجوب الكفّارة لكلّ من الزوجين فلكونهما متعمّدين للإفطار عن قصد و اختيار في شهر رمضان.

و أمّا التعزير بخمسة و عشرين سوطاً فهو إجماعي، و في رواية المفضّل بن عمر عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في رجل أتى امرأته و هو صائم و هي صائمة، فقال

إن كان استكرهها فعليه كفّارتان، و إن كان طاوعته فعليه كفّارة و عليها كفّارة، و إن كان أكرهها فعليه ضرب خمسين سوطاً نصف الحدّ، و إن كان طاوعته ضُرب خمسة و عشرين سوطاً و ضُربت خمسة و عشرين سوطاً «1».

و الرواية و

إن كانت ضعيفة سنداً بالمفضّل و بإبراهيم بن إسحاق الأحمر ضعّفه الشيخ (رحمه اللّٰه) و النجاشي (رحمه اللّٰه) لكن ضعفها منجبر بعمل الأصحاب. و في «وسائل الشيعة» بعد نقل الرواية قال: ذكر المحقّق في «المعتبر»: أنّ سندها ضعيف، لكن علماؤنا ادّعوا على ذلك إجماع الإمامية، فيجب العمل بها، و تعلم نسبة الفتوى إلى الأئمّة: باشتهارها، انتهى.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 56، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 12، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 190

و إن أكرهها علىٰ ذلك يتحمّل عنها كفّارتها و تعزيرها (23)، و إن أكرهها في الابتداء علىٰ وجه سلب منها الاختيار و الإرادة ثمّ طاوعته في الأثناء، فالأقوىٰ ثبوت كفّارتين عليه و كفّارة عليها (24)، و إن كان الإكراه علىٰ وجه صدر الفعل بإرادتها و إن كانت مكرهة، فالأقوىٰ ثبوت كفّارتين عليه و عدم كفّارة عليها. و كذا الحال في التعزير على الظاهر (25).

______________________________

(23) لو أكره الزوج زوجته على الجماع في شهر رمضان و هما صائمان فمقتضى القاعدة انتفاء وجوب الكفّارة و التعزير عن الزوجة لحديث الرفع، و ثبوت كفّارة واحدة للزوج و التعزير بخمسة و عشرين سوطاً لإفطار نفسه. و أمّا ثبوت كفّارتها و تعزيرها عليه فهو خلاف مقتضى القاعدة، و لا بدّ في ثبوتهما عليه من دليل يدلّ عليه؛ فقد قام الإجماع على ثبوتهما له، و تشهد به رواية مفضّل بن عمر المتقدّمة.

(24) أمّا وجوب الكفّارة عليها فلأنّها و إن لم تفطر عمداً في ابتداء الجماع لكونها ملجئة إليه و مسلوبة الاختيار و كان صومها صحيحاً، و لكنّها أفطرت عمداً و اختياراً في أثناء الجماع بالمطاوعة، فبطل صومها و وجب القضاء و الكفّارة و التعزير عليها،

و هذا بخلاف ما لو كانت مكرهة ابتداءً لا في حدّ الإلجاء؛ فإنّه يبطل صومها في ابتداء الجماع اختياراً فيجب عليها القضاء دون الكفّارة و التعزير. و لا تثبت الكفّارة و التعزير عليها بمطاوعتها في الأثناء؛ لأنّها في الأثناء ليست صائمة فلا يصدق عليها أنّها أفطرت اختياراً بالنسبة إلى الأثناء، و هذا واضح.

و أمّا ثبوت الكفّارتين للزوج فهو مبني على إرادة ما يعمّ الإجبار من الإكراه في الرواية المتقدّمة، فتشمل الرواية حينئذٍ له.

(25) يعني يسقط التعزير عن الزوجة في صورة الإكراه ابتداءً و لو طاوعته

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 191

و لا تلحق بالزوجة المكرهة الأجنبية (26)، و لا فرق في الزوجة بين الدائمة و المنقطعة (27)، و لو أكرهت الزوجة زوجها لا تتحمل عنه شيئاً (28).

______________________________

في الأثناء، فإنّها بالإكراه على الجماع يبطل صومها، فليست صائمة في الأثناء و حال المطاوعة؛ فلا تعزير عليها. و هذا بخلاف الإجبار على الجماع لأنّها كانت صائمة إلى حين المطاوعة، فقد أفطرت عمداً بالمطاوعة على الجماع في الأثناء و عليها التعزير كالكفّارة.

(26) و ذلك لأنّ المنصوص هو خصوص امرأته؛ فلا تشمل الأجنبية كما أنّها لا تشمل الأمة.

و نسب إلى العلّامة في «المختلف» إلحاق الأجنبية بالزوجة و ادّعى الأولوية القطعية باعتبار أنّ الكفّارة عقوبة على الذنب و تخفيف له، و الذنب في الأجنبية أفحش.

و فيه: أنّ موارد الكفّارة مضبوطة في الشرع؛ فلا تثبت في مورد بالأولوية، و إلّا يلزم ثبوتها في الإكراه على اللواط الذي هو أعظم بمراتب من الزنا.

و نسب إليه أيضاً إلحاق الأمة بالزوجة باعتبار إضافة المرأة إليه في النصّ فالمرأة بأدنى الملابسة تشمل الأمة أيضاً. و فيه: أنّه خلاف الظاهر من النصّ.

(27) و ذلك لإطلاق

امرأته في النصّ الشاملة لهما فالمنقطعة زوجة.

(28) لأنّ مقتضى القاعدة سقوط الكفّارة عن الزوج، و ثبوتها للزوجة يحتاج إلى دليل، و النصّ المتقدّم مختصّ بإكراه الزوج امرأته فلا يشمل العكس.

فرع: لو أكره امرأة على الجماع بتخيّل أنّها زوجته فبانت أجنبية فلا تثبت كفّارتها عليه؛ لظهور النصّ المثبت كفّارتها عليه بالإكراه على الجماع في امرأته الواقعية، لا الأعمّ منها و الاعتقادية. و منه يعلم: أنّه لو أكره امرأة على الجماع باعتقاد أنّها أجنبية فبانت زوجته فعليه كفّارتان؛ لكونها امرأته الواقعية.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 192

[ (مسألة 7): لو كان مفطراً لكونه مسافراً أو مريضاً، و كانت زوجته صائمة، لا يجوز إكراهها على الجِماع]

(مسألة 7): لو كان مفطراً لكونه مسافراً أو مريضاً، و كانت زوجته صائمة، لا يجوز إكراهها على الجِماع (29)، و إن فعل فالأحوط أن يتحمّل عنها الكفّارة (30).

______________________________

(29) وجه عدم جواز إكراه الزوج الغير الصائم زوجته الصائمة على الجماع هو أنّ الزوج و إن كان له حقّ الاستمتاع و لكنّه مشروط بعدم مزاحمته لتكاليفها الشرعية من وجوب الصلاة و الصوم و الحجّ و غيرها؛ و لذا لا يجوز للزوج إشغال تمام وقت فريضتها بالجماع بحيث لا يسع لها تحصيل الطهارة و لو الترابية و فعل الصلاة. و كذا لا يجوز له منعها من الحجّ و إن لم يكن لها محرم في حجّها إذا كانت مأمونة على نفسها و بضعها، و بالجملة: الزوج و إن كان له حقّ الاستمتاع لكنّه لا يجوز له استيفاؤه بإكراهها على أمر محرّم في نفسه كالجماع عن عمد و اختيار حال الصوم. و الإكراه و إن كان يرفع حرمة الجماع عن الزوجة و تصبح معذورة ببركة حديث الرفع لكن الزوج لا يجوز له أن يكون سبباً للجماع الذي هو مبغوض في نفسه للآمر لولا الإكراه.

(30)

و كذلك يتحمّل تعزيرها، و هذا الاحتياط استحبابي، و الأقوى عدم تحمّله عنها شيئاً؛ و ذلك لأنّ مورد النصّ المجمع عليه في تحمّله عنها إكراه الزوج الزوجة حال كونهما صائمين؛ فلا يشمل ما كان أحدهما فقط صائماً.

هنا فروع: الأوّل: لو كان الزوج غير صائم و كانت الزوجة صائمة نائمة فلا مانع للزوج من الجماع بها؛ لأنّ المفروض انتفاء القصد و العمد و الاختيار من الزوجة و لم يكن حرام و مبغوض للمولى في البين حتّى يكون فعل الزوج سبباً له و محرّماً؛ إذن فلا وجه للإشكال في «العروة الوثقى»، قال: و هل يجوز له مقاربتها و هي نائمة؟ إشكال «1».

______________________________

(1) العروة الوثقى 2: 207.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 193

[ (مسألة 8): مصرف الكفّارة في إطعام الفقراء]

(مسألة 8): مصرف الكفّارة في إطعام الفقراء (31): إمّا بإشباعهم، و إمّا بالتسليم إلىٰ كلّ واحد منهم مُدّاً من حِنطة، أو شعير، أو دقيق، أو أرُز، أو خبز، أو غير ذلك من أقسام الطعام (32)،

______________________________

الثاني: لو كان الزوج صائماً و الزوجة صائمة نائمة و جامعها وجب عليه القضاء و الكفّارة و التعزير، و لا يتحمّل كفّارتها؛ لأنّهما و إن كانا صائمين لكن مورد التحمّل في النصّ صورة إكراهه إيّاها؛ فلا يعقل الإكراه حال النوم.

الثالث: لو أكره الزوج الزوجة على مقدّمات الجماع و هما صائمان و أنزلت لا يتحمّل كفّارتها، و لا يتحمّل أيضاً في الإكراه على سائر المفطرات؛ لخروجها عن مورد النصّ. و مقتضى الأصل عدم وجوب التحمّل.

(31) المراد من الفقراء ما يشمل المساكين؛ لأنّه إجماعي، بل من المسلّمات عندنا أنّ الفقير و المسكين يراد كلّ منهما من الآخر إذا ذكرا منفردين، و إذا ذكر كلاهما يراد من الفقير مَن لا يقدر مئونة سنته

و من المسكين من هو أسوأ حالًا من الفقير؛ و لذا تداول في ألسنتنا أنّهما إذا افترقا اجتمعا و إذا اجتمعا افترقا. فاستشكال العلّامة (رحمه اللّٰه) في «المختلف» في جواز إعطائها للفقراء من جهة أنّ موردها في الآية فَكَفّٰارَتُهُ إِطْعٰامُ عَشَرَةِ مَسٰاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مٰا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ «1» و الروايات، المساكين فلا تشمل الفقراء، في غير محلّه؛ لما ذكر من الإجماع.

(32) الإطعام للفقراء يتحقّق بأحد أمرين:

أحدهما: إشباعهم؛ فلا يكفي مجرّد إطعام لقمة أو لقمات دون حدّ الإشباع،

______________________________

(1) المائدة (5): 89.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 194

..........

______________________________

و إن صدق عليه الإطعام لغةً؛ لأنّ المتفاهم العرفي منه هو حدّ الإشباع. و يدلّ عليه صحيحة أبي بصير قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن أَوْسَطِ مٰا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ؟ قال

ما تقوتون به عيالكم من أوسط ذلك

، قلت: و ما أوسط ذلك؟ قال

الخلّ و الزيت و التمر و الخبز، يشبعهم به مرّة واحدة

، قلت: كسوتهم؟ قال

ثوب واحد «2».

و ما في بعض الروايات من إشباع يوم محمول على الاستحباب على فرض تمامية السند، كما في رواية العياشي في «تفسيره» عن سماعة بن مهران عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن قول اللّٰه مِنْ أَوْسَطِ مٰا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ في كفّارة اليمين، قال

ما يأكل أهل البيت يشبعهم يوماً. «3»

الخبر.

ثانيهما: التسليم إلى كلّ واحد منهم مُدّاً من الطعام بنحو التمليك، فلهم التصرّف فيه بالأكل و الهبة و البيع حتّى من المعطي المملّك أوّلًا.

و ليس المراد من الطعام خصوص الحنطة، بل كلّ ما يكون غذاءً لمتعارف الناس من الحنطة و الشعير و الدقيق و الخُبز و الأرُز و الخلّ و الزيت

و نحو ذلك.

فلا يختصّ الطعام في كفّارة صوم رمضان بخصوص الحنطة و الدقيق و الخلّ و الزيت و التمر و الخبز و إن اختصّت هي بالذكر في خصوص كفّارة اليمين، كما في صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في كفّارة اليمين

يطعم عشرة مساكين، لكلّ مسكين مدّ من حنطة أو مدّ من دقيق. «1»

الخبر، و صحيحة أبي حمزة الثمالي قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عمّن قال «و اللّٰه» ثمّ لم يَف؟ فقال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام):

______________________________

(2) وسائل الشيعة 22: 381، كتاب الإيلاء و الكفارات، أبواب الكفارات، الباب 14، الحديث 5.

(3) وسائل الشيعة 22: 377، كتاب الإيلاء و الكفارات، أبواب الكفارات، الباب 12، الحديث 9.

(1) وسائل الشيعة 22: 375، كتاب الإيلاء و الكفارات، أبواب الكفارات، الباب 12، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 195

و الأحوط مُدّان (33)،

______________________________

كفّارته إطعام عشرة مساكين مدّاً مُدّاً دقيق أو حنطة. «1»

الخبر، قد ذكر في هاتين الصحيحتين الحنطة و الدقيق، و ذكر الخلّ و الزيت و التمر و الخبز في صحيحة أبي بصير المتقدّمة. و زاد في «مستند العروة الوثقى» الشعير و قال: نعم في روايات كفّارة اليمين اختصّت الحنطة و الشعير و الخلّ و الزيت بالذكر «2»، انتهى.

و قد تفحّصنا روايات أبواب كفّارة اليمين، و ما وجدنا الشعير فيها. و كيف كان: فلا يختصّ الطعام في كفّارة رمضان بطعام مخصوص على فرض اختصاص المذكورات بكفّارة اليمين. و لك منع اختصاصها بها؛ لأنّ ذكرها باعتبار كونها قوتاً لغالب الناس، و هي أَوْسَطِ مٰا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ.

(33) المشهور بين أصحابنا: أنّ مقدار الكفّارة لكلّ واحد من المساكين مدّ واحد. و يدلّ عليه أخبار كثيرة في أبواب مختلفة؛

بعضها في كفّارة قتل الخطأ، و بعضها في كفّارة اليمين، و بعضها في كفّارة شهر رمضان. و لا قول بالفصل بين أنواع الكفّارات؛ ففي صحيحة عبد اللّٰه بن سنان قال: قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام)

كفّارة الدم إذا قتل الرجل مؤمناً متعمّداً.

إلى أن قال

و إذا قتل خطأً أدّى ديته إلى أوليائه ثمّ أعتق رقبة، فإن لم يجد صام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع أطعم ستّين مسكيناً مدّاً مدّاً. «3»

الخبر. و صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) المتقدّمة «4».

و صحيحة علي بن أبي حمزة، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن كفّارة

______________________________

(1) وسائل الشيعة 22: 376، كتاب الإيلاء و الكفارات، أبواب الكفارات، الباب 12، الحديث 4.

(2) مستند العروة الوثقى، الصوم 1: 370.

(3) وسائل الشيعة 22: 374، كتاب الإيلاء و الكفارات، أبواب الكفارات، الباب 10، الحديث 1.

(4) وسائل الشيعة 22: 375، كتاب الإيلاء و الكفارات، أبواب الكفارات، الباب 12، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 196

..........

______________________________

اليمين، فقال

عتق رقبة أو كسوة و الكسوة ثوبان أو إطعام عشرة مساكين، أيّ ذلك فعل أجزأ عنه، فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيّام متواليات و إطعام عشرة مساكين مدّاً مدّاً «1».

و صحيحة أُخرى لأبي حمزة الثمالي قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عمّن قال «و اللّٰهِ» ثمّ لم يَفِ، فقال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام)

كفّارته إطعام عشرة مساكين مدّاً مدّاً دقيق أو حنطة. «2»

الخبر.

و صحيحة أبي خالد القمّاط أنّه سمح أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) يقول

من كان له ما يطعم فليس له أن يصوم، يطعم عشرة مساكين مدّاً مدّاً. «3»

الخبر، و غيرها من روايات أبواب كفّارة الطعام.

و في قبال هذه الروايات

قد ورد في بعض الروايات: أنّ لكلّ مسكين مدّين؛ ففي صحيحة أبي بصير عن أحدهما في كفّارة الظهار قال

تصدّق على ستّين مسكيناً ثلاثين صاعاً؛ لكلّ مسكين مدّين مدّين «4».

و صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في كفّارة اليمين

يطعم عشرة مساكين؛ لكلّ مسكين مدّين من حنطة و مدٌّ من دقيق. «5»

الخبر.

و مقتضى الجمع بين أخبار المدّ و المدّين حمل المدّين على الاستحباب. و في «الوسائل»: و قد حمل جماعة من علمائنا ما تضمّن المدّين على الاستحباب و حمله الشيخ (رحمه اللّٰه) على القادر و حمل المدّ على العاجز «6»، انتهى. و في «مستند

______________________________

(1) وسائل الشيعة 22: 375، كتاب الإيلاء و الكفارات، أبواب الكفارات، الباب 12، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 22: 376، كتاب الإيلاء و الكفارات، أبواب الكفارات، الباب 12، الحديث 4.

(3) وسائل الشيعة 22: 376، كتاب الإيلاء و الكفارات، أبواب الكفارات، الباب 12، الحديث 5.

(4) وسائل الشيعة 22: 382، كتاب الإيلاء و الكفارات، أبواب الكفارات، الباب 14، الحديث 6.

(5) وسائل الشيعة 22: 383، كتاب الإيلاء و الكفارات، أبواب الكفارات، الباب 14، الحديث 10.

(6) وسائل الشيعة 22: 384، ذيل الحديث 14.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 197

..........

______________________________

العروة الوثقى» في ردّ قول الشيخ و بعض من تبعه القائلين بالمدّين لكلّ مسكين قال: هو لا يخلو عن غرابة بعد مخالفة الأصحاب و إطباق نصوص الباب على الاجتزاء بمدّ واحدٍ؛ إذ لم يرد المدّان في شي ء منها. نعم ورد ذلك في كفّارة الظهار «1»، انتهى موضع الحاجة.

و لا يخفى: أنّ المدّين قد ورد في كفّارة اليمين أيضاً، و عليك بصحيحة الحلبي المتقدّمة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام). و هو (رحمه اللّٰه) ممّن قال

بعدم الفرق بين كفّارة اليمين و كفّارة رمضان و كفّارة الظهار.

و قال أبو حنيفة: من البرّ بكلّ مسكين نصف صاع و من غيره صاع؛ لما رواه العامّة عن النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) في حديث سلمة بن صخر، و قال أحمد: مدّ من برّ و نصف صاع من غيره؛ لما رواه أبو زيد المدني قال: جاءت امرأة من بني بياضة بنصف وسق من شعير، فقال النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)

للمظاهر أطعم هذا فإنّ مدّي شعير مكان مدّ من برّ.

بقي الكلام في المراد من «الأوسط من الطعام» في الآية الشريفة: فقد فسّر بالمقدار المتوسّط كما في صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في قول اللّٰه عزّ و جلّ مِنْ أَوْسَطِ مٰا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ، قال

هو كما يكون أن يكون في البيت من يأكل المدّ، و منهم من يأكل أكثر من المدّ، و منهم من يأكل أقلّ من المدّ، فبين ذلك. و إن شئت جعلت لهم أدماً و الأدم أدناه الملح و أوسطه الخلّ و الزيت و أرفعه اللحم «2»

، فالمستفاد من صدر هذه الرواية أنّ الوسط هو المدّ، فالرواية توافق الروايات التي قدّر مقدار الكفّارة فيها بالمدّ.

و فسّر في بعض الروايات بالوسط في أنواع الطعام كيفاً، كما في صحيحة

______________________________

(1) مستند العروة الوثقى، الصوم 1: 368.

(2) وسائل الشيعة 22: 381، كتاب الإيلاء و الكفارات، أبواب الكفارات، الباب 14، الحديث 3.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 198

و لا يكفي في كفّارة واحدة مع التمكّن من الستّين إشباع شخص واحد مرّتين أو مرّات، أو إعطاؤه مُدّين أو أمداد، بل لا بدّ من ستّين نَفساً (34).

______________________________

أبي بصير قال: سألت أبا

جعفر (عليه السّلام) عن أَوْسَطِ مٰا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ، قال

ما تقوتون به عيالكم من أوسط ذلك

، قلت: و ما أوسط ذلك؟ فقال

الخلّ و الزيت و التمر و الخبز «1».

و صحيحة ابن أبي نصر البزنطي عن أبي جميلة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

في كفّارة اليمين عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم، و الوسط الخلّ و الزيت و أرفعه الخبز و اللحم. «2»

الخبر.

(34) و ذلك لصراحة روايات الباب في خصوص ستّين فلا يطلق على أقلّ منه. و قد صرّح في بعض الروايات بأنّه لا يكتفى على الأقلّ؛ ففي موثّقة إسحاق بن عمّار قال: سألت أبا إبراهيم (عليه السّلام) عن إطعام عشرة مساكين أو إطعام ستّين مسكيناً، أ يجمع ذلك لإنسان واحد يُعطاه؟ قال

لا، و لكن يعطى إنساناً إنساناً، كما قال اللّٰه تعالى

، قلت: فيعطيه الرجل قرابته إن كانوا محتاجين؟ قال

نعم «3»

، فلا يكفي إطعام أقلّ من الستّين مع التمكّن منه، و مع عدم التمكّن منه يتكرّر على الأقلّ حتّى يتمّ. و تدلّ عليه أيضاً رواية السكوني عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السّلام)

إن لم يجد في الكفّارة إلّا الرجل و الرجلين فيكرّر عليهم حتّى يستكمل العشرة يعطيهم اليوم ثمّ يعطيهم غداً «4».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 22: 381، كتاب الإيلاء و الكفارات، أبواب الكفارات، الباب 14، الحديث 5.

(2) وسائل الشيعة 22: 380، كتاب الإيلاء و الكفارات، أبواب الكفارات، الباب 14، الحديث 2.

(3) وسائل الشيعة 22: 386، كتاب الإيلاء و الكفارات، أبواب الكفارات، الباب 16، الحديث 2.

(4) وسائل الشيعة 22: 386، كتاب الإيلاء و الكفارات، أبواب الكفارات، الباب 16، الحديث 1.

مدارك تحرير

الوسيلة - الصوم، ص: 199

و لو كان للفقير عيال يجوز إعطاؤه بعدد الجميع لكلّ واحد مُدّاً؛ مع الوثوق بأنّه يُطعمهم أو يُعطيهم (35).

______________________________

(35) يعني أنّه لا يشترط في الفقراء أن يكونوا كباراً، بل لو كانوا صغاراً كفى إعطاء كلّ منهم مدّاً مدّاً. و كذلك لا يشترط أن يكونوا رجالًا. و تدلّ عليه صحيحة يونس بن عبد الرحمن عن أبي الحسن (عليه السّلام) قال: سألته عن رجل عليه كفّارة إطعام عشرة مساكين، أ يعطي الصغار و الكبار سواء و النساء و الرجال، أو يفضل الكبار على الصغار و الرجال على النساء؟ فقال

كلّهم سواء «1».

و صحيحة اخرى ليونس بن عبد الرحمن عن أبي الحسن (عليه السّلام) في حديث الكفّارة قال

و يتمّم إذا لم يقدر على المسلمين و عيالاتهم تمام العدّة التي تلزمه أهل الضعف ممّن لا ينصب «2»

حيث إنّ الإطعام على العيالات و فيهم الصغار و النساء كان من المسلّمات.

و لا يخفى: أنّ الإطعام إن كان بنحو إعطاء المدّ فلا يفرق بين الكبار و الصغار، و أمّا إن كان بنحو الإشباع فالظاهر أنّه لا يكفي إشباع الصغار الذين كان طعامهم أقلّ بمراتب من طعام الكبار؛ و ذلك لعدم صدق إطعام المسكين على إشباع الصغير ابن ثلاث أو أربع سنين مثلًا و طعامه بمقدار ربع طعام الكبير أو خمسه مثلًا كما في خبر غياث بن إبراهيم عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

لا يجزي إطعام الصغير في كفّارة اليمين، و لكن صغيرين بكبير «3»

، و رواية السكوني عن أبيه

إنّ عليّاً (عليه السّلام) قال: من أطعم في كفّارة اليمين صغاراً و كباراً فليزوّد الصغير بقدر

______________________________

(1) وسائل الشيعة 22: 387، كتاب الإيلاء و الكفارات، أبواب

الكفارات، الباب 17، الحديث 3.

(2) وسائل الشيعة 22: 388، كتاب الإيلاء و الكفارات، أبواب الكفارات، الباب 18، الحديث 1.

(3) وسائل الشيعة 22: 387، كتاب الإيلاء و الكفارات، أبواب الكفارات، الباب 17، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 200

و المُدّ ربع الصاع، و الصاع ستّمائة مثقال و أربعة عشر مثقالًا و ربع مثقال (36).

______________________________

ما أكل الكبير «2»

، و هاتان الروايتان و إن كان موردهما كفّارة اليمين لكنّه يتمّ في غيرها بعدم الفصل.

ثمّ إنّه لا يكفي في إطعام المساكين إشباعاً أو تمليكاً مجرّد إعطاء سهامهم لمن يتكفّلهم، إلّا أن يكون وكيلًا عن كبارهم أو ولياً لصغارهم أو يكون موثوقاً به في صرفها لهم.

(36) و مقدار المدّ بالمثقال مائة و ثلاثة و خمسون مثقالًا و نصف مثقال و جزء واحد من ستّة عشر أجزاء مثقال واحد، و بوزن الكيلو الذي هو الوزن الإيراني اليوم ثلاثة أرباع الكيلو سبعمائة و خمسين غراماً و الصاع أربعة أمداد.

و في «مجمع البحرين»: و قدر الصاع تسعة أرطال بالعراقي، و ستّة أرطال بالمدني، و أربعة و نصف بالمكّي، و الرطل المكّي على وزن رطلين بالعراقي، و على وزن رطل و ثلث بالمدني. و عن بعض شرّاح الحديث: الصاع مائة و ألف و سبعون درهماً و ثمان مائة و تسعة عشر مثقالًا «1»، انتهى. و قال في مادّة رطل: و الرطل بالكسر و الفتح نصف المنّ عبارة عن اثنى عشر أوقية، و هي عبارة عن أربعين درهماً، و الرطل العراقي عبارة عن مائة و ثلاثين درهماً هي إحدى و تسعون مثقالًا، و كلّ درهم ستّة دوانيق، و كلّ دانق ثمان حبّات «4»، انتهى.

و لا يخفى: أنّ الروايات الواردة في تحديد ستّين مدّاً

بالأصواع مختلفة:

ففي بعضها: أنّها عشرون صاعاً، كموثّقة عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه قال:

______________________________

(2) وسائل الشيعة 22: 387، كتاب الإيلاء و الكفارات، أبواب الكفارات، الباب 17، الحديث 2.

(1) مجمع البحرين 4: 361.

(4) نفس المصدر 5: 384.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 201

..........

______________________________

سألته عن رجل أفطر يوماً من شهر رمضان متعمّداً، قال

يتصدّق بعشرين صاعاً و يقضي مكانه «1».

و رواية محمّد بن نعمان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) أنّه سئل عن رجل أفطر يوماً من شهر رمضان، فقال

كفّارته جريبان من طعام، و هو عشرون صاعاً «2».

و رواية إدريس بن هلال عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) أنّه سئل عن رجل أتى أهله في شهر رمضان، قال

عليه عشرون صاعاً من تمر، فبذلك أمر رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) الرجل الذي أتاه فسأله عن ذلك «3».

و في بعضها الآخر: أنّها خمسة عشر صاعاً، كصحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن رجل أفطر يوماً من شهر رمضان متعمّداً؟ قال

عليه خمسة عشر صاعاً، لكلّ مسكين مدٌّ بمدّ النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) أفضل «4»

، و صحيحة عبد المؤمن بن القاسم الأنصاري عن أبي جعفر (عليه السّلام)

إنّ رجلًا أتى النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) فقال: هلكت و أهلكتُ، فقال: و ما أهلكك؟ قال: أتيت امرأتي في شهر رمضان و أنا صائم، فقال له النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): أعتق رقبة، قال: لا أجد، قال: فصم شهرين متتابعين، قال: لا أُطيق، قال: تصدّق على ستّين مسكيناً، قال: لا أجد، فأتى النبي (صلّى اللّٰه عليه و

آله و سلّم) بعذق في مكتل فيه خمسة عشر صاعاً من تمر، فقال له النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): خذ هذا فتصدّق بها. «5»

الخبر.

و لا يخفى: أنّ اختلاف الروايات في مقدار ستّين مدّاً و أنّه كم صاع من الصياع؟ أ هي عشرون صاعاً أو خمسة عشر صاعاً أو عشرة أصوُع، غير مضرّ؛

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 46، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 8، الحديث 4.

(2) وسائل الشيعة 10: 47، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 8، الحديث 6.

(3) وسائل الشيعة 10: 48، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 8، الحديث 8.

(4) وسائل الشيعة 10: 48، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 8، الحديث 10.

(5) وسائل الشيعة 10: 46، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 8، الحديث 5.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 202

[ (مسألة 9): يجوز التبرّع بالكفّارة عن الميّت]

(مسألة 9): يجوز التبرّع بالكفّارة عن الميّت؛ لصوم كانت أو لغيره (37). و في جوازه عن الحيّ إشكال، و الأحوط العدم، خصوصاً في الصوم (38).

______________________________

لجواز اختلاف الصاع قدراً باختلاف البلدان كسائر الأوزان مثل الرطل و المنّ و الحقّة و نحو ذلك.

(37) يقع البحث في أنّه هل يجوز التبرّع بالكفّارة عن الميّت؛ سواء كانت الكفّارة صوم شهرين متتابعين أو عتق رقبة أو إطعام ستّين مسكيناً؟ لا خلاف في جوازه.

و تدلّ عليه عدّة من الروايات:

منها: ما رواه في «الفقيه» قال: و قال (عليه السّلام)

يدخل على الميّت في قبره الصلاة و الصوم و الحجّ و الصدقة و البرّ و الدعاء، و يكتب أجره للذي يفعله و للميّت «1»

، و صحيحة معاوية بن عمّار قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): أيّ

شي ء يلحق الرجل بعد موته؟ قال

يلحقه الحجّ عنه و الصدقة عنه و الصوم عنه «2»

، و غيرهما من روايات الباب. و الصدقة بالمعنى الأعمّ يشمل الكفّارة، و قد عبّر في بعض الروايات عن خصوص الكفّارة بالصدقة؛ فقال (عليه السّلام) للمفطر

تصدّق.

(38) في المسألة أقوال ثلاثة:

الأوّل: أنّه يجزي إتيان الغير كفّارة المفطر الحيّ مطلقاً صوماً كان أو غيره نسب هذا القول إلى الشيخ في «المبسوط» و العلّامة في «المختلف» و اختاره النراقي في «مستند الشيعة» و قال: الأظهر هو الإجزاء المطلق «3». و استدلّ عليه بأنّ الكفّارة

______________________________

(1) وسائل الشيعة 2: 444، كتاب الطهارة، أبواب الاحتضار، الباب 28، الحديث 3.

(2) وسائل الشيعة 2: 445، كتاب الطهارة، أبواب الاحتضار، الباب 28، الحديث 8.

(3) مستند الشيعة 10: 540.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 203

..........

______________________________

دين يقضى عن المديون فوجب أن تبرأ ذمّته، كما لو كان لأجنبي، بل هنا أولى؛ لأنّ حقّ اللّٰه تعالى مبني على التخفيف. و ذكر صاحب «الوسائل» (رحمه اللّٰه) في عنوان الباب الثامن من أبواب ما يمسك عنه الصائم أنّه: و إن تبرّع أحد بالتكفير عنه أجزأه «1»، ثمّ أورد حسنة بل صحيحة جميل بن درّاج، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): أنّه سئل عن رجل أفطر يوماً من شهر رمضان متعمّداً. إلى أن قال

فقال له رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): خذ هذا التمر فتصدّق به. «2»

الخبر. و حسن الرواية بل صحّتها بمحمّد بن إسماعيل أبي الحسن النيسابوري في السند، و هو واقع في طريق كامل الزيارات.

و صحيحة عبد المؤمن بن القاسم الأنصاري عن أبي جعفر (عليه السّلام)

إنّ رجلًا أتى النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) فقال:

هلكتُ و أهلكتُ، فقال: و ما أهلكك؟ قال: أتيت امرأتي في شهر رمضان و أنا صائم.

إلى أن قال

فقال له النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): خذ هذا فتصدّق بها. «3»

الخبر.

و فيه أوّلًا: أنّ إطلاق الدين على غير الأُمور المالية من العبادات كالصلاة و الصوم و الحجّ مسامحة بعناية كونها ثابتة في العهدة كالديون المالية. و على فرض كون الإطلاق حقيقة نمنع من كفاية قيام الغير بأداء كلّ دين؛ حتّى أنّه نسب إلى المحقّق الكركي المنع عن صحّة أداء دين المديون بدون إذنه، نعم قد يستفاد من الروايات جواز أداء الغير بعض الديون عن بعض الأشخاص، كالغارم الذي استدان في مصلحته و معروف غير معصية ثمّ عجز عن أدائه فعلى الإمام (عليه السّلام) أن يقضيه من الزكاة من سهم الغارمين.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 44.

(2) وسائل الشيعة 10: 45، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 8، الحديث 2.

(3) وسائل الشيعة 10: 46، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 8، الحديث 5.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 204

..........

______________________________

و ثانياً: أنّ الصحيحتين المذكورتين أجنبيتان عمّا نحن فيه؛ لأنّ ظاهرهما أنّ النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) قد ملّك للمفطر المتعمّد عشرين أو خمسة عشر صاعاً من تمر و أمره بالتصدّق، فكان المتصدّق و المباشر للصدقة هو نفس المفطر لا غيره تبرّعاً عنه، كما هو واضح.

القول الثاني: أنّه لا يجزي عنه مطلقاً. ذهب إليه جماعة من الأصحاب: منهم صاحب «المدارك» (رحمه اللّٰه)، و قوّاه صاحب «الجواهر» (رحمه اللّٰه)، و هو المشهور و المختار عندنا. و الدليل عليه: أنّ الظاهر من الأمر بالتكفير هو كون التكفير عملًا مطلوباً محقّقاً من نفس

المكلّف، و الاكتفاء بعمل الغير و سقوط التكليف عن المخاطب يحتاج إلى دليل مفقود فيما نحن فيه. و مقتضى الأصل عدم البراءة إلّا بإتيان المكلّف بنفسه. نعم يجزي إتيان الغير عنه وكالةً فيما يصحّ النيابة و التوكيل كما في إطعام ستّين مسكيناً و العتق مع التوكيل، لا فيما لا تصحّ النيابة كالصوم و سائر العبادات، إلّا ما خرج بالدليل كالحجّ عمّن عجز عن إتيانه فلا يكفي إتيان الغير عن الحيّ نيابة بالوكالة و لا تبرّعاً.

القول الثالث: التفصيل بين الصوم و غيره بعدم جواز التبرّع في الصوم و جوازه في غيره. ذهب إليه صاحب «الشرائع». و وجهه: أنّه كلّما لا يقبل التوكيل لا يسقط عن المكلّف بالتبرّع، و الصوم من هذا القبيل. و هذا بخلاف العتق و الإطعام فإنّهما يقبلان التوكيل و النيابة فيسقطان بالتبرّع.

و فيه: أنّ هذا الاستدلال مقبول في الصوم سمعاً و طاعةً، و أمّا غيره فهو و إن كان يقبل التوكيل و لكنّه إن تحقّق التوكيل في أدائه فيجزي؛ لأنّ فعل الوكيل مستند إلى الموكّل حقيقة، و أمّا فيما لم يوكله فلا دليل على إجزائه عن المفطر مع فرض كون المفطر مخاطباً للأمر و مكلّفاً بإتيانه بنفسه مباشرة.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 205

[ (مسألة 10): يكفي في حصول التتابع في الشهرين صوم الشهر الأوّل و يوم من الشهر الثاني]

(مسألة 10): يكفي في حصول التتابع في الشهرين صوم الشهر الأوّل و يوم من الشهر الثاني (39)،

______________________________

(39) هنا مسألتان:

الاولى: أنّه يجب التتابع في صوم شهرين؛ للتصريح به في الروايات، كما في صحيحة عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في رجل أفطر من شهر رمضان متعمّداً يوماً واحداً من غير عذر، قال

يعتق نسمة أو يصوم شهرين متتابعين. «1»

الخبر، و صحيحة علي بن جعفر في

كتابه عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السّلام) قال: سألته عن رجل نكح امرأته و هو صائم في رمضان، ما عليه؟ قال

عليه القضاء و عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين. «2»

الخبر، و موثّقة سماعة قال: سألته عن رجل أتى أهله في شهر رمضان متعمّداً، قال

عليه عتق رقبة أو إطعام ستّين مسكيناً أو صوم شهرين متتابعين. «3»

الخبر، و غيرها من الروايات في أبواب متفرّقة، و به قال علماء العامّة قاطبة إلّا ابن أبي ليلى فقال: لا يجب التتابع؛ لما روى أبو هريرة أنّ رجلًا أفطر في رمضان فأمره رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) أن يكفّر بعتق رقبة أو صيام شهرين أو إطعام ستّين مسكيناً.

الثانية: أنّه يكفي في حصول التتابع في الشهرين صوم الشهر الأوّل و يوم من الشهر الثاني. و ادّعى في «مستند الشيعة» الإجماع المحصّل عليه، و حكاه عن «الخلاف» و «الانتصار» و «السرائر» و «الغنية» و «التذكرة» و «المنتهي» و «المختلف» و شرح فخر المحقّقين.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 44، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 8، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 10: 48، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 8، الحديث 9.

(3) وسائل الشيعة 10: 49، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 8، الحديث 13.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 206

و يجوز له التفريق في البقيّة و لو اختياراً (40).

______________________________

و تدلّ عليه صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن قطع صوم كفّارة اليمين و كفّارة الظهار و كفّارة القتل، فقال (عليه السّلام)

إن كان على رجل صيام شهرين متتابعين، و التتابع أن يصوم شهراً و يصوم من الآخر شيئاً

أو أيّاماً منه، فإن عرض له شي ء يفطر منه أفطر ثمّ يقضي ما بقي عليه، و إن صام شهراً ثمّ عرض له شي ء فأفطر قبل أن يصوم من الآخر شيئاً فلم يتابع أعاد الصوم كلّه «1».

وجه الدلالة: أنّه (عليه السّلام) صرّح بالمراد من تتابع الشهرين؛ و هو أن يصوم شهراً و يصوم من الآخر شيئاً أو أيّاماً منه؛ فلا يلزم في تتابع الشهرين إكمال ستّين يوماً بالتتابع بين تمام الأيّام بلا فصل بينها إلى آخرها، فيكون قوله (عليه السّلام)

و التتابع أن يصوم شهراً و يصوم من الآخر شيئاً أو أيّاماً منه

حاكماً و مفسّراً للأدلّة الدالّة على وجوب التتابع في صوم شهرين بحيث لو لم يكن هذا التفسير لكان التتابع في تمام ستّين يوماً واجباً.

(40) و ذلك لأصالة البراءة من وجوب التتابع فيها. و تدلّ عليه موثّقة سماعة بن مهران قال: سألته عن الرجل يكون عليه صوم شهرين متتابعين أ يفرق بين الأيّام؟ فقال

إذا صام أكثر من شهر فوصله ثمّ عرض له أمر فأفطر فلا بأس، فإن كان أقلّ من شهر أو شهراً فعليه أن يعيد الصيام «2».

و يدلّ عليه أيضاً قوله (عليه السّلام) في صحيحة الحلبي المتقدّمة

فإن عرض له شي ء يفطر منه أفطر ثمّ يقضي ما بقي عليه.

و لا يخفى: أنّ الشي ء العارض ليس من قبيل الأعذار الغير المخلّة للتتابع الحادثة في أثناء الشهر الأوّل بقرينة قوله (عليه السّلام) في ذيل الخبر

و إن صام شهراً ثمّ

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 373، كتاب الصوم، أبواب بقية الصوم الواجب، الباب 3، الحديث 9.

(2) وسائل الشيعة 10: 372، كتاب الصوم، أبواب بقية الصوم الواجب، الباب 3، الحديث 5.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 207

و لو

أفطر في أثناء ما يعتبر فيه التتابع لغير عذر وجب استئنافه (41)، و إن كان للعذر كالمرض و الحيض و النفاس و السفر الاضطراري لم يجب عليه استئنافه (42)،

______________________________

عرض له شي ء فأفطر قبل أن يصوم من الآخر شيئاً فلم يتابع أعاد الصوم

، حيث إنّ العارض لو كان من الأعذار فلا يعيد.

(41) و ذلك لكون الواجب مشروطاً فيفوت بفوات شرطه. و يدلّ عليه ذيل صحيحة الحلبي المتقدّمة؛ و هو قوله (عليه السّلام)

و إن صام شهراً ثمّ عرض له شي ء فأفطر قبل أن يصوم من الآخر شيئاً فلم يتابع أعاد الصوم كلّه

حيث إنّ الشي ء العارض ليس من قبيل العذر، كما تقدّمت الإشارة إليه.

(42) و تدلّ عليه صحيحة رفاعة قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل عليه صيام شهرين متتابعين فصام شهراً و مرض قال

يبني عليه، اللّٰه حبسه

، قلت: امرأة كان عليها صيام شهرين متتابعين فصامت و أفطرت أيّام حيضها، قال

تقضيها

، قلت: فإنّها قضتها ثمّ يئست من الحيض، قال

لا تعيدها أجزأها ذلك «1».

و صحيحة سليمان بن خالد قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل كان عليه صيام شهرين متتابعين فصام خمسة و عشرين يوماً ثمّ مرض، فإذا برأ يبني على صومه أم يعيد صومه كلّه؟ قال

بل يبني على ما كان صام

، ثمّ قال

هذا ممّا غلب اللّٰه عليه، و ليس على ما غلب اللّٰه عزّ و جلّ عليه شي ء «2».

و صحيحة اخرى لرفاعة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

المظاهر إذا صام شهراً ثمّ مرض اعتدّ بصيامه «3».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 374، كتاب الصوم، أبواب بقية الصوم الواجب، الباب 3، الحديث 10.

(2) وسائل الشيعة 10: 374، كتاب الصوم، أبواب

بقية الصوم الواجب، الباب 3، الحديث 12.

(3) وسائل الشيعة 10: 375، كتاب الصوم، أبواب بقية الصوم الواجب، الباب 3، الحديث 13.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 208

بل يبني علىٰ ما مضى. و من العذر نسيان النية حتّى فات وقتها؛ بأن تذكّر بعد الزوال (43).

______________________________

(43) و ذلك لعموم التعليل المستفاد من صحيحة سليمان بن خالد المتقدّمة؛ و هو قوله (عليه السّلام)

هذا ممّا غلب اللّٰه عليه، و ليس على ما غلب اللّٰه عليه شي ء

، و قوله (عليه السّلام)

اللّٰه حبسه

المذكور في صحيحة رفاعة، فيشمل كلّ عذر لا يكون تحقّقه في الخارج باختيار المكلّف. و الاستدلال عليه بحديث الرفع غير تامّ؛ لأنّ حديث الرفع يرفع المؤاخذة و العقاب على ترك التتابع و ليس شأنه إثبات صحّة ما مضى من الصوم.

و صاحب «الحدائق» بعد أن نقل عن «المدارك» تقوية القول بعدم انقطاع التتابع بنسيان النية حتّى فات محلّها، و الاستدلال عليه بظاهر التعليل المستفاد من قوله (عليه السّلام)

و اللّٰه حبسه

، و قوله (عليه السّلام)

و ليس على ما غلب اللّٰه عليه شي ء.

استشكل على استدلاله بأنّ ظاهر التعليل المذكور في الخبرين لا يشمل مثل هذا؛ فإنّ النسيان إنّما هو من الشيطان، و استشهد عليه بآية فَأَنْسٰاهُ الشَّيْطٰانُ ذِكْرَ رَبِّهِ «1» و غيرها من الآيات.

و فيه: أنّ نسيان النية في الصوم ليس إلّا كنسيان بعض أجزاء الصلاة، كالسجدة الواحدة و التشهّد مثلًا و هل يعقل أن يقال: إنّه من الشيطان؟! و كون النسيان من الشيطان في مورد الآية و نظائرها لا يدلّ على أنّه منه دائماً و كلّيةً، و على فرض كونه منه لا يستند ترك الصوم لأجل نسيان النية إلى المكلّف؛ فلا يقال: إنّه أفطر متعمّداً و باختياره، كما هو واضح.

______________________________

(1)

يوسف (12): 42.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 209

[ (مسألة 11): لو عجز عن الخصال الثلاث في كفّارة شهر رمضان، يجب عليه التصدّق بما يطيق]

(مسألة 11): لو عجز عن الخصال الثلاث في كفّارة شهر رمضان، يجب عليه التصدّق بما يطيق (44)،

______________________________

(44) و يدلّ عليه صحيحة عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في رجل أفطر من شهر رمضان متعمّداً يوماً واحداً من غير عذرٍ، قال (عليه السّلام)

يعتق نسمةً أو يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستّين مسكيناً، فإن لم يقدر تصدّق بما يطيق «1»

، و صحيحة اخرى لعبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في رجلٍ وقع على أهله في شهر رمضان فلم يجد ما يتصدّق به على ستّين مسكيناً، قال

يتصدّق بقدر ما يطيق «2»

، فالمستفاد من الصحيحتين وجوب التصدّق متعيّناً مع العجز عن الخصال الثلاث. و قال في «العروة الوثقى» بالتخيير بين أن يصوم ثمانية عشر يوماً أو يتصدّق بما يطيق، و اختاره أكثر المحشّين ل «العروة».

و لعلّ الحكم بالتخيير للجمع بين صحيحتي عبد اللّٰه بن سنان المذكورتين الدالّتين على وجوب التصدّق بما يطيق، و بين ما يدلّ على وجوب صوم ثمانية عشر يوماً، كرواية أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن رجل كان عليه صيام شهرين متتابعين فلم يقدر على الصيام و لم يقدر على العتق و لم يقدر على الصدقة، قال

فليصم ثمانية عشر يوماً عن كلّ عشرة مساكين ثلاثة أيّام «3».

و فيه: أنّه لا تعارض بين صحيحتي ابن سنان و بين رواية أبي بصير حتّى يعالج تعارضهما بالحكم بالتخيير؛ لاختلاف موردهما حيث إنّ صيام الشهرين في الصحيحتين عبارة عن كفّارة رمضان و هي إحدى الخصال الثلاث المخيّرة بينها-

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 44، كتاب الصوم، أبواب

ما يمسك عنه الصائم، الباب 8، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 10: 46، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 8، الحديث 3.

(3) وسائل الشيعة 10: 381، كتاب الصوم، أبواب بقية الصوم الواجب، الباب 9، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 210

و مع عدم التمكّن يستغفر اللّٰه و لو مرّة (45).

______________________________

و في رواية أبي بصير عبارة عن كفّارة الظهار، حيث إنّ قوله

كان عليه صيام شهرين متتابعين

ظاهر في تعيّن الصيام عليه سابقاً بعد عدم القدرة على العتق و الصدقة، و صيام الشهرين في كفّارة رمضان مخيّرة لا معيّنة، و في رواية أُخرى عن أبي بصير قد ورد صوم ثمانية عشر في كفّارة الظهار بالصراحة، قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل ظاهر من امرأته فلم يجد ما يعتق و لا ما يتصدّق و لا يقوى على الصيام، قال

يصوم ثمانية عشر يوماً، لكلّ عشرة مساكين ثلاثة أيّام «1».

(45) و لعلّه (رحمه اللّٰه) تمسّك في وجوب الاستغفار بصحيحة علي بن جعفر في كتابه عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السّلام) قال: «سألته عن رجل نكح امرأته و هو صائم في رمضان ما عليه؟ قال

عليه القضاء و عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستّين مسكيناً، فإن لم يجد فليستغفر اللّٰه «2».

و لا يخفى: أنّ وجوب الاستغفار ليس مترتّباً على عدم التمكّن من التصدّق بما يطيق، بل هو مترتّب على عدم التمكّن من إطعام ستّين مسكيناً كما هو صريح صحيحة علي بن جعفر و مقتضى الجمع بين صحيحتي ابن سنان المتقدّمتين الدالّتين على ترتّب وجوب التصدّق بما يطيق على عدم التمكّن من إطعام ستّين مسكيناً و بين

صحيحة علي بن جعفر الدالّة على ترتّب الاستغفار عليه، هو فعل كلّ من التصدّق بما يطيق و الاستغفار عملًا بالروايتين كلتيهما، و لا أقلّ من الاحتياط بالجمع بينهما كما عن بعض المحشّين السيّد الخوئي (رحمه اللّٰه) ل «العروة الوثقى»، هذا. و أمّا الاكتفاء بالمرّة في الاستغفار فلإطلاق صحيحة علي بن جعفر المتقدّمة.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 22: 372، كتاب الإيلاء و الكفّارات، أبواب الكفّارات، الباب 8، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 10: 48، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 8، الحديث 9.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 211

و الأحوط الإتيان بالكفّارة إن تمكّن بعد ذلك في الأخيرة (46).

______________________________

(46) قال العلّامة (رحمه اللّٰه) في «التذكرة»: لو عجز عن الأصناف الثلاثة صام ثمانية عشر يوماً، فإن لم يقدر تصدّق بما وجد أو صام بما استطاع، فإن لم يتمكّن استغفر اللّٰه و لا شي ء عليه. و استدلّ عليه من طريق الخاصّة بقول النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)

فخذه و أطعمه عيالك و استغفر اللّٰه عزّ و جلّ

، و بأنّ الكفّارة حقّ من حقوق اللّٰه تعالى على وجه البدل فلا يجب مع العجز كصدقة الفطر. و قال الزهري و الثوري و أبو ثور: إذا لم يتمكّن من الأصناف الثلاثة كانت الكفّارة ثابتة في ذمّته، و هو قول أبي حنيفة؛ لأنّ النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) أمر الأعرابي أن يأخذ التمر و يكفّر عن نفسه بعد أن أعلمه بعجزه عن الأنواع الثلاثة، و هو يقتضي وجوب الكفّارة مع العجز. إلى أن قال: و للشافعي قولان، و عن أحمد روايتان «1»، انتهى ملخّصاً.

و قال الشهيد في «الدروس»: و لو عجز استغفر اللّٰه، فلو قدر بعد الاستغفار

فإشكال؛ إذ لا يجب الكفّارة عن الفور هذا وجه وجوب الكفّارة بالتمكّن بعد الاستغفار و من الامتثال و هذا وجه سقوطها و لو تمكّن منها بعد الاستغفار «2» انتهى.

و قد أفتى السيّد (رحمه اللّٰه) في «العروة الوثقى» بأنّه إن تمكّن من الكفّارة بعد الاستغفار أتى بها.

و لعلّ وجهه: أنّ الإطعام مثلًا ليس من الواجبات الموقّتة، و ليس واجباً

________________________________________

بنى فضل، مرتضى بن سيف على، مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، در يك جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، تهران - ايران، اول، 1422 ه ق

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم؛ ص: 211

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء 6: 56.

(2) الدروس الشرعية 1: 277.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 212

..........

______________________________

فورياً حتّى يسقط بإتيان بدلها، بل هو واجب مستمرّ؛ فلا يكفي بدله إلّا إذا استمرّ عدم التمكّن، و إذا لم يستمرّ و تجدّد التمكّن بعد فعل البدل يكشف ذلك عن بقاء الأمر بالمبدل و كان معذوراً عن امتثاله؛ لعدم التمكّن، هذا.

و لكن الظاهر من الروايات كفاية الاستغفار بعد العجز عن الخصال، بل في بعض الروايات تصريح بكون الاستغفار كفّارة؛ ففي صحيحة أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

كلّ من عجز عن الكفّارة التي تجب عليه من صوم أو عتق أو صدقة في يمين أو نذر أو قتل أو غير ذلك ممّا يجب على صاحبه فيه الكفّارة فالاستغفار له كفّارة، ما خلا يمين الظهار فإنّه إذا لم يجد ما يكفّر به حرمت عليه أن يجامعها و فرّق بينهما، إلّا أن ترضى المرأة أن يكون معها و لا يجامعها «1»

، و رواية داود بن فرقد عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في حديث قال

إنّ

الاستغفار توبة و كفّارة لكلّ من لم يجد السبيل إلى شي ء من الكفّارة «2».

نعم في الظهار إذا تمكّن من الكفّارة بعد الاستغفار فليكفّر، و تدلّ عليه موثّقة إسحاق بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

الظهار إذا عجز صاحبه عن الكفّارة فليستغفر ربّه و ينوي أن لا يعود قبل أن يواقع ثمّ ليواقع، و قد أجزأ ذلك عنه من الكفّارة، فإذا وجد السبيل إلى ما يكفّر يوماً من الأيّام فليكفّر، و إن تصدّق و أطعم نفسه و عياله فإنّه يجزيه إذا كان محتاجاً، و إلّا يجد ذلك فليستغفر ربّه و ينوي أن لا يعود فحسبه ذلك و اللّٰه كفّارةً «3»

، حيث إنّه (عليه السّلام) قال في ذيل الصحيحة بكفاية الاستغفار و إنّه كفّارة.

و مع ذلك كلّه: فالاحتياط بالتكفير إذا تمكّن منه بعد الاستغفار سبيل النجاة.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 22: 367، كتاب الإيلاء و الكفارات، أبواب الكفارات، الباب 6، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 22: 368، كتاب الإيلاء و الكفارات، أبواب الكفارات، الباب 6، الحديث 3.

(3) وسائل الشيعة 22: 368، كتاب الإيلاء و الكفارات، أبواب الكفارات، الباب 6، الحديث 4.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 213

[ (مسألة 12): يجب القضاء دون الكفّارة في موارد]

اشارة

(مسألة 12): يجب القضاء دون الكفّارة في موارد:

[الأوّل: فيما إذا نام المجنب في الليل ثانياً بعد انتباهه من النوم]

الأوّل: فيما إذا نام المجنب في الليل ثانياً بعد انتباهه من النوم، و استمرّ نومه إلىٰ طلوع الفجر (47)،

______________________________

(47) أمّا النوم الأوّل إذا كان من قصده اليقظ و الاغتسال ثمّ استمرّ نومه إلى أن طلع الفجر فلا شي ء عليه و يصحّ صومه. و يدلّ عليه صدر صحيحة معاوية بن عمّار الآتية.

فوجوب القضاء دون الكفّارة إنّما هو في النوم الثاني؛ بأن نام بعد العلم بالجنابة ثمّ انتبه و نام ثانياً و أصبح جنباً، و هو المشهور بين الأصحاب، بل لا خلاف فيه، و ادّعى في «الخلاف» الإجماع عليه، و في «مستند الشيعة»: أنّه استفاض نقل الإجماع عليه. و تدلّ عليه صحيحة معاوية بن عمّار قال: قلت: الرجل يجنب في أوّل الليل ثمّ ينام حتّى يصبح، قال

ليس عليه شي ء

، قلت: فإنّه استيقظ ثمّ نام حتّى أصبح، قال

فليقض ذلك اليوم عقوبة «1».

و صحيحة ابن أبي يعفور قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): الرجل يجنب في شهر رمضان ثمّ يستيقظ ثمّ ينام حتّى يصبح، قال

يتمّ صومه و يقضي يوماً آخر، و إن لم يستيقظ حتّى يصبح أتمّ صومه و جاز له «2».

و وجه عدم وجوب الكفّارة بالنوم الثاني المستمرّ إلى الصبح أصالة عدم الوجوب بعد الفحص و اليأس عن الدليل بوجوبها.

و قد يقال بوجوب الكفّارة في النوم الثاني، و يستدلّ عليه تارة بالملازمة بين وجوب القضاء و وجوب الكفّارة، و أُخرى برواية سليمان بن حفص المروزي عن

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 61، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 15، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 10: 61، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 15، الحديث

2.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 214

بل الأقوىٰ ذلك في النوم الثالث بعد انتباهتين (48)؛

______________________________

الفقيه (عليه السّلام) قال

إذا أجنب الرجل في شهر رمضان بليل و لا يغتسل حتّى يصبح فعليه صوم شهرين متتابعين مع صوم ذلك اليوم، و لا يدرك فضل يومه «1».

و مرسلة إبراهيم بن عبد الحميد عن بعض مواليه قال: سألته عن احتلام الصائم، قال: فقال

إذا احتلم نهاراً في شهر رمضان فلا يتمّ حتّى يغتسل، و إن أجنب ليلًا في شهر رمضان فلا ينام إلّا ساعة حتّى يغتسل، فمن أجنب في شهر رمضان فنام حتّى يصبح فعليه عتق رقبة أو إطعام ستّين مسكيناً و قضاء ذلك اليوم، و يتمّ صيامه و لن يدركه أبداً «2».

و لا يخفى ما فيه: أمّا الملازمة المذكورة فغير ثابتة؛ لما ثبت من انفكاك الكفّارة من القضاء في موارد: منها الصائم يوماً أو أيّاماً مع الجنابة المنسية، و سيأتي ذكر بقية الموارد.

و أمّا رواية المروزي فهي و إن كانت معتبرة سنداً لكنّها غير مربوطة بما نحن فيه؛ لعدم تقييدها بالنوم أصلًا، فضلًا عن النوم الثاني المستمرّ إلى الصبح، بل هو ظاهر في تعمّد البقاء على الجنابة إلى الصبح، و رواية ابن عبد الحميد مع ضعفها سنداً لإرسالها و عدم انجبارها ظاهرة في النومة الأُولى متعمّداً في البقاء على الجنابة إلى الصبح.

(48) وجوب القضاء في النوم الثالث ممّا لا خلاف فيه، و كون القضاء في النوم الثاني عقوبة، كما صرّح في ذيل صحيحة معاوية بن عمّار يقتضيها في النوم الثالث بطريق أولى.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 63، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 16، الحديث 3.

(2) وسائل الشيعة 10: 64، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه

الصائم، الباب 16، الحديث 4.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 215

و إن كان الأحوط شديداً فيه وجوب الكفّارة أيضاً (49)، و النوم الذي احتلم فيه لا يُعدّ من النومة الأُولىٰ؛ حتّى يكون النوم الذي بعده النومة الثانية (50)، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط الذي مرّ (51).

[الثاني: إذا أبطل صومه لمجرّد عدم النية أو بالرياء أو نية القطع]

الثاني: إذا أبطل صومه لمجرّد عدم النية أو بالرياء أو نية القطع؛ مع عدم الإتيان بشي ء من المفطرات (52).

______________________________

(49) و وجه الاحتياط ما ذكر من الملازمة، و رواية المروزي، مع احتمال صدق العمد على البقاء على الجنابة إلى الصبح.

(50) و الدليل على أنّ النوم الواقع عقيب الاستيقاظ من نوم الاحتلام ليس نوماً ثانياً، هو نفي البأس عنه و عدم ترتّب شي ء عليه حتّى القضاء في صحيحة العيص بن القاسم؛ أنّه سأل أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الرجل ينام في شهر رمضان فيحتلم ثمّ يستيقظ ثمّ ينام قبل أن يغتسل، قال

لا بأس «1».

و يحتمل في الرواية أن يكون السؤال من حكم النوم في نهار شهر رمضان للمحتلم المستيقظ قبل أن يغتسل.

(51) وجه الاحتياط احتمال كون نوم الاحتلام هو النوم الأوّل، و النوم الواقع عقيب الاستيقاظ عن نوم الجنابة نوماً ثانياً، و به قال النراقي (رحمه اللّٰه) في «المستند».

(52) هنا مسألتان:

الاولى: أنّه يجب قضاء الصوم فيما أمسك عن المفطرات كلّها بلا نية الصوم؛ و ذلك لأنّ الصوم عبادة تتحقّق بتحقّق نية القربة؛ فقد انتفى الصوم بانتفاء نيته، و كذلك يجب القضاء فيما نوى الصوم و قصد القربة، و لكن أفسده بالرياء و لو في لحظة، و فيما لو نوى القطع في الأثناء، و كذا لو نوى القاطع على المختار من كونه

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 57، كتاب الصوم،

أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 13، الحديث 2.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 216

[الثالث: إذا نسي غسل الجنابة و مضىٰ عليه يوم أو أيّام]

الثالث: إذا نسي غسل الجنابة و مضىٰ عليه يوم أو أيّام كما مرّ (53).

______________________________

مبطلًا، و قد مرّ تفصيلًا في أوائل الكتاب.

الثانية: أنّه لا تجب الكفّارة في شي ء من الموارد المذكورة؛ لأنّ الكفّارة مترتّبة على الإفطار العمدي و استعمال شي ء من المفطرات المعهودة، و المفروض عدم استعماله. و أشار المصنّف (رحمه اللّٰه) إليه بقوله: «مع عدم إتيان شي ء من المفطرات».

(53) قد مرّ البحث فيه في الخامس من المفطرات. و في المسألة قولان:

الأوّل: وجوب القضاء، ذهب إليه الأكثر من فقهائنا. و تدلّ عليه صحيحة الحلبي قال: سئل أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل أجنب في شهر رمضان فنسي أن يغتسل حتّى خرج شهر رمضان، قال

عليه أن يقضي الصلاة و الصيام «1».

و حسنة إبراهيم بن ميمون قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الرجل يجنب بالليل في شهر رمضان ثمّ ينسي أن يغتسل حتّى يمضي لذلك جمعة أو يخرج شهر رمضان، قال

عليه قضاء الصلاة و الصوم «2»

، و مرسلة الصدوق قال: و روى في خبر آخر

إنّ من جامع في أوّل شهر رمضان ثمّ نسي الغسل حتّى خرج شهر رمضان أنّ عليه أن يغتسل و يقضي صلاته و صومه، إلّا أن يكون قد اغتسل للجمعة فإنّه يقضي صلاته و صيامه إلى ذلك اليوم و لا يقضي ما بعد ذلك «3».

و قد يتوهّم معارضة هذه الروايات بالروايات الدالّة على عدم وجوب القضاء إذا نام الجنب حتّى أصبح جنباً، كصحيحة أبي سعيد القمّاط أنّه سئل أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) عمّن أجنب في شهر رمضان في أوّل الليل فنام حتّى

أصبح، قال

لا شي ء عليه؛

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 238، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 30، الحديث 3.

(2) وسائل الشيعة 10: 237، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 30، الحديث 1.

(3) وسائل الشيعة 10: 238، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 30، الحديث 2.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 217

..........

______________________________

و ذلك أنّ جنابته كانت في وقت حلال «1».

و صحيحة علي بن رئاب قال: سُئل أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) و أنا حاضر عن الرجل يجنب بالليل في شهر رمضان فينام و لا يغتسل حتّى يصبح، قال

لا بأس، يغتسل و يصلّي و يصوم «2».

و رواية محمّد بن الوليد عن عبد اللّٰه بن بكير قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل أجنب في شهر رمضان بالليل ثمّ نام حتّى أصبح؟ قال

لا بأس «3».

و فيه: أنّه لا معارضة بين الروايات الدالّة بوجوب القضاء و الروايات الدالّة على نفي البأس و نفي الشي ء عنه؛ لاختلاف موضوعهما حيث إنّ موضوع وجوب القضاء هو الناسي لغسل الجنابة و موضوع نفي البأس و عدم وجوب القضاء هو النائم المصبح جُنباً.

و بعبارة اخرى: الروايات في مسألتنا ناظرة إلى أنّ نسيان الجنابة مقتضٍ لوجوب القضاء، و روايات النائم جنباً حتّى يصبح ناظرة إلى أنّ جنابة النائم حتّى أصبح غير مقتضية شيئاً؛ لأنّ الجنابة إلى الصبح من غير تعمّد غير مانعة؛ فلا معارضة بين الاقتضاء و اللااقتضاء.

القول الثاني في المسألة: عدم وجوب القضاء بنسيان الجنابة، ذهب إليه ابن إدريس، و نسب إلى «الشرائع» و «النافع» أنّه أشبه. و استدلّ عليه بحديث رفع النسيان.

و فيه: أنّ حديث الرفع لم يرد لإثبات الحكم الوضعي و تصحيح

العمل بحيث لا يجب فيه الإعادة و القضاء.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 57، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 13، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 10: 59، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 13، الحديث 7.

(3) وسائل الشيعة 10: 59، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 13، الحديث 8.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 218

[الرابع: إذا أتى بالمفطر قبل مراعاة الفجر، ثمّ ظهر سبق طلوعه]

الرابع: إذا أتى بالمفطر قبل مراعاة الفجر، ثمّ ظهر سبق طلوعه؛ إذا كان قادراً على المراعاة (54)، بل أو عاجزاً على الأحوط (55).

______________________________

(54) قدرته على المراعاة تحصل بكونه عارفاً بالوقت متمكّناً من النظر إلى المطلع، فلو لم يراع و أتى بالمفطر قبل الفجر و ظهر وقوعه بعد الفجر يجب عليه القضاء. و حكي عليه الإجماع عن جماعة من الأصحاب.

و تدلّ عليه صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) أنّه سئل عن رجل تسحّر ثمّ خرج من بيته و قد طلع الفجر و تبيّن، فقال

يتمّ صومه ذلك ثمّ ليقضه. «1»

الحديث.

و ذيل هذا الحديث مذكور في الباب الخامس و الأربعين من «وسائل الشيعة» من أبواب ما يمسك عنه الصائم عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

فإن تسحّر في غير شهر رمضان بعد الفجر أفطر

ثمّ قال

إنّ أبي كان ليلة يصلّي و أنا آكل فانصرف فقال: أمّا جعفر فأكل و شرب بعد الفجر، فأمرني فأفطرتُ ذلك اليوم في غير شهر رمضان «2».

و موثّقة سماعة بن مهران قال: سألته عن رجل أكل أو شرب بعد ما طلع الفجر في شهر رمضان، قال

إن كان قام فنظر فلم ير الفجر فأكل ثمّ عاد فرأى الفجر فليتمّ صومه و لا إعادة عليه، و إن كان قام فأكل و

شرب ثمّ نظر إلى الفجر فرأى أنّه طلع الفجر فليتمّ صومه و يقضي يوماً آخر «3».

(55) عجزه عن مراعاة الفجر لأجل العمى أو الحبس و نحو ذلك أو كونه غير عارف بالوقت، و على أيّ حال: يجب القضاء على العاجز عن معرفة الوقت إذا

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 115، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 44، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 10: 116، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 45، الحديث 1.

(3) وسائل الشيعة 10: 115، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 44، الحديث 3.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 219

و كذا مع المراعاة و عدم التيقّن ببقاء الليل؛ بأن كان ظانّاً بالطلوع أو شاكّاً فيه على الأحوط (56)؛

______________________________

أتى بالمفطر و قد سبق طلوع الفجر عليه؛ و ذلك لإطلاق صحيحة الحلبي المتقدّمة و غيرها، و الإطلاق المذكور لا ينافيه التقييد في الموثّقة؛ لأنّ غاية دلالة الموثّقة أنّ من قام فنظر فلم ير الفجر فلا قضاء عليه، و من لم ينظر و فعل المفطر ثمّ رأى أنّه قد طلع الفجر فعليه القضاء؛ فلا دلالة للموثّقة على حكم العاجز أصلًا؛ فالعاجز مشمول لإطلاق صحيحة الحلبي.

(56) الأقوى عدم وجوب القضاء إذا راعى الفجر و لم يحصل له القطع لا بطلوع الفجر و لا ببقاء الليل. و حينئذٍ فإمّا أن يحصل له الظنّ بطلوع الفجر أو يبقى على الشكّ فيه؛ فلا يجب القضاء لو حصل له الظنّ بالطلوع، فضلًا عن الشكّ فيه، و إن كان الأحوط استحباباً القضاء لتناول المفطر بعد طلوع الفجر.

و الدليل على عدم الوجوب صحيحة معاوية بن عمّار قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): آمر الجارية تنظر الفجر فتقول

لم يطلع بعد فآكل ثمّ أنظر فأجد قد كان طلع حين نظرت، قال

اقضه، أما إنّك لو كنت أنت الذي نظرت لم يكن عليك شي ء

، و رواه الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير مثله، إلّا أنّه قال

تتمّ يومك ثمّ تقضيه

، و قال في آخره

ما كان عليك قضاؤه «1»

؛ فالمعيار في عدم وجوب القضاء نظر الصائم بنفسه و عدم تبيّن الطلوع له، كما أنّ معيار وجوب القضاء عدم نظره.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 118، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 46، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 220

و إن كان الأقوىٰ عدم وجوب القضاء مع حصول الظنّ بعد المراعاة، بل عدمه مع الشكّ بعدها لا يخلو من قُوّة أيضاً. كما أنّه لو راعى و تيقّن البقاء فأكل ثمّ تبيّن خلافه صحّ صومه (57). هذا في صوم شهر رمضان (58). و أمّا غيره من أقسام الصوم حتّى الواجب المعيّن فالظاهر بطلانه بوقوع الأكل بعد طلوع الفجر مطلقاً؛ حتّى مع المراعاة و تيقُّن بقاء الليل (59).

______________________________

(57) أي إذا كان اليقين ببقاء الليل مستنداً إلى مراعاته بنفسه فراعى و تيقّن ببقاء الليل و أكل ثمّ تبيّن طلوع الفجر حين أكل فقد صحّ صومه و لا قضاء عليه، و هو القدر المتيقّن من صدر موثّقة سماعة المتقدّمة حيث قال (عليه السّلام)

إن كان قام فنظر و لم ير الفجر فأكل ثمّ عاد فرأى الفجر فليتمّ صومه

، و قال السيّد (رحمه اللّٰه) في «العروة الوثقى»: بل الأحوط القضاء حتّى مع اعتقاد بقاء الليل، و لعلّه (رحمه اللّٰه) أراد صورة تيقّن البقاء من غير مراعاة.

(58) و تدلّ على التقييد بشهر رمضان موثّقة سماعة

المتقدّمة، حيث إنّ السؤال كان عن الأكل و الشرب بعد ما طلع الفجر في شهر رمضان، و خصوص شهر رمضان و إن لم يقع في كلام الإمام (عليه السّلام)، إلّا أنّ قوله (عليه السّلام)

فليتمّ صومه و يقضي يوماً آخر

قرينة على شهر رمضان حيث إنّ وجوب الإتمام مع وجوب القضاء في شهر رمضان فقط و من مختصّاته إجماعاً.

(59) يعني أنّ وجوب الإتمام مع وجوب القضاء فيما لم يراع الفجر و كان أكله في الفجر و عدم وجوب القضاء فيما راعى الفجر إنّما هو في صوم شهر رمضان. و أمّا غيره من الصيام الواجبة المعيّنة و الغير المعيّنة و المندوبة فيبطل بمجرّد وقوع المفطر بعد الفجر حتّى فيما راعى الفجر و تيقّن ببقاء الليل؛ و ذلك لاختصاص إجزاء الصوم و نفي القضاء في صورة مراعاة الفجر و تيقّن بقاء الليل بشهر رمضان،

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 221

[الخامس: الأكل تعويلًا علىٰ إخبار من أخبر ببقاء الليل مع كون الفجر طالعاً]

الخامس: الأكل تعويلًا علىٰ إخبار من أخبر ببقاء الليل مع كون الفجر طالعاً (60).

[السادس: الأكل إذا أخبره مخبر بطلوع الفجر لزعمه سُخرِية المخبر]

اشارة

السادس: الأكل إذا أخبره مخبر بطلوع الفجر لزعمه سُخرِية المخبر (61).

______________________________

كما أنّ وجوب إتمام الصوم مع وجوب القضاء من مختصّات شهر رمضان. و أمّا في غير شهر رمضان فلا يجب الإتمام بل يجب الإفطار؛ و ذلك لذيل صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في حديث قد تقدّم ذكره «1».

و التمسّك لوجوب الإتمام مع المراعاة في غير شهر رمضان من الصوم الواجب المعيّن الذي ثبت فيه القضاء بذيل صحيحة معاوية بن عمّار المتقدّمة

أما إنّك لو كنت أنت الذي نظرت لم يكن عليك شي ء

حيث إنّ القدر المتيقّن صورة اليقين ببقاء الليل مع نظر نفس الصائم و مراعاته الفجر من غير تقييد بشهر رمضان.

غير سديد؛ لأنّ الصحيحة المذكورة اشتملت على عبارة تدلّ على الاختصاص بشهر رمضان؛ و هي قوله (عليه السّلام)

تتمّ يومك ثمّ تقضيه

، هذا بناءً على نسخة «الكافي»، و نسخة «الكافي» أضبط من نسخة «الفقيه» الشاملة بقوله (عليه السّلام)

اقضه.

(60) لا خلاف في المسألة؛ و ذلك لصحيحة معاوية بن عمّار المتقدّمة، و كذلك يجب القضاء لو اعتمد على البيّنة على بقاء الليل و أكل من غير نظر و مراعاة ثمّ انكشف أنّ الفجر كان طالعاً حين أكل؛ و ذلك لأنّ البيّنة حجّة ما دام لم ينكشف خلافها، فإذا انكشف خلافها يجب القضاء.

(61) بلا خلاف في المسألة. و يدلّ عليه صحيحة عيص بن القاسم قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل خرج في شهر رمضان و أصحابه يتسحّرون في

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 116، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 45، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص:

222

[ (مسألة 13): يجوز لمن لم يتيقّن بطلوع الفجر تناول المفطر من دون فحص]

(مسألة 13): يجوز لمن لم يتيقّن بطلوع الفجر تناول المفطر من دون فحص، فلو أكل أو شرب و الحال هذه، و لم يتبيّن الطلوع و لا عدمه، لم يكن عليه شي ء (62). و أمّا مع عدم التيقُّن بدخول الليل فلا يجوز له الإفطار، فلو أفطر و الحال هذه يجب عليه القضاء و الكفّارة؛ و إن لم يحصل له اليقين ببقاء النهار و بقي علىٰ شكّه (63).

______________________________

بيت، فنظر إلى الفجر فناداهم أنّه قد طلع الفجر، فكفّ بعض و ظنّ بعض أنّه يسخر فأكل، فقال

يتمّ و يقضي «1».

(62) لا إشكال في جواز فعل المفطر ما لم يتيقّن بطلوع الفجر؛ لاستصحاب بقاء الليل و عدم طلوع الفجر، و لقوله تعالى وَ كُلُوا وَ اشْرَبُوا حَتّٰى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ «2»، و لصحيحة الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ، فقال

بياض النهار من سواد الليل

قال

و كان بلال يؤذّن للنبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و ابن أُمّ مكتوم و كان أعمى يؤذّن بليل و يؤذّن بلال حين يطلع الفجر، فقال النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): إذا سمعتم صوت بلال فدعوا الطعام و الشراب فقد أصبحتم «3»

، حيث تدلّ على جواز الأكل و الشرب مع الشكّ في الطلوع عند أذان ابن أُمّ مكتوم.

(63) لا يجوز للصائم الإفطار ما لم يتيقّن بدخول الليل، فلو أفطر مع الشكّ في دخول الليل فقد وجب عليه القضاء و الكفّارة ما لم ينكشف دخول الليل حين الإفطار؛ و ذلك لأنّ الواجب هو الإمساك بحكم استصحاب بقاء النهار و عدم دخول الليل، فيصدق عليه المفطر المتعمّد،

و هو متعلّق وجوب الكفّارة.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 118، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 47، الحديث 1.

(2) البقرة (2): 187.

(3) وسائل الشيعة 10: 111، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 42، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 223

[السابع: الإفطار تعويلًا علىٰ من أخبر بدخول الليل و لم يدخل]

السابع: الإفطار تعويلًا علىٰ من أخبر بدخول الليل و لم يدخل؛ إذا كان المخبر ممّن جاز التعويل علىٰ إخباره (64)، كما إذا أخبر عدلان بل عدل واحد، و إلّا فالأقوىٰ وجوب الكفّارة أيضاً.

[الثامن: الإفطار لظلمة قطع بدخول الليل منها و لم يدخل]

الثامن: الإفطار لظلمة قطع بدخول الليل منها و لم يدخل؛ مع عدم وجود علّة في السماء. و أمّا لو كانت فيها علّة فظنّ دخول الليل فأفطر ثمّ بان له الخطأ، فلا يجب عليه القضاء (65).

______________________________

(64) يجب القضاء خاصّة فيما أفطر اعتماداً بالحجّة الشرعية من البيّنة، و كذا خبر الثقة بناءً على حجّيته في الشبهات الموضوعية ثمّ انكشف الخلاف؛ و ذلك لأنّ الحجّة الشرعية تجوّز الإفطار؛ فالمكلّف معذور في إفطاره و لا كفّارة عليه. و أمّا القضاء فهو مترتّب على الإفطار في النهار، و أمّا إذا اعتمد في إفطاره على من لا يجوز الاعتماد عليه إمّا لعدم الوثوق به أو لعدم حجّية خبره في الشبهات الموضوعية و إن كان موثوقاً به فيجب الكفّارة أيضاً؛ لكونه مفطراً عمداً في النهار من غير مجوّز شرعي على إفطاره، و هذا واضح.

(65) أمّا وجوب القضاء فيما قطع بدخول الليل لظلمة و لم يكن في السماء علّة و أفطر و انكشف عدم دخول الليل حين الإفطار فلعلّه لعموم أدلّة المفطرية و ذيل موثّقة سماعة و أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)؛ و هو قوله (عليه السّلام)

فمن أكل قبل أن يدخل الليل فعليه قضاؤه؛ لأنّه أكل متعمّداً «1».

و لا يخفى: أنّ المستفاد من صحيحتي زرارة الآتيتين في الباب الحادي و الخمسين من أبواب ما يمسك عنه الصائم من «الوسائل» هو عدم وجوب القضاء

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 121، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 50،

الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 224

..........

______________________________

فيما تيقّن بدخول الليل و لم تكن في السماء علّة، بل و لو ظنّ به و كان ظنّه حجّة ثمّ انكشف الخلاف.

و أمّا عدم وجوب القضاء فيما كان في السماء علّة فظنّ دخول الليل فأفطر ثمّ انكشف خلافه، فلعدّة من الروايات:

منها: صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

وقت المغرب إذا غاب القُرص، فإن رأيته بعد ذلك و قد صلّيت أعدت الصلاة و مضى صومك و تكف عن الطعام إن كنت قد أصبت منه شيئاً «1»

، و الاستدلال بالحديث مبني على كون المضي كناية عن صحّة الصوم.

و منها: موثّقة أبان بن عثمان عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) في حديث أنّه قال لرجل ظنّ أنّ الشمس قد غابت فأفطر ثمّ أبصر الشمس بعد ذلك، قال

ليس عليه قضاء «2».

و منها: رواية أبي الصباح الكناني قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل صام ثمّ ظنّ أنّ الشمس قد غابت و في السماء غيم فأفطر ثمّ إنّ السحاب انجلى، فإذا الشمس لم تغب، فقال

قد تمّ صومه و لا يقضيه «3».

و منها: رواية أبي جميلة عن زيد الشحّام عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في رجل صائم ظنّ أنّ الليل قد كان و أنّ الشمس قد غابت و كان في السماء سحاب فأفطر ثمّ إنّ السحاب قد انجلى فإذا الشمس لم تغب، فقال

تمّ صومه و لا يقضيه «4».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 122، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 51، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 10: 123، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 51، الحديث 2.

(3) وسائل الشيعة 10: 123، كتاب الصوم،

أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 51، الحديث 3.

(4) وسائل الشيعة 10: 123، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 51، الحديث 4.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 225

..........

______________________________

فدلالة هذه الروايات كلّها على عدم وجوب القضاء ظاهرة، و سند الروايتين الأخيرتين مخدوش؛ لأنّ محمّد بن الفضيل في رواية أبي الصباح الكناني مشترك بين الضبي و هو ثقة، و بين الأزدي و هو الضعيف، و أنّ أبا جميلة مفضّل بن صالح ضعيف عند الكلّ، و قيل في حقّه: كذّاب يضع الحديث.

و العمدة في دليل المسألة صحيحتا زرارة المتقدّمتان، و لا تعارضهما موثّقة أبي بصير و سماعة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في قوم صاموا شهر رمضان فغشيهم سحاب أسود عند غروب الشمس فرأوا أنّه الليل فأفطر بعضهم، ثمّ إنّ السحاب انجلى فإذا الشمس، فقال

على الذي أفطر صيام ذلك اليوم، إنّ اللّٰه عزّ و جلّ يقول ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيٰامَ إِلَى اللَّيْلِ فمَن أكل قبل أن يدخل الليل فعليه قضاؤه؛ لأنّه أكل متعمّداً «1».

و وجه عدم المعارضة: أنّ الموثّقة موافقة للعامّة القائلين بوجوب القضاء؛ لما رواه حنظلة قال: كنّا في شهر رمضان و في السماء سحاب فظننّا أنّ الشمس غابت فأفطر بعضنا، فأمر عمر مَن كان أفطر أن يصوم مكانه؛ ففي «سنن البيهقي»: كنّا عند عمر فأتى بجفنة في شهر رمضان فقال المؤذّن: الشمس طالعة، فقال: أغنى اللّٰه عنّا شرّك إنّا لم نرسلك راعياً للشمس إنّما أرسلناك داعياً إلى الصلاة، يا هؤلاء من كان منكم أفطر فقضاء ذلك اليوم يسير، و إلّا فليتمّ صومه «2». و ليس في الروايات عن العامّة ذكر السحاب، نعم ورد ذلك في رواية خالد بن أسلم عن عمر «3».

______________________________

(1)

وسائل الشيعة 10: 121، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 50، الحديث 1.

(2) السنن الكبرى، البيهقي 4: 217.

(3) نفس المصدر.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 226

[التاسع: إدخال الماء في الفم للتبرّد بمضمضة أو غيرها فسبقه و دخل الحلق. و كذا لو أدخله عبثاً]

التاسع: إدخال الماء في الفم للتبرّد بمضمضة أو غيرها فسبقه و دخل الحلق. و كذا لو أدخله عبثاً (66). و أمّا لو نسي فابتلعه فلا قضاء عليه (67).

______________________________

(66) يجب القضاء على الصائم لو أدخل الماء في الفم لغرض عقلائي كالتبرّد أو عبثاً بمضمضةٍ أو غيرها و دخل في حلقه من غير تعمّد. و يدلّ عليه صدر موثّقة سماعة في حديث قال: سألته عن رجل عبث بالماء يتمضمض به من عطش فدخل حلقه، قال

عليه قضاؤه، و إن كان في وضوء فلا بأس به «1»

، فالرواية تشمل إدخال الماء في الفم عبثاً و مضمضةً للتبرّد من عطش، و لا خصوصية للمضمضة؛ و لذا عطف المصنّف (رحمه اللّٰه) و غيره «غيرها» بها.

و قد تعارض الموثّقة المذكورة موثّقة عمّار الساباطي قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الرجل يتمضمض فيدخل في حلقه الماء و هو صائم، قال

ليس عليه شي ء إذا لم يتعمّد ذلك

، قلت: فإن تمضمض الثانية فدخل في حلقه الماء؟ قال

ليس عليه شي ء

، قلت: فإن تمضمض الثالثة؟ قال: فقال

قد أساء، ليس عليه شي ء و لا قضاء «2».

فموثّقة عمّار تدلّ على نفي القضاء و صدر موثّقة سماعة يدلّ على وجوب القضاء، و الجمع بينهما بحمل موثّقة سماعة على ما دخل الماء في الحلق في المضمضة لغير الوضوء و حمل موثّقة عمّار على ما دخل الماء في حلقه في المضمضة للوضوء. و يشهد لهذا الجمع ذيل موثّقة سماعة المتقدّمة.

(67) من نسي أنّه صائم و أدخل الماء

في فمه عبثاً أو مضمضة للتبرّد أو غيره

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 71، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 23، الحديث 4.

(2) وسائل الشيعة 10: 72، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 23، الحديث 5.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 227

و كذا لو تمضمض لوضوء الصلاة فسبقه الماء فلا يجب عليه القضاء (68). و الأحوط الاقتصار علىٰ ما إذا كان الوضوء لصلاة فريضة (69)،

______________________________

و ابتلعه متعمّداً فلا قضاء عليه. و تدلّ عليه صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) أنّه سئل عن رجل نسي فأكل و شرب ثمّ ذكر، قال

لا يفطر، إنّما هو شي ء رزقه اللّٰه، فليتمّ صومه «1»

و نحوها غيرها من روايات الباب.

(68) نسب إلى المشهور عند أصحابنا عدم وجوب القضاء فيما لو تمضمض للوضوء مطلقاً سواء كان لغاية صلاة واجبة أو مندوبة، أو كان لا لغاية بل بما أنّه مستحبّ نفسي فلو توضّأ و تمضمض و دخل الماء في حلقه فلا قضاء عليه. و يدلّ عليه إطلاق ذيل موثّقة سماعة المتقدّمة

و إن كان في وضوء فلا بأس به.

(69) وجه الاحتياط في الاقتصار على ما إذا كان الوضوء لصلاة فريضة و أنّ عدم وجوب القضاء منحصر فيما كان دخول الماء في الحلق في ضمن هذا الوضوء فقط، هو صحيحة حمّاد المفصّلة بين الوضوء لصلاة فريضة و الوضوء لصلاة نافلة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في الصائم يتوضّأ للصلاة فيدخل الماء حلقه، فقال

إن كان وضوؤه لصلاة فريضة فليس عليه شي ء و إن كان وضوؤه لصلاة نافلة فعليه القضاء «2».

و لا يخفى: أنّه من المحتمل إعراض المشهور عن هذه الصحيحة؛ لذهابهم على عدم وجوب قضاء الصوم

فيما دخل الماء في الحلق في مطلق الوضوء كما مرّ،

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 50، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 9، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 10: 70، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 23، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 228

و إن كان عدمه لمطلق الوضوء بل لمطلق الطهارة (70) لا يخلو من قُوّة.

______________________________

و حينئذٍ فلا وجه للاقتصار في عدم وجوب القضاء على ما إذا كان الوضوء لصلاة فريضة إلّا الاحتياط. و هذا الاحتياط عندي وجوبي؛ لعدم ثبوت إعراض المشهور عن الصحيحة؛ لذهاب جماعة إليها؛ فالاحتياط في وجوب القضاء فيما دخل الماء في حلقه في الوضوء لصلاة نافلة، فضلًا عن غير الوضوء.

(70) لا وجه للتعدّي عن الوضوء إلى الغسل إلّا إطلاق موثّقة عمّار المتقدّمة حيث نفى القضاء في المضمضة مطلقاً، أو حمل الوضوء في موثّقة سماعة على المثال و أنّ الغالب هو التمضمض في الوضوء، و الاحتياط بالقضاء في غير الوضوء حسن.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 229

[القول في شرائط صحّة الصوم و وجوبه]

اشارة

القول في شرائط صحّة الصوم و وجوبه (1)

[ (مسألة 1): شرائط صحّة الصوم أُمور]

(مسألة 1): شرائط صحّة الصوم أُمور: الإسلام و الإيمان و العقل (2) و الخُلوّ من الحيض و النفاس،

______________________________

(1) بعض الشرائط الآتية شرط للوجوب و بعضها شرط للصحّة، و سيأتي من المصنّف (رحمه اللّٰه): أنّ كلّ ما هو شرط للصحّة شرط للوجوب أيضاً غير الإسلام و الإيمان، و هو المختار عندنا.

(2) اشتراط الإسلام و الإيمان في صحّة تمام العبادات و منها الصوم إجماعي، و يدلّ عليه من الكتاب قوله تعالى وَ مٰا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقٰاتُهُمْ إِلّٰا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللّٰهِ وَ بِرَسُولِهِ «1»، فإذا كان الكفر مانعاً من قبول نفقاتهم فيمنع من قبول عباداتهم بطريق أولى، و قوله تعالى وَ لَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَ إِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْخٰاسِرِينَ «2»، و قوله تعالى:

______________________________

(1) التوبة (9): 54.

(2) الزمر (39): 65.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 230

..........

______________________________

وَ قَدِمْنٰا إِلىٰ مٰا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنٰاهُ هَبٰاءً مَنْثُوراً «1».

و الروايات في اشتراط الإسلام في العبادات كلّها متواترة:

منها: صحيحة محمّد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر (عليه السّلام) يقول

كلّ من دان اللّٰه عزّ و جلّ بعبادة يجهد فيها نفسه و لا إمام له من اللّٰه فسعيه غير مقبول، و هو ضالّ متحيّر و اللّٰه شانئ لأعماله.

إلى أن قال

و إن مات على هذه الحال مات ميتة كفر و نفاق. و اعلم يا محمّد إنّ أئمّة الجور و أتباعهم لمعزولون عن دين اللّٰه قد ضَلّوا و أضلّوا؛ فأعمالهم التي يعملونها كرِمٰادٍ اشتدّت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون ممّا كسبوا على شي ء، ذلك هو الضلال البعيد «2».

و غيرها من روايات الباب التاسع و

العشرين من أبواب مقدّمة العبادات من «الوسائل»؛ فروايات الباب تدلّ على اشتراط صحّة الأعمال بالولاية؛ فهي تدلّ على اشتراط الإسلام بطريق أولى، كما هو واضح.

و نسب إلى الشيخ في «المبسوط» و المحقّق في «المعتبر»: أنّه متى أسلم الكافر قبل الزوال و لم يأت شيئاً من المفطرات يصوم، و إن أفطر بعد أن أسلم قضاه وجوباً، و علّله بأنّ الأمر بالصوم مطلق و وقت النية باقٍ كالمريض و المسافر.

و فيه: أنّ الاكتفاء بالنية قبل الزوال في المريض و المسافر منصوص. و أمّا الكافر فقد ورد النصّ فيه بعدم الاجتزاء، كما في صحيحة عيص بن القاسم قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن قوم أسلموا في شهر رمضان و قد مضى منه أيّام هل عليهم أن يصوموا ما مضى منه أو يومهم الذي أسلموا فيه؟ فقال

ليس عليهم قضاء و لا يومهم الذي أسلموا فيه، إلّا أن يكونوا أسلموا قبل طلوع الفجر «3».

______________________________

(1) الفرقان (25): 23.

(2) وسائل الشيعة 1: 118، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادة، الباب 29، الحديث 1.

(3) وسائل الشيعة 10: 327، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 22، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 231

فلا يصحّ من غير المؤمن و لو في جزء من النهار، فلو ارتدّ في الأثناء ثمّ عاد لم يصحّ؛ و إن كان الصوم معيّناً و جدّد النية قبل الزوال (3). و كذا من المجنون و لو أدواراً مستغرقاً للنهار أو حاصلًا في بعضه (4)، و كذا السكران و المُغمىٰ عليه (5).

______________________________

(3) و ذلك لاشتراط الإسلام و الإيمان في الصوم بما أنّه مركّب ارتباطي، فالكفر في بعض أجزائه مستلزم لبطلانه المستلزم لبطلان الكلّ؛ فلو كان مسلماً مؤمناً صائماً

و ارتدّ في أثناء النهار و لو في لحظة ثمّ عاد إلى الإسلام بالتوبة و جدّد النية قبل الزوال و كان صومه معيّناً لم ينفعه، فضلًا عن غير معيّن. فلا يكتفى بذلك الصوم؛ لأنّ الاجتزاء بنية الصوم قبل الزوال يحتاج إلى دليل. و أمّا الاكتفاء بها في موارد مخصوصة كالجاهل و الناسي و المريض الذي يبرأ من مرضه قبل الزوال و في المسافر القادم أهله قبل الزوال و لم يفطروا شيئاً فقد ورد فيها النصّ المعتبر.

(4) وجه اشتراط العقل في وجوب الصوم و أنّه لا يصحّ من المجنون هو أنّ الصوم عبادة و لا بدّ فيها من النية ابتداءً و استدامة في جميع أجزاء النهار؛ فلو جنّ و لو أدواراً و لو في جزء من النهار لم يصحّ صومه و حديث رفع القلم يرفع التكليف عنه. و هذا بخلاف النائم في تمام اليوم من طلوع الفجر إلى زوال الحمرة مع سبق النية منه؛ لوجود النية في خزانته حال النوم بخلاف المجنون؛ فالتكليف بالصوم مشروط بعدم الجنون و غير مشروط بعدم النوم. و ستأتي الإشارة إلى صوم النائم بحسب الروايات.

(5) أي لا يصحّ منهما الصوم و إنّهما كالمجنون، و هذا القول هو المشهور بين الأصحاب. و في «مستند الشيعة» بعد أن استدلّ على عدم صحّة صوم المغمى عليه برواية ابن سنان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

كلّما غلب اللّٰه عليه فليس على صاحبه

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 232

و الأحوط لمن أفاق من السُّكر مع سبق نية الصوم الإتمام ثمّ القضاء، و لمن أفاق من الإغماء مع سبقها الإتمام، و إلّا فالقضاء (6).

______________________________

شي ء «1»

، قال: فلا صوم عليه، و لأنّ الصحّة فرع الأمر

الذي هو فرع العقل. إلى أن قال: السكران كالمغمى عليه في عدم الوجوب و إن كان السكر بفعله؛ لما مرّ من قبح تكليف غير العاقل «2».

و فيه: أنّ إغماءه و كذا سكره إن كان بفعله لم يكن ممّا غلب اللّٰه عليه.

(6) قد نسب إلى الشيخ المفيد (رحمه اللّٰه) في «المقنعة» و الشيخ الطوسي في «الخلاف»: أنّ من نوى الصوم قبل الفجر ثمّ أُغمي عليه بعد الفجر ثمّ أفاق بعد ذلك فلا قضاء عليه؛ لأنّه في حكم الصائم بالنية و العزم على أداء الفرض. و صاحب «الحدائق» (رحمه اللّٰه) بعد أن نقل عن العلّامة في «المنتهي» وجوه الاستدلال على عدم صحّة صوم المغمى عليه ثمّ ضعّفها قال في ذيل البحث: و حينئذٍ فيمكن الحكم بالصحّة في موضع البحث «3»، انتهى.

فالأحوط استحباباً لمن أفاق من السكر مع سبق النية الإتمام؛ لاحتمال كونه كالنائم، و مع عدم سبق النية فالقضاء. و لمن أفاق من الإغماء مع سبق النية الإتمام؛ للاحتمال المذكور، و مع عدم سبق النية فالقضاء. و القضاء ليس واجباً عليه بل يستحبّ. و تدلّ على عدم وجوب القضاء عليه صحيحة أيّوب بن نوح قال: كتبت إلى أبي الحسن الثالث (عليه السّلام) أسأله عن المغمى عليه يوماً أو أكثر هل يقضي ما فاته أم

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 226، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 24، الحديث 3.

(2) مستند الشيعة 10: 341 342.

(3) الحدائق الناضرة 13: 167.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 233

و يصحّ من النائم لو سبقت منه النية و إن استوعب تمام النهار (7).

______________________________

لا؟ فكتب (عليه السّلام)

لا يقضي الصوم و لا يقضي الصلاة «1».

و رواية علي بن محمّد القاساني قال: كتبت إليه

(عليه السّلام) و أنا بالمدينة أسأله عن المغمى عليه يوماً أو أكثر هل يقضي ما فاته؟ فكتب (عليه السّلام)

لا يقضي الصوم «2».

و صحيحة عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

كلّما غلب اللّٰه عليه فليس على صاحبه شي ء «3».

و صحيحة علي بن مهزيار أنّه سأله يعني أبا الحسن الثالث (عليه السّلام) عن هذه المسألة يعني مسألة المغمى عليه فقال

لا يقضي الصوم و لا الصلاة، و كلّما غلب اللّٰه عليه فاللّٰه أولى بالعذر «4».

و لا تعارضها صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) أنّه سأله عن المغمى عليه شهراً أو أربعين ليلة، قال: فقال

إن شئت أخبرتك بما آمر به نفسي و ولدي؛ أن تقضي كلّ ما فاتك «5»

، و رواية حفص بن البختري عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

يقضي المغمى عليه ما فاته «6»

، فالأمر بالقضاء للمغمى عليه في الروايتين محمول على الاستحباب.

(7) هذه المسألة ممّا نقل الإجماع عليه مستفيضاً. و يشهد لها بل يدلّ عليها روايات واردة في استحباب القيلولة للصائم و نومه: منها: رواية الحسن بن صدقة

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 226، كتاب الصوم، أبواب من يصحّ منه الصوم، الباب 24، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 10: 226، كتاب الصوم، أبواب من يصحّ منه الصوم، الباب 24، الحديث 2.

(3) وسائل الشيعة 10: 226، كتاب الصوم، أبواب من يصحّ منه الصوم، الباب 24، الحديث 3.

(4) وسائل الشيعة 10: 227، كتاب الصوم، أبواب من يصحّ منه الصوم، الباب 24، الحديث 6.

(5) وسائل الشيعة 10: 227، كتاب الصوم، أبواب من يصحّ منه الصوم، الباب 24، الحديث 4.

(6) وسائل الشيعة 10: 227، كتاب الصوم، أبواب من يصحّ منه

الصوم، الباب 24، الحديث 5.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 234

و كذا لا يصحّ من الحائض و النفساء (8) و إن فاجأهما الدم قبل الغروب بلحظة، أو انقطع عنهما بعد الفجر بلحظة.

______________________________

قال: قال أبو الحسن (عليه السّلام)

قيلوا فإنّ اللّٰه يطعم الصائم و يسقيه في منامه «1».

و منها: رواية المفيد (رحمه اللّٰه) في «المقنعة» قال: قال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)

نوم الصائم عبادة و نَفَسه تسبيح «2».

و منها: رواية أُخرى للمفيد (رحمه اللّٰه) قال: و قال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)

الصائم في عبادة و إن كان نائماً على فراشه ما لم يغتب مسلماً «3»

، فدلالة هذه الروايات على عدم مانعية النوم عن صحّة الصوم و عدم اشتراط صحّته بعدم النوم واضحة.

(8) اشتراط صحّة الصوم بالخلوّ عن الحيض و النفاس إجماعي محصّلًا و منقولًا، و الروايات فيه بحدّ التواتر:

منها: صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن امرأة أصبحت صائمة فلمّا ارتفع النهار أو كان العشي حاضت أ تفطر؟ قال

نعم و إن كان وقت المغرب فلتفطر

، قال: و سألته عن امرأة رأت الطهر في أوّل النهار في شهر رمضان فتغتسل و لم تطعم فما تصنع في ذلك اليوم؟ قال

تفطر ذلك اليوم، فإنّما فطرها من الدم «4».

و منها: صحيحة عيص بن القاسم قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن امرأة تطمث

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 136، كتاب الصوم، أبواب آداب الصائم، الباب 2، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 10: 136، كتاب الصوم، أبواب آداب الصائم، الباب 2، الحديث 2.

(3) وسائل الشيعة 10: 137، كتاب الصوم، أبواب آداب الصائم، الباب 2، الحديث 3.

(4) وسائل الشيعة

10: 227، كتاب الصوم، أبواب من يصحّ منه الصوم، الباب 25، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 235

..........

______________________________

في شهر رمضان قبل أن تغيب الشمس؟ قال

تفطر حين تطمث «1».

و منها: صحيحة محمّد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن المرأة ترى الدم غدوة أو ارتفاع النهار أو عند الزوال؟ قال

تفطر. «2»

الحديث.

و منها: صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

أيّ ساعة رأت الدم فهي تفطر الصائمة إذا طمثت، و إذا رأت الطهر في ساعة من النهار قضت صلاة اليوم. و الليل مثل ذلك «3».

و منها: صدر رواية أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن امرأة أصبحت صائمة في رمضان فلمّا ارتفع النهار حاضت، قال

تفطر. «4»

الحديث.

و أمّا الرواية الدالّة على أنّ المرأة إن رأت الدم بعد الزوال تعتدّ بصومها، كصحيحة يعقوب بن سالم الأحمر قد وثّقه المفيد (رحمه اللّٰه) عن أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

إن عرض للمرأة الطمث في شهر رمضان قبل الزوال فهي في سعة أن تأكل و تشرب، و إن عرض لها بعد زوال الشمس فلتغتسل و لتعدّ بصوم ذلك اليوم ما لم تأكل و تشرب «5»

، فلا تعارض تلك الصحاح الدالّة على عدم صحّة صومها؛ لإعراض الأصحاب عنها.

و في «الوسائل»: حمله الشيخ على الوهم من الراوي، و يمكن حمل الاعتداد على احتساب الثواب و تجديد النية للإمساك و إن وجب القضاء؛ إذ

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 228، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 25، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 10: 228، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 25، الحديث 3.

(3) وسائل الشيعة

10: 229، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 25، الحديث 4.

(4) وسائل الشيعة 10: 229، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 25، الحديث 5.

(5) وسائل الشيعة 10: 232، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 28، الحديث 4.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 236

و من شرائط صحّته: عدم المرض أو الرمد الذي يضرّه الصوم (9)؛

______________________________

لا تصريح فيه بنفي وجوب القضاء، و يكون المراد بقوله

ما لم تأكل و تشرب

بعد الغسل، انتهى.

و في «مستند الشيعة»: و رواية أبي بصير الظاهرة في الاعتداد بالصوم لو رأت الدم بعد الزوال متروكة، و إلى الوهم منسوبة «1»، انتهى؛ يعني أنّ المعصوم (عليه السّلام) قال

و لا تعتدّ بصوم ذلك اليوم

، و الراوي توهّم أنّه (عليه السّلام) قال: «و لتعتدّ» بدل «لا تعتدّ». و لا يخفى بُعد هذا التوهّم؛ لعدم المناسبة بين عدم الاعتداد بالصوم و بين قوله (عليه السّلام)

ما لم تأكل و تشرب

، هذا كلّه بالنسبة إلى اشتراط صحّة الصوم بالخلوّ عن الحيض.

و أمّا اشتراطها بالخلوّ عن النفاس: فتدلّ عليه مضافاً إلى اشتراك الحيض و النفاس في الأحكام إلّا في موارد مخصوصة صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج قال: سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن المرأة تلد بعد العصر أ تتمّ ذلك اليوم أم تفطر؟ قال

تفطر و تقضي ذلك اليوم «2».

(9) هذه المسألة إجماعية. و يدلّ عليه من الكتاب العزيز قوله تعالى فَمَنْ كٰانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّٰامٍ أُخَرَ «3».

و من الروايات: صحيحة بكر بن محمّد الأزدي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سأله أبي و أنا أسمع عن حدّ المرض الذي يترك الإنسان فيه الصوم، قال

إذا

لم

______________________________

(1) مستند الشيعة 10: 345.

(2) وسائل الشيعة 10: 229، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 26، الحديث 1.

(3) البقرة (2): 184.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 237

..........

______________________________

يستطع أن يتسحّر «1».

و صحيحة محمّد بن مسلم قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): ما حدّ المريض إذا نقه في الصيام؟ فقال

ذلك إليه هو أعلم بنفسه، إذا قوي فليصم «2».

و موثّقة سماعة قال: سألته ما حدّ المرض الذي يجب على صاحبه فيه الإفطار، كما يجب عليه في السفر مَنْ كٰانَ مَرِيضاً أَوْ عَلىٰ سَفَرٍ؟ قال

هو مؤتمن عليه مفوّض إليه؛ فإن وجد ضعفاً فليفطر و إن وجد قوّة فليصمه؛ كان المرض ما كان «3».

و صحيحة عمر بن أُذينة قال: كتبتُ إلى أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) أسأله ما حدّ المرض الذي يفطر فيه صاحبه؟ و المرض الذي يدع صاحبه الصلاة من قيام؟ قال بَلِ الْإِنْسٰانُ عَلىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ و قال

ذاك إليه هو أعلم بنفسه «4»

، و غيرها من روايات الباب.

و يدلّ على عدم صحّته في خصوص الرمد صحيح حريز بن عبد اللّٰه السجستاني عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

الصائم إذا خاف على عينيه من الرمد أفطر «5».

و رواية سليمان بن عمرو (عمر) عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

اشتكت أُمّ سلمة (ره) عينها في شهر رمضان، فأمرها رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) أن تفطر، و قال: عشاء الليل لعينك رديّ «6».

و ذيل موثّقة عمّار الساباطي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في الرجل يجد في رأسه وجعاً من صداع شديد، هل يجوز له الإفطار؟ قال

إذا صدع صداعاً شديداً و إذا حمّ حمىً شديداً و إذا

رمدت عيناه رمداً شديداً،

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 219، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 20، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 10: 219، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 20، الحديث 3.

(3) وسائل الشيعة 10: 220، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 20، الحديث 4.

(4) وسائل الشيعة 10: 220، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 20، الحديث 5.

(5) وسائل الشيعة 10: 218، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 19، الحديث 1.

(6) وسائل الشيعة 10: 218، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 19، الحديث 2.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 238

لإيجابه شدّته أو طول بُرئه أو شدّة ألمه؛ سواء حصل اليقين بذلك أو الاحتمال الموجب للخوف، و يلحق به الخوف من حدوث المرض و الضرر بسببه؛ إذا كان له منشأ عقلائيّ (10) يعتني به العقلاء، فلا يصحّ معه الصوم، و يجوز بل يجب عليه الإفطار (11).

______________________________

فقد حلّ له الإفطار «1».

و لا يخفى: أنّ المستفاد من الروايات المذكورة أنّ المرض بما أنّه مضرّ للصائم مانع عن صومه لا بما أنّه مرض، من غير فرق بين أنواع المرض؛ فلا يكون مجرّد المرض مانعاً منه؛ فالمعيار في المانع هو الإضرار و إن لم يعدّ ما هو المضرّ من قبيل المرض عرفاً كالجرح. و لا يعتبر كونه موجباً للضرر يقيناً أو ظنّاً و يكفي خوف الضرر و احتماله العقلائي، و تشخيصه محوّل إلى المكلّف نفسه بما أنّه أحد العقلاء الذين لهم تشخيص.

(10) و يدلّ عليه صحيح حريز المتقدّم، حيث إنّ المجوّز للإفطار هو خوف حدوث الرمد فلا يشترط وجود المرض فعلًا.

(11) و تدلّ على وجوب الإفطار للمريض رواية سليمان

بن عمرو (عمر) عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

اشتكت أُمّ سلمة رحمها اللّٰه عينها في شهر رمضان، فأمرها رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) أن تفطر، و قال: عشاء الليل لعينك رديّ «2».

و خبر الصدوق (رحمه اللّٰه) قال: و قال (عليه السّلام)

كلّما أضرّ به الصوم فالإفطار له واجب «3».

و موثّقة

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 220، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 20، الحديث 6.

(2) وسائل الشيعة 10: 218، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 19، الحديث 2.

(3) وسائل الشيعة 10: 219، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 20، الحديث 2.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 239

و لا يكفي الضعف و إن كان مُفرِطاً (12)، نعم لو كان ممّا لا يتحمّل عادة جاز الإفطار (13).

______________________________

سماعة المتقدّمة حيث قال (عليه السّلام)

فإن وجد ضعفاً فليفطر «1»

، و غيرها من الروايات.

(12) هذه المسألة إجماعية، و لا يخفى أنّ الضعف و إن كان مفرطاً لا يجوّز الإفطار؛ لأنّ الصوم مضعّف في نفسه بالطبع. و يمكن استئناسه من رواية مسعدة بن صدقة عن جعفر عن آبائه: عن النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) قال

إنّ قوّة المؤمن في قلبه، أ لا ترون أنّكم تجدونه ضعيف البدن نحيف الجسم و هو يقوم الليل و يصوم النهار؟! «2»

فكان القيام بالليل و الصوم في النهار موجبين للضعف في البدن.

(13) و يدلّ عليه عموم أدلّة نفي الحرج، مثل قوله تعالى يُرِيدُ اللّٰهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَ لٰا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ «3»، و قوله تعالى مٰا يُرِيدُ اللّٰهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ «4»، و قوله تعالى مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ

«5».

و يمكن استفادة ذلك من موثّقة سماعة المتقدّمة من قوله (عليه السّلام)

فإن وجد ضعفاً فليفطر، و إن وجد قوّة فليصمه

، حيث إنّ المعيار في وجوب الصوم القوّة عليه، و يقابله ما كان مسلوب القوّة، و هو المراد بقوله

فإن وجد ضعفاً فليفطر.

و كذلك يمكن استئناسه من صحيحة بكر بن محمّد الأزدي المتقدّمة، حيث إنّ حدّ

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 220، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 20، الحديث 4.

(2) وسائل الشيعة 10: 404، كتاب الصوم، أبواب الصوم المندوب، الباب 1، الحديث 28.

(3) البقرة (2): 185.

(4) المائدة (5): 6.

(5) الحج (22): 78.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 240

و لو صام بزعم عدم الضرر فبان الخلاف بعد الفراغ من الصوم ففي الصحّة إشكال، بل عدمها لا يخلو من قوّة (14).

و من شرائط الصحّة: أن لا يكون مسافراً سفراً يوجب قصر الصلاة (15)،

______________________________

المرض المجوّز لترك الصوم فيها هو عدم الاستطاعة على التسحّر، فيشمل ما كان الصوم موجباً للضعف الغير القابل للتحمّل عادةً فيصدق عليه عدم الاستطاعة.

(14) وجه عدم الصحّة: أنّ الصوم كان مضرّاً غير مأمور به في الواقع، فما لا أمر به لا يتّصف بالصحّة، و قد أُمر بالقضاء في الآية الشريفة فَمَنْ كٰانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّٰامٍ أُخَرَ «1».

و وجه الصحّة: وجود ملاك الأمر و المحبوبية في هذا الصوم، و أنّه من باب التزاحم بين وجوب الصوم و حفظ النفس، و لا أمر للصوم واقعاً؛ لأهمّية حفظ النفس. فلو اعتقد عدم الضرر و صام يكون صومه واجداً لملاك الأمر فيصحّ، هذا.

و لكن الأقوى عدم صحّة هذا الصوم؛ لأنّ الباب ليس من قبيل التزاحم؛ لأنّ في باب التزاحم قد تعلّق أمران

مطلقان بشيئين لا يمكن الجمع بينهما، و ليس فيما نحن فيه إلّا أمر واحد متعلّق بالقضاء؛ ففي الآية الشريفة قد تعلّق التكليف بموضوع مقيّد بغير المريض و المسافر، فالمريض و كذا المسافر غير مأمورين بالصوم أصلًا، لا أنّهما مأموران به و لكن أمرهما مزاحم بما هو أهمّ منه.

(15) و تدلّ عليه الآية الشريفة المزبورة حيث أمر فيها بالقضاء لمن كان على سفر بعد أن أمر بالصوم لمن شهد الشهر فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ، فلا مشروعية لصوم المسافر.

______________________________

(1) البقرة (2): 184.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 241

..........

______________________________

و تدلّ عليه عدّة من الروايات الواردة في أبواب متفرّقة، بعضها واردة في خصوص صوم شهر رمضان و بعضها مطلق:

منها: صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

سمّى رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) قوماً صاموا حين أفطر و قصّر عصاة، و قال: هم العصاة إلى يوم القيامة، و إنّا لنعرف أبناءهم و أبناء أبنائهم إلى يومنا هذا «1»

، حيث إنّ الإفطار كان في السفر بقرينة تقصيره (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) الصلاة.

و منها: صحيحة عيص بن القاسم عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

إذا خرج الرجل في شهر رمضان مسافراً أفطر

و قال

إنّ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) خرج من المدينة إلى مكّة في شهر رمضان و معه الناس و فيهم المشاة، فلمّا انتهى إلى كراع الغميم دعا بقدح من ماء فيما بين الظهر و العصر فشربه و أفطر، ثمّ أفطر الناس معه و تمّ أُناس على صومهم فسمّاهم العصاة، و إنّما يؤخذ بآخر أمر رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) «2».

و منها:

رواية عبيد بن زرارة قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): قوله عزّ و جلّ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ؟ قال

ما أبينها: من شهد فليصمه و من سافر فلا يصمه «3»

، و الرواية ضعيفة السند بسهل بن زياد قد ضعّفه النجاشي و غيره، و عبد العزيز العبدي أيضاً ضعيف.

و منها: رواية محمّد بن حكيم قال: سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) يقول

لو أنّ رجلًا مات صائماً في السفر ما صلّيتُ عليه «4»

، و الرواية ضعيفة سنداً بسلمة بن الخطّاب.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 174، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 1، الحديث 3.

(2) وسائل الشيعة 10: 176، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 1، الحديث 7.

(3) وسائل الشيعة 10: 176، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 1، الحديث 8.

(4) وسائل الشيعة 10: 177، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 1، الحديث 9.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 242

..........

______________________________

و منها: صحيحة صفوان بن يحيى عن أبي الحسن (عليه السّلام) أنّه سئل عن الرجل يسافر في شهر رمضان فيصوم؟ قال

ليس من البرّ الصوم في السفر «1».

و مرسلة الصدوق (رحمه اللّٰه) قال: قال الصادق (عليه السّلام)

ليس من البرّ الصيام (الصوم) في السفر «2»

، و صحيحة السكوني عن جعفر بن محمّد عن أبيه (عليهما السّلام) قال

قال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): إنّ اللّٰه أهدى إليّ و إلى أُمّتي هدية لم يهدها إلى أحد من الأُمم كرامةً من اللّٰه لنا، قالوا: و ما ذلك يا رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)؟ قال: الإفطار في السفر، و التقصير في الصلاة؛ فمن لم

يفعل ذلك فقد ردّ على اللّٰه عزّ و جلّ هديته «3».

و منها: صحيحة معاوية بن عمّار قال: سمعته يقول

إذا صام الرجل رمضان في السفر لم يجزه و عليه الإعادة «4».

و منها: مفهوم صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن رجل صام شهر رمضان في السفر، فقال

إن كان لم يبلغه أنّ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) نهى عن ذلك فليس عليه القضاء و قد أجزأ عنه الصوم «5».

و منها: صحيحة ابن أبي شعبة يعني عبيد اللّٰه بن علي الحلبي؛ و هو أخو محمّد بن علي المعروف بالحلبي قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): رجل صام في السفر، فقال

إن كان بلغه أنّ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) نهى عن ذلك فعليه القضاء، و إن لم يكن بلغه فلا شي ء عليه «6».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 177، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 1، الحديث 10.

(2) وسائل الشيعة 10: 177، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 1، الحديث 11.

(3) وسائل الشيعة 10: 177، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 1، الحديث 12.

(4) وسائل الشيعة 10: 179، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 2، الحديث 1.

(5) وسائل الشيعة 10: 179، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 2، الحديث 2.

(6) وسائل الشيعة 10: 179، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 2، الحديث 3.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 243

..........

______________________________

و منها: صحيحة الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه السّلام) في كتابه إلى المأمون لعنه اللّٰه عليه قال

و

إذا قصّرت أفطرت، و من لم يفطر لم يجز عنه صومه في السفر و عليه القضاء؛ لأنّه ليس عليه صوم في السفر «1».

و بعض تلك الروايات واردة في خصوص قضاء شهر رمضان، كصحيحة علي بن جعفر عن أخيه أبي الحسن (عليه السّلام) في حديث قال: سألته عن الرجل يكون عليه أيّام من شهر رمضان و هو مسافر، يقضي إذا قام في المكان؟ قال

لا، حتّى يجمع على مقام عشرة أيّام «2».

و مفهوم رواية عقبة بن خالد عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): في رجل مرض في شهر رمضان فلمّا برئ أراد الحجّ، كيف يصنع بقضاء الصوم؟ قال

إذا رجع فليصمه «3»

، و الرواية ضعيفة سنداً بمحمّد بن عبد اللّٰه بن هلال و قد أُهمل في كتب الرجال. و صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السّلام) قال: سألته عن الرجل يترك شهر رمضان في السفر فيقيم الأيّام في مكان، هل عليه صوم؟ قال

لا، حتّى يجمع على مقام عشرة أيّام، فإذا أجمع على مقام عشرة أيّام صام و أتمّ الصلاة «4».

و بعض الروايات واردة في خصوص صوم الكفّارة، كموثّقة محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن الظهار، عن الحرّة و الأمة، قال

نعم.

إلى أن قال

و إن ظاهر و هو مسافر أفطر حتّى يقدم. «5»

الحديث.

و بعضها وارد في صوم النذر:

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 180، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 2، الحديث 4.

(2) وسائل الشيعة 10: 193، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 8، الحديث 1.

(3) وسائل الشيعة 10: 194، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 8، الحديث 2.

(4) وسائل الشيعة 10: 194،

كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 8، الحديث 3.

(5) وسائل الشيعة 10: 195، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 9، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 244

..........

______________________________

منها: صحيحة علي بن مهزيار قال: كتب بندار مولى إدريس: يا سيّدي نذرتُ أن أصوم كلّ يوم سبت، فإن أنا لم أصمه ما يلزمني من الكفّارة؟ فكتب (عليه السّلام): و قرأته

لا تتركه إلّا من علّة، و ليس عليك صومه في سفر و لا مرض إلّا أن تكون نويت ذلك، و إن كنت أفطرت منه من غير علّة فتصدّق بقدر كلّ يوم على سبعة (و في نسخة «المقنع» عشرة بدل سبعة) مساكين نسأل اللّٰه التوفيق لما يحبّ و يرضى «1»

، و هذه الرواية تدلّ على عدم صحّة صوم النذر المطلق في السفر إلّا أن يقيّد نذره بالسفر. و سيأتي البحث مفصّلًا مع الإشكالات في سند و دلالة هذه الرواية و الأجوبة عنها عند التعرّض لصحّة صوم النذر المقيّد بكونه في السفر في المستثنيات.

و منها: موثّقة عمّار الساباطي قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الرجل يقول: لِلّٰهِ عليَّ أن أصوم شهراً أو أكثر من ذلك أو أقلّ، فيعرض له أمرٌ لا بدّ له أن يسافر، أ يصوم و هو مسافر؟ قال

إذا سافر فليفطر؛ لأنّه لا يحلّ له الصوم في السفر؛ فريضةً كان أو غيره، و الصوم في السفر معصية «2».

و منها: صحيحة ابن أبي عمير عن كرام بن عبد الكريم الخثعمي قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): إنّي جعلتُ على نفسي أن أصوم حتّى يقوم القائم؟ فقال

صُم و لا تصم في السفر «3».

و منها: موثّقة مسعدة بن صدقة عن

أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن آبائه: في الرجل يجعل على نفسه أيّاماً معدودة مسمّاة في كلّ شهر ثمّ يسافر فتمرّ به الشهور:

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 195، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 10، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 10: 199، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 10، الحديث 8.

(3) وسائل الشيعة 10: 199، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 10، الحديث 9.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 245

فلا يصحّ منه الصوم حتّى المندوب على الأقوىٰ (16). نعم استثني ثلاثة مواضع: أحدها: صوم ثلاثة أيام بدل الهدي (17).

______________________________

إنّه لا يصوم في السفر و لا يقضيها إذا شهد «1»

، و غيرها من الروايات.

(16) يدلّ عليه مضافاً إلى إطلاق بعض الروايات المتقدّمة، كصحيحة صفوان بن يحيى المتقدّمة عن أبي الحسن (عليه السّلام) أنّه سئل عن الرجل يسافر في شهر رمضان فيصوم؟ قال

ليس من البرّ الصوم في السفر «2»

، و غيرها من الروايات خصوص موثّقة عمّار الساباطي المتقدّمة قال

إذا سافر فليفطر؛ لأنّه لا يحلّ له الصوم في السفر؛ فريضة كان أو غيره، و الصوم في السفر معصية «3».

(17) لا خلاف و لا إشكال في أنّ من عجز عن هدي التمتّع وجب عليه الصوم عشرة أيّام؛ ثلاثة منها في سفر الحجّ، و سبعة منها إذا رجع إلى أهله، كما نطق به القرآن الكريم فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيٰامُ ثَلٰاثَةِ أَيّٰامٍ فِي الْحَجِّ وَ سَبْعَةٍ إِذٰا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كٰامِلَةٌ «4».

و يدلّ عليه مضافاً إلى الآية الشريفة الأخبار المستفيضة نذكر بعضها:

منها موثّقة سماعة قال: سألته عن الصيام في السفر، قال

لا صيام في السفر، قد صام أُناس على عهد رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه

عليه و آله و سلّم) فسمّاهم العصاة، فلا صيام في السفر إلّا ثلاثة أيّام التي قال اللّٰه عزّ و جلّ فِي الْحَجِّ «5».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 199، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 10، الحديث 10.

(2) وسائل الشيعة 10: 177، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 1، الحديث 10.

(3) وسائل الشيعة 10: 199، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 10، الحديث 8.

(4) البقرة (2): 196.

(5) وسائل الشيعة 10: 200، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 11، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 246

الثاني: صوم بدل البدنة ممّن أفاض من عرفات قبل الغروب عامداً، و هو ثمانية عشر يوماً (18). الثالث: صوم النذر المشترط إيقاعه في خصوص السفر، أو المصرّح بأن يوقع سفراً و حضراً (19)،

______________________________

و منها: صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن متمتّع لم يجد هدياً، قال

يصوم ثلاثة أيّام في الحجّ: يوماً قبل التروية و يوم التروية و يوم عرفة

، قال: قلت: فإن فاته ذلك؟ قال

يتسحّر ليلة الحصبة و يصوم ذلك اليوم و يومين بعده

، قلت: فإن لم يقم عليه جمّاله أ يصومها في الطريق؟ قال

إن شاء صامها في الطريق و إن شاء إذا رجع إلى أهله «2»

، و الحصبة عبارة عن يوم نفره.

(18) و يدلّ عليه صحيح ضريس الكناسي عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: سألته عن رجل أفاض من عرفات قبل أن تغيب الشمس، قال

عليه بدنة ينحرها يوم النحر، فإن لم يقدر صام ثمانية عشر يوماً بمكّة أو في الطريق أو في أهله «3»

، هذه الرواية صحيحة من طريق أحمد بن محمّد

لا من طريق سهل بن زياد فإنّه ضعيف.

(19) هذه المسألة ممّا اتّفق عليه الأصحاب. و يدلّ على صحّة صوم النذر المقيّد بكونه في خصوص السفر أو الأعمّ منه و من الحضر صحيح علي بن مهزيار قال: كتب بندار مولى إدريس. إلى آخره «1»، قد تقدّم نقل هذا الحديث في

______________________________

(2) وسائل الشيعة 14: 179، كتاب الحج، أبواب الذبح، الباب 46، الحديث 4.

(3) وسائل الشيعة 13: 558، كتاب الحج، أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة، الباب 23، الحديث 3.

(1) وسائل الشيعة 10: 195، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 10، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 247

دون النذر المطلق (20).

______________________________

الاستدلال على عدم صحّة صوم النذر في السفر، و ذيله يدلّ على جوازه إذا نذر الصوم في السفر، حيث إنّ كلمة

ذلك

في الرواية إشارة إلى الصوم في السفر.

و قد يخدش في الرواية بوجوه:

الأوّل: أنّ بندار مجهول الحال. و فيه: أنّ جهالته لا تضرّ الرواية؛ لأنّه لم يقع في طريقها، و الاعتبار برؤية ابن مهزيار كتابة بندار و قراءته جواب الإمام (عليه السّلام).

الثاني: أنّ الصوم في حال المرض غير صحيح مطلقاً، و إن كان قد نواه؛ فالنية لا تصحّحه، و كذلك في السفر بقرينة عطف المرض على السفر

و ليس عليك صومه في سفر و لا مرض.

و فيه: أنّه يجوز التفكيك بينهما؛ بأنّ صحّة الصوم و عدمها في حال المرض منوطان بالإضرار و عدمه؛ فمع الضرر لا يصحّ الصوم و إن كان قد نوى ذلك فالنذر لا يصحّحه، بخلاف الصوم في السفر فإنّه يصحّ فيما إذا نذر و نوى في نذره إتيانه في السفر فقط أو في الحضر و السفر؛ فقوله (عليه السّلام)

إلّا أن

تكون نويت ذلك

لبيان نية الصوم في خصوص السفر.

الثالث: أنّ الرواية شاملة لحكم غير مفتى به و هو وجوب الإطعام سبعة مساكين و الحال أنّ كفّارة حنث النذر أمّا كفّارة اليمين و هي إطعام عشرة مساكين أو كفّارة شهر رمضان على الخلاف بينهم فلم يفت أحد من الأصحاب بإطعام سبعة مساكين. و فيه: أنّ هذه الفقرة من الرواية معرض عنها عند الأصحاب، و هو غير مضرّ بحجّية الرواية بالنسبة إلى غيرها من الأحكام، هذا. و قد اشتملت نسخة «المقنع» على لفظ «عشرة» بدل «سبعة» في الرواية، فلا إشكال حينئذٍ.

(20) فلا يصحّ صوم النذر المطلق الغير المقيّد بكونه في السفر حال السفر. و يدلّ عليه صحيح ابن مهزيار المتقدّم حيث قال

ليس عليك صومه في

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 248

[ (مسألة 2): يشترط في صحّة الصوم المندوب مضافاً إلىٰ ما مرّ أن لا يكون عليه قضاء صوم واجب]

(مسألة 2): يشترط في صحّة الصوم المندوب مضافاً إلىٰ ما مرّ أن لا يكون عليه قضاء صوم واجب (21)،

______________________________

سفر «1»

، ثمّ استثنى صورة خصوص النذر في السفر. و موثّق زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: قلت لأبي جعفر (عليه السّلام): إنّ أُمّي كانت جعلت عليها نذراً أنّ اللّٰه ردّ (أن يردّ اللّٰه) عليها بعض ولدها من شي ء كانت تخاف عليه أن تصوم ذلك اليوم الذي يقدم فيه ما بقيت، فخرجت معنا مسافرةً إلى مكّة فأشكل علينا لمكان النذر، أ تصوم أو تفطر؟ فقال

لا تصوم، قد وضع اللّٰه عنها حقّه، و تصوم هي ما جعلت على نفسها

، قلت: فما ترى إذا هي رجعت إلى المنزل، أ تقضيه؟ قال

لا

، قلت: أ فتترك ذلك؟ قال

لا؛ لأنّي أخاف أن ترى في الذي نذرت فيه ما تكره «2».

________________________________________

بنى فضل، مرتضى بن سيف على، مدارك تحرير الوسيلة

- الصوم، در يك جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، تهران - ايران، اول، 1422 ه ق

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم؛ ص: 248

و صحيح كرام بن عبد الكريم الخثعمي قال: قلت لأبي عبد اللّٰه: إنّي جعلتُ على نفسي أن أصوم حتّى يقوم القائم؟ فقال

صم و لا تصم في السفر «3».

(21) هذه المسألة مشهورة عند أصحابنا. و يدلّ عليه صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: سألته عن ركعتي الفجر، قال

قبل الفجر.

إلى أن قال

أ تريد أن تقايس؟ لو كان عليك من شهر رمضان أ كنت تتطوّع؟ إذا دخل عليك وقت الفريضة فابدأ بالفريضة «4».

و صحيح الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الرجل عليه من شهر رمضان طائفة أ يتطوّع؟ فقال

لا، حتّى يقضي ما عليه من

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 195، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 10، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 10: 196، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 10، الحديث 3.

(3) وسائل الشيعة 10: 199، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 10، الحديث 9.

(4) وسائل الشيعة 10: 345، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 28، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 249

و لا يُترك الاحتياط في مطلق الواجب من كفّارة و غيرها، بل التعميم لمطلقه لا يخلو من قُوّة (22).

[ (مسألة 3): كلّ ما ذكرنا من أنّه شرط للصحّة شرط للوجوب أيضاً، غير الإسلام و الإيمان]

(مسألة 3): كلّ ما ذكرنا من أنّه شرط للصحّة شرط للوجوب أيضاً، غير الإسلام و الإيمان (23).

______________________________

شهر رمضان «1»

، و رواية أبي الصباح الكناني قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل عليه من شهر رمضان أيّام أ يتطوّع؟ فقال

لا، حتّى يقضي

ما عليه من شهر رمضان «2»

و أبو الصباح الكناني هو إبراهيم بن نعيم العبدي و يسمّى الميزان؛ لوثاقته، و قد وقع في سند الرواية محمّد بن الفضيل و هو مردّد بين الثقة و غيره.

(22) بل هو الأقوى؛ لصحيحة الحلبي و أبي الصباح الكناني جميعاً عن أبي عبد الهّٰ (عليه السّلام)

إنّه لا يجوز أن يتطوّع الرجل بالصيام و عليه شي ء من الفرض «3».

و قال الصدوق (رحمه اللّٰه) في «المقنع»: اعلم أنّه لا يجوز أن يتطوّع الرجل بالصيام و عليه شي ء من الفرض، كذلك وجدتُه في كلّ الأحاديث «4»، انتهى.

(23) اختلف علماؤنا في أنّ الإسلام و كذلك الإيمان شرط للوجوب أو للصحّة؛ فقال صاحب «الحدائق» بأنّه شرط للوجوب قال: و أمّا أنّه لا يجب على الكافر فهو الظاهر عند جملة من محدّثي متأخّري المتأخّرين، و هو الظاهر عندي، خلافاً للمشهور من أنّ الكافر مخاطب بالفروع و إن لم تصحّ منه إلّا بالإسلام.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 346، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 28، الحديث 5.

(2) وسائل الشيعة 10: 346، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 28، الحديث 6.

(3) وسائل الشيعة 10: 346، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 28، الحديث 2.

(4) المقنع: 203.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 250

و من شرائط الوجوب أيضاً البلوغ، فلا يجب على الصبيّ و إن نوى الصوم تطوّعاً و كمل في أثناء النهار (24).

______________________________

و مرجعه إلى أنّ الإسلام عندهم شرط في الصحّة لا الوجوب «1»، انتهى.

و قال صاحب «الجواهر»: فلا يصحّ صوم الكافر إجماعاً و إن وجب عليه بناءً على خطابه بالفروع، كما هو المعروف عندنا «2»، انتهى. و اختاره المحقّق في «الشرائع». و قال العلّامة (رحمه اللّٰه)

في «التذكرة»: الإسلام شرط في صحّة الصوم لا في وجوبه عند علمائنا؛ لما عرف في أُصول الفقه: أنّ الكافر مخاطب بفروع العبادات «3»، انتهى. و في «مستند الشيعة»: نعم يجب عليه بناءً على أنّه مكلّف بالفروع كما حقّقناه في محلّه «4»، انتهى.

أقول: البحث في هذه المسألة موكول إلى علم أُصول الفقه، و المختار عندنا و عند المصنّف (رحمه اللّٰه): أنّ الكفّار معاقبون على الفروع كعقابهم على الأُصول، و أنّ الإسلام و الإيمان من شرائط الصحّة.

(24) اشتراط البلوغ في التكليف كاشتراط العقل إجماعي، و يدلّ عليه الروايات الواردة في رفع القلم عن الصبي.

هنا فروع: الأوّل: لو بلغ قبل الزوال و قد أفطر قبل بلوغه فلا إشكال في عدم وجوب الإمساك عليه بقية اليوم تأديباً؛ لعدم الدليل عليه، و أدلّة وجوب الإمساك منصرفة إلى غيره.

______________________________

(1) الحدائق الناضرة 13: 165.

(2) جواهر الكلام 16: 327.

(3) تذكرة الفقهاء 6: 102.

(4) مستند الشيعة 10: 344.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 251

نعم إن كمل قبل الفجر يجب عليه (25). و الأحوط لمن نوى التطوّع الإتمام لو كمل في أثناء النهار (26)، بل إن كمل قبل الزوال و لم يتناول شيئاً، فالأحوط الأولىٰ نية الصوم و إتمامه.

[ (مسألة 4): لو كان حاضراً فخرج إلى السفر، فإن كان قبل الزوال وجب عليه الإفطار]

(مسألة 4): لو كان حاضراً فخرج إلى السفر، فإن كان قبل الزوال وجب عليه الإفطار، و إن كان بعده وجب عليه البقاء علىٰ صومه و صحّ (27)،

______________________________

الثاني: لو بلغ قبل الزوال و لم يكن ناوياً للصوم من طلوع الفجر و لم يأتِ مفطراً فلا يجب عليه نية الصوم من حين بلغ قبل الزوال؛ لعدم الدليل عليه، و الدليل قد ورد في المسافر القادم على أهله أو على محلّ الإقامة قبل الزوال، و في المريض الحاصل

له البُرء قبل الزوال و لم يفطرا شيئاً.

الثالث: لو بلغ قبل الزوال و الحال أنّه نوى الصوم من الفجر تطوّعاً و قلنا بشرعية عبادات الصبي، فالظاهر عدم وجوب إتمام الصوم عليه؛ لعدم الدليل على وجوبه، و الصوم إلى حين التكليف كان مندوباً، و لا دليل على وجوب تبديل نية الندب إلى نية الوجوب في بقية اليوم؛ فله جواز الإفطار.

(25) و ذلك لكونه واجداً لشرائط توجّه التكليف و الأمر المطلق للصوم إليه.

(26) هذا الاحتياط استحبابي بعد أن لم يكن الصائم مكلّفاً في بعض اليوم و إن كان صائماً ندباً إلى حين التكليف، كما أنّ الأحوط الأولى نية الصوم و إتمامه حين كمل قبل الزوال و لم يكن ناوياً للصوم من طلوع الفجر و لم يأت مفطراً.

(27) أقول: في المسألة وجوه:

الأوّل: التفصيل بأنّ الصائم إن خرج إلى السفر قبل الزوال أفطر و إن خرج بعده أتمّ، من غير فرق بين نية السفر من الليل و عدمها. و هذا القول ذهب إليه ابن جنيد و المفيد و الكليني و الصدوق في «الفقيه» و «المقنع» و العلّامة في أكثر كتبه

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 252

..........

______________________________

و ولده و الشهيدان في «اللمعة» و «الروضة» شرح اللمعة.

الثاني: التفصيل بين نية السفر من الليل فيجب الإفطار معها سواء كان سفره قبل الزوال أو بعده و بين عدم النية من الليل فيتمّ و لو كان سفره قبل الزوال. ذهب إليه الشيخ في «النهاية» و «المبسوط» و «الاقتصاد» و «الجمل» و المحقّق في «الشرائع» و «المعتبر» و غيرهما.

الثالث: وجوب الإفطار و لو كان سفره بعد الزوال و لم ينو من الليل. ذهب إليه علي بن بابويه و اختاره ابن إدريس في «السرائر»

و ابن أبي عقيل و علم الهدى و ابن زهرة.

الرابع: اشتراط وجوب الإفطار بالسفر قبل الزوال مع نية السفر من الليل. و هذا القول محتمل عند الشيخ في «المبسوط». و احتاط وجوباً السيّد الخوئي (رحمه اللّٰه) في حاشيته على «العروة الوثقى».

الخامس: وجوب الإفطار إذا سافر قبل الزوال، و التخيير بين الإتمام و الإفطار إذا سافر بعد الزوال.

و هذا القول محكي عن الشيخ في «التهذيب» و «الاستبصار» و العلّامة (رحمه اللّٰه) في «المختلف».

السادس: التخيير بين الإتمام و الإفطار للمسافر قبل الزوال و بعده. و لم يعلم لنا قائل هذا القول، نعم نسب النراقي في «مستند الشيعة» إلى «المدارك» نفي البعد عنه، قال في «المدارك»: و اعلم أنّ العلّامة (رحمه اللّٰه) قال في «المختلف» في آخر كلامه: و اعلم أنّه ليس بعيداً من الصواب تخيير المسافر بين القصر و الإتمام إذا خرج بعد الزوال؛ لرواية رفاعة بن موسى الصحيحة قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الرجل يريد السفر في شهر رمضان، قال

إذا أصبح في بلده ثمّ خرج فإن شاء صام و إن

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 253

..........

______________________________

شاء أفطر «1»

، و إنّما قيّدنا ذلك بالخروج بعد الزوال جمعاً بين الأخبار. و أقول: إنّ هذا الحمل بعيد جدّاً، نعم لو قيل بالتخيير مطلقاً كما هو ظاهر الرواية لم يكن بعيداً، و بذلك يحصل الجمع بين الأخبار «2»، انتهى.

السابع: وجوب الإفطار للمسافر قبل الزوال و وجوب الإمساك مع القضاء للمسافر بعد الزوال. ذهب إليه أبو الصلاح.

و في المسألة وجه ثامن لا قائل به؛ و هو وجوب الإفطار إذا سافر قبل الفجر و وجوب الإتمام إذا سافر بعده و لو قبل الزوال. و قد وردت فيه

رواية؛ و هي موثّقة سماعة قال: سألته عن الرجل كيف يصنع إذا أراد السفر؟ قال

إذا طلع الفجر و لم يشخص فعليه صيام ذلك اليوم، و إن خرج من أهله قبل طلوع الفجر فليفطر و لا صيام عليه «3».

و وجه تاسع؛ و هو وجوب الإفطار و قضاء ذلك اليوم فيما إذا نوى السفر من الليل؛ سواء سافر قبل الفجر أو بعده و لو بعد الزوال. و قد وردت فيه رواية مرسلة لابن مسكان عن رجل عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) يقول

إذا أردت السفر في شهر رمضان فنويت الخروج من الليل فإن خرجت قبل الفجر أو بعده فأنت مفطر و عليك قضاء ذلك اليوم «4»

، و ابن مسكان من أصحاب الإجماع فالرواية معتبرة عند جماعة.

و لا يهمّنا التعرّض لأدلّة الأقوال كلّها، و المختار منها هو القول الأوّل. و تدلّ عليه الأخبار المستفيضة: منها: صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) أنّه سئل عن

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 187، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 5، الحديث 7.

(2) مدارك الأحكام 6: 290.

(3) وسائل الشيعة 10: 187، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 5، الحديث 8.

(4) وسائل الشيعة 10: 188، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 5، الحديث 13.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 254

..........

______________________________

الرجل يخرج من بيته و هو يريد السفر و هو صائم، قال: فقال

إن خرج من قبل أن ينتصف النهار فليفطر و ليقض ذلك اليوم، و إن خرج بعد الزوال فليتمّ يومه «1».

و صحيحة عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في الرجل يسافر في شهر رمضان يصوم

أو يفطر؟ قال

إن خرج قبل الزوال فليفطر، و إن خرج بعد الزوال فليصم

فقال

يعرف ذلك بقول علي (عليه السّلام): أصوم و أفطر حتّى إذا زالت الشمس عزم عليّ؛ يعني الصيام «2».

و موثّقة عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

إذا خرج الرجل في شهر رمضان بعد الزوال أتمّ الصيام، فإذا خرج قبل الزوال أفطر «3».

و صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

إذا سافر الرجل في شهر رمضان فخرج بعد نصف النهار فعليه صيام ذلك اليوم و يعتدّ به من شهر رمضان «4»

، هذه الصحيحة تدلّ بمفهومها على أنّ المسافر إذا خرج قبل نصف النهار فلا صيام عليه و يجب القضاء.

فالمستفاد من الروايات المذكورة كلّها وجوب الإفطار إذا سافر قبل الزوال و وجوب الصوم إذا سافر بعد الزوال؛ سواء نوى من الليل السفر أو لم ينوه.

و في بعض الروايات قيّد الإفطار للمسافر بنية السفر من الليل كما في صحيحة رفاعة بن موسى الأسدي النَّخّاس قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الرجل يعرض له السفر في شهر رمضان حين يصبح، قال

يتمّ صومه (يومه) ذلك «5»

،

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 185، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 5، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 10: 186، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 5، الحديث 3.

(3) وسائل الشيعة 10: 186، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 5، الحديث 4.

(4) وسائل الشيعة 10: 185، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 5، الحديث 1.

(5) وسائل الشيعة 10: 186، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 5، الحديث 5.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص:

255

..........

______________________________

حيث إنّ قوله: «يعرض» ظاهر في كون السفر اتّفاقياً حين يصبح من غير أن ينويه من الليل. و موثّقة ابن يقطين عن أبي الحسن موسى (عليه السّلام) في الرجل يسافر في شهر رمضان أ يفطر في منزله؟ قال

إذا حدّث نفسه في الليل بالسفر أفطر، إذا خرج من منزله و إن لم يحدث نفسه من الليلة ثمّ بدا له في السفر من يومه أتمّ صومه «1».

و مرسلة ابن هاشم عن رجل عن صفوان عن الرضا (عليه السّلام) في حديث قال

لو أنّه خرج من منزله يريد النهروان ذاهباً و جائياً لكان عليه أن ينوي من الليل سفراً و الإفطار، فإن هو أصبح و لم ينو السفر فبدا له من بعد أن أصبح في السفر قصّر و لم يفطر يومه ذلك «2».

و مرسلة صفوان بن يحيى عمّن رواه عن أبي بصير قال

إذا خرجت بعد طلوع الفجر و لم تنو السفر من الليل فأتمّ الصوم و اعتدّ به من شهر رمضان «3».

و لا يخفى: أنّ هذه الروايات تدلّ على جواز الإفطار للمسافر إذا نوى السفر من الليل؛ سواءٌ كان سفره قبل الزوال أو بعده، و تعارض تلك النصوص الدالّة على جواز الإفطار في السفر قبل الزوال و إن لم ينو السفر من الليل و وجوب الصوم في السفر بعد الزوال.

و بالجملة: يقع التعارض بين طائفتين من النصوص في موردين:

أحدهما: السفر قبل الزوال من غير نية السفر من الليل؛ فيجوز الإفطار بناءً على الطائفة الاولى من النصوص، و لا يجوز بناءً على الطائفة الثانية منها.

ثانيهما: السفر بعد الزوال مع نية السفر من الليل؛ فلا يجوز الإفطار بناءً على الطائفة الاولى من النصوص، و يجوز بناءً على

الطائفة الثانية منها. و حيث إنّ

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 187، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 5، الحديث 10.

(2) وسائل الشيعة 10: 187، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 5، الحديث 11.

(3) وسائل الشيعة 10: 188، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 5، الحديث 12.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 256

و لو كان مسافراً و حضر بلده أو بلداً عزم على الإقامة به عشرة أيّام، فإن كان قبل الزوال و لم يتناول المفطر، وجب عليه الصوم (28)،

______________________________

نصوص اعتبار نية السفر من الليل موافقة للعامّة ك «مالك» و «أبي حنيفة» و «الشافعي» و «الأوزاعي» و «أبي ثور» القائلين بوجوب الإفطار فيما إذا نوى السفر من الليل فلا بدّ من طرحها و المصير إلى القول بوجوب الإفطار في السفر قبل الزوال و إن لم ينو السفر من الليل و وجوب إتمام الصوم في السفر بعد الزوال و إن نواه من الليل.

(28) هذه المسألة ممّا لا خلاف فيه بين الأصحاب. و الدليل على وجوب الصوم على من قدم من السفر و حضر بلده قبل الزوال و لم يتناول شيئاً من المفطرات هو موثّق سماعة عن أبي بصير قال: سألته عن الرجل يقدم من سفر في شهر رمضان؟ فقال

إن قدم قبل زوال الشمس فعليه صيام ذلك اليوم و يعتدّ به «1».

و ذيل موثّق آخر لسماعة قال: سألته عن الرجل كيف يصنع إذا أراد السفر. إلى أن قال

إن قدم بعد زوال الشمس أفطر و لا يأكل ظاهراً، و إن قدم من سفره قبل زوال الشمس فعليه صيام ذلك اليوم إن شاء «2».

و رواية أحمد بن محمّد بن أبي نصر قال:

سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن رجل قدم من سفر في شهر رمضان و لم يطعم شيئاً قبل الزوال؟ قال

يصوم «3».

و لا يخفى: أنّه قد ورد في رواية صحيحة أنّ الجنب عن احتلام إذا قدم أهله و لم يتناول المفطر قبل الزوال يصوم؛ ففي صحيحة يونس بن عبد الرحمن في

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 191، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 6، الحديث 6.

(2) وسائل الشيعة 10: 191، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 6، الحديث 7.

(3) وسائل الشيعة 10: 190، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 6، الحديث 4.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 257

..........

______________________________

حديث قال في المسافر يدخل أهله و هو جنب قبل الزوال و لم يكن أكل،

فعليه أن يتمّ صومه و لا قضاء عليه «1»

؛ يعني إذا كانت جنابته من احتلام.

و أمّا ما يظهر منه أنّ القادم على أهله قبل الزوال مخيّر بين الصوم و الإفطار كصحيحة محمّد بن مسلم، قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن الرجل يقدم من سفر في شهر رمضان فيدخل أهله حين يصبح أو ارتفاع النهار، قال

إذا طلع الفجر و هو خارج و لم يدخل أهله فهو بالخيار؛ إن شاء صام و إن شاء أفطر «2».

فهو محمول على التخيير قبل القدوم؛ أي المسافر قبل أن يدخل على أهله مخيّر بين أن يمسك من المفطرات و يصوم إذا قدم أهله، و بين أن يفطر قبل القدوم على أهله، لا أنّه مخيّر بعد الدخول.

و يدلّ على التخيير قبل القدوم على أهله صحيح رفاعة بن موسى قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الرجل يقبل في شهر رمضان من سفر

حتّى يرى أنّه سيدخل أهله ضحوة أو ارتفاع النهار، قال

إذا طلع الفجر و هو خارج و لم يدخل فهو بالخيار؛ إن شاء صام و إن شاء أفطر «3».

و الدليل على وجوب الصوم على من حضر بلداً قبل الزوال و عزم على الإقامة عشرة أيّام، هو صحيح محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في حديث قال

فإذا دخل أرضاً قبل طلوع الفجر و هو يريد الإقامة بها فعليه صوم ذلك اليوم، و إن دخل بعد طلوع الفجر فلا صيام عليه، و إن شاء صام «4».

وجه الدلالة: أنّ المفروض دخوله محلّ الإقامة بعد دخول الفجر، و هو حين

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 190، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 6، الحديث 5.

(2) وسائل الشيعة 10: 190، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 6، الحديث 3.

(3) وسائل الشيعة 10: 189، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 6، الحديث 2.

(4) وسائل الشيعة 10: 189، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 6، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 258

و إن كان بعده أو قبله لكن تناول المفطر فلا يجب عليه (29).

______________________________

طلوع الفجر مسافر و لا صيام على المسافر. و معنى قوله

إن شاء صام

أنّه حين طلع و إن كان مسافراً لا صيام عليه، لكنّه مخيّر بين أن يمسك عن المفطرات و ينوي الصوم إذا دخل محلّ الإقامة و قصد إقامة العشرة و بين أن لا يمسك عنها و يتناول المفطر قبل أن يدخل محلّ الإقامة.

(29) و يدلّ على عدم وجوب الصوم على من قدم أهله بعد الزوال صحيح محمّد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّٰه

(عليه السّلام) عن الرجل يقدم من سفر بعد العصر في شهر رمضان فيصيب امرأته حين طهرت من الحيض، أ يواقعها؟ قال

لا بأس به «1».

و مفهوم رواية أحمد بن محمّد بن أبي نصر قال: سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن رجل قدم من سفر في شهر رمضان و لم يطعم شيئاً قبل الزوال، قال

يصوم «2»

؛ فيدلّ بمفهومه إنّ من قدم بعد الزوال فلا يصوم. و مفهوم موثّقة سماعة عن أبي بصير المتقدّمة قال: سألته عن الرجل يقدم من سفر في شهر رمضان، فقال

إن قدم قبل زوال الشمس فعليه صيام ذلك اليوم و يعتدّ به «3»

، و مفهومها كمفهوم سابقها. و صدر موثّقة أُخرى لسماعة حيث قال (عليه السّلام)

إن قدم بعد زوال الشمس أفطر «4».

و يدلّ على عدم وجوبه على من قدم أهله قبل الزوال و قد تناول شيئاً من المفطرات مفهوم صحيحة يونس بن عبد الرحمن المتقدّمة «5»، و موثّقة سماعة قال:

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 193، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 7، الحديث 4.

(2) وسائل الشيعة 10: 190، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 6، الحديث 4.

(3) وسائل الشيعة 10: 191، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 6، الحديث 6.

(4) وسائل الشيعة 10: 191، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 6، الحديث 7.

(5) وسائل الشيعة 10: 190، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 6، الحديث 5.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 259

[ (مسألة 5): المسافر الجاهل بالحكم لو صام صحّ صومه و يجزيه]

(مسألة 5): المسافر الجاهل بالحكم لو صام صحّ صومه و يجزيه؛ علىٰ حسب ما عرفت في الجاهل بحكم الصلاة؛ إذ القصر كالإفطار، و الصيام كالتمام (30).

______________________________

سألته عن مسافر دخل

أهله قبل زوال الشمس و قد أكل؟ قال

لا ينبغي له أن يأكل يومه ذلك شيئاً، و لا يواقع في شهر رمضان إن كان له أهل «1»

، و صحيحة يونس قال: قال في المسافر الذي يدخل أهله في شهر رمضان و قد أكل قبل دخوله، قال

يكفّ عن الأكل بقية يومه، و عليه القضاء «2»

، و رواية الزهري عن علي بن الحسين (عليه السّلام) في حديث قال

و أمّا صوم التأديب فأن يؤخذ الصبي إذا راهق بالصوم.

إلى أن قال

و كذلك المسافر إذا أكل أوّل النهار ثمّ قدم أهله أُمر بالإمساك بقية يومه و ليس بفرض «3».

(30) و اشترط في «العروة الوثقى» بقاء الجهل في إجزاء صوم الجاهل و قال: لكن يشترط أن يبقى على جهله إلى آخر النهار، و أمّا لو علم بالحكم في الأثناء فلا يصحّ صومه «4»، انتهى.

و يدلّ عليه صحيح عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن رجل صام شهر رمضان في السفر، فقال

إن كان لم يبلغه أنّ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) نهى عن ذلك فليس عليه القضاء، و قد أجزأ عنه الصوم «5».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 191، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 7، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 10: 192، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 7، الحديث 2.

(3) وسائل الشيعة 10: 192، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 7، الحديث 3.

(4) العروة الوثقى 2: 215، فصل في شرائط صحّة الصوم.

(5) وسائل الشيعة 10: 179، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 2، الحديث 2.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم،

ص: 260

فيجري هنا حينئذٍ جميع ما ذكرناه بالنسبة إلى الصلاة (31)،

______________________________

و ذيل صحيحة عبيد اللّٰه بن علي الحلبي قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): رجل صام في السفر فقال

إن كان بلغه أنّ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) نهى عن ذلك فعليه القضاء، و إن لم يكن بلغه فلا شي ء عليه «1».

و صحيح عيص بن القاسم عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

من صام في السفر بجهالة لم يقضه «2».

و صحيح ليث بن البختري المرادي أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

إذا سافر الرجل في شهر رمضان أفطر، و إن صامه بجهالة لم يقضه «3».

و أمّا ما دلّ على عدم صحّة صوم المسافر حتّى من المسافر الجاهل بالحكم كصحيحة معاوية بن عمّار قال: سمعته يقول

إذا صام الرجل رمضان في السفر لم يجزه و عليه الإعادة «4»

، فمحمول على العالم بالحكم بقرينة الصحاح المذكورة الدالّة على صحّة صوم المسافر الجاهل بالحكم.

(31) قد ذكر المصنّف (رحمه اللّٰه) في المسألة الثانية من أحكام المسافر في كتاب الصلاة: أنّه يلحق الصوم بالصلاة فيما ذكر على الأقوى؛ فيبطل مع العلم و العمد و يصحّ مع الجهل بأصل الحكم دون خصوصياته و دون الجهل بالموضوع. نعم لا يلحق بها في النسيان؛ فمعه يجب عليه القضاء، و قد فصّل (رحمه اللّٰه) هنا بقوله: «فمن كان.».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 179، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 2، الحديث 3.

(2) وسائل الشيعة 10: 180، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 2، الحديث 5.

(3) وسائل الشيعة 10: 180، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 2، الحديث 6.

(4) وسائل

الشيعة 10: 179، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 2، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 261

فمن كان يجب عليه التمام، كالمكاري و العاصي بسفره و المقيم و المتردّد ثلاثين يوماً و غير ذلك، يجب عليه الصيام (32).

______________________________

(32) أمّا المكاري و هو من اتّخذ السفر عملًا و شغلًا له فيدلّ على وجوب إتمام الصلاة و الصيام عليه في السفر صحيح هشام بن الحكم عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

المكاري و الجمّال الذي يختلف و ليس له مقام يتمّ الصلاة و يصوم شهر رمضان «1»

، و صحيح زرارة قال: قال أبو جعفر (عليه السّلام)

أربعة قد يجب عليهم التمام في سفر كانوا أو حضر: المُكاري و الكريّ و الراعي و الاشتقان؛ لأنّه عملهم «2».

و في «مجمع البحرين»: المكاري بضمّ الميم من باب قتل فاعل المكاراة، و هو من يكري دوابّه، و الجمع مكارون. و الكريّ بالفتح على فعيل المكتري فعيل بمعنى مفتعل «3»، انتهى. و في «وسائل الشيعة»: الاشتقان البريد «4».

و أمّا العاصي بسفره: فيدلّ على وجوب الصوم عليه و إتمام الصلاة مرسل ابن أبي عمير عن بعض أصحابه عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

لا يفطر الرجل في شهر رمضان إلّا في سبيل حقّ «5»

، دلّ بالمفهوم على وجوب الصوم في غير سبيل حقّ، و التلازم بين وجوب الصوم و إتمام الصلاة واضح. و صحيح عمّار بن مروان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سمعته يقول

من سافر قصّر و أفطر، إلّا أن يكون سفره إلى صيد أو في معصية اللّٰه أو رسول لمن يعصي اللّٰه أو في طلب عدوّ أو شحناء

______________________________

(1) وسائل الشيعة 8: 484، كتاب الصلاة،

أبواب صلاة المسافر، الباب 11، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 8: 485، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 11، الحديث 2.

(3) مجمع البحرين 1: 358.

(4) وسائل الشيعة 8: 485، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 11، الحديث 3.

(5) وسائل الشيعة 8: 476، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 8، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 262

..........

______________________________

أو سعاية أو ضرر على قوم من المسلمين «1».

و أمّا المقيم عشرة أيّام: فيدلّ على وجوب الصوم و إتمام الصلاة عليه صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

من قدم قبل التروية بعشرة أيّام وجب عليه إتمام الصلاة، و هو بمنزلة أهل مكّة. «2»

الحديث. و صحيح علي بن جعفر عن أبي الحسن (عليه السّلام) قال: سألته عن الرجل يدركه شهر رمضان في السفر فيقيم الأيّام في المكان، عليه صوم؟ قال

لا، حتّى يجمع على مقام عشرة أيّام، و إذا أجمع على مقام عشرة أيّام صام و أتمّ الصلاة. «3»

الحديث. و صحيح أبي بصير قال

إذا قدمت أرضاً و أنت تريد أن تقيم بها عشرة أيّام فصم و أتمّ. «4»

الحديث. و صحيح منصور بن حازم عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سمعته يقول

إذا أتيت بلدة فأجمعت المقام عشرة أيّام فأتمّ الصلاة «5».

و أمّا المتردّد ثلاثين يوماً: فيجب عليه القصر إلى ثلاثين. و يجب الإتمام بعد الشهر، و يدلّ عليه ذيل صحيح أبي بصير المتقدّم حيث قال

و إن كنت تريد أن تقيم أقلّ من عشرة أيّام فأفطر ما بينك و بين شهر، فإذا تمّ (بلغ) الشهر فأتمّ الصلاة و الصيام، و إن قلت أرتحل غدوة.

و صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: قلت له: أ رأيت

من قدم بلدة إلى متى ينبغي له أن يكون مقصّراً؟ و متى ينبغي له أن يتمّ؟ فقال

إذا دخلت أرضاً فأيقنت أنّ لك بها مقام عشرة أيّام فأتمّ الصلاة، و إن لم تدر ما مقامك بها تقول: غداً أخرج أو بعد غدٍ، فقصّر ما بينك و بين أن يمضي شهر،

______________________________

(1) وسائل الشيعة 8: 476، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 8، الحديث 3.

(2) وسائل الشيعة 8: 464، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 3، الحديث 3.

(3) وسائل الشيعة 8: 498، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 15، الحديث 1.

(4) وسائل الشيعة 8: 498، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 15، الحديث 3.

(5) وسائل الشيعة 8: 499، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 15، الحديث 4.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 263

نعم يتعيّن عليه الإفطار في سفر الصيد للتجارة، و الاحتياط بالجمع في الصلاة (33)،

______________________________

فإذا تمّ لك شهر فأتمّ الصلاة و إن أردت أن تخرج من ساعتك «1».

و صحيح أبي أيّوب قال: سأل محمّد بن مسلم أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) و أنا أسمع عن المسافر إن حدّث نفسه بإقامة عشرة أيّام قال

فليتمّ الصلاة، فإن لم يدر ما يقيم يوماً أو أكثر فليعدّ ثلاثين يوماً ثمّ ليتمّ. «2»

الحديث.

(33) سفر الصيد لهواً لاحق بسفر المعصية يتمّ الصلاة و الصيام فيه، و سفر الصيد إن كان للقوت فيوجب القصر و الإفطار. و أمّا سفر الصيد للتجارة فيتعيّن فيه الإفطار، و هو المشهور بين المتأخّرين، و يدلّ عليه إطلاق أدلّة وجوب القصر على المسافر. و حكي عن أكثر القدماء إفطار الصوم و إتمام الصلاة. و حكي عن «السرائر»: أنّ أصحابنا أجمعوا على ذلك فتيا و روايةً، و

لعلّ دليلهم على ذلك الإجماع المدّعىٰ، و المرسلة المروية عن «المبسوط» قال: و إن كان أي الصيد للتجارة دون الحاجة روى أصحابنا أنّه يتمّ الصلاة و يفطر الصوم «3».

و لا يخفى: أنّ الإجماع غير ثابت، و المرسلة لا تصلح لتقييد إطلاق أدلّة وجوب القصر على المسافر، مع ما دلّ على التلازم بين الإتمام و القصر، كصحيحة معاوية بن وهب

إذا قصّرت أفطرت و إذا أفطرت قصّرت «4»

، و موثّقة سماعة قال: قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) في حديث

و ليس يفترق التقصير و الإفطار؛ فمن قصّر

______________________________

(1) وسائل الشيعة 8: 500، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 15، الحديث 9.

(2) وسائل الشيعة 8: 501، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 15، الحديث 12.

(3) المبسوط 1: 136.

(4) وسائل الشيعة 10: 184، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 4، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 264

و يجب قضاء الصوم في الناسي لو تذكّر بعد الوقت، دون الصلاة كما مرّ (34)،

______________________________

فليفطر «1»

، نعم قد يفترقان في بعض الموارد بالدليل المعتبر، و يشير إليه المصنّف (رحمه اللّٰه) هنا.

(34) قد ذكرنا أنّ المستفاد من الروايات المعتبرة هو التلازم بين الصيام و التمام و بين الإفطار و القصر، لكنّه قد يفترق الصلاة و الصوم في موارد أشار المصنّف إلى جملة منها، كما في صورة النسيان فمن نسي سفره أو نسي حكم السفر و هو وجوب القصر فأتمّ الصلاة و تذكّر في الوقت سفره أو حكمه وجب عليه الإعادة، و إن لم يُعد حتّى انقضى الوقت عصى و وجب عليه القضاء خارج الوقت قصراً، و إن تذكّر بعد خروج الوقت لا يجب عليه قضاؤها. و يدلّ عليه صحيح

عيص بن القاسم قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل صلّى و هو مسافر فأتمّ الصلاة، قال

إن كان في وقت فليعد، و إن كان الوقت قد مضى فلا «2»

، و صحيح أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن الرجل ينسي فيصلّي في السفر أربع ركعات، قال

إن ذكر في ذلك اليوم فليعد، و إن لم يذكر حتّى يمضي ذلك اليوم فلا إعادة عليه «3».

و إن لم يكن ناسياً للسفر و لا لحكمه و لكن أتمّ الصلاة ناسياً وظيفته و اشتباهاً وجب عليه الإعادة في الوقت و القضاء خارجه؛ لعدم الدليل على إجزائها، فيرجع إلى إطلاق أدلّة وجوب القصر في السفر.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 184، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 4، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 8: 505، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 17، الحديث 1.

(3) وسائل الشيعة 8: 506، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 17، الحديث 2.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 265

و يتعيّن عليه الإفطار في الأماكن الأربعة و يتخيّر في الصلاة (35)،

______________________________

و أمّا من نسي السفر أو حكمه و صام فإن تذكّر في اليوم فلا إشكال و لا خلاف في بطلانه، و إن تذكّر بعد تمام اليوم فهل يلحق بالجاهل في الصحّة أو لا؟

قيل: يلحق به و يصحّ صومه؛ ففي «المسالك»: الناسي هنا كالجاهل. و استدلّ عليه في «مستند الشيعة» بأنّهما مشتركان في العذر و فوات الوقت و عدم التقصير و رفع الحكم عنهما. و فيه: أنّ اشتراكهما فيما ذكر لا يقتضي اشتراكهما في جميع الأحكام، مضافاً إلى أنّ حديث الرفع لا يثبت صحّة الصوم حتّى يقتضي نفي وجوب القضاء.

و الأصحّ:

عدم صحّة الصوم للناسي؛ لإطلاق النصوص الدالّة على عدم صحّة الصوم في السفر إلّا ما خرج بدليل معتبر، و الدليل على صحّة صلاة الناسي موجود، و هو ما ذكرنا من صحيحتي عيص و أبي بصير، و لا دليل على صحّة صومه.

(35) وجه تعيّن الإفطار للمسافر الغير المقيم في الأماكن الأربعة عموم أدلّة وجوب الإفطار للمسافر.

و أمّا الصلاة فالأدلّة المعتبرة دلّت على التخيير بين القصر و الإتمام، و يشير إلى عدم إلحاق الصوم بالصلاة موثّق عثمان بن عيسى قال: سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن إتمام الصلاة و الصيام في الحرمين، فقال

أتمّها و لو صلاة واحدة «1»

، حيث إنّ السائل سأل عن إتمام الصلاة و الصوم معاً في الحرمين، و اكتفى (عليه السّلام) في الجواب بإتمام الصلاة فقط دون الصوم. فالتخيير في الصلاة في الأماكن الأربعة مشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة كادت أن تكون إجماعاً، و هو ممّا انفردت به الإمامية.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 8: 529، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 25، الحديث 17.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 266

و يتعيّن عليه البقاء على الصوم لو خرج بعد الزوال؛ و إن وجب عليه القصر (36)،

______________________________

و يدلّ عليه أخبار كثيرة: منها: صحيح ابن مهزيار قال: كتبتُ إلى أبي جعفر الثاني: أنّ الرواية قد اختلفت عن آبائك في الإتمام و التقصير للصلاة في الحرمين؛ فمنها: أن يأمر تتمّ الصلاة و لو صلاة واحدة و منها: أن تقصر ما لم ينو مقام عشرة أيّام و لم أزل على الإتمام فيها إلى أن صدرنا في حجّنا في عامنا هذا؛ فإنّ فقهاء أصحابنا أشاروا إلىّ بالتقصير إذا كنتُ لا أنوي مقام عشرة أيّام، فصرت إلى التقصير و قد ضقت

بذلك حتّى أعرف رأيك، فكتب (عليه السّلام) إليّ بخطّه

قد علمت يرحمك اللّٰه فضل الصلاة في الحرمين على غيرهما؛ فأنا أُحبّ لك إذا دخلتهما أن لا تقصّر و تكثر فيهما من الصلاة

، فقلت له بعد ذلك بسنتين مشافهةً: إنّي كتبتُ إليك بكذا و أجبتني بكذا، فقال

نعم

، فقلت: أيّ شي ء تعني بالحرمين؟ فقال

مكّة و المدينة «1».

(36) وجه تعيّن بقاء المسافر على الصوم فيما خرج بعد الزوال ما ذكر من الروايات المعتبرة في المجلّد العاشر من «الوسائل» في الباب الخامس من أبواب من يصحّ منه الصوم، كصحاح ابن مسلم و الحلبي و عبيد بن زرارة و غيرها «2»، و قد ذكرناها في شرح المسألة الرابعة من «القول في شرائط صحّة الصوم و وجوبه»، فراجع. و وجه وجوب القصر شمول أدلّة تقصير الصلاة عليه مع وجود سائر شرائط القصر، و ذلك واضح.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 8: 525، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 25، الحديث 4.

(2) راجع وسائل الشيعة 10: 185، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 5.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 267

و يتعيّن عليه الإفطار لو قدم بعده؛ و إن وجب عليه التمام إذا لم يكن قد صلّىٰ (37). و قد تقدّم في كتاب الصلاة: أنّ المدار في قصرها هو وصول المسافر إلىٰ حدّ الترخّص، فكذا هو المدار في الصوم، فليس له الإفطار قبل الوصول إليه (38)،

______________________________

(37) أمّا تعيّن الإفطار على المسافر فيما قدم بعد الزوال: فلأنّه قبل الزوال مسافر لا يصحّ منه الصوم، و بعد الزوال و إن قدم على أهله و صار حاضراً لكنّه فات منه وقت نية الصوم فلا يصحّ منه الصوم. و يدلّ عليه صحيح محمّد بن مسلم

و غيره من الروايات التي تقدّم ذكرها منّا في شرح قول المصنّف (رحمه اللّٰه): «و إن كان بعده أو قبله لكن تناول المفطر فلا يجب عليه».

و أمّا وجوب إتمام الصلاة عليه فيما قدم أهله بعد الزوال و لم يكن قد صلّى في السفر: فلصحيحة إسماعيل بن جابر قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): يدخل عليّ وقت الصلاة و أنا في السفر فلا أُصلّي حتّى أدخل على أهلي، فقال

صلِّ و أتمّ الصلاة

، قلت: فدخل عليّ وقت الصلاة و أنا في أهلي أُريد السفر فلا أُصلّي حتّى أخرج، فقال

فصلِّ و قصّر، فإن لم تفعل فقد خالفت و اللّٰهِ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) «1».

و صحيحة عيص بن القاسم قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الرجل يدخل عليه وقت الصلاة في السفر ثمّ يدخل بيته قبل أن يصلّيها، قال

يصلّيها أربعاً

و قال

لا يزال يقصّر حتّى يدخل بيته «2»

، و تفصيل هذه المسائل و البحث فيها موكول إلى كتاب الصلاة.

(38) تقدّم هذا من المصنّف (رحمه اللّٰه) في المسألة السابعة و العشرين من مسائل

______________________________

(1) وسائل الشيعة 8: 512، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 21، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 8: 513، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 21، الحديث 4.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 268

..........

______________________________

«فصل في صلاة المسافر» بقوله: «كما أنّه من شروط القصر في ابتداء السفر الوصول إلى حدّ الترخّص كذلك عند العود ينقطع حكم السفر بالوصول إليه»، و هذا منه (رحمه اللّٰه) ردّ لقول علي بن بابويه و ولده الصدوق (رحمهما اللّٰه) القائلين بأنّ المدار في القصر بالنسبة إلى المسافر الخارج من منزله هو مجرّد

الخروج من المنزل، بحيث لو أراد أن يصلّي بعد الخروج من منزله و قبل الوصول إلى حدّ الترخّص فليصلِّ قصراً، و كذلك المسافر القادم أهله إذا تجاوز عن حدّ الترخّص و أراد أن يصلّي قبل وروده على منزله فليصلِّ قصراً.

و المدار في الصوم و الإفطار أيضاً الخروج من المنزل و الدخول إيّاه؛ فمن خرج من منزله قبل الزوال و تجاوز عن حدّ الترخّص بعد الزوال فليفطر، و كذلك في العود فإذا وصل إلى حدّ الترخّص قبل الزوال و دخل إلى منزله بعد الزوال فليفطر.

و استدلّ على هذا القول بموثّقة إسحاق بن عمّار عن أبي إبراهيم (عليه السّلام) قال: سألته عن الرجل يكون مسافراً ثمّ يقدم و يدخل بيوت الكوفة أ يتمّ الصلاة أم يكون مقصّراً حتّى يدخل أهله؟ قال

بل يكون مقصّراً حتّى يدخل أهله «1»

، و صحيحة العيص بن القاسم عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

لا يزال المسافر مقصّراً حتّى يدخل بيته «2»

، و مرسلة الصدوق (رحمه اللّٰه) قال: روي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) أنّه قال

إذا خرجت من منزلك فقصّر إلى أن تعود إليه «3».

و القول المشهور في المسألة: أنّ المدار في القصر ذهاباً و إياباً هو حدّ الترخّص بخفاء الأذان و الجدران. و يدلّ عليه صحيح محمّد بن مسلم قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): الرجل يريد السفر (فيخرج)، متى يقصّر؟ قال

إذا توارى من

______________________________

(1) وسائل الشيعة 8: 474، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 7، الحديث 3.

(2) وسائل الشيعة 8: 475، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 7، الحديث 4.

(3) وسائل الشيعة 8: 475، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 7، الحديث 5.

مدارك تحرير الوسيلة -

الصوم، ص: 269

بل لو فعل كان عليه مع القضاء الكفّارة على الأحوط (39).

[ (مسألة 6): يجوز على الأصحّ السفر اختياراً في شهر رمضان]

(مسألة 6): يجوز على الأصحّ السفر اختياراً في شهر رمضان (40).

______________________________

البيوت «1»

، و صحيحة عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن التقصير، قال

إذا كنت في الموضع الذي تسمع فيه الأذان فأتمّ، و إذا كنت في الموضع الذي لا تسمع فيه الأذان فقصّر، و إذا قدمت من سفرك فمثل ذلك «2»

، و صحيح حمّاد بن عثمان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

إذا سمع الأذان أتمّ المسافر «3».

و لا يخفى: أنّ مقتضى الجمع بين الروايات حمل روايات القول الأوّل على الثاني و أنّ المدار هو حدّ الترخّص، و عليه يحمل الخروج من المنزل و الدخول إيّاه.

(39) بل هو الأقوى؛ للروايات المذكورة المعيّنة حدّ جواز الإفطار و محلّه. و الإفطار قبله يشمله أدلّة الإفطار العمدي الموجب للكفّارة.

(40) في المسألة قولان:

الأوّل و هو الأصحّ جواز السفر اختياراً في شهر رمضان؛ و ذلك لأنّ الصوم بالنسبة إلى حضور المكلّف و عدم كونه مسافراً واجب مشروط فيجب إذا حضر، و لا يجب عليه الحضور أو استمراره أو تحصيله، بل و متى حصل الحضور يجب الصوم. و يمكن استفادة هذا من الآية الشريفة:

______________________________

(1) وسائل الشيعة 8: 470، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 6، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 8: 472، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 6، الحديث 3.

(3) وسائل الشيعة 8: 473، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 6، الحديث 7.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 270

..........

______________________________

يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيٰامُ كَمٰا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ. أَيّٰاماً مَعْدُودٰاتٍ فَمَنْ كٰانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً

أَوْ عَلىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّٰامٍ أُخَرَ «1»؛ أي إن لم يكن مريضاً أو على سفر فيجب في الشهر، و إلّا ففي أيّام أُخر.

و تدلّ عليه صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن الرجل يدخل شهر رمضان و هو مقيم لا يريد براحاً ثمّ يبدو له بعد ما يدخل شهر رمضان أن يسافر، فسكت فسألته غير مرّة، فقال

يقيم أفضل، إلّا أن تكون له حاجة لا بدّ له من الخروج فيها أو يتخوّف على ماله «2»

، حيث دلّت على أفضلية الإقامة للصوم فيما لم تكن له حاجة موجبة للسفر، و معها لا تكون الإقامة أفضل؛ فهي تدلّ على جواز السفر و لو من غير حاجة.

و صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام) أنّه سئل عن الرجل يعرض له السفر في شهر رمضان و هو مقيم قد مضى منه أيّام، فقال

لا بأس بأن يسافر و يفطر و لا يصوم «3».

و القول الثاني: أنّه لا يحلّ السفر في شهر رمضان إلّا لضرورة، و هو قول أبي الصلاح الحلبي.

و استدلّ عليه برواية أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الخروج إذا دخل شهر رمضان، فقال

لا، إلّا فيما أُخبرك به: خروج إلى مكّة أو غزو في سبيل اللّٰه أو مال تخاف هلاكه أو أخ تخاف هلاكه و أنّه ليس أخاً من الأب و الأُمّ «4».

هذه الرواية ضعيفة سنداً بعلي بن أبي حمزة البطائني الواقفي، روي أنّه كان

______________________________

(1) البقرة (2): 183 184.

(2) وسائل الشيعة 10: 181، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 3، الحديث 1.

(3) وسائل الشيعة 10: 181، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم،

الباب 3، الحديث 2.

(4) وسائل الشيعة 10: 181، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 3، الحديث 3.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 271

..........

______________________________

كذّاباً متّهماً ملعوناً و كان أصل الوقف و أشدّ الخلق عداوة للولي من بعد أبي إبراهيم.

و رواية «الخصال» عن علي (عليه السّلام) في حديث الأربعمائة قال

ليس للعبد أن يخرج إلى سفر إذا دخل شهر رمضان؛ لقول اللّٰه عزّ و جلّ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ «2».

و رواية الحسين بن المختار القلانسي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

لا تخرج في رمضان إلّا للحجّ أو العمرة أو مال تخاف عليه الفوت أو لزرع يحين حصاده «3»

، و قد وقع في سند هذه الرواية علي بن السندي، و قد حسّنه في أعلى الحسن صاحب «تنقيح المقال»، و في «معجم رجال الحديث»: أنّه لم يثبت وثاقته «1».

و لا يخفى: أنّ مقتضى الجمع بين روايات المسألة حمل الأخبار الناهية على فرض اعتبار سند بعضها على الكراهة؛ لصراحة صحيحة الحلبي المتقدّمة في جواز السفر و أنّ الإقامة للصوم أفضل.

و يشهد لهذا الجمع رواية سماعة عن أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قلت له: جعلت فداك يدخل عليّ شهر رمضان فأصوم بعضه فتحضرني نية زيارة قبر أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)، فأزوره و أفطر ذاهباً و جائياً أو أُقيم حتّى أفطر و أزوره بعد ما أفطر بيوم أو يومين؟ فقال له

أقم حتّى تفطر

، فقلت له: جعلت فداك فهو أفضل؟ قال

نعم، أما تقرء في كتاب اللّٰه فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ؟! «4»

، و دلالة هذه الرواية على أفضلية الإقامة للصوم تامّة، و لكنّها ضعيفة سنداً بهارون بن الحسن بن جميلة

أو جبلّة؛ لأنّه مجهول الحال.

______________________________

(2) وسائل الشيعة 10: 182، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 3، الحديث 4.

(3) وسائل الشيعة 10: 183، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 3، الحديث 8.

(1) معجم رجال الحديث 12: 50.

(4) وسائل الشيعة 10: 183، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 3، الحديث 7.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 272

و لو كان للفرار من الصوم (41)، لكن علىٰ كراهية (42) قبل أن يمضي منه ثلاثة و عشرون يوماً، إلّا في حجّ أو عمرة، أو مال يخاف تلفه، أو أخ يخاف هلاكه (43).

______________________________

(41) و ذلك لإطلاق الأدلّة المجوّزة للسفر في شهر رمضان.

(42) قد ظهر وجه الكراهة ممّا ذكرنا من وجه الجمع بين الأخبار المجوّزة للسفر في شهر رمضان و المانعة عنه.

(43) يعني أنّ كراهة السفر إنّما هو قبل مضيّ ثلاثة و عشرين يوماً من شهر رمضان؛ فلا كراهة في السفر في بقية الأيّام. و قوله: «إلّا في حجّ.» إلى آخره، استثناء من الكراهية في الثلاثة و العشرين يوماً؛ يعني أنّ الكراهة في الثلاثة و العشرين يوماً إنّما هي فيما لم يكن سفره في حجّ. إلى آخره؛ فلا كراهة في السفر في تلك الأيّام في حجّ. إلى آخره؛ و ذلك لمرسلة علي بن أسباط عن أبي عبد اللّٰه قال

إذا دخل شهر رمضان فللّٰه فيه شرط؛ قال اللّٰه تعالى فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ فليس للرجل إذا دخل شهر رمضان أن يخرج إلّا في حجّ أو في عمرة أو مال يخاف تلفه أو أخ يخاف هلاكه، و ليس له أن يخرج في إتلاف مال أخيه، فإذا مضت ليلة ثلاث و عشرين فليخرج حيث شاء «1».

وجه

الدلالة: أنّ قوله (عليه السّلام)

فليخرج حيث شاء

لرفع البأس المستفاد من قوله

ليس له أن يخرج

المحمول على الكراهة جمعاً بين الأدلّة المانعة عن السفر و المجوّزة له. فقوله

فليخرج حيث شاء

يدلّ على نفي كراهة السفر بعد مضيّ ثلاث و عشرين يوماً. و لا يخفى: أنّ الرواية ضعيفة لسهل بن زياد و لإرسالها، و لا وجه معتبر لرفع الكراهة في بقية الأيّام؛ فالإقامة في جميع أيّام شهر رمضان لصومه

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 182، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 3، الحديث 6.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 273

و أمّا غير صوم شهر رمضان من الواجب المعيّن، فالأحوط ترك السفر مع الاختيار (44)، كما أنّه لو كان مسافراً فالأحوط الإقامة لإتيانه مع الإمكان؛ و إن كان الأقوىٰ في النذر المعيّن، جواز السفر و عدم وجوب الإقامة لو كان مسافراً.

______________________________

أفضل، و السفر بلا حاجة مكروه كذلك.

(44) قد عرفت: أنّ صوم شهر رمضان واجب مشروط بالحضر و عدم السفر، و أنّه يجوز السفر في شهر رمضان و لو للفرار عن الصوم و يقع البحث هنا عن أنّ غير صوم شهر رمضان من الصيام الواجبة المعيّنة كالنذر المعيّن و قضاء شهر رمضان المضيّق وقته و الصوم الاستيجاري في وقت معيّن هل هي كصوم شهر رمضان في كونها واجبة مشروطة فيجوز السفر و تركها ثمّ قضاؤها في أيّام أُخر، أو أنّها واجبة مطلقة منجّزة يجب امتثالها و يجب تحصيل مقدّمتها؛ فيجب الحضور بترك السفر و الإقامة للمسافر، إلّا لضرورة موجبة لترك الواجب المطلق للتزاحم؟

يقع الكلام في مقامين: الأوّل: في الصوم النذري المعيّن بأن كان متعلّق نذره الصوم في يوم كذا من غير تعليق على الحضور؛ فمقتضى أدلّة وجوب

الوفاء بالنذر هو كون الصوم واجباً مطلقاً يجب تحصيل مقدّماته الوجودية، كاستمرار الحضور و وجوب الإقامة لو كان مسافراً و حرمة السفر، هذا.

و لك أن تقول: إنّ أدلّة وجوب الوفاء بالنذر و إن كان مقتضاها كون الواجب المنذور مطلقاً لكنّه قد ورد دليل معتبر يستفاد منه كون الصوم النذري كصوم شهر رمضان واجباً مشروطاً بالحضور؛ ففي صحيحة علي بن مهزيار في حديث قال: كتبتُ إليه يعني إلى أبي الحسن (عليه السّلام) يا سيّدي! رجل نذر أن يصوم يوماً من الجمعة دائماً ما بقي، فوافق ذلك اليوم يوم عيد فطر أو أضحى أو أيّام التشريق أو

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 274

..........

______________________________

سفر أو مرض، هل عليه صوم ذلك اليوم أو قضاؤه؟ و كيف يصنع يا سيّدي؟ فكتب إليه

قد وضع اللّٰه عنه الصيام في هذه الأيّام كلّها، و يصوم يوماً بدل يوم إن شاء اللّٰه. «1»

الخبر.

و موثّقة زرارة قال: قلت لأبي جعفر (عليه السّلام): إنّ أُمّي كانت جعلت عليها نذراً أنّ اللّٰه ردّ (أن يردّ اللّٰه) عليها بعض ولدها من شي ء كانت تخاف عليه أن تصوم ذلك اليوم الذي يقدم فيه ما بقيت، فخرجت معنا مسافرة إلى مكّة، فأشكل علينا لمكان النذر، أ تصوم أو تفطر؟ فقال

لا تصوم، قد وضع اللّٰه عنها حقّه و تصوم هي ما جعلت على نفسها

، قلت: فما ترى إذا هي رجعت إلى المنزل أ تَقضيه؟ قال

لا

، قلت: أ فتترك ذلك؟ قال

لا؛ لأنّي أخاف أن ترى في الذي نذرت فيه ما تكره «2»

، و هذه الرواية صحيحة من أحد طريقي الكليني رواها عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن محبوب عن ابن رئاب عن زرارة «3»،

و موثّقة من طريق الشيخ في «التهذيب» رواها عن علي بن الحسن بن فضّال «4». فدلالة هاتين الروايتين على كون الصوم النذري كصيام شهر رمضان واجباً مشروطاً واضحة.

هذا كلّه فيما كان متعلّق نذره الصوم في يوم الجمعة مثلًا، فيكون وجوبه مشروطاً بالحضور. و أمّا لو كان متعلّق نذره الصوم في ذلك اليوم مقيّداً بكونه في الحضر أو في السفر مقيماً فيكون واجباً مطلقاً و خارجاً عن موضع البحث، و لا تشمله الروايتان المزبورتان.

الثاني: غير النذري المعيّن كالصوم الواجب بالإجارة في أيّامٍ مخصوصة

______________________________

(1) وسائل الشيعة 23: 310، كتاب النذر و العهد، الباب 10، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 10: 196، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 10، الحديث 3.

(3) الكافي 7: 459/ 24.

(4) تهذيب الأحكام 4: 234/ 687.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 275

[ (مسألة 7): يكره للمسافر في شهر رمضان بل كلّ من يجوز له الإفطار التملّي من الطعام و الشراب]

(مسألة 7): يكره للمسافر في شهر رمضان بل كلّ من يجوز له الإفطار التملّي من الطعام و الشراب، و كذا الجماع في النهار (45)،

______________________________

فيمكن أن يقال: إنّه يجب على الأجير الحضور و الإقامة لأجل الوفاء بعقد الإجارة و تسليم ما ملكه الموجر على ذمّة الأجير بالعقد.

(45) وجه كراهة التملّي من الطعام و الشراب لخصوص المسافر ذيل صحيحة عبد اللّٰه بن سنان قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الرجل يسافر في شهر رمضان و معه جارية له، أ فله أن يصيب منها بالنهار؟ فقال

سبحان اللّٰه أما يعرف حرمة شهر رمضان؟! إنّ له في الليل سبحاً طويلًا

، قلت: أ ليس له أن يأكل و يشرب و يقصّر؟ قال

إنّ اللّٰه تبارك و تعالى قد رخّص للمسافر في الإفطار و التقصير رحمةً و تخفيفاً لموضع التعب و النصَب و

وعث السفر، و لم يرخّص له في مجامعة النساء في السفر بالنهار في شهر رمضان، و أوجب عليه قضاء الصوم و لم يوجب عليه قضاء تمام الصلاة إذا آبَ من سفره

، ثمّ قال

و السنّة لا تقاس، و إنّي إذا سافرت في شهر رمضان ما آكل إلّا القوت و ما أشرب كلّ الريّ «1».

و وجه التعدّي في كراهة التملّي عن المسافر إلى كلّ من يجوز له الإفطار ما يظهر من الصحيحة المذكورة من حرمة شهر رمضان الموجبة لكراهة التملّي.

و أمّا الجماع: فيظهر من عدّة من الروايات عدم الترخيص فيه، بل بعضها صريح في الحرمة: منها: الصحيحة السابقة حيث قال (عليه السّلام)

و لم يرخّص له في مجامعة في السفر بالنهار في شهر رمضان.

و منها: صحيحة أُخرى لعبد اللّٰه بن سنان قال: سألته عن الرجل يأتي جاريته في شهر رمضان بالنهار في السفر، فقال:

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 206، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 13، الحديث 5.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 276

..........

______________________________

ما عرف هذا حقّ شهر رمضان، إنّ له في الليل سبحاً طويلًا «1».

و منها: صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

إذا سافر الرجل في شهر رمضان فلا يقرب النساء بالنهار في شهر رمضان؛ فإنّ ذلك محرّم عليه «2».

و كثير من الروايات صريح في الجواز و نفي البأس عن الجماع للمسافر في شهر رمضان: منها: صحيحة عمر بن يزيد بياع السابري قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الرجل يسافر في شهر رمضان، إله أن يصيب من النساء؟ قال

نعم «3».

و رواية محمّد بن سهل الأشعري عن أبيه قال: سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن رجل أتى

أهله في شهر رمضان و هو مسافر، قال

لا بأس «4»

، الراوي مجهول الحال و إن روى عنه الأعاظم؛ لأنّ مجرّد روايتهم لا يدلّ على وثاقته. و رواية عبد الملك بن عتبة الهاشمي قال: سألت أبا الحسن يعني موسى (عليه السّلام) عن الرجل يجامع أهله في السفر و هو في شهر رمضان، قال

لا بأس به «5»

، و عبد الملك بن عتبة الهاشمي مهمل في كتب الرجال. و مرسلة الحسن بن محمّد بن سماعة عن غير واحد عن أبان بن عثمان عن أبي العبّاس عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في الرجل يسافر و معه جارية في شهر رمضان هل يقع عليها؟ قال

نعم «6»

، و أبو العبّاس هو الفضل بن عبد الملك البقباق، ثقة عين. و موثّقة داود بن الحصين قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الرجل يسافر في شهر رمضان و معه جارية، أ يقع عليها؟ قال:

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 206، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 13، الحديث 6.

(2) وسائل الشيعة 10: 207، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 13، الحديث 8.

(3) وسائل الشيعة 10: 205، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 13، الحديث 1.

(4) وسائل الشيعة 10: 205، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 13، الحديث 2.

(5) وسائل الشيعة 10: 205، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 13، الحديث 3.

(6) وسائل الشيعة 10: 206، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 13، الحديث 4.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 277

بل الأحوط تركه (46)؛ و إن كان الأقوىٰ جوازه (47).

[ (مسألة 8): يجوز الإفطار في شهر رمضان لأشخاص]

(مسألة 8): يجوز الإفطار في شهر رمضان لأشخاص:

الشيخ و الشيخة إذا تعذّر (48)

______________________________

نعم «1».

و صحيحة علي بن الحكم قال: سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن الرجل يجامع أهله في السفر في شهر رمضان؟ فقال

لا بأس به «2».

و صحيحة محمّد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الرجل يقدم من سفر بعد العصر في شهر رمضان فيصيب امرأته حين طهرت من الحيض أ يواقعها؟ قال

لا بأس به «3».

(46) وجه الاحتياط قول الحلبي بالحرمة؛ لما ذكر من روايات المنع.

(47) للأدلّة المجوّزة المذكورة، و حمل أخبار المنع على الكراهة جمعاً بينها.

(48) هذه المسألة إجماعية. و يدلّ على الجواز أُمور:

الأوّل: حكم العقل بأنّ القدرة شرط التكليف فلا تكليف لمن تعذّر عليه. الثاني: قوله تعالى وَ عَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعٰامُ مِسْكِينٍ «4»؛ أي يقعون في مشقّة.

الثالث: حديث رفع ما اضطرّوا إليه و ما لا يطيقون، كما في صحيحة حريز عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) «5».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 207، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 13، الحديث 7.

(2) وسائل الشيعة 10: 207، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 13، الحديث 9.

(3) وسائل الشيعة 10: 208، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 13، الحديث 10.

(4) البقرة (2): 184.

(5) وسائل الشيعة 15: 369، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس، الباب 56، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 278

أو تعسّر عليهما الصوم (49)،

______________________________

الرابع: الروايات؛ منها: صحيحة محمّد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر (عليه السّلام) يقول

الشيخ الكبير و الذي به العطاش لا حرج عليهما أن يفطرا في شهر رمضان، و يتصدّق كلّ واحد منهما في كلّ يوم بمدّ من طعام، و لا قضاء عليهما «1».

و

منها: صحيحة أُخرى لمحمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام) في قول اللّٰه عزّ و جلّ وَ عَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعٰامُ مِسْكِينٍ قال

الشيخ الكبير و الذي يأخذه العطاش. «2»

الخبر.

و منها: صحيحة الطيالسي عن إبراهيم بن أبي زياد الكرخي قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): رجل شيخ لا يستطيع القيام إلى الخلاء لضعفه و لا يمكنه الركوع و السجود، فقال (عليه السّلام)

ليومئ برأسه إيماءً.

إلى أن قال: قلت: فالصيام؟ قال

إذا كان في ذلك الحدّ فقد وضع اللّٰه عنه، فإن كانت له مقدرة فصدقة مدّ من طعام بدل كلّ يوم أحبّ إليّ، و إن لم يكن له يسار ذلك فلا شي ء عليه «3»

، و غيرها من روايات الباب، فراجع.

(49) و يدلّ عليه مضافاً إلى أدلّة نفي الحرج صحيح عبد اللّٰه بن سنان قال: سألته عن رجل كبير ضعف عن صوم شهر رمضان، قال

يتصدّق كلّ يوم بما يجزي من طعام مسكين «4».

و رواية عبد الملك بن عتبة الهاشمي قال: سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن الشيخ الكبير و العجوز الكبيرة التي تضعف عن الصوم في شهر

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 209، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 15، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 10: 210، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 15، الحديث 3.

(3) وسائل الشيعة 10: 212، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 15، الحديث 10.

(4) وسائل الشيعة 10: 211، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 15، الحديث 5.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 279

و من به داء العطاش؛ سواء لم يقدر على الصبر أو تعسّر عليه (50)، و الحامل المقرب التي يضرّ الصوم

بها أو بولدها، و المرضعة القليلة اللبن إذا أضرّ الصوم بها أو بولدها (51)،

______________________________

رمضان، قال

تصدّق في كلّ يوم بمدّ حنطة «1».

و صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن رجل كبير يضعف عن صوم شهر رمضان، فقال

يتصدّق بما يجزي عنه طعام مسكين لكلّ يوم «2».

(50) و يدلّ عليه مضافاً إلى أدلّة رفع ما لا يطيقون و ما اضطرّوا إليه صحيحي محمّد بن مسلم السابقين، و مرسلة ابن بكير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في قول اللّٰه عزّ و جلّ وَ عَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعٰامُ مِسْكِينٍ قال

الذين كانوا يطيقون الصوم و أصابهم كبر أو عطاش أو شبه ذلك فعليهم لكلّ يوم مدّ «3».

(51) هذه المسألة إجماعية. و يدلّ عليه عموم أدلّة نفي الضرر و الحرج. و صحيح محمّد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر (عليه السّلام) يقول

الحامل المقرب و المرضع القليلة اللبن لا حرج عليهما أن تفطرا في شهر رمضان؛ لأنّهما لا تطيقان الصوم، و عليهما أن تتصدّق كلّ واحد منهما في كلّ يوم تفطر فيه بمدّ من طعام، و عليهما قضاء كلّ يوم أفطرتا فيه تقضيانه بعد «4».

و صحيح عبد اللّٰه بن مسكان عن محمّد بن جعفر قال: قلت لأبي الحسن (عليه السّلام): إنّ امرأتي جعلت على نفسها صوم

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 211، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 15، الحديث 4.

(2) وسائل الشيعة 10: 212، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 15، الحديث 9.

(3) وسائل الشيعة 10: 211، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 15، الحديث 6.

(4) وسائل الشيعة 10: 215، كتاب الصوم، أبواب من

يصح منه الصوم، الباب 17، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 280

فإنّ جميع هذه الأشخاص يفطرون، و يجب علىٰ كلّ واحد منهم التكفير بدل كلّ يوم بمُدّ من الطعام، و الأحوط مُدّان (52)،

______________________________

شهرين، فوضعت ولدها و أدركها الحبل فلم تقو على الصوم، قال

فلتصدّق مكان كلّ يوم بمدّ على مسكين «1»

، هذه الرواية صحيحة من طريق الكليني (رحمه اللّٰه) و هي واردة في خصوص الحامل.

كما أنّ بعض روايات الباب وارد في خصوص المرضعة كرواية محمّد بن إدريس في آخر «السرائر» عن علي بن مهزيار قال: كتبتُ إليه يعني علي بن محمّد (عليهما السّلام) أسأله عن امرأة ترضع ولدها و غير ولدها في شهر رمضان فيشتدّ عليها الصوم و هي ترضع حتّى يغشى عليها و لا تقدر على الصيام، أ ترضع و تفطر و تقضي صيامها إذا أمكنها، أو تدع الرضاع و تصوم؟ فإن كانت ممّن لا يمكنها اتّخاذ من يرضع ولدها فكيف تصنع؟ فكتب (عليه السّلام)

إن كانت ممّن يمكنها اتّخاذ ظئرٍ استرضعت لولدها و أتمّت صيامها، و إن كان ذلك لا يمكنها أفطرت و أرضعت ولدها و قضت صيامها متى ما أمكنها «2»

، و هذه الرواية صحيحة من طريق عبد اللّٰه بن جعفر الحميري شيخ القميين و وجههم، لا من طريق أحمد بن محمّد الجوهري الذي قال النجاشي و الشيخ في حقّه: إنّه اضطرب و اختلّ في آخر عمره.

(52) وجه وجوب مدّ واحد فيمن ذكر صحيحتا محمّد بن مسلم: إحداهما وردت في الشيخ الكبير و ذي العطاش، قال (عليه السّلام)

و يتصدّق كلّ واحد منهما في كلّ يوم بمدّ من طعام «3».

و الأُخرى في الحامل المقرب و المرضعة القليلة اللبن،

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 216،

كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 15، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 10: 216، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 17، الحديث 3.

(3) وسائل الشيعة 10: 209، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 15، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 281

..........

______________________________

قال (عليه السّلام)

و عليهما أن تتصدّق كلّ واحد منهما في كلّ يوم تفطر فيه بمدّ من طعام «1»

، و غيرهما من روايات الباب الخامس عشر و السابع عشر من أبواب من يصحّ منه الصوم، فراجع.

و الأحوط استحباباً مدّان من طعام، و وجه الاحتياط ما رواه الشيخ (رحمه اللّٰه) في الصحيح بإسناده عن سعد بن عبد اللّٰه الأشعري القمي عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب عن جعفر بن بشير و محمّد بن عبد اللّٰه بن هلال جميعاً عن العلاء بن رزين عن محمّد بن مسلم قال: سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) يقول

الشيخ الكبير و الذي به العطاش لا حرج عليهما أن يفطرا في شهر رمضان، و يتصدّق كلّ واحد منهما في كلّ يوم بمدّين من طعام و لا قضاء عليهما، و إن لم يقدرا فلا شي ء عليهما «2»

، و هذه الرواية صحيحة من طريق جعفر بن بشير البجلي الوشّاء فإنّه ثقة، و إن كانت ضعيفة من طريق محمّد بن عبد اللّٰه بن هلال فإنّه مهمل في كتب الرجال.

و نسب إلى أبي الصلاح القول باستحباب التكفير، و استدلّ عليه بالصحيح عن إبراهيم بن أبي زياد الكرخي قال: قلت لأبي عبد الهّٰر (عليه السّلام): رجل شيخ لا يستطيع القيام إلى الخلاء لضعفه و لا يمكنه الركوع و السجود، فقال

ليومئ برأسه إيماءً.

إلى أن قال: قلت: فالصيام؟ قال

إذا

كان في ذلك الحد فقد وضع اللّٰه عنه، فإن كانت له مقدرة فصدقة مدّ من طعام بدل كلّ يوم أحبّ إليّ و إن لم يكن له يسار ذلك فلا شي ء عليه «3».

وجه الاستدلال: التعبير بقوله

أحبّ إليّ

الظاهر في الاستحباب. و فيه: أنّ الأحبّية لا تنافي الوجوب، و الروايات الدالّة على وجوب التكفير قرينة على حمل الأحبّ على خلاف ظاهره و أنّ صدقة مدّ من

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 215، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 17، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 10: 210، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 15، الحديث 2.

(3) وسائل الشيعة 10: 212، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 15، الحديث 10.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 282

عدا الشيخين و ذي العطاش في صورة تعذّر الصوم عليهم، فإنّ وجوب الكفّارة عليهم محلّ إشكال، بل عدمه لا يخلو من قوّة (53)،

______________________________

الطعام أحبّ إليّ من العصيان و ترك الصدقة.

(53) اختلف فقهاؤنا في اختصاص وجوب الكفّارة بمن يتمكّن من الصوم مع مشقّة من الشيخ و الشيخة و ذي العطاش، أو أنّه لا يختصّه بل يعمّ من يتعذّر عليه الصوم؟ الظاهر من الآية الشريفة وَ عَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعٰامُ مِسْكِينٍ الاختصاص بمن يشقّ عليه الصوم و لا تشمل من يتعذّر، فلا شي ء عليه.

و تدلّ عليه رواية عبد الملك بن عتبة الهاشمي المتقدّمة «1»، و صحيحة عبد اللّٰه بن سنان «2»، و صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) «3» المذكورتين، حيث إنّ موضوع وجوب المدّ في هذه الروايات هو الضعيف المقابل للقوي؛ أي من يشقّ عليه الصوم لا العاجز المتعذّر عليه.

و قد ورد بعض الروايات في تفسير الآية

المزبورة، كمرسلة ابن بكير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) «4» و صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام) «5» المتقدّمتين حيث فسّر (عليه السّلام) الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ بالشيخ الكبير و الذي يأخذه العطاش، و يكون هذا التفسير قرينة على أنّ المراد من عدم الاستطاعة هو الإطاقة لا العجز، كما في رواية أبي بصير قال: سألته عن قول اللّٰه عزّ و جلّ:

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 211، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 15، الحديث 4.

(2) وسائل الشيعة 10: 211، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 15، الحديث 5.

(3) وسائل الشيعة 10: 212، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 15، الحديث 9.

(4) وسائل الشيعة 10: 211، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 15، الحديث 6.

(5) وسائل الشيعة 10: 210، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 15، الحديث 3.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 283

..........

______________________________

وَ عَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعٰامُ مِسْكِينٍ، قال

هو الشيخ الكبير الذي لا يستطيع و المريض «1»

، و عليه يحمل خبر آخر عن أبي بصير قال: قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام)

أيّما رجل كان كبيراً لا يستطيع الصيام. «2»

الخبر، و الخبر ضعيف سنداً بعلي و هو ابن أبي حمزة البطائني الذي أنكر موت أبي الحسن (عليه السّلام) ليمتنع عن إعطاء أمواله التي عنده إلى علي بن موسى الرضا (عليه السّلام). و صحيح محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام) و إن كان مطلقاً شاملًا للشيخ العاجز عن الصوم أيضاً حيث قال (عليه السّلام)

الشيخ الكبير و الذي به العطاش لا حرج عليهما. «3»

________________________________________

بنى فضل، مرتضى بن سيف على، مدارك تحرير الوسيلة

- الصوم، در يك جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، تهران - ايران، اول، 1422 ه ق

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم؛ ص: 283

الخبر لكنّه يحمل على من لا يطيقه بقرينة الأخبار المتقدّمة.

نعم بعض روايات الباب يدلّ على وجوب التصدّق على غير القادر و هو العاجز الغير المتمكّن كرواية أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قلت له: الشيخ الكبير لا يقدر أن يصوم، فقال

يصوم عنه بعض ولده

، قلت: فإن لم يكن له ولد؟ قال

فأدنى قرابته

، قلت: فإن لم يكن قرابة؟ قال

يتصدّق بمدّ في كلّ يوم، فإن لم يكن عنده شي ء فليس عليه «4».

و فيه أوّلًا: أنّ السند ضعيف بيحيى بن المبارك المهمل في كتب الرجال. و ثانياً: أنّه لم يقل أحد بأن يصوم عن الشيخ الكبير الغير القادر على صوم شهر رمضان بعض ولده أو أدنى قرابته.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 212، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 15، الحديث 7.

(2) وسائل الشيعة 10: 213، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 15، الحديث 12.

(3) وسائل الشيعة 10: 209، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 15، الحديث 1.

(4) وسائل الشيعة 10: 213، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 15، الحديث 11.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 284

كما أنّه على الحامل المقرب و المرضعة القليلة اللبن إذا أضرّ بهما لا بولدهما محلّ تأمّل (54).

______________________________

(54) يعني أنّ وجوب التصدّق بمدّ على الحامل المقرب و المرضعة القليلة اللبن مسلّم فيما إذا أضرّ الصوم بولدهما لا بنفسهما؛ أمّا اعتبار الإضرار بالولد في الحامل فلتقييدها بالمقرب في صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة «1»

على ما قيل في بعض تعاليق «العروة الوثقى» و أمّا اعتباره في المرضعة القليلة اللبن فيمكن استفادته من تقييد المرضع بالقليلة اللبن؛ فإنّ قلّة اللبن مع الصوم توجب الإضرار بالولد.

و قد صرّح بالخوف على الولد في رواية «تفسير العيّاشي» عن رفاعة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في قول اللّٰه عزّ و جلّ وَ عَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعٰامُ مِسْكِينٍ، قال

المرأة تخاف على ولدها و الشيخ الكبير «2».

و أمّا فيما أضرّ الصوم بنفسهما فقد تأمّل المصنّف (رحمه اللّٰه) في وجوب التصدّق عليهما، و لعلّه لعدم دليل واضح عليه؛ فعليهما الإفطار للإضرار ثمّ القضاء، من غير وجوب التصدّق بشي ء عليهما، هذا.

و لا يخفى: أنّ التعبير في رواية محمّد بن جعفر عن أبي الحسن (عليه السّلام) بقوله: فوضعت ولدها و أدركها الحبل فلم تقو على الصوم «3»، يظهر منه أنّ الحمل قد أدركها بعد وضع الحمل بفاصلة مدّة لم تحصل لها فيها قوّة المزاج بحيث تقوىٰ على الصوم، و بالجملة: فقد أضرّ الصوم بنفسها. كما أنّه من المحتمل قوياً أن يكون

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 215، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 17، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 10: 212، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 15، الحديث 8.

(3) وسائل الشيعة 10: 216، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 17، الحديث 2.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 285

[ (مسألة 9): لا فرق في المرضعة بين أن يكون الولد لها أو متبرّعة برضاعه أو مستأجرة]

(مسألة 9): لا فرق في المرضعة بين أن يكون الولد لها أو متبرّعة برضاعه أو مستأجرة (55)،

______________________________

الضرر و المشقّة متوجّهين إلى الأُمّ أزيد بمراتب من الولد في الحامل المقرب، فتقييد الحامل بالمقرب لا يكون دليلًا على اختصاص وجوب التصدّق بصورة الإضرار على

خصوص الولد، هذا في الحامل.

و أمّا المرضعة: فقد يستفاد من رواية محمّد بن إدريس في آخر «السرائر» المتقدّمة من قول السائل: «فيشتدّ عليها الصوم و هي ترضع حتّى يغشى عليها و لا تقدر على الصيام» «1» أنّ عروض الغشوة على المرضعة ضرر بنفسها مسلّماً، و لكن الرواية لم تتعرّض لوجوب الكفّارة عليها.

و الأقوى عندي وجوب الكفّارة عليهما فيما أضرّ الصوم بنفسهما؛ لصحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام) المتقدّمة. و يستفاد هذا من قوله (عليه السّلام)

لأنّهما لا تطيقان الصوم، و عليهما أن تتصدّق كلّ واحد منهما في كلّ يوم تفطر فيه بمدّ من طعام

، حيث إنّ الصوم إضرار بهما و لا تطيقانه.

(55) لا دليل على اختصاص المرضعة بخصوص الامّ بل إطلاق المرضع في النصوص يشمل غير الامّ؛ سواءٌ كان إرضاعها تبرّعاً أو في مقابل الأُجرة. و قد ورد في بعض الروايات التصريح بإرضاع غير الولد، كما في رواية محمّد بن إدريس عن عبد اللّٰه بن جعفر الحميري عن علي بن مهزيار المتقدّمة قال: كتبتُ إليه يعني علي بن محمّد (عليه السّلام) أسأله عن امرأة ترضع ولدها و غير ولدها في شهر رمضان «2». الخبر.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 216، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 17، الحديث 3.

(2) نفس المصدر.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 286

و الأحوط الاقتصار علىٰ صورة عدم وجود من يقوم مقامها في الرضاع تبرّعاً، أو بأُجرة من أبيه أو منها أو من متبرّع (56).

[ (مسألة 10): يجب على الحامل و المرضعة القضاء بعد ذلك]

(مسألة 10): يجب على الحامل و المرضعة القضاء بعد ذلك (57)، كما أنّ الأحوط وجوبه على الأوّلين لو تمكّنا بعد ذلك (58).

______________________________

(56) الاقتصار في جواز إفطار المرضعة على صورة انحصار الإرضاع فيها و

عدم وجود من يقوم مقامها هو الأقوى.

و يدلّ عليه صحيح محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام) حيث علّل (عليه السّلام) جواز الإفطار فيها للمرضعة بعدم الطاقة على الصوم

لأنّهما لا تطيقان الصوم «1»

، و معلوم أنّ عدم الطاقة عليه إنّما هو فيما لم يقم مقامها من ترضعها، و مع وجودها تطيق الصوم بلا كلام. و رواية محمّد بن إدريس المتقدّمة حيث قال: فكتب (عليه السّلام)

إن كانت ممّن يمكنها اتّخاذ ظئر استرضعت لولدها و أتمّت صيامها، و إن كان ذلك لا يمكنها أفطرت و أرضعت ولدها و قضت صيامها متى أمكنها.

(57) و ذلك لصحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة حيث قال (عليه السّلام)

و عليهما قضاء كلّ يوم أفطرتا فيه تقضيانه بعد

، و ذيل رواية محمّد بن إدريس المتقدّمة حيث كتب (عليه السّلام)

و إن كان ذلك لا يمكنها أفطرت و أرضعت و قضت صيامها متى أمكنها.

(58) وجه الاحتياط فتوى المشهور بوجوب القضاء استناداً إلى عموم أدلّة وجوب قضاء الفوائت.

و الأقوى عندي: عدم وجوب القضاء و إن تمكّنا منه بعد ذلك؛ و ذلك للآية

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 215، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 17، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 287

..........

______________________________

الشريفة وَ عَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعٰامُ مِسْكِينٍ حيث أوجبت عليهم الفدية، في قبال الفريقين الواجب على أحدهما الصيام في الشهر فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ و على الآخر القضاء فَمَنْ كٰانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّٰامٍ أُخَرَ. و لصحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام) حيث نفى عنهما القضاء صريحاً

و لا قضاء عليهما «1».

و يمكن استفادة إجزاء المدّ عن الصوم من صحيحتي عبد اللّٰه

بن سنان و الحلبي قال

يتصدّق كلّ يوم بما يجزي عنه طعام مسكين لكلّ يوم «2».

و قد ورد في صحيح الطيالسي عن الكرخي في خصوص الشيخ الكبير أنّه

إذا كان في ذلك الحدّ فقد وضع اللّٰه عنه «3»

؛ أي لم يوضع عليه قلم تكليف الصوم.

و يمكن الاستئناس للمطلب أيضاً من رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) حيث حصّر بكلمة «إنّما» وظيفة الشيخ الكبير في الفدية، كالمريض من رمضان إلى رمضان

فإنّما عليه لكلّ يوم أفطر فيه فدية إطعام «4».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 209، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 15، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 10: 211، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 15، الحديث 5 و 9.

(3) وسائل الشيعة 10: 212، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 15، الحديث 10.

(4) وسائل الشيعة 10: 213، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 15، الحديث 12.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 288

[القول في طريق ثبوت هلال شهر رمضان و شوّال]

اشارة

القول في طريق ثبوت هلال شهر رمضان و شوّال يثبت الهلال بالرؤية (1)

______________________________

(1) يثبت الهلال بطرق مختلفة بعضها يوجب العلم بثبوته؛ و هي أُمورٌ أربعة:

الأوّل: رؤية المكلّف نفسه؛ فمن رأى هلال شهر رمضان يجب عليه صومه، و من رأى هلال شوّال يجب عليه الإفطار.

و الأخبار الواردة فيه في حدّ التواتر، نذكر بعضها:

منها: صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: إنّه سئل عن الأهلّة، فقال

هي أهلّة الشهور، فإذا رأيت الهلال فصم و إذا رأيته فأفطر «1».

و منها: صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

إذا رأيتم الهلال فصوموا و إذا رأيتموه فأفطروا، و ليس بالرأي و لا بالتظنّي و

لكن بالرؤية «2».

و منها: صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) أنّه قال

صم لرؤية

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 252، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 3، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 10: 252، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 3، الحديث 2.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 289

و إن تفرّد به الرائي (2)،

______________________________

الهلال و أفطر لرؤيته، و إن شهد عندك شاهدان مرضيان بأنّهما رأياه فاقضه «1».

و منها: صحيحة محمّد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

قال أمير المؤمنين (عليه السّلام): إذا رأيتم الهلال فأفطروا «2»

، محمّد بن قيس مشترك بين أبي عبد اللّٰه البجلي هو ثقة عين، و بين أبي نصر الأسدي و هو ثقة ثقة، و يمتاز البجلي عن الأسدي برواية يوسف بن عقيل البجلي الثقة، كما يمتاز الأسدي برواية ابن أبي عمير عنه.

و منها: موثّقة إسحاق بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) أنّه قال

في كتاب علي (عليه السّلام): صم لرؤيته و أفطر لرؤيته، و إيّاك و الشكّ و الظنّ، فإن خفي عليكم فأتمّوا الشهر الأوّل ثلاثين «3»

، و غيرها من روايات الباب.

(2) و يدلّ عليه مضافاً إلى إطلاق الروايات المتقدّمة صحيح علي بن جعفر أنّه سأل أخاه موسى بن جعفر (عليه السّلام) عن الرجل يرى الهلال في شهر رمضان وحده لا يبصره غيره، إله أن يصوم؟ قال

إذا لم يشكّ فليفطر، و إلّا فليصم «4»

؛ أي يرى هلال شوّال في آخر يوم من شهر رمضان.

و صحيح آخر لعلي بن جعفر في كتابه عن أخيه (عليه السّلام) قال: سألته عمّن يرى هلال شهر رمضان وحده لا يبصره غيره، إله أن يصوم؟ فقال

إذا لم

يشكّ فيه

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 254، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 3، الحديث 8.

(2) وسائل الشيعة 10: 254، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 3، الحديث 10.

(3) وسائل الشيعة 10: 255، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 3، الحديث 11.

(4) وسائل الشيعة 10: 260، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 4، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 290

و التواتر و الشياع المفيدين للعلم (3)،

______________________________

فليصم وحده، و إلّا يصوم مع الناس إذا صاموا «1».

لا يخفى: أنّ وجوب الصوم و الإفطار على من تفرّد بالرؤية متّفق عليه عند الأصحاب و جماعة من العامّة، كمالك و الليث و الشافعي و ابن المنذر و أصحاب الرأي. و قال عطاء و الحسن و ابن سيرين و إسحاق: إذا انفرد الواحد برؤية الهلال لا يصوم، فلو أفطر متعمّداً من رآه وحده وجبت عليه الكفّارة عندنا، و قال أبو حنيفة: لا تجب لأنّها عقوبة، فلا يجب بفعل مختلف فيه كالحدّ. و فيه: أنّ الكفّارة ليست عقوبة و لا تقاس على الحدّ؛ لسقوطه بالتوبة بخلاف الكفّارة.

(3) الثاني و الثالث من الأُمور الموجبة للعلم بثبوت الهلال التواتر و الشياع:

لا كلام و لا إشكال في حجّية التواتر شرعاً و عند العقلاء في الأحكام و الموضوعات. و تدلّ عليه رواية عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن هلال رمضان يغمّ (يخفى) علينا في تسع و عشرين من شعبان، فقال

لا تصم ذلك اليوم إلّا أن يقضي أهل الأمصار، فإن فعلوا فصُمه «2»

، و يحتمل قويّاً أن تكون هذه الرواية دليلًا على ثبوت الهلال بالشياع؛ إذ لا أخبار فيه غيرها.

و يدلّ على ثبوته

بالشياع موثّق عبد الحميد الأزدي الخفّاف قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): أكون في الجبل في القرية فيها خمسمائة من الناس، فقال

إذا

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 216، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 4، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 7: 212، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 12، الحديث 3، (ط. مكتبة الإسلامية).

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 291

و مُضيّ ثلاثين يوماً من الشهر السابق (4)،

______________________________

كان كذلك فصم لصيامهم و أفطر لفطرهم «1»

، و في سند الرواية علي بن محمّد بن يعقوب حسنٌ لو لم يكن ثقة، و عبد الحميد الأزدي قد حسّنه النجاشي، و علي بن الحسن هو ابن الفضّال؛ و لذا وصفنا الخبر بالموثّق.

و صحيح عيص بن القاسم أنّه سأل أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الهلال إذا رآه القوم جميعاً فاتّفقوا أنّه لليلتين، أ يجوز ذلك؟ قال

نعم «2».

و موثّقة سماعة أنّه سأل أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن اليوم في شهر رمضان يختلف فيه، قال

إذا اجتمع أهل مصر على صيامه للرؤية فاقضه إذا كان أهل مصر خمسمائة إنسان «3».

(4) و يدلّ عليه صحيح محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام) في حديث قال

و إذا كانت علّة فأتمّ شعبان ثلاثين «4».

و صحيح محمّد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

قال أمير المؤمنين (عليه السّلام): إذا رأيتم الهلال فأفطروا أو شهد عليه عدل من المسلمين.

إلى أن قال

و إن غمّ عليكم فعدّوا ثلاثين ليلة ثمّ أفطروا «5»

، و قوله (عليه السّلام)

عدل من المسلمين

للجنس المراد به عدلان؛ لأنّ العدل الواحد لا يثبت الهلال بشهادته.

و موثّق إسحاق بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في حديث

قال

إن خفي

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 293، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 12، الحديث 3.

(2) وسائل الشيعة 10: 293، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 12، الحديث 5.

(3) وسائل الشيعة 10: 294، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 12، الحديث 6.

(4) وسائل الشيعة 10: 263، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 5، الحديث 5.

(5) وسائل الشيعة 10: 264، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 5، الحديث 11.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 292

و بالبيّنة الشرعيّة، و هي شهادة عدلين (5)،

______________________________

عليكم فأتمّوا الشهر الأوّل ثلاثين «1».

و موثّق عمرو بن خالد أبي خالد الواسطي عن أبي جعفر (عليه السّلام) في حديث قال

إنّ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) قال: إذا خفي الشهر فأتمّوا العدّة شعبان ثلاثين يوماً و صوموا الواحد و ثلاثين. «2»

الخبر. و اختلف في أبي خالد الواسطي أنّه عامّي أو شيعي إمامي أو شيعي زيدي، الحقّ هو الأخير. و في رجال الأردبيلي: و ذكر ابن فضّال أنّ عمرو بن خالد ثقة.

(5) في المسألة أقوال: قيل: لا تقبل شهادة العدلين في ثبوت الهلال، و في «الجواهر»: و لكن لم نعرف قائله، و قال الصدوق و الشيخ و جماعة من القدماء كأبناء زهرة و حمزة و البرّاج و أبي الصلاح: تقبل فيما كانت في السماء علّة، و مع عدمها يثبت الهلال بشهادة خمسين.

و يظهر الميل إلى هذا القول من صاحب «الحدائق» (رحمه اللّٰه)؛ و ذلك لخبر حبيب الخزاعي «3» هذا بناءً على ضبط «معجم رجال الحديث» و أنّ يونس روى عنه أو الجماعي بناءً على ضبط صاحب «الجواهر» (رحمه اللّٰه) و كيف كان: فالرواية على فرض

صحّة سندها محمول على اعتبار الخمسين إذا لم يحصل الشياع بالأقلّ منه.

و الأقوى عندنا وفاقاً للمشهور ثبوت الهلال بشهادة عدلين.

و تدلّ عليه مضافاً إلى إطلاق ما دلّ على قبول شهادة العدلين؛ كموثّقة

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 265، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 5، الحديث 12.

(2) وسائل الشيعة 10: 266، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 5، الحديث 16.

(3) وسائل الشيعة 10: 290، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 11، الحديث 13.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 293

..........

______________________________

مسعدة بن صدقة

كلّ شي ء هو لك حلال حتّى تعلم أنّه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك، و ذلك مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته و هو سرقة، أو المملوك عندك و لعلّه حرّ قد باع نفسه، أو خدع فبيع قهراً، أو امرأة تحتك و هي أُختك أو رضيعتك، و الأشياء كلّها على هذا حتّى يستبين لك غير ذلك أو تقوم به البيّنة «1».

و قوله (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)

إنّما أقضي بينكم بالبيّنات و الايمان «2»

، و معلوم قطعاً أنّه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) كان يقضي بالبيّنة الشرعية المعروفة؛ و هي شهادة رجلين عدلين أو شهادة عادل واحد و امرأتين عادلتين، و سيأتي عدم ثبوت الهلال بشهادة الامرأة مطلقاً الأخبار المستفيضة:

منها: صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)

إنّ علياً (عليه السّلام) كان يقول: لا أُجيز في الهلال إلّا شهادة رجلين عدلين «3».

و منها: صحيحة حمّاد بن عثمان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

قال أمير المؤمنين (عليه السّلام): لا يجوز شهادة النساء في الهلال، و لا يجوز إلّا شهادة رجلين عدلين «4».

و منها: صحيحة منصور بن حازم

عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) أنّه قال

صم لرؤية الهلال و أفطر لرؤيته، فإن شهد عندكم شاهدان مرضيان بأنّهما رأياه فاقضه «5».

و منها: صحيحة شعيب بن يعقوب العقرقوفي عن أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) أنّه سأل عن اليوم الذي يقضي من شهر رمضان، فقال

لا يقضه، إلّا أن يثبت شاهدان عدلان من جميع أهل الصلاة متى

______________________________

(1) وسائل الشيعة 17: 89، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 4، الحديث 4.

(2) وسائل الشيعة 27: 232، كتاب القضاء، أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى، الباب 2، الحديث 1.

(3) وسائل الشيعة 10: 286، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 11، الحديث 1.

(4) وسائل الشيعة 10: 287، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 11، الحديث 3.

(5) وسائل الشيعة 10: 287، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 11، الحديث 4.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 294

و حكم الحاكم (6)،

______________________________

كان رأس الشهر «1».

و منها: صحيحة محمّد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

قال أمير المؤمنين (عليه السّلام): إذا رأيتم الهلال فأفطروا أو شهد عليه بيّنة عدل من المسلمين «2».

و منها: صحيحة أُخرى للحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

قال علي (عليه السّلام): لا تقبل شهادة النساء في رؤية الهلال إلّا شهادة رجلين عدلين «3».

و منها: صحيحة شعيب بن يعقوب عن جعفر عن أبيه (عليه السّلام)

إنّ علياً (عليه السّلام) قال: لا أُجيز في الطلاق و لا في الهلال إلّا رجلين «4».

و منها: صحيحة عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سمعته يقول

لا تصم إلّا للرؤية أو يشهد شاهدا عدل «5».

و منها: مرفوعة أحمد بن محمّد

بن عيسى عن أبيه رفعه قال

قضى رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) بشهادة الواحد و اليمين في الدين، و أمّا الهلال فلا إلّا بشاهدي عدل «6»

، و غيرها من روايات الباب.

(6) اختلف في ثبوت الهلال بحكم الحاكم الشرعي؛ المشهور و هو المختار ثبوته به، قال في «الدروس»: و هل يكفي قول الحاكم وحده في ثبوت الهلال؟ الأقرب نعم «7»، انتهى. و به قال صاحب «الجواهر» (رحمه اللّٰه) و «العروة الوثقى»

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 287، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 11، الحديث 5.

(2) وسائل الشيعة 10: 288، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 11، الحديث 6.

(3) وسائل الشيعة 10: 288، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 11، الحديث 7.

(4) وسائل الشيعة 10: 289، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 11، الحديث 9.

(5) وسائل الشيعة 10: 292، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 11، الحديث 16.

(6) وسائل الشيعة 10: 292، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 11، الحديث 17.

(7) الدروس الشرعية 1: 286.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 295

..........

______________________________

و أكثر المحشّين لها؛ و منهم المصنّف (رحمه اللّٰه).

و استدلّ عليه بإطلاق ما دلّ على نفوذ حكم الحاكم، كما في مقبولة عمر بن حنظلة قال (عليه السّلام)

فإنّي قد جعلته عليكم حاكماً، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فإنّما استخفّ بحكم اللّٰه، و علينا ردّه «1».

و في التوقيع الشريف بخطّ مولانا صاحب الزمان أرواحنا لتراب مقدمه الفداء إلى إسحاق بن يعقوب

أمّا ما سألت عنه أرشدك اللّٰه و ثبّتك.

إلى أن قال (عليه السّلام)

و أمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنّهم حجّتي عليكم و أنا حجّة

اللّٰه «2»

، وجه الاستدلال بالمقبولة و التوقيع: أنّه (عليه السّلام) جعل الحاكم الشرعي حجّة و نزّله منزلة نفسه و أمر بإنفاذ حكمه. و المورد في المقبولة و إن كان هو الترافع و المنازعة و لكن الجعل و التنزيل منزلته له إطلاق يشمل جميع موارد الحكم؛ و منها الهلال الذي هو من أهمّ ما يرجع المسلمون فيه إلى الحاكم في خصوص أوّل شهر رمضان و شوّال بالنسبة إلى الفطر الذي هو عيد جميع طبقات المسلمين، و أوّل ذي الحجّة بالنسبة إلى مراسم عبادة الحجّ و العيد الأضحى، كما لا يخفى.

و استدلّ أيضاً بصحيحة محمّد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

إذا شهد عند الإمام شاهدان أنّهما رأيا الهلال منذ ثلاثين يوماً أمر الإمام بإفطار ذلك اليوم إذا كانا شهدا قبل زوال الشمس، و إن شهدا بعد زوال الشمس أمر الإمام بإفطار ذلك اليوم و أخّر الصلاة إلى الغد فصلّى بهم «3»

، و مورد هذه الصحيحة و إن كان حكم خصوص الإمام (عليه السّلام) لكن الفقيه الجامع للشرائط له الولاية المطلقة و بالكلّية

______________________________

(1) وسائل الشيعة 27: 136، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي، الباب 11، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 27: 140، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي، الباب 11، الحديث 9.

(3) وسائل الشيعة 10: 275، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 6، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 296

..........

______________________________

لجامعة المسلمين في أقطار العالم، فله ما للإمام (عليه السّلام) من الوظائف المربوطة بالجوامع على ما حقّقناه في مسألة ولاية الفقيه في زمن الغيبة. و لا فرق في مستند الحاكم بين علمه بثبوت الهلال الحاصل من رؤية نفسه أو من التواتر و الشياع، و بين

البيّنة القائمة عنده من شهادة عدلين.

قال صاحب «الجواهر» (رحمه اللّٰه) و نعم ما قال كما أنّ الظاهر ثبوته بحكم الحاكم المستند إلى علمه؛ لإطلاق ما دلّ على نفوذه و أنّ الرادّ عليه كالرادّ عليهم:، من غير فرق بين موضوعات المخاصمات و غيرها كالعدالة و الفسق و الاجتهاد و النسب و نحوها. إلى أن قال (رحمه اللّٰه) في ردّ من قال بعدم ثبوت الهلال بحكم الحاكم: إنّه منافٍ لإطلاق الأدلّة و تشكيك فيما يمكن تحصيل الإجماع عليه؛ خصوصاً في أمثال هذه الموضوعات العامّة التي هي من المعلوم الرجوع فيها إلى الحكّام، كما لا يخفى على من له خُبرة بالشرع و سياسته «1»، انتهى.

و القائلون بعدم ثبوت الهلال بحكم الحاكم و منهم النراقي (رحمه اللّٰه) في «مستند الشيعة» و السيّد الخوئي (رحمه اللّٰه) في حاشيته على «العروة الوثقى» يقولون بأنّ صحيحة محمّد بن قيس موردها الإمام المعصوم (عليه السّلام)، فلا يتعدّى منه إلى الفقيه الجامع للشرائط، و أنّه لا ولاية مطلقة للفقيه في زمن الغيبة، و أنّ المقبولة و التوقيع الشريف و نظائرهما موردها الترافع و التخاصم. و حكم الحاكم و الفقيه القاضي نافذ، و يجب اتّباعه في خصوص المرافعة لا مطلقاً.

و الجواب ظاهر ممّا قدّمناه في الاستدلال على المختار.

و يظهر من صاحب «المدارك» التردّد في المسألة حيث اكتفى بنقل القولين و ذكر دليل الطرفين، فراجع.

______________________________

(1) جواهر الكلام 16: 359 360.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 297

إذا لم يعلم خطؤه و لا خطأ مستنده (7). و لا اعتبار بقول المنجّمين (8)،

______________________________

و قال صاحب «الحدائق» (رحمه اللّٰه): نعم للقائل أن يقول: إذا ثبت ذلك لإمام الأصل ثبت لنائبه لحقّ النيابة، إلّا أنّه لا يخلو أيضاً من شوب

الإشكال؛ لعدم الوقوف على دليل لهذه الكلّية. إلى أن قال: و بالجملة فالمسألة عندي موضع توقّف و إشكال؛ لعدم الدليل الواضح في وجوب الأخذ بحكم الحاكم بحيث يشمل موضع النزاع «1»، انتهى.

(7) لا إشكال في أنّ حكم الحاكم بناءً على ثبوت الهلال به من جملة طرق الثبوت، و معلوم أنّ طريقية الطريق منوطةٌ بعدم انكشاف الخلاف، فإذا علمنا بخطإ الحاكم أو خطأ مستنده فلا يكون حكمه حجّة شرعية، و ذلك واضح.

(8) هذه المسألة مشهورة شهرة عظيمة، بل لم نعرف الخلاف من الأصحاب، و به قال أكثر العامّة. و قد حصر طرق ثبوت الهلال في الروايات في الرؤية الحاصلة لنفس الرائي أو الثابتة له بالشياع أو التواتر و شهادة عدلين و عدّ الثلاثين، و لا دليل على ثبوته بغيرها. فمع عدم وجود واحد من الطرق المذكورة فمقتضى الأصل عدم ثبوته.

و القائلون بثبوته به احتجّوا بقوله تعالى وَ عَلٰامٰاتٍ وَ بِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ «2»، و بأنّ النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) قال

فإن غمّ عليكم فاقدروا له «3»

، و التقدير إنّما هو معرفة التسيير و المنازل؛ و لذلك رجعنا إلى الكواكب و المنازل في القبلة و الأوقات، و هي أُمور شرعية رتّب الشارع عليها أُموراً كثيرة، و بأنّ القبلة ثبت به.

______________________________

(1) الحدائق الناضرة 13: 260.

(2) النحل (16): 16.

(3) راجع صحيح مسلم 2: 458/ 6، 7، 8.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 298

و لا بتطوّق الهلال (9)

______________________________

و فيه: أنّ الآية تدلّ على أنّ النجم وسيلة للهداية في الطرق البرّية و البحرية و نحن نقول به، و الحديث على فرض وروده و صحّة سنده لعلّ المراد منه تقدير الشهر ثلاثين عند قوم و تسعة و

عشرين عند آخر بحسب اختلاف افقهم. و حكي عن أهل اللغة أنّ الإقدار و التقدير بمعنى واحد، و راجع إلى صحيح مسلم في بيان المراد من الحديث.

و أمّا القبلة فيكفي في ثبوته الظنّ؛ و ذلك لصحيحة زرارة قال: قال أبو جعفر (عليه السّلام)

يجزئ التحرّي أبداً إذا لم يعلم أين وجه القبلة «1».

بخلاف الهلال فلا يثبت بالظنّ؛ للنهي عنه في صحيحة إبراهيم بن عثمان الخزّاز عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قلت له: كم يجزي في رؤية الهلال؟ فقال

إنّ شهر رمضان فريضة من فرائض اللّٰه؛ فلا تؤدّوا بالتظنّي، و ليس رؤية الهلال أن يقوم عدّة فيقول واحد: قد رأيته، و يقول الآخرون: لم نره، إذا رآه واحدٌ رآه مائة و إذا رآه مائة رآه ألف، و لا يجزي في رؤية الهلال إذا لم يكن في السماء علّة أقلّ من شهادة خمسين، و إذا كانت في السماء علّة قبلت شهادة رجلين يدخلان و يخرجان من مصر «2».

(9) أي بظهور نوره في جرمه مستديراً. المشهور عند أصحابنا شهرة عظيمة عدم ثبوت الهلال بتطوّقه؛ لعدم الدليل عليه سوى صحيحة مرازم بن حكيم الساباطي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

إذا تطوّق الهلال فهو لليلتين، و إذا رأيت ظلّ

______________________________

(1) وسائل الشيعة 4: 307، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 6، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 10: 289، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 11، الحديث 10.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 299

أو غيبوبته بعد الشفق؛ في ثبوت كونه للّيلة السابقة و إن أفاد الظنّ (10).

______________________________

رأسك فيه فهو لثلاث «1».

و هذه الرواية معرض عنها عند الأصحاب. و قال الصدوق في «الفقيه» و الخراساني في «الذخيرة» بثبوته به للصحيحة

المذكورة، و اختاره السيّد الخوئي (رحمه اللّٰه) في «مستند العروة الوثقى» قائلًا بأنّ إعراض المشهور غير مؤثِّر مع وجود خبر صحيح في المسألة، و أنّ الصحيحة تحكي عن أمر تكويني و أنّ التطوّق يكشف بطور القطع عن أنّ الهلال لليلتين، و هو بحسب طبيعة فلك القمر يتحقّق في الليلة الثانية؛ فلا يمكن تحقّقه في الليلة الأُولى، كما أنّ رؤية ظلّ الرأس لا يحصل في الليلة الثانية. و نسب إلى الشيخ في «التهذيب» ثبوت الهلال بالتطوّق فيما إذا كان في السماء علّة من غيم أو ما يجري مجراه، و لا دليل له على هذا التقييد.

(10) المراد من الشفق بقية ضوء الشمس و حمرتها بعد الغروب أوّل الليل.

اختلف في أنّ غيبوبة الهلال بعد زوال الشفق هل تثبت كونه لليلتين كما أنّ غيبوبته قبل الشفق علامة كونه لليلة، أو لا تثبته؟

قال الصدوق في «المقنع» «2» بالأوّل، قال: و اعلم أنّ الهلال إذا غاب قبل الشفق فهو لليلة، و إذا غاب بعد الشفق فهو لليلتين، و إذا رؤي فيه ظلّ الرأس فهو لثلاث ليالٍ. و لم يأت (رحمه اللّٰه) بدليله.

و قال صاحب «الجواهر» (رحمه اللّٰه) «3»: و لعلّه لقول الصادق (عليه السّلام) في خبر إسماعيل

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 281، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 9، الحديث 2.

(2) المقنع: 183.

(3) جواهر الكلام 16: 365.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 300

..........

______________________________

ابن الحرّ و في «الوسائل»: إسماعيل بن الحسن بحر «1» عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

إذا غاب الهلال قبل الشفق فهو لليلة، و إذا غاب بعد الشفق فهو لليلتين «2».

و فيه: أنّ الرواية ضعيفة سنداً؛ لعدم ذكر إسماعيل بن بحر في كتب الرجال، و إسماعيل

بن الحسن أو ابن الحرّ و إن كانا مذكورين فيها لكنّهما مجهولان، هذا. مضافاً إلى أنّ هذه الرواية معارضة بما دلّ على عدم الاعتبار بغيبوبة الهلال بعد الشفق بزمان طويل، كصحيحة الحسن بن راشد المعروف بأبي علي بن راشد قال: كتب إليّ أبو الحسن العسكري (عليه السّلام) كتاباً و أرّخه يوم الثلاثاء لليلة بقيت من شعبان، و ذلك في سنة اثنين و ثلاثين و مائتين، و كان يوم الأربعاء يوم شكّ فصام أهل بغداد يوم الخميس و أخبروني أنّهم رأوا الهلال ليلة الخميس و لم يغب إلّا بعد الشفق بزمان طويل، قال: فاعتقدت أنّ الصوم يوم الخميس و أنّ الشهر كان عندنا ببغداد يوم الأربعاء، قال: فكتب إليّ

زادك اللّٰه توفيقاً فقد صمتَ بصيامنا

، قال: ثمّ لقيتُه بعد ذلك فسألته عمّا كتبتُ به إليه، فقال لي

أو لم أكتب إليك إنّما صمت الخميس و لا تصم إلّا للرؤية «3»

، وجه الدلالة واضح حيث إنّها صريحة في أنّ أوّل شهر الصيام هو يوم الخميس و إن كان الهلال في ليلته لم يغب إلّا بعد الشفق بزمان، فلا تكون غيبوبته بعد الشفق علامة كونه لليلتين.

فالأقوى: عدم ثبوت هلال الليلة الماضية بغيبوبته بعد زوال الشفق في الليلة الآتية، و إن كانت الغيبوبة الكذائية مفيدة للظنّ؛ لهذه الرواية الصحيحة.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 7: 204، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 9، الحديث 3، (ط. مكتبة الإسلامية).

(2) وسائل الشيعة 10: 282، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 9، الحديث 3.

(3) وسائل الشيعة 10: 281، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 9، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 301

[ (مسألة 1): لا بدّ في قبول شهادة البيّنة أن تشهد بالرؤية]

(مسألة 1): لا بدّ في قبول شهادة البيّنة

أن تشهد بالرؤية، فلا تكفي الشهادة العلميّة (11).

______________________________

(11) هذه المسألة واضحة بعد وضوح اعتبار الاستناد إلى الحسّ في حجّية الشهادة؛ فلا بدّ للشاهدين من رؤيتهما الهلال و يشهدان على الرؤية، فلو شهدا به مستندين إلى علمهما برؤية الهلال الحاصلة للرائين لا لنفسهما لكن حصل لهما العلم بها من التواتر أو الشياع فلا تقبل شهادتهما، هذا.

مضافاً إلى أنّ في بعض الروايات قد صرّح بكون المشهود به نفس الرؤية؛ بأن شهد الشاهدان بالرؤية المحسوسة بالبصر لهما، كما في صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) أنّه قال

صم لرؤية الهلال و أفطر لرؤيته، فإن شهد عندكم شاهدان مرضيان بأنّهما رأياه فاقضه «1».

و صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)

إنّ علياً (عليه السّلام) كان يقول: لا أُجيز في رؤية الهلال إلّا شهادة رجلين عدلين «2».

و لا يخفى: أنّ المصنّف (رحمه اللّٰه) قد أفتى هنا بعدم كفاية الشهادة العلمية مطلقاً، و قال في كتاب الشهادة من «تحرير الوسيلة»: إنّ الأشبه كفاية العلم القطعي و إن لم يكن مستنداً إلى الحواسّ الظاهرة، و عليك بعبارته:

قال (رحمه اللّٰه): فهل يجب أن يكون العلم مستنداً إلى الحواسّ الظاهرة فيما يمكن كالبصر في المبصرات و السمع في المسموعات و الذوق في المذوقات و هكذا، فإذا حصل العلم القطعي بشي ء من غير المبادي الحسّية؛ حتّى في المبصرات من السماع المفيد للعلم القطعي لم يجز الشهادة، أم يكفي العلم القطعي بأيّ سبب كالعلم

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 287، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 11، الحديث 4.

(2) وسائل الشيعة 10: 288، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 11، الحديث 8.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 302

[ (مسألة 2): لا يعتبر في حجّيّة البيّنة قيامها عند الحاكم الشرعي]

(مسألة 2):

لا يعتبر في حجّيّة البيّنة قيامها عند الحاكم الشرعي، فهي حجّة لكلّ من قامت عنده، بل لو قامت عند الحاكم، و ردّ شهادتها من جهة عدم ثبوت عدالة الشاهدين عنده، و كانا عادلين عند غيره، يجب ترتيب الأثر عليها من الصوم أو الإفطار (12).

______________________________

الحاصل من التواتر و الاشتهار؟ وجهان؛ الأشبه الثاني. نعم يشكل جواز الشهادة فيما إذا حصل العلم من الأُمور الغير العادية كالجفر و الرمل و إن كان حجّة للعالم «1»، انتهى.

و لعلّه (رحمه اللّٰه) أفتى هنا بعدم كفاية الشهادة العلمية لخصوص الصحيحتين المذكورتين، حيث قصّرتا المشهود به في الرؤية فقط؛ فلا بدّ أن يكون مستند البيّنة الرؤية الحسّية فقط؛ فلا يكفي في مستند البيّنة العلم بالرؤية الحاصل من غير الرؤية؛ حتّى الحاصل من التواتر و الشياع، فضلًا من العلم الحاصل من النجوم أو الجفر و الرمل مثلًا.

(12) و ذلك لصراحة بعض الروايات المعتبرة في أنّ الاعتبار في الصوم و الإفطار بشهادة البيّنة عند المكلّف نفسه مطلقاً؛ سواء قامت البيّنة عند الحاكم أو لا، و سواء قبلت شهادتهما عند الحاكم أو ردّت؛ لصحيحة منصور بن حازم المتقدّمة، و صحيحة أبي الصباح و صفوان و الحلبي جميعاً عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في حديث قال: قلت: أ رأيت إن كان الشهر تسعة و عشرين يوماً أقضي ذلك اليوم؟ فقال

لا، إلّا أن يشهد لك بيّنة عدول، فإن شهدوا أنّهم رأوا الهلال قبل ذلك فاقض ذلك اليوم «2».

______________________________

(1) تحرير الوسيلة 2: 445.

(2) وسائل الشيعة 10: 264، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 5، الحديث 9.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 303

و لا يعتبر اتّحادهما في زمان الرؤية بعد توافقهما على الرؤية في الليل

(13). نعم يعتبر توافقهما في الأوصاف، إلّا إذا اختلفا في بعض الأوصاف الخارجة ممّا يُحتمل فيه اختلاف تشخيصهما، ككون القمر مرتفعاً أو مطوّقاً أو له عرض شمالي أو جنوبي، فإنّه لا يبعد معه قبول شهادتهما إذا لم يكن فاحشاً (14).

______________________________

و هاتان الصحيحتان صريحتان في ثبوت الهلال لمن قامت عنده البيّنة، فإطلاقهما يشمل ما لو قامت البيّنة عند الحاكم و ردّت من جهة عدم ثبوت عدالة الشاهدين مع ثبوتها عند المكلّف، فيجب على من قامت عنده ترتيب الأثر على البيّنة من الصوم و الإفطار؛ لتمامية الحجّة الشرعية عنده و تنجّز الحكم عليه.

(13) يعتبر اتّحاد الشاهدين في زمان الرؤية في الجملة؛ فلو شهد أحدهما بالرؤية ليلة السبت مثلًا و الآخر برؤيته ليلة الجمعة فلا يترتّب الأثر على شهادتهما؛ لنفي كلّ منهما الآخر و تكذيبه إيّاه بالالتزام، فلا بدّ أن يكون المشهود به في شهادة كلّ من الشاهدين رؤية الهلال في ليلة مخصوصة.

و لا يشترط اتّحادهما في زمان الرؤية؛ بأن يشهد كلاهما بالرؤية حين غروب الشمس مثلًا رأس دقيقة فلانية من ساعة، بل يقبل شهادتهما مع اختلافهما في زمان الرؤية. نعم يعتبر أن لا يكون بينهما فصل طويل بحيث يوجب التنافي بين الشهادتين؛ بأن يشهد أحدهما بالرؤية قريباً من الأُفق بحيث يغيب بعد دقائق و يشهد الآخر بها مع فصل طويل بين الهلال و الأُفق بحيث يبقى الهلال في الليل إلى قريب من ساعة. فلا يصغي حينئذٍ إلى شهادتهما؛ لنفي كلّ منهما الآخر و تكذيبه إيّاه بخصوصية مأخوذة في المشهود به من قرب الهلال من الأُفق و بُعده عنه.

(14) يشترط توافق الشاهدين في أوصاف الهلال المتضادّات، كالاستقامة و الانحناء و نحوهما. و في «المدارك»: لو اختلف الشاهدان في

صفة الهلال

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 304

و لو وصفه أحدهما أو كلاهما بما يخالف الواقع ككون تحدُّبه إلى السماء عكس ما يرىٰ في أوائل الشهر لم يسمع شهادتهما (15) و لو أطلقا أو وصف أحدهما بما لا يخالف الواقع و أطلق الآخر كفىٰ (16).

______________________________

بالاستقامة و الانحراف بطلت شهادتهما «1»؛ و ذلك لأنّ الاختلاف بالوصفين المتضادّين يمنع من حكاية الشاهدين من أمرٍ واحد، حيث إنّ الهلال بوصف الانحناء يغاير الهلال بوصف الاستقامة فلا يكون المشهود به واحداً، و في الحقيقة يكذّب كلّ من الشاهدين ما يشهده الآخر.

و لو احتمل اختلاف الشاهدين في الأوصاف مستنداً إلى اختلاف تشخيصهما؛ فتارة يكون الاختلاف بينهما فاحشاً؛ بأن شهد أحدهما برؤيته مرتفعاً عن الأُفق بمقدار ذرعين مثلًا و الآخر بارتفاعه عنه بمقدار ربع الذرع، و أُخرى يكون اختلافهما يسيراً يتسامح فيه؛ فعلى الأوّل تبطل شهادتهما لتكاذبهما، بخلاف الثاني.

(15) و ذلك لوضوح عدم اعتبار البيّنة فيما كانت مخالفة للواقع، و كذا لا يترتّب الأثر على شهادة العادل الواحد المطابق شهادته للواقع مع مخالفة شهادة الآخر للواقع.

(16) وجه الكفاية فيما أطلقا بأن شهد كلّ من الشاهدين برؤية الهلال من دون تقييده بخصوصية هو حكاية كلّ من الشهادتين عن شي ء واحد خارجي. و وجه الكفاية فيما أطلق أحدهما و وصف الآخر بما لا يخالف الواقع هو عدم التمانع و التكاذب بينهما؛ لأنّ التوصيف من أحد الشاهدين بما لا يخالف الواقع

______________________________

(1) مدارك الأحكام 6: 170.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 305

[ (مسألة 3): لا اعتبار في ثبوت الهلال بشهادة أربع من النساء]

(مسألة 3): لا اعتبار في ثبوت الهلال بشهادة أربع من النساء، و لا برجل و امرأتين، و لا بشاهد واحد مع ضمّ اليمين (17).

______________________________

يتوافق إطلاق الآخر و بالعكس؛ فلا

تمانع بينهما. و أمّا لو كان التوصيف مخالفاً للواقع كتحدّبه إلى السماء فتردّ شهادته لمخالفته للواقع و لا يقبل الآخر منفرداً، و ذلك واضح.

(17) عدم ثبوت الهلال بشهادة أربع من النساء ممّا قام به الإجماع، و تدلّ عليه صحيحة محمّد بن مسلم قال

لا تجوز شهادة النساء في الهلال «1»

، و صحيحة حمّاد بن عثمان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

قال أمير المؤمنين (عليه السّلام): لا يجوز شهادة النساء في الهلال. «2»

الخبر، و صحيحة عبيد اللّٰه بن علي الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

قال علي (عليه السّلام): لا تقبل شهادة النساء في رؤية الهلال. «3»

الخبر.

و يمكن أن يستدلّ أيضاً بمفهوم الحصر في صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)

إنّ علياً كان يقول: لا أُجيز في الهلال إلّا شهادة رجلين عدلين «4»

، و صحيحة أُخرى للحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)

إنّ علياً (عليه السّلام) كان يقول: لا أُجيز في رؤية الهلال إلّا شهادة رجلين عدلين «5»

، و رواية شعيب بن يعقوب عن جعفر عن أبيه (عليه السّلام)

إنّ علياً (عليه السّلام) قال: لا أُجيز في الطلاق و لا في الهلال إلّا

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 286، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 11، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 10: 287، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 11، الحديث 3.

(3) وسائل الشيعة 10: 288، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 11، الحديث 7.

(4) وسائل الشيعة 10: 286، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 11، الحديث 1.

(5) وسائل الشيعة 10: 288، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 11، الحديث 8.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 306

[ (مسألة 4): لا فرق بين أن تكون البيّنة من البلد أو خارجه، كان في السماء علّة أو لا]

(مسألة 4):

لا فرق بين أن تكون البيّنة من البلد أو خارجه، كان في السماء علّة أو لا. نعم مع عدم العلّة و الصحو و اجتماع الناس للرؤية و حصول الخلاف و التكاذب بينهم؛ بحيث يقوى احتمال الاشتباه في العدلين، ففي قبول شهادتهما حينئذٍ إشكال (18).

______________________________

رجلين «1».

قد وقع في سند الرواية عليّ بن السندي و لم تثبت وثاقته.

وجه الدلالة: أنّ هذه الروايات تدلّ بمفهوم الحصر على أنّ الهلال لا يثبت بأيّ نوع من أنواع الشهادة إلّا بشهادة رجلين عدلين؛ فلا يثبت بشهادة أربع نساء، و لا بشهادة رجل و امرأتين، و لا بشهادة شاهد واحد مع ضمّ اليمين.

و تدلّ على عدم ثبوته بشاهد واحد مع ضمّ اليمين مرفوعة محمّد بن عيسى في «نوادره» قال

قضى رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) بشهادة الواحد و اليمين في الدين، و أمّا الهلال فلا إلّا بشاهدي عدل «2».

فرع: تثبت رؤية الهلال بالتواتر و الشياع المتحقّقين من النساء المؤمنات؛ إذ لا دليل لاختصاصهما بالرجال.

(18) قد يقال باعتبار البيّنة و ثبوت الهلال بها إذا كان الشاهدان من خارج البلد، و أنّه لو ادّعى رؤيته اثنان من أهل البلد و انحصار الرائي فيهما مع تطلّع غيرهما من أهل البلد و دقّتهم و اهتمامهم و عدم رؤيتهم فلا يصغي إليها.

نعم يصغي إلى الشاهدين من أهل البلد فيما كانت في السماء علّة و كانا من خارج البلد؛ و ذلك لصحيحة أبي أيّوب إبراهيم بن عثمان بن الخزّاز عن

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 289، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 11، الحديث 9.

(2) وسائل الشيعة 10: 292، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 11، الحديث 17.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص:

307

..........

______________________________

أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قلت له: كم يجزي في رؤية الهلال؟ فقال

إنّ شهر رمضان فريضة من فرائض اللّٰه فلا تؤدّوا بالتظنّي، و ليس رؤية الهلال أن يقوم عدّة فيقول واحد: قد رأيته و يقول الآخرون: لم نره، إذا رآه واحد رآه مائة و إذا رآه مائة رآه ألف، و لا يجزي في رؤية الهلال إذا لم يكن في السماء علّة أقلّ من شهادة خمسين، و إذا كانت في السماء علّة قبلت شهادة رجلين يدخلان و يخرجان من مصر «1».

و رواية حبيب الجماعي قال: قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام)

لا تجوز الشهادة في رؤية الهلال دون خمسين رجلًا عدد القسامة، و إنّما تجوز شهادة رجلين إذا كانا من خارج المصر و كان بالمصر علّة فأخبرا أنّهما رأياه، و أخبرا عن قوم صاموا للرؤية و أفطروا للرؤية «2».

و لا يخفى: أنّ الصحيحة المذكورة تدلّ على عدم ثبوت الهلال بالتظنّي؛ فلا يكفي الظنّ بل يعتبر العلم به الحاصل من التواتر، كالخمسين مثلًا حيث إنّه إذا أخبر خمسون نفراً من أهل المصر برؤية الهلال بحيث يمتنع تواطؤهم على الكذب يحصل من خبرهم العلم بها.

نعم إذا كانت السماء صافية و لم يكن فيها غيم و اجتمعت جماعة كثيرة لرؤية الهلال و بالغوا في دقّة النظر و لم يره أحد منهم إلّا اثنان و شهدا بأنّهما رأياه فلا يقبل منهما، لا لتكذيبهما لأنّ المفروض عدالتهما بل للاطمئنان باشتباههما و خطأهما؛ إذ كثيراً ما يتّفق أنّ من يدقّق النظر لرؤية الهلال يرى شبحاً و يتخيّل أنّه رآه ثمّ يتكرّر النظر و لا يرى شيئاً، و ليس ذلك إلّا لتمركز الهلال بوجوده الذهني في خزانة خياله، فيعتقد أنّه رآه

ثمّ لا يراه أبداً.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 289، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 11، الحديث 10.

(2) وسائل الشيعة 10: 290، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 11، الحديث 13.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 308

[ (مسألة 5): لا تختصّ حجّيّة حكم الحاكم بمقلّديه]

(مسألة 5): لا تختصّ حجّيّة حكم الحاكم بمقلّديه، بل حجّة حتّى علىٰ حاكم آخر (19)

______________________________

و أمّا إذا كانت في السماء علّة فيمكن أن يراه اثنان في لحظة و لم يره بقية الناس، فحينئذٍ يقبل شهادتهما؛ سواءٌ كانت البيّنة من خارج البلد أو من داخله. فتقييد حجّية البيّنة في ثبوت الهلال بها بكونها من خارج البلد مع وجود الغيم و العلّة في السماء تقييد بفرد نادر يبعد حمل الأخبار المستفيضة الصريحة في ثبوت الهلال بشهادة رجلين عدلين مطلقاً عليه.

و لعلّ التقييد في الصحيحة و رواية الجماعي المتقدّمتين بوجود العلّة و كون الشاهدين من خارج المصر للردّ على العامّة، حيث إنّ حكّامهم يحكمون بثبوت الهلال بمجرّد شهادة الاثنين مع عدم رؤية أهل البلد أصلًا.

قال صاحب «الجواهر» و نِعم ما قال إنّ مبنى تلك النصوص الإنكار على ما هو متعارف عند العامّة من الشهادة على الهلال زوراً، و أنّه يجي ء الواحد منهم فيقول: رأيته من بين الجمّ الغفير، بل ربّما ادّعى رؤيته في غير إمكانها، كما لا يخفى على من له علم بأحوالهم و فساد مذهبهم، فخرجت هذه النصوص مخرج الإنكار عليهم، لا لبيان عدم الاجتزاء بالشاهدين العدلين اللذين قد اكتفى الشارع بهما في جميع الموضوعات التي فيها ما هو أعظم من رؤية الهلال بمراتب، كالدماء و نحوها؛ فلا ينبغي التوقّف في ذلك و لا الإطناب في فساد ما يخالفه «1»، انتهى.

(19) وجه عدم اختصاص حكم الحاكم بمقلّديه إطلاق

الأدلّة السابقة الدالّة على حجّية حكم الحاكم و نفوذه و عدم جواز ردّه في موارد الخصومة و غيرها من

______________________________

(1) جواهر الكلام 16: 357.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 309

لو لم يثبت خطوة أو خطأ مستنده (20).

[ (مسألة 6): لو ثبت الهلال في بلد آخر دون بلده]

(مسألة 6): لو ثبت الهلال في بلد آخر دون بلده، فإن كانا متقاربين أو علم توافق افقهما كفىٰ، و إلّا فلا (21).

______________________________

الأُمور العامّة، و من مهمّاتها ثبوت الهلال المترتّب عليه مراسم الصوم و الحجّ و سائر أيّام اللّٰه. فحكمه نافذ في حقّ جميع الناس؛ حتّى الحاكم الآخر. و في «الجواهر»: بل الظاهر عدم الفرق بين الحاكم الآخر و غيره، فيجب الصوم أو الفطر على الجميع «1»، انتهى.

(20) حكم الحاكم طريق إلى الواقع و نافذ ما لم ينكشف الخلاف؛ فلو حكم بأنّ اليوم آخر شهر رمضان و أنت رأيت هلال شوّال فلا ينفذ حكمه بالنسبة إليك، و كذلك لا ينفذ حكمه بالنسبة إليك لو حكم اعتماداً بشهادة من هو عادل عنده و قد ثبت فسقه عندك بحيث لو كان الحاكم متوجّهاً إلى فسقه لم يعتمد بشهادته. نعم لو كان حكمه مستنداً إلى ما يعتمد عليه اجتهاداً و إن كان مخدوشاً في اعتقاد الحاكم الآخر، كمن اعتمد على شهادة ولد الزنا لعدم اشتراط طهارة المولد في الشاهد عنده فيجب قبول حكمه للحاكم الآخر؛ لكون حكمه على طبق الدليل الشرعي الثابت عنده المحتمل مطابقته للواقع.

(21) لا إشكال في ثبوت الهلال لأهل بلد إذا رؤي في البلد الآخر و كانا متّحدين في الأُفق.

قال العلّامة (رحمه اللّٰه) في «التذكرة»: إذا رأى الهلال أهل بلد و لم يره أهل بلد آخر فإن تقاربت البلدان كبغداد و الكوفة كان حكمهما واحداً يجب الصوم عليهما

معاً

______________________________

(1) جواهر الكلام 16: 360.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 310

..........

______________________________

و كذا الإفطار، و إن تباعدتا كبغداد و خراسان و الحجاز و العراق فلكلّ بلد حكم نفسه. قال الشيخ (رحمه اللّٰه): و هو المعتمد، و به قال أبو حنيفة، و هو قول بعض الشافعية. إلى أن قال: و قال بعض الشافعية: حكم البلاد كلّها واحد، متى رؤي الهلال في بلد و حكم بأنّه أوّل الشهر كان ذلك الحكم ماضياً في جميع أقطار الأرض؛ سواءٌ تباعدت البلاد أو تقاربت، اختلفت مطالعها أو لا، و به قال أحمد بن حنبل و الليث بن سعد و بعض علمائنا؛ لأنّه يوم من شهر رمضان في بعض البلاد للرؤية، و في الباقي بالشهادة؛ فيجب صومه «1»، انتهى.

و اختار العلّامة (رحمه اللّٰه) في «المنتهي» القول الثاني قال: مسألة: إذا رأى الهلال أهل بلد وجب الصوم على جميع الناس؛ سواءٌ تباعدت البلاد أو تقاربت، و به قال أحمد و الليث بن سعد و بعض أصحاب الشافعي «2»، انتهى.

و قال في «المبسوط»: و متى لم يُرَ الهلال في البلد و رؤي خارج البلد على ما بيّناه وجب العمل به إذا كان البلدان التي رؤي فيها متقاربة بحيث لو كانت السماء مضحية و الموانع مرتفعة لرئي في ذلك البلد أيضاً؛ لاتّفاق عروضها و تقاربها مثل بغداد و واسط و الكوفة و تكريت و الموصل. فأمّا إذا بعدت البلاد مثل بغداد و خراسان و بغداد و مصر فإنّ لكلّ بلد حكم نفسه و لا يجب على أهل بلد العمل بما رآه أهل البلد الآخر «3»، انتهى.

إذا عرفت هذا فاعلم: أنّه لا إشكال في ثبوت الهلال لأهل بلاد الغرب إذا شوهد في بلاد الشرق؛

للأولوية القطعية، و أنّ الرؤية في البلاد الشرقية المتقدّمة السابقة بالنسبة إلى سير القمر مستلزمة للرؤية في البلاد الغربية المتأخّرة.

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء 6: 122.

(2) منتهى المطلب 2: 592/ السطر 33.

(3) المبسوط 1: 268.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 311

..........

______________________________

و إنّما الكلام و الإشكال في ثبوته لأهل بلاد الشرق إذا رأى في البلاد الغربية، هكذا عنون مورد الإشكال في «مستند العروة الوثقى»، و قال: إنّما الكلام في عكس ذلك أعني ما لو اختلفت الأُفق و شوهد الهلال في البلاد الغربية فهل يكفي ذلك للشرقية كبلاد الشام بالإضافة إلى العراق، أو لا؟ ثمّ ذكر جماعة من الفقهاء القائلين بالكفاية. إلى أن قال: و احتمله الشهيد في «الدروس» «1»، انتهى.

أقول: لا يخفى أنّ الشهيد في «الدروس» احتمل ثبوت الهلال في البلاد المغربية برؤيته في البلاد المشرقية، عكس ما نسبه صاحب «مستند العروة» إليه من ثبوته في البلاد المشرقية برؤيته في البلاد المغربية، فراجع «2».

و كيف كان: فالمختار ما هو المشهور من أنّه لكلّ بلد من البلاد المختلفة الأُفق حكم نفسه؛ لقوله (عليه السّلام)

إنّما عليك مشرقك و مغربك «3»

، و قوله (عليه السّلام)

صم للرؤية و أفطر للرؤية «4».

و يستدلّ على كفاية رؤيته في بلد لثبوته في جميع البلاد الواقعة في نصف كرة الأرض الغير المواجه للشمس بروايات:

منها: صحيحة عبد اللّٰه بن سنان قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الأهلّة، فقال

هي أهلّة الشهور؛ فإذا رأيت الهلال فصم و إذا رأيته فأفطر

، قلت: إن كان الشهر تسعة و عشرين يوماً أقضي ذلك اليوم؟ قال

لا إلّا أن تشهد لك بيّنة عدول، فإن شهدوا أنّهم رأوا الهلال قبل ذلك فاقض ذلك اليوم «5»

، فمقتضى إطلاقها عدم

______________________________

(1) مستند

العروة الوثقى، الصوم 2: 116.

(2) الدروس الشرعية 1: 285.

(3) وسائل الشيعة 4: 198، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 20، الحديث 2.

(4) وسائل الشيعة 10: 255، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 3، الحديث 11.

(5) وسائل الشيعة 10: 267، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 5، الحديث 19.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 312

..........

______________________________

الفرق في الرؤية؛ سواء كانت في بلد الصائم أو غيرها، اتّحد أُفق بلد الرؤية بافق بلد الصائم أو اختلف. و نحوها في الدلالة صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في حديث قال: قلت: أ رأيت إن كان الشهر تسعة و عشرين يوماً أقضي ذلك اليوم؟ قال

لا، إلّا أن يشهد بذلك بيّنة عدول، فإن شهدوا أنّهم رأوا الهلال قبل ذلك فاقض ذلك اليوم «1».

و منها: رواية صابر مولى أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن الرجل يصوم تسعة و عشرين يوماً و يفطر للرؤية و يصوم للرؤية أ يقضي يوماً؟ فقال

كان أمير المؤمنين (عليه السّلام) يقول: لا، إلّا أن يجي ء شاهدان عدلان فيشهدا أنّهما رأياه قبل ذلك بليلة فيقضي يوماً «2»

، و فيها خصوصيةٌ؛ و هي مجي ء شاهدين و رؤيتهما الهلال قبل ذلك بليلة، فيستشمّ منها اختلاف محلّ الرؤية لمحلّ الصائم.

و منها: صحيحة هشام بن الحكم عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) أنّه قال فيمن صام تسعة و عشرين، قال

إن كانت له بيّنة عادلة على أهل مصر أنّهم صاموا ثلاثين على رؤيته قضى يوماً «3»

، دلّ بإطلاقها على الاكتفاء برؤية أهل مصر و إن لم يكن مصراً للصائم و مختلفاً لمصره في الأُفق.

و منها: صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه قال: سألت أبا عبد

اللّٰه (عليه السّلام) عن هلال شهر رمضان يغمّ علينا في تسع و عشرين من شعبان، قال

لا تصم إلّا أن تراه، فإن شهد أهل بلد آخر فاقضه «4»

، حيث إنّ البلد الآخر مطلق يشمل المخالف الأُفق لبلد الصائم. و مثلها صحيحة إسحاق بن عمّار قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 266، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 5، الحديث 17.

(2) وسائل الشيعة 10: 267، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 5، الحديث 21.

(3) وسائل الشيعة 10: 265، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 5، الحديث 13.

(4) وسائل الشيعة 10: 254، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 3، الحديث 9.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 313

..........

______________________________

هلال رمضان يغمّ علينا في تسع و عشرين من شعبان، فقال

لا تصمه إلّا أن تراه، فإن شهد أهل بلد آخر أنّهم رأوه فاقضه. «1»

الخبر.

و منها: صحيحة شعيب بن يعقوب عن أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) أنّه سئل عن اليوم الذي يقضى من شهر رمضان، فقال

لا تقضه إلّا أن يثبت شاهدان عدلان من جميع أهل الصلاة متى كان رأس الشهر

و قال

لا تصم ذلك اليوم الذي يقضى إلّا أن يقضي أهل الأمصار، فإن فعلوا فصمه «2»

، حيث إنّ رأس الشهر أوّل شهر لجميع أهل الصلاة، و هم أهالي البلدان؛ سواءٌ اتّحد افقها أم اختلف، و في ذيل الحديث رتّب قضاء الصائم على قضاء أهل الأمصار جميعاً

فإن فعلوا فصمه.

و الجواب عن الاستدلال بهذه الروايات: أنّها محمولة على ما إذا رؤي الهلال في البلاد القريبة المتّفقة الأُفق، و ذلك بقرينة التصريح في بعض الأخبار بأنّ الشاهدين يدخلان

المصر و يخرجان، كما في صحيحة أبي أيّوب إبراهيم بن عثمان بن الخزّاز عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قلت له: كم يجزي في رؤية الهلال؟ فقال

إنّ شهر رمضان فريضة من فرائض اللّٰه فلا تؤدّوا بالتظنّي، و ليس رؤية الهلال أن يقوم عدّة فيقول واحد: قد رأيته و يقول الآخرون: لم نره، إذا رآه واحد رآه مائة و إذا رآه مائة رآه ألف. و لا يجزي في رؤية الهلال إذا لم يكن في السماء علّة أقلّ من شهادة خمسين، و إذا كانت في السماء علّة قبلت شهادة رجلين يدخلان و يخرجان من مصر «3»

، و من الواضح أنّ دخول الشاهدين المصر و خروجهما عنه في عصر الأئمّة: و شهادتهما بالرؤية و ترتيب الأثر على شهادتهما من أهل

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 278، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 8، الحديث 3.

(2) وسائل الشيعة 10: 292، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 12، الحديث 1.

(3) وسائل الشيعة 10: 289، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 11، الحديث 10.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 314

..........

______________________________

المصر بالصوم أو الإفطار إنّما يتصوّر في البلاد القريبة دون البعيدة مع عدم وجود وسائل الارتباط الموجودة في زماننا هذا في تلك الأزمنة.

و في رواية حبيب الجماعي قال: قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام)

لا تجوز الشهادة في رؤية الهلال دون خمسين رجلًا عدد القسامة، و إنّما تجوز شهادة رجلين إذا كانا من خارج المصر و كان بالمصر علّة فأخبرا أنّهما رأياه، و أخبرا عن قوم صاموا للرؤية و أفطروا للرؤية «1»

، حيث إنّ الرجلين الشاهدين كانا في بلد قريب من مصر كان فيه علّة مانعة من الرؤية،

و قد رأياه في خارج المصر و وردا في المصر و شهدا بالرؤية.

و السيّد الخوئي (رحمه اللّٰه) في «مستند العروة الوثقى» بعد اختياره مختار العلّامة في «المنتهي» و صاحب «الوافي» و «الحدائق» و «مستند الشيعة» و الآغا جمال الخوانساري و صاحب «الجواهر» (رحمه اللّٰه) قال: فالوجوب حينئذٍ على الجميع مطلقاً قوي «2» من كفاية رؤية الهلال في قطر من نصف كرة الأرض لجميع أقطار ذلك النصف، قال: و لعلّه إلى ذلك يشير سبحانه و تعالى في قوله رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَ رَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ و أنّ لكلّ من نصفي كرة الأرض مشرق و مغرب، فلها مشرقان و مغربان. ثمّ استشهد بقوله تعالى يٰا لَيْتَ بَيْنِي وَ بَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ الظاهر في أنّ هذا أكثر بعدٍ و أطول مسافةٍ بين نقطتي الأرض: إحداهما مشرق لهذا النصف و الأُخرى مشرق للنصف الآخر «3»، انتهى.

و فيه: أنّه من المحتمل أن يكون المراد من المشرقين و المغربين مشرق الشمس و مشرق القمر و مغربهما، أو مشرقي الشمس في الصيف و الشتاء و مغربيهما

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 290، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 11، الحديث 13.

(2) جواهر الكلام 16: 361.

(3) مستند العروة الوثقى، الصوم 2: 116.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 315

..........

______________________________

فيهما، كما ورد في التفاسير. و من المحتمل أيضاً أن يكون المراد من المشرقين في قوله تعالى يٰا لَيْتَ بَيْنِي وَ بَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فاصلة ما بين المشرق و المغرب، و تثنية المشرق للتغليب.

و صاحب «الحدائق» بعد أن ذكر أنّ هذا الفرق أي الفرق بين القولين؛ و هما كفاية رؤية الهلال في بلد لجميع الناس؛ حتّى في البلاد البعيدة المختلفة الأُفق و عدم كفايتها لهم، بل لكلّ

بلد حكم نفسه عندهم مبني على كرؤية الأرض، و نقل عن فخر الدين: إنّ مبنى هذه المسألة على أنّ الأرض هل هي كرؤية أو مسطّحة، و حكى عن «منتهى» العلّامة (رحمه اللّٰه) القول بكفاية رؤية الهلال في بلد لجميع الناس في جميع البلاد، و استدلاله بالأخبار الكثيرة بوجوب القضاء إذا شهدت البيّنة بالرؤية و عدم اعتبار قرب البلاد و بعدها، و ارتضى بما حكاه عن «المنتهي» بقوله: و ملخّصه أنّا نقول بوجوب الصوم أو القضاء مع الفوات متى ثبتت الرؤية في بلد آخر قريباً أو بعيداً و ما ادّعوه من الطلوع في بعض و عدم الطلوع في آخر بناءً على ما ذكروه من الكروية ممنوعٌ.

قال: و ممّا يبطل القول بالكروية أنّهم جعلوا من فروع ذلك أن يكون يوم واحد خميساً عند قوم و جمعة عند آخرين، و سبتاً عند قوم و هكذا، و هذا ممّا تردّه الأخبار المستفيضة في جملة من المواضع؛ فإنّ المستفاد منها على وجه لا يزاحمه الريب و الشكّ: أنّ كلّ يوم من أيّام الأُسبوع و كلّ شهر من شهور السنة أزمنة معلومة نفس أمرية. إلى أن قال (رحمه اللّٰه): و اللازم على ما ادّعوه من الكروية أنّها اعتبارية باعتبار قوم دون آخرين «1»، انتهى.

و فيه أوّلًا: أنّ كرؤية الأرض ممّا ثبت و من المسلّمات في زماننا هذا، و أنّها

______________________________

(1) الحدائق الناضرة 13: 263 267.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 316

[ (مسألة 7): لا يجوز الاعتماد على التلغراف و نحوه في الإخبار عن الرؤية]

(مسألة 7): لا يجوز الاعتماد على التلغراف و نحوه في الإخبار عن الرؤية، إلّا إذا تقارب البلدان أو عُلم توافقهما في الأُفق و تحقّق ثبوتها هناك؛ إمّا بحكم الحاكم أو بالبيّنة الشرعية، و يكفي في تحقّق الثبوت كون المخابر

بيّنة شرعيّة (22).

______________________________

تشاهد بشكل كروي من السيّارات الجوّية الطائرة.

و ثانياً: أنّ القول بالكروية و اختلاف البلدان المتباعدة المختلفة الأُفق لا يستلزم كون اليوم الواحد خميساً عند قوم و جمعة عند آخر حتّى يقال: إنّ اليوم الواحد المتّصف بكونه خميساً يوم خميس عند الجميع و في جميع أقطار الأرض فلا يكون جمعة أصلًا، و نحن نقول به و القائلون بكروية الأرض ينكرون لزومه و يقولون: إنّ اللازم منها أن يكون اليوم المعيّن أيّ يوم كان أوّل شهر في قطر من الأرض للقوم الذي رأوا الهلال في ليلة، و ثاني الشهر بالنسبة إلى القوم الآخر الذي رأوه في الليلة الآتية، و لا استبعاد فيه أصلًا، و ذلك أمر واضح لا يعتريه ريب و لا يحتاج إلى تأليف رسالة و إتلاف وقت في ردّ القول بالكروية.

(22) لا يثبت الهلال بمجرّد المخابرة بالآلات البرقية كالتلغراف و التلفون و الراديو و نحوها من المخترعات الجديدة بما أنّها آلات المخابرة، إلّا أن يعلم أنّ المخابر شخص ثقة يخبر عن أحد طرق ثبوت الهلال من التواتر و الشياع و البيّنة؛ فحينئذٍ يترتّب الأثر على إخباره.

أمّا لو أخبر عن رؤية نفسه فهو في الحقيقة شهادة، و حينئذٍ فإن انضمّ إليه في المخابرة شهادة آخر بأنّه رآه فيتمّ حينئذٍ البيّنة على الرؤية فيكتفىٰ به، هذا في البلاد المتقاربة أو المتباعدة المتوافقة الأُفق دون المختلفة فيه.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 317

..........

______________________________

فروع لا بأس بالتعرّض لها: الأوّل: لو اشتبه على المكلّف شهر رمضان كالأسير في بلاد الكفّار و المحبوس إذا لم يتمكّنا من تحصيل العلم بالشهر وجب عليه أن يعمل بظنّه إجماعاً؛ فينظر ما غلب على ظنّه فيصومه و يجزيه، كما في الظنّ بالقبلة

و الظنّ بعدد الركعات، و إن لم يغلب على ظنّه شي ء صام شهراً ثمّ إن تبيّن أنّه كان شهر رمضان أجزأه، و كذلك لو كان شهراً بعد شهر رمضان؛ لأنّه كان قضاء. و أمّا لو كان شهراً قبل شهر رمضان لم يجزه و وجب قضاؤه.

و يدلّ عليه صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قلت له: رجل أسرته الروم و لم يصحّ له شهر رمضان و لم يدر أيّ شهر هو؟ قال

يصوم شهراً يتوخّى (يتوخّاه) و يحسب، فإن كان الشهر الذي صامه قبل شهر رمضان لم يجزه، و إن كان بعد شهر رمضان أجزأه «1».

و مرسلة المفيد (رحمه اللّٰه) في «المقنعة» عن الصادق (عليه السّلام) قال: إنّه سئل عن رجل أسرته الروم فحبس و لم ير أحداً يسأله فاشتبهت عليه أُمور الشهور، كيف يصنع في صوم شهر رمضان؟ فقال

يتحرّى شهراً فيصومه؛ يعني يصوم ثلاثين يوماً ثمّ يحفظ ذلك، فمتى خرج أو تمكّن من السؤال لأحدٍ نظر، فإن كان الذي صامه كان قبل شهر رمضان لم يجز عنه، و إن كان هو هو فقد وفّق له، و إن كان بعده أجزأه «2».

و قال بعض الشافعية: لا يجب عليه الصوم؛ لأنّه لم يعلم دخول شهر رمضان

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 276، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 7، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 10: 277، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 7، الحديث 2.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 318

..........

______________________________

و لا ظنّه؛ فلا تكليف عليه للصيام، كما لو شكّ في دخول الوقت؛ لأنّه لا تلزمه الصلاة.

الثاني: أنّ الأسير و المحبوس إذا لم يحصل لهما العلم و

لا الظنّ بشهر رمضان وجب عليهما صوم شهر، و يتخيّران في تعيين شهر من الشهور. و يدلّ عليه صحيح عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه المتقدّم قال (عليه السّلام)

يصوم شهراً.

و تجب مراعاة المطابقة بين الشهرين في سنتين؛ بأن لم يكن بين الشهرين في سنتين أقلّ من أحد عشر شهراً؛ إذ مع الفصل بينهما بأقلّ من أحد عشر شهراً يعلم بأنّ أحد الشهرين اللذين صامهما في سنتين ليس رمضاناً قطعاً؛ فيجب حينئذٍ قضاؤه، إلّا أن يعلم بسبق شهر رمضان على الشهر الذي صامه، فيكون قضاءً بالطبع؛ فلا يجب القضاء ثانياً، و يدخل في صحيحة عبد الرحمن المتقدّمة.

الثالث: يجب ترتيب أحكام شهر رمضان على الشهر المظنون أنّه شهر رمضان، فيجب صومه و تجب الفطرة بعد مضيّ ثلاثين يوماً، و يحرم صوم اليوم الأحد و الثلاثين و يصلّى فيه صلاة العيد الفطر و تجب الكفّارة إذا أفطر فيه متعمّداً؛ و ذلك لحجّية الظنّ بكون الشهر شهر رمضان فيترتّب عليه أحكام شهر رمضان و لوازمه.

الرابع: إذا فرض كون المكلّف في مكان كان كلّ من نهاره و ليله ستّة أشهر فما وظيفته بالنسبة إلى صلاته و صومه؟ ففيه وجوه:

الأوّل: أن يكون المدار في صلاته و صومه البلدان المتعارفة المتوسّطة؛ فيصوم عند طلوع الفجر عندهم و يفطر عند غروبهم، فيصوم بصومهم و يصلّي في أوقات صلواتهم.

الثاني: سقوط التكليف بالصلاة و الصوم؛ لانصراف أدلّة التكاليف إلى

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 319

..........

______________________________

الأشخاص الساكنين في بلاد متعارفة كان لهم فيها ليل و نهار في كلّ أربع و عشرين ساعة على ما هو المتعارف.

الثالث: التفصيل بين الصوم و الصلاة بسقوط التكليف بالصوم عنه لانعدام موضوعه؛ لأنّ موضوعه هو شهر رمضان المفروض انعدامه،

فالآية أوجبت الصوم لمن شهد الشهر فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ «1». و وجوب الصلاة عليه في طول المدّة بمقدار السنة؛ فتجب صلاة الصبح عليه فيما بين الطلوعين في مقدار من الزمان يقرب من عشرين يوماً باعتبار كون ما بين الطلوعين ثمن اليوم تقريباً، و صلاة الظهر و العصر في انتصاف نهاره؛ و هو المراد من دلوك الشمس، و صلاة المغرب و العشاء في ليله أداءً إلى نصف الليل بمقدار تسعين يوماً و قضاءً فيما بعده.

الرابع: أن يكون تابعاً لبلده الذي كان متوطّناً فيه سابقاً.

و هذه الوجوه كما ترى لا دليل معتبر عليها. نعم الاحتمال الثالث أوفق بالقواعد كما أشرنا إليه.

و قال السيّد الخوئي (رحمه اللّٰه) في تقريراته «مستند العروة الوثقى» بوجوب الهجرة على من يعيش في الأمكنة الكذائية إلى المناطق المتعارفة للإتيان بتلك الواجبات و عدم الإخلال بها، و مع الاضطرار إلى السكنى في مثل هذه الأمكنة سقوط التكليف بالأداء و الانتقال إلى القضاء.

و فيه أوّلًا: أنّ الصلاة و الصوم بالنسبة إلى الوقت من قبيل الواجب المشروط، فلا يجب تحصيل مقدّمته. و ثانياً: لا دليل للانتقال إلى القضاء بعد سقوط التكليف بالأداء. و ثالثاً: أنّه مع دوام الاضطرار يسقط القضاء أيضاً على مبناه.

______________________________

(1) البقرة (2): 185.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 320

[القول في قضاء صوم شهر رمضان]

اشارة

القول في قضاء صوم شهر رمضان لا يجب على الصبي قضاء ما أفطر في زمان صباه (1)،

______________________________

(1) و ذلك لأنّ الصبي ممّن رفع عنه قلم التكليف أداءً و قضاءً إجماعاً، بل هو من الضروريات، و لا يقاس على المريض و المسافر و الحائض و النفساء و النائم و الغافل و الناسي الذين يجب عليهم قضاء الصوم مع كونهم غير مكلّفين بالأداء؛

لأنّهم ممّن كتب عليهم الصيام لولا الموانع من صحّة الصوم، فوجوب القضاء عليهم منصوص.

هنا مسائل: الاولى: لو بلغ الصبي قبل طلوع الفجر و لو بلحظة يجب عليه الصوم كسائر المكلّفين.

الثانية: لو نوى الصوم من طلوع الفجر و بلغ في أثناء النهار و أتمّ صومه فلا قضاء عليه.

الثالثة: لو نوى الصوم من الفجر و بلغ بعد طلوع الفجر لا يجب عليه إدامة الصوم من حين بلغ، و لا دليل على تبديل صومه المنوي ندباً إلى الوجوب في

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 321

و لا على المجنون و المُغمىٰ عليه قضاء ما أفطرا في حال العذر (2)،

______________________________

الأثناء. و قد تقدّم تفصيل هذه المسألة في بيان شرائط الصحّة و الوجوب، و يأتي الإشارة إليها منه (رحمه اللّٰه) هنا في المسألة الاولى.

(2) أمّا المجنون: فلما ذكر في الصبي من رفع قلم التكليف عنه، هذا بالنسبة إلى ما فات عنه حال الجنون؛ سواءٌ كان جنونه بفعل من اللّٰه تعالى أو بفعله الاختياري و إن كان محرّماً، خلافاً لابن جنيد فيما كان جنونه بفعله على وجه الحرمة. و قال مالك و الشافعي في القديم و أحمد: يجب على المجنون بعد الإفاقة قضاء ما فات عنه حال جنونه و إن مضى عليه سنون، و قال أبو حنيفة: إن جنّ جميع الشهر فلا قضاء عليه، و إن أفاق في أثنائه قضى ما مضى.

و أمّا المغمى عليه: فيدلّ على نفي وجوب القضاء عنه صحيح أيّوب بن نوح قال: كتبتُ إلى أبي الحسن الثالث (عليه السّلام) أسأله عن المغمىٰ عليه يوماً أو أكثر هل يقضي ما فاته أم لا؟ فكتب (عليه السّلام)

لا يقضي الصوم و لا يقضي الصلاة «1».

و صحيح علي بن مهزيار

أنّه سأله يعني أبا الحسن الثالث (عليه السّلام) عن هذه المسألة يعني مسألة المغمىٰ عليه فقال

لا يقضي الصوم و لا الصلاة، و كلّما غلب اللّٰه عليه فاللّٰه أولى بالعذر «2».

و مكاتبة علي بن محمّد القاساني قال: كتبتُ إليه و أنا بالمدينة أسأله عن المغمىٰ عليه يوماً أو أكثر هل يقضي ما فاته؟ فكتب (عليه السّلام)

لا يقضي الصوم «3».

و أمّا رواية حفص بن البختري عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

يقضي المغمىٰ

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 226، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 24، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 10: 227، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 24، الحديث 6.

(3) وسائل الشيعة 10: 226، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 24، الحديث 2.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 322

و لا على الكافر الأصلي قضاء ما أفطر في حال كفره (3).

______________________________

عليه ما فاته «1».

و صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) أنّه سأله عن المغمىٰ عليه شهراً أو أربعين ليلة، قال: فقال

إن شئت أخبرتك بما آمر به نفسي و ولدي أن تقضي كلّ ما فاتك «2»

، فهما و إن دلّتا بقضاء ما فات عن المغمىٰ عليه لكن مقتضى الجمع بينهما و بين الروايات الدالّة على نفي القضاء عنه حملهما على استحباب القضاء.

و لا يخفى: أنّ المستفاد من صحيحة علي بن مهزيار المتقدّمة سقوط القضاء عن المغمىٰ عليه فيما كان الإغماء بفعل اللّٰه تعالى، فيقيّد بها سائر الأدلّة، و يختصّ نفي القضاء بما كان الإغماء بفعله تعالى دون ما كان بفعل المكلّف. و لكن الظاهر أنّ القيد وارد مورد الغالب؛ فلا يختصّ به بل يعمّ ما كان

بفعل المكلّف.

قال الفاضل النراقي في «مستند الشيعة»: السكران كالمغمىٰ عليه؛ حتّى في عدم الوجوب، و إن كان السكر بفعله؛ لما مرّ من قبح تكليف غير العاقل «3»، انتهى.

(3) وجوب القضاء على الكافر و عدم وجوبه مبني على كون الكفّار مكلّفين بالفروع و عدمه؛ قال العلّامة في «التذكرة»: الإسلام شرط في صحّة الصوم لا في وجوبه، و لو أسلم في أثناء الشهر وجب عليه صيام الباقي دون الماضي.

و يدلّ على عدم وجوب القضاء عليه مضافاً إلى حديث

الإسلام يجبّ ما قبله و يهدم

، هذا الحديث مشهور بين المتأخّرين من الإمامية، و لم يذكر في كتب أحد من أصحابنا إلّا في «مجمع البحرين» و «غوالي اللآلي» مرسلًا عن

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 227، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 24، الحديث 5.

(2) وسائل الشيعة 10: 227، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 24، الحديث 4.

(3) مستند الشيعة 10: 342.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 323

..........

______________________________

النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)، و حكي عن «مناقب» ابن شهرآشوب: أنّه قال علي (عليه السّلام)

هدم الإسلامُ ما كان قبله

، و الحديث بعبارة

الإسلام يجبّ ما قبله

مذكور في كتب العامّة ك «شرح نهج البلاغة» لابن أبي الحديد و في «السيرة الحلبية» و «الإصابة» لابن حجر و «الجامع الصغير» للسيوطي و غيرها. و سيرة النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و الأئمّة المعصومين: على عدم تكليفهم المتشرّفين بالإسلام على قضاء ما فات عنهم حال كفرهم صحيح عيص بن القاسم قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن قوم أسلموا في شهر رمضان و قد مضى منه أيّام، هل عليهم أن يصوموا ما مضى منه

أو يومهم الذي أسلموا فيه؟ فقال

ليس عليهم قضاء و لا يومهم الذي أسلموا فيه، إلّا أن يكونوا أسلموا قبل طلوع الفجر «1».

و صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) أنّه سئل عن رجل أسلم في النصف من شهر رمضان ما عليه من صيامه؟ قال (عليه السّلام)

ليس عليه إلّا ما أسلم فيه «2».

و في مرسل الصدوق (رحمه اللّٰه) قال

ليس عليه أن يصوم إلّا ما أسلم فيه، و ليس عليه أن يقضي ما مضى منه «3».

و موثّقة مسعدة بن صدقة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن آبائه:

إنّ علياً كان يقول في رجل أسلم في نصف شهر رمضان: إنّه ليس عليه إلّا ما يستقبل «4».

و أمّا الخبر الدالّ على القضاء على الكافر بعد إسلامه كصحيحة الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل أسلم بعد ما دخل (من) شهر رمضان أيّام (أيّاماً)، فقال

ليقض ما فاته «5»

فمحمول على الاستحباب أو على المرتدّ؛ فإنّه يقضي

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 327، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 22، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 10: 328، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 22، الحديث 2.

(3) وسائل الشيعة 10: 328، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 22، الحديث 3.

(4) وسائل الشيعة 10: 328، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 22، الحديث 4.

(5) وسائل الشيعة 10: 329، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 22، الحديث 5.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 324

و يجب علىٰ غيرهم حتّى المرتدّ بالنسبة إلىٰ زمان ردّته (4)،

______________________________

بعد إسلامه ما فات عنه حال ارتداده، أو على كون الفوات بعد الإسلام.

(4) هذه المسألة إجماعية، و العلّامة (رحمه اللّٰه) في

«التذكرة» بعد نفي وجوب القضاء عن الكافر استثنى المرتدّ منه و قال: إلّا أن يكون مرتدّاً فيجب عليه القضاء إجماعاً.

و استدلّ عليه في «الجواهر» «1» بعموم صحيحة زرارة قال: قلت له: رجل فاتته صلاة من صلاة السفر فذكرها في الحضر، قال

يقضي ما فاته كما فاته؛ إن كانت صلاة السفر أدّاها في الحضر مثلها، و إن كانت صلاة الحضر فليقض في السفر صلاة الحضر كما فاتته «2».

و فيه: أنّ الرواية منصرفة عن المرتدّ الذي لا يصحّ منه الصلاة حال ارتداده، و مورده من يصحّ منه الصلاة و نسيه و ذكرها في الحضر، فسأله أنّه كيف يصنع؟ قال (عليه السّلام)

يقضي ما فاته كما فاته.

و يظهر ما ذكرنا بطور الوضوح من صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) أنّه سئل عن رجل دخل وقت الصلاة و هو في السفر فأخّر الصلاة حتّى قدم، فهو يريد يصلّيها إذا قدم إلى أهله، فنسي حين قدم إلى أهله أن يصلّيها حتّى ذهب وقتها، قال

يصلّيها ركعتين صلاة المسافر؛ لأنّ الوقت دخل و هو مسافر كان ينبغي أن يصلّي عند ذلك «3»

، حيث إنّ الرجل الذي يريد فعل الصلاة في وقتها قادماً إلى أهله و نسيها حين قدم إلى أهله يراد به من يصحّ منه الصلاة؛ فلا يشمل الكافر.

______________________________

(1) جواهر الكلام 17: 15.

(2) وسائل الشيعة 8: 268، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 6، الحديث 1.

________________________________________

بنى فضل، مرتضى بن سيف على، مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، در يك جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، تهران - ايران، اول، 1422 ه ق

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم؛ ص: 324

(3) وسائل الشيعة 8: 268، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات،

الباب 6، الحديث 3.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 325

و كذا الحائض و النفساء و إن لم يجب عليهما قضاء الصلاة (5).

______________________________

و لا يخفى: أنّ الأدلّة القائمة على سقوط القضاء عن الكافر لا تشمل المرتدّ؛ لانصرافها إلى الكافر الأصلي و لو من جهة فهم الأصحاب.

و لا فرق في المرتدّ بين الفطري و الملّي. إن قلت: إنّ المرتدّ الفطري لا تقبل منه التوبة؛ فلا يتمكّن من القضاء؛ لكونه محكوماً بالقتل. قلت: المرتدّ الفطري لا تقبل توبته ظاهراً أي لا ترتفع آثار الارتداد بالتوبة؛ من القتل و بينونة الزوجة و تقسيم التركة بين الورثة و أمّا قبول توبته واقعاً بمعنى كونه مشمولًا لعفو ربّه الغفور الرحيم فلا مانع منه؛ و حينئذٍ يجب عليه قضاء ما فات منه حال ارتداده ما دام حيّاً و لم يقتل.

(5) وجوب قضاء الصوم على الحائض و النفساء ممّا قام به الإجماع. و تدلّ على وجوب القضاء في الصوم دون الصلاة صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج عن أبان بن تغلب عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

إنّ السنّة لا تقاس، أ لا ترى أنّ المرأة تقضي صومها و لا تقضي صلاتها؟! «1»

، و لم يصرّح في هذه الرواية بأنّ أيّ امرأة تقضي صومها و لا تقضي صلاتها لوضوح المسألة.

و تدلّ على التفصيل بين الصلاة و الصوم في الحائض بالقضاء في الصوم دون الصلاة صحيحة زرارة قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن قضاء الحائض الصلاة ثمّ تقضي الصيام، قال

ليس عليها أن تقضي الصلاة، و عليها أن تقضي صوم شهر رمضان. «2»

الخبر. و رواية الحسن بن راشد قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): الحائض تقضي الصلاة؟ قال

لا

، قلت: تقضي

الصوم؟ قال

نعم

، قلت: من

______________________________

(1) وسائل الشيعة 2: 346، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 41، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 2: 347، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 41، الحديث 2.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 326

[ (مسألة 1): قد مرّ عدم وجوب الصوم علىٰ من بلغ قبل الزوال و لم يتناول شيئاً]

(مسألة 1): قد مرّ عدم وجوب الصوم علىٰ من بلغ قبل الزوال و لم يتناول شيئاً. و كذا علىٰ من نوى الصوم ندباً و بلغ في أثناء النهار، فلا يجب عليهما القضاء لو أفطرا و إن كان أحوط (6).

______________________________

أين جاء هذا؟ قال

إنّ أوّل من قاس إبليس «1».

و مرسلة أبان عمّن أخبره عن أبي جعفر و أبي عبد اللّٰه (عليهما السّلام) قالا

الحائض تقضي الصيام و لا تقضي الصلاة «2».

و صحيحة الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه السّلام) في كتابه إلى المأمون لعنه اللّٰه عليه-

و المستحاضة تغتسل و تحتشي و تصلّي، و الحائض تترك الصلاة و لا تقضي، و تترك الصوم و تقضي «3»

، و غيرها من روايات الباب و غيره، كموثّقة سماعة قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن المستحاضة قال: فقال

تصوم شهر رمضان، إلّا الأيّام التي كانت تحيض فيهنّ ثمّ تقضيها من بعده «4»

، هذا كلّه في الحائض.

و أمّا النفساء فيجب قضاء الصوم عليها؛ لصحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج قال: سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن المرأة تلد بعد العصر أ تتمّ ذلك اليوم أم تفطر؟ قال (عليه السّلام)

تفطر و تقضي ذلك اليوم «5».

(6) قد مرّ الكلام تفصيلًا في هذه المسألة في شرح قوله (رحمه اللّٰه): «و من شرائط الوجوب أيضاً البلوغ» فراجع، فلا نطيل بالإعادة.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 2: 347، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 41، الحديث 3.

(2) وسائل الشيعة 2: 347، كتاب الطهارة،

أبواب الحيض، الباب 41، الحديث 4.

(3) وسائل الشيعة 2: 350، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 41، الحديث 9.

(4) وسائل الشيعة 10: 230، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 27، الحديث 1.

(5) وسائل الشيعة 10: 229، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 26، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 327

[ (مسألة 2): يجب القضاء علىٰ من فاته الصوم لسُكر]

(مسألة 2): يجب القضاء علىٰ من فاته الصوم لسُكر (7)؛ سواء كان شرب المسكر للتداوي أو علىٰ وجه الحرام (8)، بل الأحوط قضاؤه لو سبقت منه النية و أتمّ الصوم (9).

______________________________

(7) و الدليل على وجوب القضاء على السكران مضافاً إلى منافاة السكر للصوم عموم أدلّة وجوب القضاء على من أفطر من شهر رمضان يوماً، كصحيحة البزنطي عن المشرقي عن أبي الحسن (عليه السّلام) قال: سألته عن رجل أفطر من شهر رمضان أيّاماً متعمّداً، ما عليه من الكفّارة؟ فكتب

من أفطر يوماً من شهر رمضان متعمّداً فعليه عتق رقبة مؤمنة و يصوم يوماً بدل يوم «1»

، و غيرها من الروايات.

و قال الفاضل النراقي في «مستند الشيعة»: السكران كالمغمىٰ عليه حتّى في عدم الوجوب و إن كان السكر بفعله؛ لما مرّ من قبح تكليف غير العاقل «2»، انتهى.

(8) و ذلك للعموم المذكور، و لا دليل على تخصيصه لمن كان سكره للتداوي. و فرّق بعض فقهائنا بين ما كان شرب المسكر للتداوي و بين ما كان على وجه الحرام؛ بوجوب القضاء في الثاني دون الأوّل. و فيه: أنّ الإثم و عدمه لا مدخلية له في القضاء و عدمه؛ لعموم الدليل من غير مخصّص.

(9) من المحتمل أن يكون السكران السابق منه النية في الليل كالنائم من طلوع الفجر إلى زوال الحمرة المشرقية مع سبق

نية الصوم منه فيصحّ صومه و لا قضاء عليه، و من المحتمل أيضاً أن يكون السكر في نفسه منافياً للصوم؛ فلا يترك الاحتياط بالقضاء مع سبق النية.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 49، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 8، الحديث 11.

(2) مستند الشيعة 10: 342.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 328

[ (مسألة 3): المخالف إذا استبصر لا يجب عليه قضاء ما أتى به علىٰ وفق مذهبه]

(مسألة 3): المخالف إذا استبصر لا يجب عليه قضاء ما أتى به علىٰ وفق مذهبه (10)

______________________________

(10) هذه المسألة مشهورة، و نسبه في «الروض» إلى الأصحاب. و يدلّ عليه صحيح بريد بن معاوية العجلي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في حديث قال

كلّ عمل عمله في حال نصبه و ضلالته ثمّ منّ اللّٰه عليه و عرّفه الولاية فإنّه يؤجر عليه، إلّا الزكاة فإنّه يعيدها؛ لأنّه وضعها في غير موضعها؛ لأنّها لأهل الولاية، و أمّا الصلاة و الحجّ و الصيام فليس عليه قضاء «1».

و صحيح الفُضلاء الخمسة عن أبي جعفر و أبي عبد اللّٰه (عليهما السّلام) أنّهما قالا في الرجل يكون في بعض هذه الأهواء الحرورية هم الخوارج و المرجئة قيل هم فرقة من فِرق الإسلام يعتقدون أنّه لا يضرّ مع الأيمان معصية، كما لا ينفع مع الكفر طاعة، و عن ابن قتيبة أنّه قال: هم الذين يقولون: إنّ الإيمان قول بلا عمل، و قيل: إنّ المرجئة هم الفرقة الجبرية و العثمانية و القدرية هم المنسوبون إلى القدر، يزعمون أنّ كلّ عبد خالق فعله و لا يرون المعاصي و الكفر بتقدير اللّٰه و مشيئته ثمّ يتوب و يعرف هذا الأمر و يحسن رأيه، أ يعيد كلّ صلاة صلّاها أو صوم أو زكاة أو حجّ، أ و ليس عليه إعادة شي ء من ذلك؟ قال

ليس عليه إعادة شي ء من ذلك، غير الزكاة و لا بدّ أن يؤدّيها؛ لأنّه وضع الزكاة في غير موضعها، و إنّما موضعها أهل الولاية «2».

و صحيح ابن أُذينة قال: كتب إليّ أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام)

إنّ كلّ عمل عمله الناصب في حال ضلاله أو حال نصبه، ثمّ منَّ اللّٰه عليه و عرّفه هذا الأمر فإنّه يؤجر

______________________________

(1) وسائل الشيعة 1: 125، كتاب الطهارة، أبواب مقدمة العبادات، الباب 31، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 9: 216، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 3، الحديث 2.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 329

أو مذهب الحقّ إذا تحقّق منه قصد القربة (11)، و أمّا ما فاته في تلك الحال يجب عليه قضاؤه (12).

______________________________

عليه و يكتب له، إلّا الزكاة فإنّه يعيدها؛ لأنّه وضعها في غير موضعها، و إنّما موضعها أهل الولاية، فأمّا الصلاة و الصوم فليس عليه قضاؤهما «1».

و مصحّح محمّد بن حكيم قال: كنت عند أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) إذ دخل عليه كوفيان كانا زيديين فقالا: إنّا كنّا نقول بقول و إنّ اللّٰه منّ علينا بولايتك، فهل يقبل شي ء من أعمالنا؟ فقال

أمّا الصلاة و الصوم و الصدقة فإنّ اللّٰه يتبعكما ذلك و يلحق بكما، و أمّا الزكاة فلا؛ لأنّكما أبعدتما حقّ امرئ مسلمٍ و أعطيتماه غيره «2».

(11) و ذلك لشمول الأدلّة المتقدّمة النافية للقضاء لما أتى به صحيحاً في الواقع أو في اعتقاده. نعم شمولها لما أتى به و لم يكن صحيحاً أصلًا مشكل جدّاً، بل غير مشمول للأدلّة فيجب قضاؤها.

(12) هذه المسألة مشهورة بل ممّا تسالم عليه الأصحاب؛ و ذلك لعموم ما دلّ على وجوب القضاء. و يظهر من الشهيد في «الذكرى» عدم وجوب القضاء اعتماداً على

رواية نقلها من كتاب «الرحمة» لسعد بن عبد اللّٰه مسنداً عن رجال الأصحاب عن عمّار الساباطي قال: قال سليمان بن خالد لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) و أنا جالس: إنّي منذ عرفت هذا الأمر أُصلّي في كلّ يوم صلاتين أقضي ما فاتني قبل معرفتي؟ قال

لا تفعل؛ فإنّ الحال التي كنت عليها أعظم من ترك ما تركت من الصلاة «3»

، و قد حمل الشهيد (رحمه اللّٰه) هذه الرواية على ما ترك من شرائط الصلاة

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 217، كتاب الزكاة، أبواب المستحقين للزكاة، الباب 3، الحديث 3.

(2) وسائل الشيعة 1: 127، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 31، الحديث 5.

(3) وسائل الشيعة 1: 127، كتاب الطهارة، أبواب مقدمة العبادات، الباب 31، الحديث 4.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 330

[ (مسألة 4): لا يجب الفور في القضاء]

(مسألة 4): لا يجب الفور في القضاء (13).

______________________________

و أفعالها، و ليس المراد تركها بالكلّية.

و لا حاجة لنا إلى هذا الحمل بعد وضوح سند الرواية؛ لجهالة طريق الشهيد (رحمه اللّٰه) إلى سعد بن عبد اللّٰه صاحب كتاب «الرحمة» هو من أجلّاء الأصحاب هذا. مضافاً إلى أنّ بين سعد بن عبد اللّٰه و بين عمّار الساباطي رجال بعضها مجهول، كمحمّد بن الحسن البرّاني، فراجع في سند الرواية إلى «الوسائل» من أبواب مقدّمات العبادات.

فرع: يجب القضاء على من فاته الصوم للنوم؛ بأن كان نائماً من طلوع الفجر إلى الغروب، بل إلى زوال الظهر، من غير أن تسبق النية قبل الفجر؛ و ذلك لاشتراط النية في الصوم، و كذلك من فاته الصوم للغفلة.

(13) و تدلّ عليه مضافاً إلى إطلاق أدلّة قضاء ما فات صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

إذا كان على الرجل شي ء من

صوم شهر رمضان فليقضه في أيّ الشهور شاء

قال: قلت: أ رأيت إن بقي عليّ شي ء من صوم شهر رمضان أقضيه في ذي الحجّة؟ قال

نعم «1».

و صحيحة عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

من أفطر شيئاً من شهر رمضان في عذر فإن قضاه متتابعاً فهو (كان) أفضل، و إن قضاه متفرّقاً فحسن «2»

، وجه الدلالة: أنّ القضاء مفوّض على مشيّة المكلّف؛ فله قضاؤه متتابعاً أو متفرّقاً. فقضاؤه متفرّقاً يستلزم جواز التأخير، و ذلك واضح.

و صحيحة حفص بن البختري عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

كنّ نساء

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 344، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 27، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 10: 340، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 26، الحديث 4.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 331

..........

______________________________

النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) إذا كان عليهنّ صيام أخّرن ذلك إلى شعبان؛ كراهةً أن يمنعن رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) حاجته، فإذا كان شعبان صُمنَ و صام (معهنّ)، و كان رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) يقول: شعبان شهري «1».

فرع: لا يجب التتابع في قضاء صيام شهر رمضان إجماعاً.

و تدلّ عليه صحيحة عبد اللّٰه بن سنان المتقدّمة قال (عليه السّلام)

و إن قضاه متفرّقاً فحسن.

و موثّقة سماعة قال: سألته عمّن يقضي شهر رمضان منقطعاً؟ قال

إذا حفظ أيّامه فلا بأس «2».

و عموم صحيحة عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

كلّ صوم يفرّق إلّا ثلاثة أيّام في كفّارة اليمين «3».

و رواية سليمان بن جعفر الجعفري أنّه سأل أبا الحسن الرضا (عليه السّلام) عن الرجل يكون

عليه أيّام من شهر رمضان أ يقضيها متفرّقة؟ قال

لا بأس بتفرقة قضاء شهر رمضان، إنّما الصيام الذي لا يفرّق كفّارة الظهار و كفّارة الدم و كفّارة اليمين «4».

نعم يستحبّ التتابع في القضاء، و تدلّ عليه صحيحة عبد اللّٰه بن سنان المتقدّمة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) حيث قال

فإن قضاه متتابعاً فهو (كان) أفضل.

و رواية «الخصال» بسنده عن الأعمش عن جعفر بن محمّد (عليهما السّلام) في حديث شرائع الدين قال

و الفائت من شهر رمضان إن قضى متفرّقاً جاز، و إن قضى متتابعاً كان أفضل «5».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 486، كتاب الصوم، أبواب الصوم المندوب، الباب 28، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 10: 340، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 26، الحديث 2.

(3) وسائل الشيعة 10: 340، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 26، الحديث 3.

(4) وسائل الشيعة 10: 342، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 26، الحديث 8.

(5) وسائل الشيعة 10: 343، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 26، الحديث 11.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 332

نعم لا يجوز تأخير القضاء إلىٰ رمضان آخر على الأحوط (14)،

______________________________

(14) في المسألة قولان:

الأوّل: جواز تأخير القضاء إلى رمضان آخر؛ لعدم الدليل على حرمة التأخير، و لرواية سعد بن سعد عن رجل عن أبي الحسن (عليه السّلام) قال: سألته عن رجل يكون مريضاً في شهر رمضان ثمّ يصحّ بعد ذلك فيؤخّر القضاء سنةً أو أقلّ من ذلك أو أكثر، ما عليه في ذلك؟ قال

أُحبّ له تعجيل الصيام، فإن كان أخّره فليس عليه شي ء «1».

و فيه: أنّ الرواية مرسلة غير منجبرة.

الثاني: عدم جواز التأخير إلى رمضان آخر، و هذا القول هو المشهور

بين الأصحاب. و قد يستدلّ عليه بتوقيت القضاء بين الرمضانين و تعليل وجوب الفداء بتأخير القضاء إلى رمضان آخر، كما في مصحّح الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه السّلام) في حديث قال

إن قال: فلِمَ إذا مرض الرجل أو سافر في شهر رمضان فلم يخرج من سفره أو لم يقو مِن مرضه حتّى يدخل عليه شهر رمضان آخر وجب عليه الفداء للأوّل و سقط القضاء، و إذا أفاق بينهما أو أقام و لم يقضه وجب عليه القضاء و الفداء؟ قيل: لأنّ ذلك الصوم إنّما وجب عليه في تلك السنة في هذا الشهر، فأمّا الذي لم يفق فإنّه لمّا مرّ عليه السنة كلّها و قد غلب اللّٰه عليه فلم يجعل له السبيل إلى أدائها سقط عنه، و كذلك كلّ ما غلب اللّٰه عليه مثل المغمى الذي يغمى عليه في يوم و ليلة؛ فلا يجب عليه قضاء الصلوات، كما قال الصادق (عليه السّلام): كلّ ما غلب اللّٰه على العبد فهو أعذر له؛ لأنّه دخل الشهر و هو مريض فلم يجب عليه الصوم في شهره و لا في سنته للمرض الذي كان فيه، و وجب عليه الفداء؛ لأنّه بمنزلة من

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 337، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 25، الحديث 7.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 333

..........

______________________________

وجب عليه الصوم فلم يستطع أداه فوجب عليه الفداء، كما قال اللّٰه تعالى فَصِيٰامُ شَهْرَيْنِ مُتَتٰابِعَيْنِ. فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعٰامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً، و كما قال فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيٰامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فأقام الصدقة مقام الصيام إذا عسر عليه فإن قال: فإن لم يستطع إذا ذاك فهو الآن يستطيع؟ قيل: لأنّه لمّا دخل عليه شهر رمضان آخر وجب

عليه الفداء للماضي؛ لأنّه كان بمنزلة من وجب عليه صوم في كفّارة فلم يستطعه فوجب عليه الفداء، و إذا وجب عليه الفداء سقط الصوم و الصوم ساقط و الفداء لازم، فإن أفاق فيما بينهما و لم يصمه وجب عليه الفداء لتضييعه و الصوم لاستطاعته «1».

و رواية أبي بصير قال: سألته عن رجل مرض من رمضان إلى رمضان قابل و لم يصحّ بينهما و لم يطق الصوم، قال

يتصدّق مكان كلّ يوم أفطر على مسكين بمدّ من طعام «2»

، حيث إنّ وجوب الفداء و الصدقة في هذين الخبرين لأجل تضييع قضاء الصوم و تأخيره إلى مجي ء رمضان آخر.

و قد يستشهد لذلك بالتعبير بالتواني و التهاون و التضييع في التأخير، كما في صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر و أبي عبد اللّٰه (عليهما السّلام) قال: سألتهما عن رجل مرض فلم يصم حتّى أدركه رمضان آخر، فقالا

إن كان برئ ثمّ توانى قبل أن يدركه الرمضان الآخر صام الذي أدركه و تصدّق عن كلّ يوم بمدّ من طعام على مسكين و عليه قضاؤه. «3»

الخبر. و ذيل رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

فإن تهاون به و قد صحّ فعليه الصدقة و الصيام جميعاً. «4»

الخبر. و ذيل

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 337، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 25، الحديث 8.

(2) وسائل الشيعة 10: 339، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 25، الحديث 11.

(3) وسائل الشيعة 10: 335، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 25، الحديث 1.

(4) وسائل الشيعة 10: 337، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 25، الحديث 6.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 334

و إذا أخّر يكون

موسّعاً بعد ذلك (15).

[ (مسألة 5): لا يجب الترتيب في القضاء و لا تعيين الأيّام]

(مسألة 5): لا يجب الترتيب في القضاء و لا تعيين الأيّام، فلو كان عليه أيّام فصام بعددها بنية القضاء، كفىٰ و إن لم يعيّن الأوّل و الثاني و هكذا (16).

______________________________

مصحّح الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه السّلام) قال

فإن أفاق بينهما و لم يصمه وجب عليه الفداء لتضييعه، و الصوم لاستطاعته.

(15) لأنّ القضاء الموقّت يسقط الأمر بتوقيته بالتأخير عن وقته و لو بالعصيان، و يبقى أصل الأمر بالقضاء؛ و هو يقتضي التوسعة فيما بعد الرمضان اللاحق.

(16) المراد من الترتيب في القضاء أن ينوي قضاء اليوم الأوّل أوّلًا و الثاني ثانياً و الثالث ثالثاً و هكذا. و المراد من تعيين الأيّام نية خصوصية اليوم الذي فاته و أنّه أيّ يومٍ من أيّام الشهر.

و الدليل على عدم وجوب الترتيب و التعيين المذكورين هو الأصل، و اعتبار التعيين إنّما هو فيما اشتغلت الذمّة بأُمور مختلفة باعتبار الخصوصيات الملحوظة فيها و إن كانت مشاركة في الصورة، كصلاة الظهر و العصر و الأداء و القضاء بالنسبة إلى صلاة واحدة و النافلة و الفريضة للصبح؛ فإنّ تميّز كلّ منها من الآخر و تعيّنه يحتاج إلى التعيين في النية. بخلاف ما نحن فيه فإنّه لا خصوصية في الأيّام التي يصومها المكلّف قضاءً عن رمضان؛ فمن كان في ذمّته قضاء يومين أو أيّام من رمضان يجوز له و يكفي نية قضاء يومين أو أيّام من شهر رمضان من غير تعيين أنّه قضاء اليوم الأوّل أو الثاني و هكذا، كما أنّه لا يلزم تعيين الأيّام في نفس شهر رمضان، بل الترتيب فيه من ضرورة نفس الوقت. و نسب إلى العلّامة (رحمه اللّٰه) في «التذكرة» استحباب الترتيب، و لا دليل له

عليه.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 335

[ (مسألة 6): لو كان عليه قضاء رمضانين أو أكثر، يتخيّر بين تقديم السابق و تأخيره]

(مسألة 6): لو كان عليه قضاء رمضانين أو أكثر، يتخيّر بين تقديم السابق و تأخيره (17). نعم لو كان عليه قضاء رمضان هذه السنة مع قضاء رمضان سابق، و لم يسع الوقت لهما إلىٰ رمضان الآتي، يتعيّن قضاء رمضان هذه السنة على الأحوط (18). و لو عكس فالظاهر صحّة ما قدّمه و لزمه الكفّارة؛ أعني كفّارة التأخير (19).

______________________________

(17) التخيير بين تقديم قضاء رمضان سابق و تأخيره إنّما هو في الوقت الموسّع؛ بأن كان عليه خمسة أيّام مثلًا من رمضان سابق و خمسة اخرى من رمضان لاحق و أراد قضاء الخمستين بعد الرمضان اللاحق قبل العشر الآخر من شعبان، و كذلك لو كان عليه قضاء أكثر من رمضانين. و الدليل على عدم وجوب تقديم الفائت السابق على اللاحق أو تقديم الفائت اللاحق على السابق هو الأصل.

(18) لو كان عليه قضاء خمسة أيّام من رمضان سابق و خمسة اخرى من رمضان لاحق و أخّر قضاءهما إلى أن بقيت خمسة أيّام من شعبان إلى رمضان ثالث، فقد علم ممّا سبق أنّ قضاء رمضان الأوّل صار موسّعاً بتأخيره و فوته إلى رمضان الثاني. و أمّا قضاء خمسة أيّام من رمضان اللاحق الثاني فيتعيّن قهراً بتأخيره إلى أن تبقى خمسة أيّام من شعبان.

(19) يعني لو قدّم قضاء رمضان السابق على اللاحق في وقت يتعيّن عليه قضاء اللاحق فالظاهر صحّته؛ و ذلك لأنّ قضاء رمضان اللاحق و إن كان مضيّقاً في أيّام بقيت من شعبان بمقدار يسع القضاء فقط، لكنّه ليس بحيث لو ترك القضاء في تلك الأيّام لا يصحّ غيره من الصيام، كما في شهر رمضان حيث لا يصحّ فيه صوم غير

رمضان؛ إذن فيصحّ قضاء رمضان سابق في تلك الأيّام، نعم لزمه كفّارة تأخير قضاء رمضان لاحق، و ذلك واضح.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 336

[ (مسألة 7): لو فاته صوم شهر رمضان لمرض أو حيض أو نفاس و مات قبل أن يخرج منه، لم يجب القضاء]

(مسألة 7): لو فاته صوم شهر رمضان لمرض أو حيض أو نفاس و مات قبل أن يخرج منه، لم يجب القضاء (20)،

______________________________

(20) و الدليل على عدم وجوب القضاء في المريض الأخبار المستفيضة:

منها: صحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السّلام) قال: سألته عن رجل أدركه رمضان و هو مريض فتوفّي قبل أن يبرأ، قال

ليس عليه شي ء، و لكن يقضىٰ عن الذي يبرأ ثمّ يموت قبل أن يقضي «1».

و منها: صحيحة منصور بن حازم قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن المريض في شهر رمضان فلا يصحّ حتّى يموت، قال

لا يقضىٰ عنه

، و الحائض تموت في شهر رمضان، قال

لا يقضىٰ عنها «2».

و منها: موثّقة سماعة قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل دخل عليه شهر رمضان و هو مريض لا يقدر على الصيام فمات في شهر رمضان أو في شهر شوّال، قال

لا صيام عليه و لا يقضىٰ عنه

، قلت: فامرأة نفساء دخل عليها شهر رمضان و لم تقدر على الصوم فماتت في شهر رمضان أو في شهر شوّال، فقال

لا يقضى عنها «3».

و منها: صحيحة أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن امرأة مرضت في شهر رمضان و ماتت في شوّال فأوصتني أن أقضي عنها، قال

هل برئت من مرضها؟

قلت: لا، ماتت فيه، قال

لا يقضىٰ عنها؛ فإنّ اللّٰه لم يجعله عليها

، قلت: فإنّي أشتهي أن أقضي عنها و قد أوصتني بذلك، قال

كيف تقضي عنها شيئاً

______________________________

(1) وسائل الشيعة

10: 329، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 23، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 10: 332، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 23، الحديث 9.

(3) وسائل الشيعة 10: 332، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 23، الحديث 10.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 337

..........

______________________________

لم يجعله اللّٰه عليها، فإن اشتهيتَ أن تصوم لنفسك فصم «1».

و منها: مرسلة عبد اللّٰه بن بكير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في رجل يموت في شهر رمضان، قال

ليس على وليه أن يقضي عنه ما بقي من الشهر. «2»

الخبر.

و لا يخفى: أنّ بعض روايات الباب صريح في عدم وجوب القضاء على المريض لو مات بعد رمضان و استمرّ عذره إلى حين الموت فيما بعد رمضان، كما في صحيحة أبي بصير المتقدّمة: «و ماتت في شوّال»، فلا وجه لتقييد الموت بما قبل الخروج من شهر رمضان.

و يدلّ على عدم وجوب القضاء في الحائض صحيحة أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: سألته عن امرأة مرضت في شهر رمضان أو طمثت أو سافرت قبل خروج شهر رمضان، هل يقضىٰ عنها؟ قال

أمّا الطمث و المرض فلا، و أمّا السفر فنعم «3».

و صحيحة منصور بن حازم المتقدّمة، و صحيحة حريز عن محمّد بن مسلم قال: سألته عن الحائض تفطر في شهر رمضان أيّام حيضها فإذا أفطرت ماتت، قال

ليس عليها شي ء «4».

و صحيحة اخرى لمنصور بن حازم عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في الرجل يسافر في شهر رمضان فيموت، قال

يقضىٰ عنه، و إن امرأة حاضت في شهر رمضان فماتت لم يقض عنها، و المريض في شهر رمضان لم يصحّ حتّى مات لا يقضىٰ

عنه «5».

و صحيحة محمّد بن مسلم عن

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 332، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 23، الحديث 12.

(2) وسائل الشيعة 10: 333، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 23، الحديث 13.

(3) وسائل الشيعة 10: 330، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 23، الحديث 4.

(4) وسائل الشيعة 10: 333، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 23، الحديث 14.

(5) وسائل الشيعة 10: 334، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 23، الحديث 15.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 338

و إن استُحبّ النيابة عنه (21).

______________________________

أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في امرأة مرضت في شهر رمضان أو طمثت أو سافرت فماتت قبل أن يخرج رمضان هل يقضىٰ عنها؟ فقال

أمّا الطمث و المرض فلا، و أمّا السفر فنعم «1».

و أمّا ما يدلّ على وجوب القضاء في النفساء فموثّق سماعة المتقدّم.

فرع: لو فاته صوم شهر رمضان لسفر و مات قبل أن يخرج منه يجب قضاؤه عنه، و سيأتي الاستدلال عليه في البحث عن المسألة الثامنة من مسائل «القول في قضاء صوم شهر رمضان».

(21) استحباب النيابة متفرّع على أنّ نفي القضاء عن الميّت مترتّب على عدم الوجوب عليه فلا مانع حينئذٍ من استحباب النيابة.

و لكن من المحتمل قويّاً أن يكون نفي القضاء عن الميّت لأجل عدم الجعل من ناحية الشارع؛ فلا مشروعية للقضاء عنه حينئذٍ، فلا معنى للنيابة.

و تدلّ عليه صحيحة أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) المتقدّمة حيث علّل (عليه السّلام) نفي القضاء عنها بأنّ اللّٰه لم يجعله عليها. إلى أن قال (عليه السّلام)

كيف تقضي عنها شيئاً لم يجعله اللّٰه عليها؟! «2»

فالقضاء ليس مجعولًا من اللّٰه تعالى عليها و لم

يكن مشروعاً فكيف يستناب و يقضى عنها شي ء لم يجعله اللّٰه عليها؟!

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 334، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 23، الحديث 16.

(2) وسائل الشيعة 10: 332، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 23، الحديث 12.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 339

[ (مسألة 8): لو فاته صوم شهر رمضان أو بعضه لعذر، و استمرّ إلىٰ رمضان آخر]

(مسألة 8): لو فاته صوم شهر رمضان أو بعضه لعذر، و استمرّ إلىٰ رمضان آخر، فإن كان العذر هو المرض سقط قضاؤه، و كفّر عن كلّ يوم بمُدّ (22)،

______________________________

(22) اختلف الأصحاب في سقوط القضاء عن المريض المستمرّ مرضه إلى رمضان آخر و وجوب الكفّارة عليه بمدّ على أقوال ثلاثة:

الأوّل: و هو المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة سقوط القضاء عنه و وجوب الكفّارة عليه بمدّ؛ و ذلك لأنّ الآية فَمَنْ كٰانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّٰامٍ أُخَرَ «1» و إن دلّت على وجوب القضاء على المريض مطلقاً لكنّها مخصّصة بأخبار معتبرة، ادّعى في «الجواهر» تواترها قال (رحمه اللّٰه): فلا بأس بدعوى تواترها:

منها: ذيل صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام) و أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألتهما عن رجل مرض فلم يصم حتّى أدركه رمضان آخر، فقالا

إن كان برئ ثمّ توانى قبل أن يدركه الرمضان الآخر صام الذي أدركه و تصدّق عن كلّ يوم بمدّ من طعام على مسكين و عليه قضاؤه، و إن كان لم يزل مريضاً حتّى أدركه رمضان آخر صام الذي أدركه و تصدّق عن الأوّل لكلّ يوم مدّ على مسكين، و ليس عليه قضاؤه «2».

و صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) في الرجل يمرض فيدركه شهر رمضان و يخرج عنه و هو مريض و لا يصحّ حتّى

يدركه شهر رمضان آخر، قال

يتصدّق عن الأوّل و يصوم الثاني، فإن كان صحّ فيما بينهما و لم يصم حتّى أدركه شهر

______________________________

(1) البقرة (2): 184.

(2) وسائل الشيعة 10: 335، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 25، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 340

..........

______________________________

رمضان آخر صامهما جميعاً و يتصدّق عن الأوّل «1».

و ذيل رواية أبي الصباح الكناني قال (عليه السّلام)

و إن تتابع المرض عليه فلم يصحّ فعليه أن يطعم لكلّ يوم مسكيناً «2»

، هذه الرواية ضعيفة بمحمّد بن فضيل بن كثير الأزدي؛ لرميه إلى الغلوّ.

و صحيحة عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

من أفطر شيئاً من رمضان في عذر ثمّ أدرك رمضان آخر و هو مريض فليتصدّق بمدّ لكلّ يوم، فأمّا أنا فإنّي صُمت و تصدّقت «3».

و رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

إذا مرض الرجل من رمضان إلى رمضان ثمّ صحّ فإنّما عليه لكلّ يوم أفطره فدية طعام؛ و هو مدّ لكلّ مسكين. «4»

الخبر.

و مصحّح الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه السّلام) المتقدّم تفصيلًا حيث سئل عنه (عليه السّلام): أنّه إذا لم يقو من مرضه حتّى يدخل عليه شهر رمضان آخر و أجاب بأنّه وجب عليه الفداء و سقط القضاء «5».

و صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السّلام) قال: سألته عن رجل تتابع عليه رمضانان لم يصحّ فيهما ثمّ صحّ بعد ذلك، كيف يصنع؟ قال

يصوم الأخير و يتصدّق عن الأوّل بصدقة لكلّ يوم مدّ من طعام لكلّ مسكين «6».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 335، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 25، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 10: 336، كتاب

الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 25، الحديث 3.

(3) وسائل الشيعة 10: 336، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 25، الحديث 4.

(4) وسائل الشيعة 10: 337، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 25، الحديث 6.

(5) وسائل الشيعة 10: 337، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 25، الحديث 8.

(6) وسائل الشيعة 10: 338، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 25، الحديث 9.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 341

..........

______________________________

و صحيحة أُخرى لعلي بن جعفر (عليه السّلام) عن أخيه قال: سألته عن رجل مرض في شهر رمضان فلم يزل مريضاً حتّى أدركه شهر رمضان آخر فبرئ فيه كيف يصنع؟ قال

يصوم الذي يبرأ فيه و يتصدّق عن الأوّل؛ كلّ يوم بمدّ من طعام «1».

و رواية محمّد بن مسعود العيّاشي في «تفسيره» عن أبي بصير قال: سألته عن رجل مرض من رمضان إلى رمضان قابل و لم يصحّ بينهما و لم يطق الصوم، قال

يتصدّق مكان كلّ يوم أفطر على مسكين بمدّ من طعام. «2»

الخبر.

القول الثاني في المسألة: وجوب القضاء دون الكفّارة، نسب هذا القول إلى ابني عقيل و بابويه و الشيخ في «الخلاف» و ابني زهرة و إدريس و العلّامة في «التحرير». و استدلّ عليه بعموم الكتاب فَمَنْ كٰانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً. إلى آخره، و أنّ الأخبار الواردة في نفي القضاء و إيجاب المدّ أخبار آحاد ليست حجّة؛ فلا يخصّص عموم الكتاب بها.

و فيه أوّلًا: أنّه قد ثبت في الأُصول تخصيص عمومات الكتاب بالخبر الواحد الذي ثبتت حجّيته بالأدلّة. و ثانياً: أنّ أخبار الباب قطعية بالتواتر أو بالقرائن.

و القول الثالث في المسألة: هو الاحتياط بالجمع بين القضاء و الفدية؛ جمعاً بين الآية الدالّة على

وجوب القضاء و الأخبار الدالّة على وجوب المدّ، و تحصيلًا لليقين بالفراغ. حكي هذا القول عن ابن جنيد، و استدلّ عليه بموثّقة سماعة قال: سألته عن رجل أدركه رمضان و عليه رمضان قبل ذلك لم يصمه، فقال

يتصدّق بدل كلّ يوم من الرمضان الذي كان عليه بمدّ من طعام، و ليصم هذا الذي أدركه، فإذا أفطر فليصم رمضان الذي كان عليه. «3»

الخبر.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 339، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 25، الحديث 10.

(2) وسائل الشيعة 10: 339، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 25، الحديث 11.

(3) وسائل الشيعة 10: 336، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 25، الحديث 5.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 342

و لا يجزي القضاء عن التكفير (23).

______________________________

قال صاحب «الجواهر»: إنّ هذه الرواية ضعيفة و مرسلة، و لعلّ ضعفها في نظره بعثمان بن عيسى العامري الكلابي الرواسي، و أنّه كان منحرفاً عن الحقّ و معارضاً للرضا (عليه السّلام) غير معترف بإمامته، و كان عنده أموال الإمام الرضا (عليه السّلام) و لم يردّها إليه (عليه السّلام) و سخط عليه الإمام (عليه السّلام)، و لا تثبت توبته برواية نصر بن الصباح الغالي في مذهبه.

و فيه: أنّه و إن كان واقفياً كذائياً إلّا أنّه كان ثقة بشهادة ابن قولويه و الشيخ و علي بن إبراهيم و ابن شهرآشوب، و نقل الكشّي قولًا بأنّه ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنهم.

أقول: كونه من أصحاب الإجماع لم يثبت، و هو و إن كان موثّقاً في نفسه لكن روايته هذه مضمرة، هذا أوّلًا. و ثانياً: أنّ الرواية على فرض اعتبارها لا تعارض الأخبار النافية للقضاء؛ لاشتهارها بل تواترها على ما نقلنا

عن صاحب «الجواهر» (رحمه اللّٰه). و ثالثاً: أنّه محمول على الاستحباب، كما صنعه الشيخ (رحمه اللّٰه) بقرينة صحيحة عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) المتقدّمة، قال (عليه السّلام)

فليتصدّق بمدّ لكلّ يوم، فأمّا أنا فإنّي صمت و تصدّقت «1».

(23) قال العلّامة في «التحرير»: و لو استمرّ به المرض إلى رمضان الثاني و لم يصحّ فيما بينهما صام الحاضر، و هل يقضي الفائت؟

قال ابن بابويه: نعم و لا كفّارة، و قال الشيخان: يكفّر عن كلّ يوم بما تقدّم بمدّين و أقلّه مدّ و لا قضاء عليه. و الوجه عندي قول ابن بابويه، و على قول

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 336، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 25، الحديث 4.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 343

و إن كان العذر غير المرض كالسفر و نحوه، فالأقوىٰ وجوب القضاء فقط (24).

______________________________

الشيخين لو صام و لم يكفّر فالوجه الإجزاء «1»، انتهى.

لا يخفى ما في «الجواهر» و «مستمسك العروة» و «مستند العروة» من نسبة القول بإجزاء القضاء عن الكفّارة إلى «تحرير» العلّامة، و الحال أنّه (رحمه اللّٰه) اختار قول ابن بابويه في المسألة من وجوب القضاء دون الكفّارة، فكيف نسب إليه القول بإجزاء القضاء عن الكفّارة؟! و الصحيح في النسبة إليه أن يقال: إنّه إن تسالم على قول الشيخين قال بإجزاء القضاء عن المدّ.

و كيف كان: و لعلّ إجزاء القضاء عن التكفير باعتبار أنّ الكفّارة بدل ترخيصي عن القضاء، لا أنّه متعيّن.

و فيه: أنّ الأمر الوارد بالكفّارة في الروايات المتقدّمة ظاهر في التعيين، بل في بعضها نفي القضاء كما في ذيل صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) المتقدّمة، قال (عليه السّلام)

و تصدّق

عن الأوّل لكلّ يوم مدّ على مسكين، و ليس عليه قضاؤه «2».

(24) وجه وجوب القضاء فيما كان العذر غير المرض هو إطلاق أدلّة وجوب القضاء، فيقتصر في الخروج عنه على مورد النصّ؛ و هو المرض.

و نسب إلى ابن عقيل و الشيخ في «الخلاف» إلحاق السفر بالمرض في كونه موجباً للكفّارة فقط، و استشهد له بمصحّح الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه السّلام) في حديث قال

إن قال: فلِمَ إذا مرض الرجل أو سافر في شهر رمضان فلم يخرج من سفره أو لم يقو من مرضه حتّى يدخل عليه شهر رمضان آخر وجب عليه

______________________________

(1) تحرير الأحكام 1: 83/ السطر 24.

(2) وسائل الشيعة 10: 335، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 25، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 344

و كذا إن كان سبب الفوت هو المرض و سبب التأخير عذراً آخر (25) أو العكس (26).

______________________________

الفداء للأوّل و سقط القضاء. «1»

الخبر.

و فيه: أنّ هذا الخبر، مع قطع النظر عن سنده قد وقع في طريق الصدوق (رحمه اللّٰه) إلى الفضل بن شاذان بعض من لم يثبت وثوقه و لا مدحه، كعبد الواحد بن محمّد بن عبدوس و إن كان من مشايخ الصدوق، و من ليس في كتب الرجال عنه عين و لا أثر، كجعفر بن علي بن شاذان معرض عنه عند الأصحاب بالنسبة إلى السفر؛ حتّى من ابن أبي عقيل و الشيخ في «الخلاف» فإنّهما اختارا القضاء دون الكفّارة فيما كان العذر هو المرض؛ فإذا ألحق السفر بالمرض كان حكمه حكمه.

(25) أي يجب القضاء دون الكفّارة فيما كان سبب الفوت في شهر رمضان هو المرض، و سبب التأخير إلى رمضان آخر عذر آخر غير المرض كالسفر

و نحوه؛ و ذلك لأنّ النصوص الموجبة للكفّارة بدون القضاء موردها ما كان سبب الفوت و التأخير هو المرض؛ فلا تشمل ما كان سبب الفوت هو المرض و سبب التأخير عذر آخر، فيبقى تحت عموم وجوب القضاء.

(26) بأن كان سبب الفوت هو السفر مثلًا و سبب التأخير هو المرض؛ فحينئذٍ يجب القضاء؛ لأنّ الظاهر من النصوص المتقدّمة كصحيحة محمّد بن مسلم «2» و زرارة «3» و علي بن جعفر «4» هو أنّ سقوط القضاء إنّما هو فيما كان سبب

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 337، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 25، الحديث 8.

(2) وسائل الشيعة 10: 335، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 25، الحديث 1.

(3) وسائل الشيعة 10: 335، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 25، الحديث 2.

(4) وسائل الشيعة 10: 339، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 25، الحديث 10.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 345

لكن لا ينبغي ترك الاحتياط بالجمع بين القضاء و المدّ (27)، خصوصاً إذا كان العذر هو السفر، و كذا في الفرع الأخير (28).

[ (مسألة 9): لو فاته شهر رمضان أو بعضه لا لعذر]

(مسألة 9): لو فاته شهر رمضان أو بعضه لا لعذر بل متعمّداً و لم يأتِ بالقضاء إلىٰ رمضان آخر، وجب عليه مضافاً إلىٰ كفّارة الإفطار العمدي التكفير بمُدّ بدل كلّ يوم و القضاء فيما بعد (29).

______________________________

الفوت هو المرض؛ فلا يشمل ما كان سبب الفوت غير المرض و إن كان سبب التأخير هو المرض؛ فيجب القضاء لعموم دليله.

نعم لقائل أن يقول: إنّ صحيحة عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه المتقدّمة تدلّ على وجوب الكفّارة فيما كان الإفطار بعذر من الأعذار مرضاً كان أو غيره قال (عليه السّلام)

من أفطر شيئاً

من رمضان في عذر. «1»

الخبر.

و فيه: أنّه قد صرّح في الصحاح الأُخر بالمرض، فيقيّد العذر المطلق في صحيحة عبد اللّٰه بن سنان بتلك الصحاح المقيّدة بالمرض.

(27) وجه الاحتياط هو العمل بجميع الأقوال في المسألة.

(28) أي لا ينبغي ترك الاحتياط بالجمع بين القضاء و المدّ؛ خصوصاً إذا كان العذر في فوت شهر رمضان أو بعضه هو السفر، و كذا لا ينبغي تركه فيما إذا كان العذر هو المرض و سبب التأخير عذراً آخر أو العكس، و هو المراد من الفرع الأخير.

(29) لا كلام و لا إشكال في وجوب إحدى خصال الكفّارة للإفطار العمدي، و كذا لا إشكال في وجوب القضاء فيما بعد لتأخيره عن الرمضان اللاحق مع

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 336، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 25، الحديث 4.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 346

و كذا يجب التكفير بمُدّ لو فاته لعذر، و لم يستمرّ ذلك العذر و لم يطرأ عذر آخر، فتهاون حتّى جاء رمضان آخر (30).

______________________________

الإمكان فيما بين الرمضانين. و إنّما الكلام في وجوب التكفير بمدّ.

و يدلّ على وجوبه خبر أبي الصباح الكناني المتقدّم قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل عليه من شهر رمضان طائفة ثمّ أدركه شهر رمضان قابل، قال

عليه أن يصوم و أن يطعم كلّ يوم مسكيناً. «1»

الخبر. حيث إنّ اشتغال ذمّته على طائفة من شهر رمضان يشمل ما كان فوته عن عمد و بغير عذر.

و موثّقة سماعة قال: سألته عن رجل أدركه رمضان و عليه رمضان قبل ذلك لم يصمه، فقال

يتصدّق بدل كلّ يوم من الرمضان الذي كان عليه بمدّ. «2»

الخبر، حيث إنّ ترك صوم رمضان قبل ذلك يشمل ما كان تركه

عن عمدٍ.

(30) من فاته صوم شهر رمضان لعذر ثمّ زال ذلك العذر و لم يطرأ عليه عذر آخر بين الرمضانين و كان فعل القضاء ممكناً له فتهاون و أخّره حتّى جاء رمضان آخر، فعليه المدّ و القضاء معاً.

و يدلّ عليه صحيح محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام) و أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألتهما عن رجل مرض فلم يصم حتّى أدركه رمضان آخر، فقالا

إن كان برئ ثمّ توانىٰ قبل أن يدركه الرمضان الآخر صام الذي أدركه و تصدّق عن كلّ يوم بمدّ من طعام على مسكين و عليه قضاؤه «3».

و صحيح زرارة المتقدّم عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

فإن كان صحّ بينهما و لم يصم حتّى أدركه شهر رمضان آخر

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 336، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 25، الحديث 3.

(2) وسائل الشيعة 10: 336، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 25، الحديث 5.

(3) وسائل الشيعة 10: 335، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 25، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 347

و لو كان عازماً على القضاء بعد ارتفاع العذر، فاتّفق عذر آخر عند الضيق، فالأحوط الجمع بين الكفّارة و القضاء (31).

______________________________

صامهما جميعاً و يتصدّق عن الأوّل «1».

و صحيح أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

و إن صحّ فيما بين الرمضانين فإنّما عليه أن يقضي الصيام، فإن تهاون به و قد صحّ فعليه الصدقة و الصيام جميعاً لكلّ يومٍ مدّاً. «2»

الخبر. و ما رواه العيّاشي في «تفسيره» عن أبي بصير قال

فإن صحّ فيما بين الرمضانين فتوانى أن يقضيه حتّى جاء الرمضان الآخر فإنّ عليه الصوم و الصدقة جميعاً؛ يقضي

الصوم و يتصدّق من أجل أنّه ضيع ذلك الصيام «3».

و مصحّح الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه السّلام) قال

فإن أفاق فيما بينهما و لم يصمه وجب عليه الفداء لتضييعه، و الصوم لاستطاعته «4».

(31) وجه الاحتياط: أنّه من المحتمل أن يكون مجرّد ترك الصوم بين الرمضانين مع إمكان القضاء بارتفاع العذر كافياً في وجوب القضاء و الكفّارة. و يمكن استفادته من صحيحة زرارة المتقدّمة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

فإن كان صحّ فيما بينهما و لم يصم حتّى أدركه شهر رمضان آخر صامهما جميعاً و يتصدّق عن الأوّل «5».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 335، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 25، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 10: 337، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 25، الحديث 6.

(3) وسائل الشيعة 10: 339، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 25، الحديث 11.

(4) وسائل الشيعة 10: 337، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 25، الحديث 8.

(5) وسائل الشيعة 10: 335، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 25، الحديث 2.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 348

[ (مسألة 10): لا يتكرّر كفّارة التأخير بتكرّر السنين]

(مسألة 10): لا يتكرّر كفّارة التأخير بتكرّر السنين، فإذا فاته ثلاثة أيّام من ثلاث رمضانات متتاليات و لم يقضها، وجب عليه كفّارة واحدة للأوّل، و كذا للثاني، و القضاء فقط للثالث إذا لم يتأخّر إلىٰ رمضان الرابع (32).

______________________________

و موثّقة سماعة عن رجل أدركه رمضان و عليه رمضان قبل ذلك لم يصمه، فقال

يتصدّق بدل كلّ يوم من الرمضان الذي كان عليه بمدّ من طعام، و ليصم هذا الذي أدركه، فإذا أفطر فليصم رمضان الذي كان عليه. «1»

الخبر، حيث إنّ قوله: «لم يصمه» مطلق يشمل ما لو كان عازماً

على فعل القضاء و لكنّه لم يصمه لاتّفاق عذر آخر. و قال العلّامة في «التذكرة» بوجوب القضاء إجماعاً و لا كفّارة عليه؛ لعدم التفريط منه.

(32) وجه كفاية كفّارة واحدة أي مدّ واحد ليوم واحد قضى من الرمضان الأوّل، هو صدق الامتثال بالمرّة، من غير فرق في المدّ بين أن يكون لاستمرار العذر في السنين أو للتهاون في التأخير.

و يدلّ على كفاية المدّ الواحد مع مضيّ سنين موثّق سماعة قال: سألته. إلى أن قال (عليه السّلام)

فإنّي كنت مريضاً فمرّ عليّ ثلاث رمضانات لم أصحّ فيهنّ ثمّ أدركت رمضاناً آخر فتصدّقت بدل كلّ يوم ممّا مضى بمدّ من طعام «2»

، و لا يخفى: أنّه من المستبعد أن يؤخّر المعصوم (عليه السّلام) كفّارة الرمضان الأوّل إلى ما بعد السنين؛ فالاستدلال بالرواية على المطلوب كما ترى.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 336، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 25، الحديث 5.

(2) نفس المصدر.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 349

[ (مسألة 11): يجوز إعطاء كفّارة أيّام عديدة من رمضان واحد أو أزيد لفقير واحد]

(مسألة 11): يجوز إعطاء كفّارة أيّام عديدة من رمضان واحد أو أزيد لفقير واحد، فلا يجب إعطاء كلّ فقير مُدّاً واحداً ليوم واحد (33).

[ (مسألة 12): يجوز الإفطار قبل الزوال في قضاء شهر رمضان ما لم يتضيّق]

(مسألة 12): يجوز الإفطار قبل الزوال في قضاء شهر رمضان ما لم يتضيّق. و أمّا بعد الزوال فيحرم، بل تجب به الكفّارة و إن لم يجب الإمساك بقيّة اليوم. و الكفّارة هنا إطعام عشرة مساكين لكلّ مسكين مُدّ، فإن لم يمكنه صام ثلاثة أيّام (34).

______________________________

(33) و ذلك لمقتضى إطلاق المسكين في أدلّة وجوب المدّ، حيث إنّه مطلق يشمل الواحد و الكثير؛ فيجوز إعطاء ثلاثين مدّاً من ثلاثين يوماً مثلًا لمسكين واحد. و هذا بخلاف الكفّارة في الإفطار العمدي من شهر رمضان؛ فإنّ الواجب فيه الإطعام لخصوص ستّين مسكيناً، فلا يكفي الإطعام ستّين مرّة لفقير واحد مثلًا.

(34) و يدلّ على جواز إفطار صوم قضاء شهر رمضان قبل الزوال صحيح جميل بن درّاج عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) أنّه قال في الذي يقضي شهر رمضان

إنّه بالخيار إلى زوال الشمس، فإن كان تطوّعاً فإنّه إلى الليل بالخيار «1».

و صحيح عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

صوم النافلة لك أن تفطر ما بينك و بين الليل متى ما شئت، و صوم قضاء الفريضة لك أن تفطر إلى زوال الشمس، فإذا زالت الشمس فليس لك أن تفطر «2».

و موثّق إسحاق بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

الذي يقضي شهر رمضان هو بالخيار في الإفطار ما بينه و بين أن تزول الشمس، و في التطوّع

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 16، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم و نيته، الباب 4، الحديث 4.

(2) وسائل الشيعة 10: 18، كتاب الصوم، أبواب

وجوب الصوم و نيته، الباب 4، الحديث 9.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 350

..........

______________________________

ما بينه و بين أن تغيب الشمس «3»

، قد وقع في سند الرواية زكريا بن محمّد أبو عبد اللّٰه المؤمن، و هو و إن لم يوثق في كتب الرجال إلّا أنّه قد وقع في أسناد «كامل الزيارات».

و موثّق سماعة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في قوله

الصائم بالخيار إلى زوال الشمس

، قال (عليه السّلام)

إنّ ذلك في الفريضة، فأمّا النافلة فله أن يفطر أيّ وقت شاء إلى غروب الشمس «4».

و صحيح هشام بن سالم قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): رجل وقع على أهله و هو يقضي شهر رمضان، فقال

إن كان وقع عليها قبل صلاة العصر فلا شي ء عليه يصوم يوماً بدل يوم، و إن فعل بعد العصر، صام ذلك اليوم و أطعم عشرة مساكين، فإن لم يمكنه صام ثلاثة أيّام كفّارة لذلك «1».

و يدلّ على حرمة إفطار القضاء بعد الزوال ذيل صحيحة ابن سنان المتقدّمة قال (عليه السّلام)

فإذا زالت الشمس فليس لك أن تفطر

، و مفهوم الروايات المتقدّمة المغيّا فيها جواز الإفطار بغاية زوال الشمس فلا يجوز بعده، هذا.

و يظهر من بعض الروايات عدم جواز الإفطار في القضاء قبل الزوال، كما في صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج قال: سألته عن الرجل يقضي رمضان إله أن يفطر بعد ما يصبح قبل الزوال إذا بدا له؟ فقال

إذا كان نوى ذلك من الليل و كان من قضاء رمضان فلا يفطر و يتمّ صومه «2».

و مقتضى الجمع بين هذه الصحيحة و بين الروايات المجوّزة للإفطار قبل

______________________________

(3) وسائل الشيعة 10: 18، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم و نيته، الباب 4، الحديث

10.

(4) وسائل الشيعة 10: 17، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم و نيته، الباب 4، الحديث 8.

(1) وسائل الشيعة 10: 347، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 29، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 10: 17، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم و نيته، الباب 4، الحديث 6.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 351

..........

______________________________

الزوال حملها على استحباب الإتمام و كراهة الإفطار، أو على القضاء المضيّق وقته.

و يدلّ على وجوب الكفّارة صحيح بريد العجلي عن أبي جعفر (عليه السّلام) في رجل أتى أهله قبل زوال الشمس،

فلا شي ء عليه إلّا يوم مكان يوم، و إن كان أتى أهله بعد زوال الشمس فإنّ عليه أن يتصدّق على عشرة مساكين، فإن لم يقدر صام يوماً مكان يوم و صام ثلاثة أيّام كفّارة لما صنع «1».

و ذيل صحيحة هشام بن سالم المتقدّمة قال (عليه السّلام)

و أطعم عشرة مساكين، فإن لم يمكنه صام ثلاثة أيّام كفّارة لذلك.

و قد يعارض دليل وجوب الكفّارة بموثّقة عمّار الساباطي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) أنّه سئل عن الرجل يكون عليه أيّام من شهر رمضان. إلى أن قال: سئل: فإن نوى الصوم ثمّ أفطر بعد ما زالت الشمس؟ قال

قد أساء و ليس عليه شي ء إلّا قضاء ذلك اليوم الذي أراد أن يقضيه «2»

، هذه الموثّقة تدلّ على حرمة الإفطار في قضاء شهر رمضان؛ لقوله (عليه السّلام)

قد أساء

و هي و إن كانت صريحة في نفي الكفّارة إلّا أنّها معرض عنها عند الأصحاب. و قد حمله الشيخ (رحمه اللّٰه) على العجز عن الكفّارة، و قد حمله صاحب «الوسائل» (رحمه اللّٰه) على عدم وجوب أكثر من يوم في قضائه، و هذا الحمل خلاف الظاهر. و لا يخفى: أنّ المشهور

في مقدار الكفّارة في إفطار قضاء شهر رمضان ما ذكر من إطعام عشرة مساكين؛ لكلّ واحد منهم مدّ، و مع العجز عنه فصيام ثلاثة أيّام.

و يقابل المشهور أقوال أُخر كلّها خلاف المشهور:

منها: القول بأنّ كفّارته عبارة عن كفّارة الإفطار العمدي في صوم شهر رمضان، نسب هذا القول إلى الصدوق (رحمه اللّٰه) في «الرسالة» و «المقنع»، و احتمله

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 15، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم و نيته، الباب 4، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 10: 348، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 29، الحديث 4.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 352

..........

______________________________

الشيخ (رحمه اللّٰه) في «التهذيب» و «الاستبصار»، و حكاه العلّامة (رحمه اللّٰه) في «المختلف» عن القاضي. و استدلّ عليه بالموثّقة عن زرارة قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن رجل صام قضاء من شهر رمضان فأتى النساء، قال

عليه من الكفّارة ما على الذي أصاب في شهر رمضان؛ لأنّ ذلك اليوم عند اللّٰه من أيّام رمضان «1».

و مرسلة الصدوق قال: و قد روي

أنّه إن أفطر قبل الزوال فلا شي ء عليه، و إن أفطر بعد الزوال فعليه الكفّارة، مثل ما على من أفطر يوماً من شهر رمضان «2».

و فيه: أنّ الخبر الثاني مرسل غير منجبر، و الروايتان كلتاهما معرض عنهما عند الأصحاب، و قد حمل الشيخ الخبرين على الاستحباب.

و منها: القول بأنّ كفّارته كفّارة الإفطار العمدي في شهر رمضان مع الاستخفاف، حكي هذا القول عن ابن حمزة.

و منها: القول بالتوقّف، اختاره صاحب «الحدائق» و النراقي في «مستند الشيعة».

بقي الكلام في وجه عدم وجوب الإمساك في بقية اليوم، و الدليل عليه أصالة البراءة، و وجوب الإمساك تأدّباً مختصّ بشهر رمضان.

فرعان: الأوّل: لا يجوز

الإفطار قبل الزوال في قضاء شهر رمضان فيما كان وقته مضيّقاً، بناءً على عدم جواز التأخير عن الوقت المذكور كما هو المشهور المختار لما ذكرنا تفصيلًا في شرح المسألة الرابعة من «القول في قضاء صوم شهر رمضان»، فراجع.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 348، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 29، الحديث 3.

(2) وسائل الشيعة 10: 349، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 29، الحديث 5.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 353

[ (مسألة 13): الصوم كالصلاة في أنّه يجب على الوليّ قضاء ما فات عن الميّت مطلقاً]

(مسألة 13): الصوم كالصلاة في أنّه يجب على الوليّ قضاء ما فات عن الميّت مطلقاً (35).

______________________________

و أمّا بناءً على القول بجواز تأخير القضاء إلى رمضان آخر فيجوز الإفطار قبل الزوال. و بناءً على عدم الجواز قبل الزوال في المضيّق لو أفطر فلا يجب عليه إلّا كفّارة التأخير و هو مدّ واحد و لا دليل على أزيد منه.

الثاني: لا يجوز الإفطار قبل الزوال في قضاء شهر رمضان إذا كان وقته متعيّناً بالنذر، و كذلك لا يجوز فيما كان أجيراً للقضاء في اليوم المعيّن؛ فلو أخلّ و أفطر لا يجب عليه إلّا كفّارة حنث النذر في المتعيّن وقته بالنذر، و لا يستحقّ الأُجرة فيما كان أجيراً للقضاء.

(35) أي سواء كان الفوت من المرض و السفر و غيرهما أو بغير عذر؛ بأن تركه عامداً أو جاهلًا بمسألته و لو كان مقصّراً.

المشهور بين الأصحاب وجوب قضاء الصوم الفائت عن الميّت على وليه، و هذا القول هو المختار عندنا، و ادّعى عليه الإجماع في «الخلاف» و «السرائر» و «المنتهي» و «التذكرة».

و يدلّ عليه صحيح محمّد بن الحسن الصفّار قال: كتبتُ إلى الأخير (عليه السّلام): رجل مات و عليه قضاء من شهر رمضان عشرة أيّام و له وليان،

هل يجوز لهما أن يقضيا عنه جميعاً خمسة أيّام أحد الوليين و خمسة أيّام الآخر؟ فوقّع (عليه السّلام)

يقضي عنه أكبر ولييه عشرة أيّام ولاءً إن شاء اللّٰه «1»

، المراد من «الأخير» هو العسكري (عليه السّلام). و صحيح حفص بن البختري عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في الرجل يموت

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 330، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 23، الحديث 3.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 354

..........

______________________________

و عليه صلاة أو صيام، قال

يقضي عنه أولى الناس بميراثه

، قلت: فإن كان أولى الناس به امرأة؟ فقال

لا، إلّا الرجال «1».

و مرسلة حمّاد بن عثمان عمّن ذكره عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن الرجل يموت و عليه دين من شهر رمضان، من يقضي عنه؟ قال

أولى الناس به

، قلت: و إن كان أولى الناس به امرأة؟ قال

لا، إلّا الرجال «2».

و موثّقة سماعة عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل سافر في شهر رمضان فأدركه الموت قبل أن يقضيه، قال

يقضيه أفضل أهل بيته «3».

و ذيل مرسلة عبد اللّٰه بن بكير عن بعض أصحابنا قال (عليه السّلام)

فإن مرض فلم يصم شهر رمضان ثمّ صحّ بعد ذلك و لم يقضه ثمّ مرض فمات فعلى وليه أن يقضي عنه؛ لأنّه قد صحّ فلم يقض و وجب عليه «4».

و مرسلة ابن أبي عمير عن رجاله عن الصادق (عليه السّلام) في الرجل يموت و عليه صلاة أو صوم؟ قال

يقضيه أولى الناس به «5».

و يقابل قول المشهور قول العماني بأنّه لا يجب على الولي قضاء ما فات عن الميّت من الصيام، بل يجب عليه التصدّق بمدّ لكلّ يوم. و

استدلّ له برواية محمّد بن إسماعيل بن بزيع عن أبي جعفر الثاني (عليه السّلام) قال: قلت له: رجل مات و عليه صوم، يصام عنه أو يتصدّق؟ قال

يتصدّق عنه فإنّه أفضل «6».

و صحيحة أبي مريم الأنصاري عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

إذا صام الرجل

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 330، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 23، الحديث 5.

(2) وسائل الشيعة 10: 331، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 23، الحديث 6.

(3) وسائل الشيعة 10: 332، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 23، الحديث 11.

(4) وسائل الشيعة 10: 333، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 23، الحديث 13.

(5) وسائل الشيعة 8: 278، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 12، الحديث 6.

(6) الفقيه 3: 236/ 1119.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 355

..........

______________________________

شيئاً من شهر رمضان ثمّ لم يزل مريضاً حتّى مات فليس عليه شي ء (قضاء)، و إن صحّ ثمّ مرض ثمّ مات و كان له مال تصدّق عنه مكان كلّ يوم بمدّ، و إن لم يكن له مال صام عنه وليه «1».

و لا يخفى: أنّ رواية ابن بزيع لا تعرّض فيها للقاضي عن الميّت و أنّه وليه أو غيره. و صحيحة أبي مريم على فرض دلالتها على نفي وجوب القضاء على الولي معرض عنها عند الأصحاب، مضافاً إلى أنّها موافقة للعامّة فيجب طرحها. و مع ذلك فالاحتياط في التصدّق و القضاء معاً فيما كان له مال مع رضاء الورثة.

و السيّد المرتضى (رحمه اللّٰه) أوجبت الصدقة أوّلًا، فإن لم يكن له مال صام عنه وليه. و جوابه يظهر ممّا ذكرنا في ردّ قول العماني.

و ينبغي البحث في أُمور: الأوّل: أنّه اختلف أصحابنا

في المراد من الولي الذي يقضي ما فات عن الميّت من صلاته و صيامه؛ فالمشهور شهرة عظيمة أنّ المراد به أكبر أولاد الذكور، قال الشيخ في «المبسوط»: الولي هو أكبر أولاده الذكور، و قال العلّامة في «التذكرة»: الذي يقضي عن الميّت هو أكبر أولاده الذكور، و قال المحقّق في «الشرائع»: و الولي هو أكبر أولاده الذكور.

و يدلّ عليه صحيح حفص البختري المتقدّم عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) حيث إنّه أوجب القضاء على أولى الناس بميراثه من الرجال «2»، و مرسلة حمّاد بن عثمان المتقدّمة حيث سئل عنه (عليه السّلام) عمّن يقضي عن الميّت، قال (عليه السّلام)

أولى الناس به

قلت: فإن كان أولى الناس به امرأة؟ فقال

لا، إلّا الرجال «3».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 331، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 23، الحديث 7.

(2) وسائل الشيعة 10: 330، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 23، الحديث 5.

(3) وسائل الشيعة 10: 331، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 23، الحديث 6.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 356

..........

______________________________

و موثّقة سماعة عن أبي بصير المتقدّمة قال (عليه السّلام)

يقضيه أفضل أهل بيته «2».

و صحيحة محمّد بن الحسن الصفّار المتقدّمة قال (عليه السّلام)

يقضي عنه أكبر ولييه «3»

، و في بعض النسخ

أكبر ولديه.

و لا يخفى: أنّه و إن لم يصرّح في الأخبار بخصوصية الأكبر من أولاده الذكور إلّا أنّ بعضها يدلّ على أنّ القاضي عن الميّت هو الرجال فقط دون النساء، و بعضها يدلّ على أنّ القاضي هو أولى الناس بميراثه أو أفضل أهل بيته، و بعضها يدلّ على أنّ القاضي هو أكبر الوليين؛ فيستفاد من مجموع الروايات أنّ الولي هو أكبر أولاد الذكور، هذا. مضافاً إلى

أنّه المتيقّن المجمع عليه، و يجري البراءة بالنسبة إلى غيره كالأب و البنت التي هي كبرى الأولاد.

و قد نسب إلى الشيخ (رحمه اللّٰه) تفسير قوله تعالى فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي «4» بالولد الذكر.

و في قبال قول المشهور قول جماعة من فقهائنا: أنّ الولي هنا هو الأولى بالإرث، و لا بأس بنقل كلام بعضهم:

قال صاحب «المدارك» بما محصّله: مقتضى صحيحة حفص و مرسلة حمّاد بن عثمان عدم الاختصاص بالولد الأكبر، بل يختصّ بالأولى بالميراث من الذكور مطلقاً، و بمضمونهما أفتى ابن الجنيد و ابن بابويه و جماعة، و لا بأس به «1»، انتهى.

و صاحب «الحدائق» (رحمه اللّٰه) بعد ذكر أخبار الباب قال: و هذه الأخبار كما ترى كلّها إنّما دلّت على إناطة القضاء بالولي الذي هو عبارة عن أولى الناس

______________________________

(2) وسائل الشيعة 10: 332، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 23، الحديث 11.

(3) وسائل الشيعة 10: 330، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 23، الحديث 3.

(4) مريم (19): 5.

(1) مدارك الأحكام 6: 225.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 357

..........

______________________________

بميراثه، كما فسّره به في صحيحة حفص البختري، و لا اختصاص لذلك بالولد الأكبر و لا بالولد بقول مطلق. إلى أن قال: و بذلك يظهر لك أنّه لا مستند لما اشتهر بينهم من التخصيص بالولد الأكبر. و بالجملة: فإنّ الظاهر من الأخبار هو أنّ الولي هنا هو الولي في أحكام الميّت، و هو الأولى بالإرث «1».

و قال النراقي (رحمه اللّٰه) في «المستند»: الولي هنا هو أولى بالميراث من الذكور، و استدلّ عليه بما استدلّ به صاحب «الحدائق» (رحمه اللّٰه). إلى أن قال: و لازمه كون الولاية على ترتيب الطبقات في الإرث؛ فمع

الأب و الابن لا ولي غيرهما، و مع فقدهما ينتقل الولاية إلى الطبقة الثانية، و هكذا إلّا النساء «2»، انتهى.

و الجواب عن هذا القول: أنّ العمدة في الاستدلال عليه صحيحة حفص البختري و مرسلة حمّاد بن عيسى المتقدّمتين. و لنا أن نقول: إنّ أفضل أهل بيت الميّت هو الولد الأكبر، فيخرج الأب؛ لأنّه لا يعدّ من أهل بيت ولده عرفاً، و إنّ الولد الأكبر من الذكور هو أفضل أهل بيته بسبب اختصاصه بالحباء، و لاختصاصه بالحباء كان أولى من جميع الناس بميراثه.

و قال صاحب «الجواهر» (رحمه اللّٰه) و نعم ما قال ظاهر الأصحاب في كتاب الميراث تعليل الحباء بأنّ عليه القضاء، بل ربّما فرّعوا عليه حرمان فاسد العقل و نحوه ممّن لم يكن صالحاً للقضاء من الحبوة، و قد اعترف في «الذكرى» بأنّ الأكثر قد قرنوا بين الحبوة و بين قضاء الصلاة «3»، انتهى.

الأمر الثاني: هل الواجب على الولي قضاء ما فات عن الميّت لعذر، أو يعمّه و الفائت عن عمد و عصيان؟ ذهب الشهيد (رحمه اللّٰه) في «الذكرى» و المحقّق (رحمه اللّٰه) في

______________________________

(1) الحدائق الناضرة 13: 325.

(2) مستند الشيعة 10: 462.

(3) جواهر الكلام 17: 40.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 358

..........

______________________________

«المسائل البغدادية» و السيّد عميد الدين و صاحب «المدارك» و الخراساني في «الذخيرة» و صاحب «الحدائق» (رحمه اللّٰه) إلى القول الأوّل.

و استدلّ له: بأنّ الغالب من الترك هو الترك عن عذر؛ فالروايات تحمل على الغالب و أيّده في «الحدائق» بأنّه قد صرّح في بعض الأخبار بسبب الترك كالمرض و السفر و الحيض، و عليه يحمل مطلقات الأخبار.

و لا يخفى ما في الاستدلال و التأييد من الضعف؛ لعدم الغلبة الموجبة للانصراف، و أنّ

المورد ليس من موارد حمل المطلق على المقيّد؛ لأنّ ذكر المرض و السفر ليس من قبيل القيد حتّى يحمل المطلقات عليه؛ لأنّ المقصود و المعيار هو الفوت مطلقاً كما في الصلوات الفائتة عن الميّت، من غير دخالة للمرض و السفر في فوتها، و كذلك الصوم. فذكر المرض و السفر في فوت الصوم إنّما هو باعتبار المورد؛ فلا يكون المورد مقيّداً و لا مخصّصاً.

و ذهب أكثر فقهائنا بوجوب القضاء عن الميّت مطلقاً، من غير فرق بين أسباب الفوت و بين العمد و العصيان، و هذا القول هو المختار عندنا؛ و ذلك لإطلاق النصوص و ترك الاستفصال.

الأمر الثالث: هل الواجب على الولي قضاؤه ما فات عن أبيه فقط، أو يعمّه و ما فات عن امّه؟ الذي يظهر من جماعة من فقهائنا هو الاختصاص بالأب؛ و ذلك للجمود على لفظ الرجل الواقع في بعض الروايات؛ قال في «مستند العروة الوثقى» بعد توجيه الروايتين الشاملتين للفظ المرأة بوجه يستفاد منه عدم وجوب القضاء عن الامّ، قال: و أمّا بقية الروايات فكلّها مشتملة على لفظ الرجل فلا وجه للتعدّي إلى المرأة؛ لعدم الدليل عليه بوجه «1»، انتهى.

______________________________

(1) مستند العروة الوثقى، الصوم 2: 209.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 359

..........

______________________________

كما في مكاتبة محمّد بن الحسن الصفّار إلى العسكري (عليه السّلام) قال: رجل مات و عليه قضاء من شهر رمضان. «1» الخبر، و صحيحة حفص بن البختري عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في الرجل يموت «2». الخبر، و صحيحة أبي مريم الأنصاري عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: إذا صام الرجل شيئاً من شهر رمضان «3». الخبر، و موثّقة سماعة عن أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)

سأله عن رجل سافر في شهر رمضان «4». الخبر، و مرسلة عبد اللّٰه بن بكير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في رجل يموت في شهر رمضان «5»، و غيرها من الروايات.

و فيه: أنّ ذكر الرجل في أمثال هذه الروايات لا يدلّ على الاختصاص به، و يشهده ذكر خصوص الرجل في أبواب مختلفة من المسائل الشرعية المشتركة بين الرجال و النساء، كما في موارد القضاء و الكفّارة، و لا بأس بذكر بعضها شاهداً: كما في صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر و أبي عبد اللّٰه (عليهما السّلام) قال: سألتهما عن رجل مرض فلم يصم حتّى أدركه رمضان آخر «6». الخبر، حيث إنّ وجوب القضاء و التصدّق عن كلّ يوم بمدّ على من صحّ بين الرمضانين و لم يصم حتّى دخله الرمضان الآخر، و وجوب التصدّق فقط على من لم يزل مريضاً إلى الرمضان الآخر، لا يختصّ بالرجل.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 330، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 23، الحديث 3.

(2) وسائل الشيعة 10: 330، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 23، الحديث 5.

(3) وسائل الشيعة 10: 331، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 23، الحديث 7.

(4) وسائل الشيعة 10: 332، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 23، الحديث 11.

(5) وسائل الشيعة 10: 333، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 23، الحديث 13.

(6) وسائل الشيعة 10: 335، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 25، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 360

..........

______________________________

و كذا صحيحة أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

إذا مرض الرجل من رمضان إلى رمضان. «1»

الخبر، حيث إنّ وجوب المدّ

لكلّ يومٍ أفطره لا يختصّ بالرجل.

و مصحّح الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه السّلام) في حديث قال

إن قال فلِمَ إذا مرض الرجل أو سافر في شهر رمضان. «2»

الخبر، حيث إنّ وجوب الفداء للأوّل و سقوط القضاء فيما لم يقو من مرضه بين الرمضانين و وجوب القضاء و الفداء فيما صحّ بينهما تكليف مشترك بين الرجل و المرأة.

و بالجملة: فمن الواضح كلّ الوضوح أنّ هذه الأحكام المذكورة لا يختصّ بالرجل بما أنّه رجل بل بما أنّه مكلّف، و في خصوص أمثال مصحّح الفضل بن شاذان الرجل بما أنّه مريض أو مسافر متعلّق للحكم، فيشمل المرأة أيضاً.

فالأقوى: هو القول بوجوب قضاء ما فات عن الامّ على الولي؛ لما ذكر تفصيلًا من عدم خصوصية للرجل في متعلّق الحكم. و لصحيحة محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في امرأة مرضت في شهر رمضان أو طمثت أو سافرت فماتت قبل أن يخرج رمضان، هل يقضى عنها؟ فقال

أمّا الطمث و المرض فلا، و أمّا السفر فنعم «3».

و صحيحة أبي حمزة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: سألته عن امرأة مرضت في شهر رمضان أو طمثت أو سافرت فماتت قبل خروج شهر رمضان، هل يقضى عنها؟ قال

أمّا الطمث و المرض فلا، و أمّا السفر فنعم «4».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 337، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 25، الحديث 6.

(2) وسائل الشيعة 10: 337، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 25، الحديث 8.

(3) وسائل الشيعة 10: 334، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 23، الحديث 16.

(4) وسائل الشيعة 10: 330، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 23، الحديث 4.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم،

ص: 361

..........

______________________________

و توهّم المتوهّم صاحب «مستند العروة الوثقى» أنّ الصحيحتين لم يتعرّض فيهما بأنّ القاضي عن المرأة هو وليها، مندفع بأنّه على فرض وجوب القضاء عنها يجب على أكبر أولادها الذكور؛ لكونه المتيقّن و المجمع عليه، فلا يجب على غيره.

قال العلّامة (رحمه اللّٰه) في «التذكرة»: قال الشيخ: حكم المرأة حكم الرجل في أنّ ما يفوتها في زمن الحيض أو السفر أو المرض لا يجب على أحد القضاء عنها و لا الصدقة، إلّا إذا تمكّنت من قضائه و أهملته فإنّه يجب على وليها القضاء و الصدقة على ما مرّ في الرجل سواء، و هو قول أكثر العامّة «1»، انتهى.

الأمر الرابع: هل الواجب على ولي الميّت قضاء خصوص رمضان، أم يعمّ كلّ صوم فات عنه؛ حتّى الكفّارة و المنذور و غيرهما؟ حكي عن المفيد و الشيخ القول الثاني، و يظهر من العلّامة في «المنتهي» الميل إليه حيث إنّه بعد نسبة القول بأنّه يجب على الولي قضاء كلّ صوم واجب على الميّت بأحد الأسباب الموجبة كاليمين و العهد و النذر إلى الشيخ قال: و عليه دلّت عموم النصوصات «2»، انتهى. و نسب هذا القول إلى المشهور.

و العمدة في الاستدلال عليه التمسّك بإطلاق الصلاة و الصوم في صحيحة حفص بن البختري عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في الرجل يموت و عليه صلاة أو صيام قال

يقضي عنه أولى الناس بميراثه

، قلت: فإن كان أولى الناس به امرأة؟ فقال

لا، إلّا الرجال «3»

، و مرسلة ابن عمير عن رجاله عن الصادق (عليه السّلام) في الرجل يموت

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء 6: 178.

(2) منتهى المطلب 2: 604/ السطر 36.

(3) وسائل الشيعة 10: 330، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب

23، الحديث 5.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 362

..........

______________________________

و عليه صلاة أو صوم، قال

يقضيه أولى الناس به «1».

و لا يخفى: أنّ المنسبق إلى الذهن من قوله: «عليه صلاة أو صوم» هو ما اشتغلت به ذمّة الميّت من الصلوات و الصيام المكتوبة لنفسه و لو من ناحية النذر و الكفّارة في خصوص الصوم فلا يشمل ما وجب عليه بالإجارة و ما انتقل إليه من أبيه؛ فلا يجب على الولي ما وجب على الميّت بالإجارة و غيرها ممّا لم يكن واجباً عليه ابتداءً.

و يؤيّده عموم التعليل الوارد في صحيحة أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) بقوله (عليه السّلام)

فإنّ اللّٰه لم يجعله عليها «2»

، حيث إنّ المستفاد من هذا التعليل أنّ ما يقضى عن الميّت هو ما كان مجعولًا من اللّٰه تعالى ابتداءً على المكلّف نفسه، فلا يشمل غيره.

و قد يستشهد للإطلاق برواية الحسن بن علي الوشّاء عن أبي الحسن الرضا (عليه السّلام) قال: سمعته يقول

إذا مات رجل و عليه صيام شهرين متتابعين من علّة (و في بعض النسخ: من غير علّة) فعليه أن يتصدّق عن الشهر الأوّل و يقضي الشهر الثاني «3»

، وجه الاستشهاد كما قيل أنّ الرواية تدلّ على قضاء صوم الكفّارة عن الميّت شهراً، هذا.

________________________________________

بنى فضل، مرتضى بن سيف على، مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، در يك جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، تهران - ايران، اول، 1422 ه ق

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم؛ ص: 362

و لا يخفى أوّلًا: أنّ الرواية مخدوشة سنداً بسهل بن زياد الآدمي أبو سعيد الرازي، و قد ضعّفه النجاشي و قال: إنّه غير معتمد عليه في الحديث، و كان أحمد

بن

______________________________

(1) وسائل الشيعة 8: 278، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 12، الحديث 6.

(2) وسائل الشيعة 10: 332، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 23، الحديث 12.

(3) وسائل الشيعة 10: 334، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 24، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 363

نعم لا يبعد عدم وجوبه عليه لو تركه علىٰ وجه الطغيان (36)،

______________________________

محمّد بن عيسى يشهد عليه بالغلوّ و الكذب و أخرجه من قم إلى الري، و قال علي بن محمّد القتيبي: إنّه كان أبو محمّد الفضل بن شاذان لا يرتضي أبا سعيد الآدمي و يقول: هو أحمق. و بالجملة: قد ضعّفه الرجاليون جميعاً في كتبهم. و اختلف قول الشيخ الطوسي (رحمه اللّٰه) فيه؛ فوثّقه تارة و ضعّفه اخرى.

و كيف كان: فقال صاحب «الجواهر» بانجبار ضعفه بالشهرة، و هو كما ترى، و لا شهرة في المسألة، و يتّضح لك عن قريب.

و ثانياً: أنّه بناءً على نسخة «الوسائل»

من علّة

يكون المراد من صيام شهرين متتابعين صوم الكفّارة، و حينئذٍ يقال: إنّ الواجب على الميّت كفّارةً، كان صوم شهرين متتابعين، و الواجب على وليه التصدّق عن الشهر الأوّل و قضاء الشهر الثاني، و هذا ممّا لم يفت به أحد.

و بناءً على نسخة غير «الوسائل»

من غير علّة

يكون المراد من الشهرين المتتابعين رمضانين، و حينئذٍ يكون مضمون الرواية مطابقاً للنصوص و الفتاوى؛ بالتصدّق عن الرمضان الأوّل و القضاء عن الثاني فيما كان العذر في الرمضان الأوّل هو المرض المستمرّ إلى الرمضان الثاني. و لكن لا ترتبط الرواية بما نحن فيه حتّى يستشهد بها على الإطلاق. و كيف كان: فلا يترك الاحتياط بقضاء مطلق ما فات عن الميّت من الصيام.

(36) مقتضى

إطلاق الأدلّة المتقدّمة وجوب قضاء ما فات عن الميّت على الولي، حتّى ما تركه عمداً و عصياناً. و أمّا ما تركه على وجه الطغيان و هو التجاوز عن الحدّ في العصيان ففي شمول الإطلاقات له إشكال، و الاحتياط في قضائه.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 364

لكن الأحوط الوجوب أيضاً، بل لا يترك هذا الاحتياط. لكن الوجوب على الوليّ فيما إذا كان فوته يوجب القضاء، فإذا فاته لعذر و مات في أثناء رمضان، أو كان مريضاً و استمرّ مرضه إلىٰ رمضان آخر، لا يجب؛ لسقوط القضاء حينئذٍ (37).

______________________________

(37) قد علم ممّا سبق تفصيلًا في البحث عن المسألة السابعة و الثامنة من مسائل «القول في قضاء شهر رمضان» فروع أشار المصنّف (رحمه اللّٰه) إليها هنا بهذه العبارة: «لكن الوجوب على الولي.» إلى آخره، و لا بأس بالتعرّض لها مختصراً:

الأوّل: يجب على الولي قضاء ما فات عن الميّت في شهر رمضان لمرض ثمّ صحّ و أمكن له القضاء و لم يقض حتّى مات. و الدليل عليه ذيل صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة، قال (عليه السّلام)

و لكن يقضى عن الذي يبرأ ثمّ يموت قبل أن يقضي «1»

، و ذيل مرسلة عبد اللّٰه بن بكير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

فإن مرض فلم يصم شهر رمضان ثمّ صحّ بعد ذلك و لم يقضه ثمّ مرض فمات، فعلى وليه أن يقضي عنه؛ لأنّه قد صحّ فلم يقض و وجب عليه «2»

، و غيرهما من الروايات.

الثاني: يجب على الولي قضاء ما فات عن الميّت في شهر رمضان لسفر و مات في شهر رمضان. و الدليل عليه صحيحة أبي حمزة المتقدّمة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

و أمّا السفر

فنعم «3»

، و صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في الرجل يسافر في شهر رمضان فيموت، قال

يقضى عنه «4»

،

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 329، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 23، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 10: 333، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 23، الحديث 13.

(3) وسائل الشيعة 10: 330، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 23، الحديث 4.

(4) وسائل الشيعة 10: 334، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 23، الحديث 15.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 365

و لا فرق بين ما إذا ترك الميّت ما يمكن التصدّق به عنه و عدمه؛ و إن كان الأحوط في الأوّل مع رضا الورثة الجمع بين التصدّق و القضاء (38).

______________________________

و صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال (عليه السّلام)

و أمّا السفر فنعم «1».

الثالث: لا يجب على الولي قضاء ما فات عن الميّت في شهر رمضان لعذر؛ من المرض و الحيض و غيرهما من الأعذار غير السفر و مات قبل خروج شهر رمضان. و الدليل عليه صحيحة أبي حمزة المتقدّمة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

أمّا الطمث و المرض فلا «2».

و صحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السّلام) قال: سألته عن رجل أدركه رمضان و هو مريض فتوفّي قبل أن يبرأ، قال

ليس عليه شي ء. «3»

الخبر.

(38) لا يخفى: أنّ جملة من النصوص المتقدّمة قد دلّت على وجوب قضاء ما فات عن الميّت على الولي فيما كان مريضاً و استمرّ مرضه إلى رمضان آخر مطلقاً؛ سواء كان للميّت مال يمكن التصدّق به لكلّ يوم بمدّ، أو لا.

و لكن قد صرّح في صحيحة أبي مريم الأنصاري

المتقدّمة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

إذا صام الرجل شيئاً من شهر رمضان ثمّ لم يزل مريضاً حتّى مات فليس عليه شي ء، و إن صحّ ثمّ مرض ثمّ مات و كان له مال تصدّق عنه مكان كلّ يوم بمدّ، و إن لم يكن له مالٌ صام عنه وليه «4»

، حيث حكم فيها بوجوب التصدّق عنه مكان كلّ يوم بمدّ فيما كان له مال، من غير تعرّض لوجوب القضاء

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 334، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 23، الحديث 16.

(2) وسائل الشيعة 10: 330، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 23، الحديث 4.

(3) وسائل الشيعة 10: 329، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 23، الحديث 2.

(4) وسائل الشيعة 10: 331، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 23، الحديث 7.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 366

و قد تقدّم في قضاء الصلاة بعض الفروع المتعلّقة بالمقام (39).

______________________________

على الولي. و أمّا فيما لم يكن له مالٌ قضى عنه الولي. هذا بناءً على نسخة «الكافي» و «الفقيه»

صام عنه وليه «1»

، و أمّا بناءً على نسخة «التهذيب»

تصدّق عنه وليه «2»

يجب على الولي التصدّق عن الميّت من مال نفس الولي، هذا.

و قد قلنا سابقاً في شرح المسألة الثالثة عشر من مسائل «القول في قضاء صوم شهر رمضان»: إنّ الصحيحة على فرض تمامية دلالتها على نفي القضاء عن الولي معرض عنها عند الأصحاب. و مع ذلك كلّه الأقوى وجوب القضاء على الولي؛ للنصوص المتقدّمة، و الأحوط استحباباً التصدّق عن مال الميّت بمدّ لكلّ يوم مع رضاء الورثة مع القضاء الواجب.

(39) تفصيل البحث موكولٌ إلى كتاب الصلاة.

______________________________

(1) الكافي 4: 123/ 3، الفقيه

2: 98/ 439.

(2) تهذيب الأحكام 4: 248/ 735.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 367

[القول في أقسام الصوم]

اشارة

القول في أقسام الصوم و هي أربعة: واجب و مندوب و مكروه و محظور.

[فالواجب منه]

اشارة

فالواجب منه:

صوم شهر رمضان، و صوم الكفّارة، و صوم القضاء، و صوم دم المتعة في الحجّ، و صوم اليوم الثالث من أيام الاعتكاف، و صوم النذر و أخويه؛ و إن كان في عدّ صوم النذر و ما يليه من أقسام الصوم الواجب مسامحة (1).

______________________________

(1) وجه المسامحة في عدّ صوم النذر و ما يليه من أقسام الصوم الواجب: هو أنّ الصوم المنذور لا يخلو من أحد عناوين أربعة مذكورة؛ فهو إمّا مكروه أو حرام، و لا يتعلّق بهما النذر و أخواه؛ لاشتراط الرجحان في متعلَّقها. و إمّا واجب كالنذر بإتيان صوم القضاء مثلًا في يوم كذا؛ فهو واجب في نفسه و يتعيّن إتيانه في يوم كذا بالنذر. و إمّا مندوب كالنذر بإتيان الصوم في اليوم الذي يستحبّ كالنصف من شعبان مثلًا فإنّ الصوم لا يتّصف بالوجوب بسبب النذر؛ لأنّ الواجب هو الوفاء بالنذر و يحصل الواجب بفعل المندوب، و لا بدّ حينئذٍ من نية الاستحباب، و ذلك كالنذر بإتيان صلاة الليل؛ فإنّه ينوي الاستحباب و بإتيان المستحبّ يحصل الوفاء بالنذر؛ فالواجب هو الوفاء الحاصل بالعمل الاستحبابي، هذا. و قد عدّ في ذيل رواية الزهري الطويلة صوم النذر من أقسام الصيام الواجبة، قال (عليه السّلام)

و صوم النذر واجب «1»

، و عليك بالمراجعة.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 367، كتاب الصوم، أبواب بقية الصوم الواجب، الباب 1، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 368

[القول في صوم الكفّارة]

اشارة

القول في صوم الكفّارة و هو علىٰ أقسام:

منها: ما يجب مع غيره، و هي كفّارة قتل العمد، فتجب فيها الخصال الثلاث (1)، و كذا كفّارة الإفطار بمحرّم في شهر رمضان على الأحوط (2).

______________________________

(1) وجوب الخصال الثلاث في كفّارة قتل العمد إجماعي. و تدلّ عليه

صحيحة عبد اللّٰه بن سنان و ابن بكير جميعاً عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سئل عن المؤمن يقتل المؤمن متعمّداً هل له توبة؟ فقال

إن كان قتله لإيمانه فلا توبة له، و إن كان قتله لغضب أو لسبب من أمر الدنيا فإنّ توبته أن يقاد منه. و إن لم يكن عُلم به انطلق إلى أولياء المقتول فأقرّ عندهم بقتل صاحبهم، فإن عفوا عنه فلم يقتلوه أعطاهم الدية و أعتق نسمة و صام شهرين متتابعين و أطعم ستّين مسكيناً توبة إلى اللّٰه عزّ و جلّ «1»

، و هذه الصحيحة تدلّ على وجوب صوم الكفّارة مع الخصلتين الأُخريين و على وجوب الكفّارة على القاتل فيما عفي عنه و انتقل القصاص إلى الدّية، و بمفهوم الشرط تدلّ على انتفاء الكفّارة مع الاقتصاص.

(2) وجوب كفّارة الجمع في الإفطار بمحرّم في شهر رمضان قد أفتى به الصدوق و الشيخ في «التهذيب» و «الاستبصار» و العلّامة و الشهيدان و غيرهم.

قال الصدوق (رحمه اللّٰه) بعد أن روى عن الصادق (عليه السّلام)

إنّ من أفطر يوماً من شهر رمضان خرج روح الإيمان منه، و من أفطر منه في شهر رمضان متعمّداً فعليه كفّارة واحدة و قضاء يوم مكانه، و أنّى له بمثله؟!

، قال: و أمّا الخبر الذي روي

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 30، كتاب القصاص، أبواب القصاص في النفس، الباب 9، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 369

..........

______________________________

فيمن أفطر يوماً من شهر رمضان متعمّداً أنّ عليه ثلاث كفّارات، فإنّي أفتي به فيمن أفطر بجماع محرّم عليه أو بطعام محرّم عليه «1»، انتهى.

و تدلّ على وجوب كفّارة الجمع في الإفطار بالمحرّم حسنة بل صحيحة علي بن محمّد بن قتيبة عن حمدان

بن سليمان عن عبد السلام بن صالح الهروي قال: قلت للرضا (عليه السّلام): يا ابن رسول اللّٰه قد روي عن آبائك: فيمن جامع في شهر رمضان أو أفطر فيه ثلاث كفّارات، و روى عنهم أيضاً كفّارة واحدة، فبأيّ الحديثين نأخذ؟ قال

بهما جميعاً، متى جامع الرجل حراماً أو أفطر على حرامٍ في شهر رمضان فعليه ثلاث كفّارات: عتق رقبة و صيام شهرين متتابعين و إطعام ستّين مسكيناً و قضاء ذلك اليوم، و إن كان نكح حلالًا أو أفطر على حلال فعليه كفّارة واحدة، و إن كان ناسياً فلا شي ء عليه «2».

قد وقع في سند هذه الروايات جماعة؛ منهم عبد الواحد بن محمّد بن عبدوس النيسابوري و هو من مشايخ الصدوق المعتبرين، و منهم علي بن محمّد بن قتيبة و هو من مشايخ الكشّي و شهد بعدالته العلّامة (رحمه اللّٰه) في «الخلاصة»، و منهم عبد السلام بن صالح الهروي و هو ثقة صحيح الحديث كما عن العلّامة (رحمه اللّٰه) و النجاشي و غيرهما.

و رواية الصدوق عن أبي الحسين محمّد بن جعفر الأسدي فيما ورد عليه من الشيخ أبي جعفر محمّد بن عثمان العمري يعني عن المهدي (عليه السّلام) فيمن أفطر يوماً من شهر رمضان متعمّداً بجماع محرّم عليه أو بطعام محرّم عليه

إنّ عليه ثلاث كفّارات «3»

، و موثّقة سماعة قال: سألته عن رجل أتى أهله في رمضان متعمّداً،

______________________________

(1) الفقيه 2: 73/ 10.

(2) وسائل الشيعة 10: 53، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 10، الحديث 1.

(3) وسائل الشيعة 10: 55، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 10، الحديث 3.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 370

و منها: ما يجب بعد العجز عن

غيره، و هي كفّارة الظهار (3) و كفّارة قتل الخطأ (4)،

______________________________

فقال

عليه عتق رقبة و إطعام ستّين مسكيناً و صيام شهرين متتابعين و قضاء ذلك اليوم، و أنّى له مثل ذلك اليوم؟! «2».

قال الشيخ (رحمه اللّٰه): يحتمل أن يكون «الواو» للتخيير، كقوله تعالى فَانْكِحُوا مٰا طٰابَ لَكُمْ مِنَ النِّسٰاءِ مَثْنىٰ وَ ثُلٰاثَ وَ رُبٰاعَ «1»، و يحتمل أن يكون مخصوصاً بمن أتى أهله في حال يحرم فيها الوطء كالحيض و الظهار قبل الكفّارة.

(3) يجب على المظاهر إحدى خصال الكفّارة مرتّباً، و يدلّ عليه قوله تعالى وَ الَّذِينَ يُظٰاهِرُونَ مِنْ نِسٰائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمٰا قٰالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسّٰا ذٰلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَ اللّٰهُ بِمٰا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ. فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيٰامُ شَهْرَيْنِ مُتَتٰابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسّٰا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعٰامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ذٰلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللّٰهِ وَ رَسُولِهِ وَ تِلْكَ حُدُودُ اللّٰهِ وَ لِلْكٰافِرِينَ عَذٰابٌ أَلِيمٌ «4».

(4) و يدلّ عليه قوله تعالى وَ مٰا كٰانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلّٰا خَطَأً وَ مَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَ دِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلىٰ أَهْلِهِ إِلّٰا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كٰانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَ إِنْ كٰانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُمْ مِيثٰاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلىٰ أَهْلِهِ وَ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيٰامُ شَهْرَيْنِ مُتَتٰابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللّٰهِ وَ كٰانَ اللّٰهُ عَلِيماً حَكِيماً «3».

______________________________

(2) وسائل الشيعة 10: 54، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 10، الحديث 2.

(1) النساء (3): 3.

(4) المجادلة (58): 3 4.

(3) النساء (2): 92.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 371

فإنّ وجوب الصوم فيهما بعد العجز عن العتق (5). و كفّارة الإفطار

في قضاء شهر رمضان، فإنّ الصوم فيها بعد العجز عن الإطعام (6).

______________________________

(5) و ذلك لصريح قوله تعالى فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيٰامُ شَهْرَيْنِ مُتَتٰابِعَيْنِ.

(6) وجوب الكفّارة في إفطار قضاء شهر رمضان إنّما هو فيما كان الإفطار بعد الزوال، و أمّا قبل الزوال فلا إشكال في جواز الإفطار فيما كان موسّعاً.

و الدليل على وجوب الصوم فيها بعد العجز عن الإطعام صحيح بريد بن معاوية العجلي عن أبي جعفر (عليه السّلام) في رجل أتى أهله في يوم يقضيه من شهر رمضان، قال

إن كان أتى أهله قبل زوال الشمس فلا شي ء عليه إلّا يوم مكان يوم، و إن كان أتى أهله بعد زوال الشمس فإنّ عليه أن يتصدّق على عشرة مساكين، فإن لم يقدر عليه صام يوماً مكان يوم و صام ثلاثة أيّام كفّارة لما صنع «1».

و صحيح هشام بن سالم قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): رجل وقع على أهله و هو يقضي شهر رمضان، فقال

إن كان وقع عليها قبل صلاة العصر فلا شي ء عليه يصوم يوماً بدل يوم، و إن فعل بعد العصر صام ذلك اليوم و أطعم عشرة مساكين، فإن لم يمكنه صام ثلاثة أيّام كفّارة لذلك «2»

، و قد تقدّم تفصيل البحث عن تعارض الروايات المذكورة ببعض الروايات الدالّ على عدم جواز الإفطار في قضاء شهر رمضان قبل الزوال كصحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج «3»، و بعضها الدالّ على عدم وجوب شي ء في الإفطار فيه بعد الزوال كموثّقة عمّار الساباطي عن

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 347، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 29، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 10: 347، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 29، الحديث 2.

(3) وسائل الشيعة

10: 17، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم و نيته، الباب 4، الحديث 6.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 372

و كفّارة اليمين، و هي عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، و إن لم يقدر فصيام ثلاثة أيّام (7).

______________________________

أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) «1»، في ضمن الكلام في شرح المسألة الثانية عشرة من مسائل «القول في قضاء صوم شهر رمضان»، فراجع.

(7) و يدلّ عليه قوله تعالى فَكَفّٰارَتُهُ إِطْعٰامُ عَشَرَةِ مَسٰاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مٰا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيٰامُ ثَلٰاثَةِ أَيّٰامٍ ذٰلِكَ كَفّٰارَةُ أَيْمٰانِكُمْ إِذٰا حَلَفْتُمْ. «2» الآية.

و صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)

في كفّارة اليمين يطعم عشرة مساكين؛ لكلّ مسكين مدّ من حنطة أو مدّ من دقيق و حفْنَة، أو كسوتهم لكلّ إنسان ثوبان، أو عتق رقبة، و هو في ذلك بالخيار أيّ ذلك (الثلاثة) شاء صنع، فإن لم يقدر على واحدة من الثلاث فالصيام عليه ثلاثة أيّام «3».

و رواية علي بن أبي حمزة البطائني عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن كفّارة اليمين، فقال

عتق رقبة أو كسوة و الكسوة ثوبان أو إطعام عشرة مساكين، أيّ ذلك فعل أُجزي عنه، فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيّام متواليات و إطعام عشرة مساكين مدّاً مدّاً «4»

، و الرواية ضعيفة بالبطائني.

و صحيح أبي حمزة الثمالي قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عمّن قال: و اللّٰه ثمّ لم يَفِ، فقال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام)

كفّارته إطعام عشرة مساكين مدّاً مدّاً دقيق أو حنطة

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 348، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 29، الحديث 4.

(2) المائدة (5): 89.

(3) وسائل الشيعة 22: 375، كتاب الإيلاء

و الكفّارات، أبواب الكفّارات، الباب 12، الحديث 1.

(4) وسائل الشيعة 22: 375، كتاب الإيلاء و الكفّارات، أبواب الكفّارات، الباب 12، الحديث 2.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 373

و كفّارة خدش المرأة وجهها في المصاب حتّى أدمته و نتفها رأسها فيه. و كفّارة شقّ الرجل ثوبه علىٰ زوجته أو علىٰ ولده، فإنّهما ككفّارة اليمين (8).

______________________________

أو كسوتهم أو تحرير رقبة أو صوم ثلاثة أيّام متوالية إذا لم يجد شيئاً من ذا «1».

و صحيح أبي خالد يزيد القمّاط أنّه سمع أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) يقول

من كان له ما يطعم فليس له أن يصوم؛ يطعم عشرة مساكين مدّاً مدّاً، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيّام «2».

و رواية المفضّل بن صالح أبي جميلة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

في كفّارة اليمين عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم.

إلى أن قال

فمن لم يجد فعليه الصيام، يقول اللّٰه عزّ و جلّ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيٰامُ ثَلٰاثَةِ أَيّٰامٍ «3»

و السند ضعيف بأبي جميلة، و غيرها من روايات الباب.

(8) أقول: وجوب الكفّارة في الموارد الأربعة المذكورة في المتن و هي خدش المرأة وجهها في مطلق المصاب زوجاً كان أو غيره، و نتفها رأسها فيه، و شقّ الرجل ثوبه على زوجته، و شقّه على ولده مشهور بين الأصحاب.

و نسب إلى ابن إدريس إنكار الوجوب و القول بالاستحباب، و اختاره

______________________________

(1) وسائل الشيعة 22: 376، كتاب الإيلاء و الكفّارات، أبواب الكفّارات، الباب 12، الحديث 4.

(2) وسائل الشيعة 22: 376، كتاب الإيلاء و الكفّارات، أبواب الكفّارات، الباب 12، الحديث 5.

(3) وسائل الشيعة 22: 375، كتاب الإيلاء و الكفّارات، أبواب الكفّارات، الباب 12، الحديث 3.

مدارك تحرير

الوسيلة - الصوم، ص: 374

و كفّارة الإفاضة من عرفات قبل الغروب عامداً، فإنّها ثمانية عشر يوماً بعد العجز عن بدنة (9).

______________________________

صاحب «المدارك» و قال: لا بأس به.

و مستند قول المشهور رواية خالد بن سدير قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل شقّ ثوبه على أبيه أو على امّه أو على أخيه أو على قريب له، فقال

لا بأس بشقّ الجيوب قد شقّ موسى بن عمران على أخيه هارون، و لا يشقّ الوالد على ولده و لا زوج على امرأته، و تشقّ المرأة على زوجها، و إذا شقّ زوج على امرأته أو والد على ولده فكفّارته حنث يمين، و لا صلاة لهما حتّى يكفّرا أو يتوبا من ذلك، فإذا خدشت المرأة وجهها أو جزّت شعرها أو نتفته ففي جزّ الشعر عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستّين مسكيناً، و في الخدش إذا دميت و في النتف كفّارة حنث يمين، و لا شي ء في اللطم على الخدود سوى الاستغفار و التوبة، و لقد شقّقن الجيوب و لطمن الخدود الفاطميات على الحسين بن علي (عليهما السّلام)، و على مثله تلطم الخدود و تشقّ الجيوب «1».

و لا يخفى: أنّ الرواية و إن كانت ضعيفة سنداً بخالد المجهول و أحمد بن محمّد الإمامي المجهول، إلّا أنّها منجبرة بعمل الأصحاب المشهور، و تقييد خدش المرأة بالإدماء في المتن و غيره مصرّح به في الرواية.

(9) و يدلّ عليه صحيح ضريس الكناسي عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: سألته عن رجل أفاض من عرفات قبل أن تغيب الشمس، قال

عليه بدنة ينحرها يوم النحر، فإن لم يقدر صام ثمانية عشر يوماً بمكّة أو في الطريق أو في أهله

«2»

، هذه

______________________________

(1) وسائل الشيعة 22: 402، كتاب الإيلاء و الكفّارات، أبواب الكفّارات، الباب 31، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 13: 558، كتاب الحج، أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة، الباب 23، الحديث 3.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 375

و كفّارة صيد المحرم النعامة، فإنّها بدنة، فإن عجز عنها يفضّ ثمنها على الطعام، و يتصدّق به علىٰ ستّين مسكيناً لكلّ مسكين مُدّ على الأقوىٰ (10)،

______________________________

الرواية صحيحة من طريق أحمد بن محمّد لا من طريق سهل بن زياد.

و مرسل الحسن بن محبوب عن رجل عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في رجل أفاض من عرفات قبل أن تغرب الشمس، قال

عليه بدنة، فإن لم يقدر على بدنة صام ثمانية عشر يوماً «1».

(10) هنا مسائل:

الأُولى: تجب البدنة كفّارةً عن صيد النعامة على المحرم. و يدلّ عليه مرسل جميل بن درّاج عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في محرم قتل نعامة، قال

عليه بدنة، فإن لم يجد فإطعام ستّين مسكيناً.

و قال

إن كانت قيمة البدنة أكثر من إطعام ستّين مسكيناً لم يزد على إطعام ستّين مسكيناً، و إن كانت قيمة البدنة أقلّ من إطعام ستّين مسكيناً لم يكن عليه إلّا قيمة البدنة «2».

و صحيح يعقوب بن شعيب بن ميثم الأسدي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قلت له: المحرم يقتل نعامة؟ قال

عليه بدنة من الإبل «3».

و صحيح علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السّلام) قال: سألته عن رجل محرم أصاب نعامة ما عليه؟ قال

عليه بدنة، فإن لم يجد فليتصدّق على ستّين مسكيناً، فإن لم يجد فليصم ثمانية عشر يوماً. «4»

الخبر. و صحيح محمّد بن مسلم و زرارة عن أبي عبد اللّٰه (عليه

السّلام) في محرم قتل نعامة، قال

عليه بدنة،

______________________________

(1) وسائل الشيعة 13: 558، كتاب الحج، أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة، الباب 23، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 13: 8، كتاب الحج، أبواب كفّارات الصيد، الباب 2، الحديث 2.

(3) وسائل الشيعة 13: 6، كتاب الحج، أبواب كفارات الصيد، الباب 1، الحديث 4.

(4) وسائل الشيعة 13: 10، كتاب الحج، أبواب كفارات الصيد، الباب 2، الحديث 6.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 376

..........

______________________________

فإن لم يجد فإطعام ستّين مسكيناً، فإن كانت قيمة البدنة أكثر من إطعام ستّين مسكيناً لم يزد على إطعام ستّين مسكيناً، و إن كانت قيمة البدنة أقلّ من إطعام ستّين مسكيناً لم يكن عليه إلّا قيمة البدنة «1».

الثانية: يجب التصدّق بثمن البدنة طعاماً. و يدلّ عليه صحيح أبي عبيدة الحذّاء عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

إذا أصاب المحرم الصيد و لم يجد ما يكفّر من موضعه الذي أصاب فيه الصيد قوّم جزاؤه من النعم دراهم ثمّ قوّمت الدراهم طعاماً ثمّ جعل لكلّ مسكين نصف صاع، فإن لم يقدر على الطعام صام لكلّ نصف صاع يوماً «2»

، حيث إنّه صريح في تقويم الدراهم التي هي قيمة البدنة طعاماً. و أمّا نصف الصاع لكلّ مسكين فسيأتي توجيهه و أنّه من باب الاحتياط.

و صحيح عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن قول اللّٰه تعالى فيمن قتل صيداً متعمّداً و هو محرم فَجَزٰاءٌ مِثْلُ مٰا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوٰا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بٰالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفّٰارَةٌ طَعٰامُ مَسٰاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذٰلِكَ صِيٰاماً «3» ما هو؟ قال

ينظر إلى الذي عليه بجزاء ما قتل؛ فإمّا أن يهديه و إمّا أن يقوّم

فيشتري به طعاماً فيطعمه المساكين يطعم كلّ مسكين مدّاً، و إمّا أن ينظر كم يبلغ عدد ذلك من المساكين فيصوم مكان كلّ مسكين يوماً «4».

و هو صريح في تقويم ما عليه من الجزاء و اشتراء الطعام بقيمة الجزاء.

الثالثة: يجب التصدّق على ستّين مسكيناً فلا يجزي أقلّ منه مع التمكّن. و يدلّ عليه مرسل جميل بن درّاج المتقدّم قال (عليه السّلام)

فإطعام ستّين مسكيناً

،

______________________________

(1) وسائل الشيعة 13: 11، كتاب الحج، أبواب كفارات الصيد، الباب 2، الحديث 9.

(2) وسائل الشيعة 13: 8، كتاب الحج، أبواب كفارات الصيد، الباب 2، الحديث 1.

(3) المائدة (5): 95.

(4) وسائل الشيعة 13: 13، كتاب الحج، أبواب كفارات الصيد، الباب 2، الحديث 14.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 377

و الأحوط مُدّان (11)

______________________________

و خبر أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن محرم أصاب نعامة و حمار وحش، قال

عليه بدنة

، قال: قلت: فإن لم يقدر على بدنة؟ قال

فليطعم ستّين مسكيناً. «1»

الخبر. و صحيح علي بن جعفر عن أخيه المتقدّم قال

فليتصدّق على ستّين مسكيناً.

و صحيح محمّد بن مسلم و زرارة المتقدّم قال

فإن لم يجد فإطعام ستّين مسكيناً.

الرابعة: يجب مدّ واحد لكلّ مسكين. و يدلّ عليه خبر أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

و الصدقة مدّ على كلّ مسكين «2».

و عموم صحيح معاوية بن عمّار قال: قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام)

من أصاب شيئاً فداؤه بدنة من الإبل فإن لم يجد ما يشتري بدنة فأراد أن يتصدّق فعليه أن يطعم ستّين مسكيناً كلّ مسكين مدّاً فإن لم يقدر على ذلك صام مكان ذلك ثمانية عشر يوماً مكان كلّ عشرة مساكين ثلاثة أيّام. و من كان عليه

شي ء من الصيد فداؤه بقرة فإن لم يجد فليطعم ثلاثين مسكيناً فإن لم يجد فليصم تسعة أيّام. و من كان عليه شاة فلم يجد فليطعم عشرة مساكين فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيّام «3».

و صحيح عبد اللّٰه بن سنان المتقدّم حيث قال (عليه السّلام)

فيطعمه المساكين؛ يطعم كلّ مسكين مدّاً.

(11) وجه الاحتياط صحيح أبي عبيدة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) المتقدّم حيث صرّح فيه بنصف الصاع و هو مدّان و هذا الاحتياط استحبابي؛ للاكتفاء بمدّ واحد لكلّ مسكين في صحيحتي معاوية بن عمّار و عبد اللّٰه بن سنان المتقدّمتين،

______________________________

(1) وسائل الشيعة 13: 9، كتاب الحج، أبواب كفارات الصيد، الباب 2، الحديث 3.

(2) نفس المصدر.

(3) وسائل الشيعة 13: 13، كتاب الحج، أبواب كفارات الصيد، الباب 2، الحديث 13.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 378

و لو زاد عن الستّين اقتصر عليهم (12)، و لو نقص لم يجب الإتمام (13)، و الاحتياط بالمُدّين إنّما هو فيما لا يوجب النقص عن الستّين، و إلّا اقتصر على المُدّ و يُتمّ الستّين (14)، و لو عجز عن التصدّق صام على الأحوط لكلّ مُدّ يوماً إلى الستّين، و هو غاية كفّارته (15)،

______________________________

و به يجمع بين أخبار المدّ و المدّين.

(12) أي لا يجب صرف تمام ثمن البدنة عند العجز عنها على إطعام أزيد من ستّين مسكيناً، بل يكتفى بستّين مسكيناً لكلّ واحد منهم مدّ واحد. و يدلّ عليه مرسل جميل بن درّاج المتقدّم حيث قال (عليه السّلام)

و إن كانت قيمة البدنة أكثر من إطعام ستّين مسكيناً لم يزد على إطعام ستّين مسكيناً «1».

و صحيح زرارة و محمّد بن مسلم المتقدّم قال (عليه السّلام)

فإن كانت قيمة البدنة أكثر من إطعام ستّين مسكيناً لم

يزد على إطعام ستّين مسكيناً «2».

(13) أي لو نقص ثمن البدنة عن قيمة ستّين أمداداً لم يجب على المكلّف إتمامه إلى ستّين أمداداً من كيسه. و يدلّ عليه ذيل مرسل جميل المتقدّم حيث قال (عليه السّلام)

و إن كانت قيمة البدنة أقلّ من إطعام ستّين مسكيناً لم يكن عليه إلّا قيمة البدنة.

و ذيل صحيحة محمّد بن مسلم و زرارة قال (عليه السّلام)

و إن كانت قيمة البدنة أقلّ من إطعام ستّين مسكيناً لم يكن عليه إلّا قيمة البدنة.

(14) و ذلك لكون الستّين متعلّقاً لوجوب الإطعام في الروايات فلا يكتفى بأقلّ منه.

(15) و يدلّ عليه ظاهر قوله تعالى أَوْ عَدْلُ ذٰلِكَ صِيٰاماً «3»، حيث إنّ

______________________________

(1) وسائل الشيعة 13: 8، كتاب الحج، أبواب كفارات الصيد، الباب 2، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 13: 11، كتاب الحج، أبواب كفارات الصيد، الباب 2، الحديث 9.

(3) المائدة (5): 95.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 379

و لو عجز صام ثمانية عشر يوماً (16).

______________________________

ذلك إشارة إلى طعام مساكين، فعدل طعام ستّين مسكيناً صيام ستّين يوماً.

و صحيح محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: سألته عن قوله تعالى أَوْ عَدْلُ ذٰلِكَ صِيٰاماً، قال

عدل الهدي ما بلغ يتصدّق به، فإن لم يكن عنده فليصم بقدر ما بلغ لكلّ طعام مسكين يوماً «1».

و مرسل عبد اللّٰه بن بكير بن أعين هو فتحي موثّق في حديثه و عدّه الشيخ (رحمه اللّٰه) من أصحاب الإجماع عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في قول اللّٰه عزّ و جلّ أَوْ عَدْلُ ذٰلِكَ صِيٰاماً، قال

يثمن قيمة الهدي طعاماً، ثمّ يصوم لكلّ مدّ يوماً، فإذا زادت الأمداد على شهرين فليس عليه أكثر منه «2».

و ذيل

صحيح عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) المتقدّم قال (عليه السّلام)

و إمّا أن ينظر كم يبلغ عدد ذلك من المساكين فيصوم مكان كلّ مسكين يوماً «3».

(16) وجه وجوب صوم ثمانية عشر يوماً خبر أبي بصير المتقدّم ضعف الخبر بعلي بن أبي حمزة البطائني و قد ضعّفه جماعة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قلت: فإن لم يقدر على أن يتصدّق؟ قال

فليصم ثمانية عشر يوماً «4».

و موثّق أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قلت: فإن لم يقدر على ما يتصدّق به؟ قال

فليصم ثمانية عشر يوماً «5».

و صحيح معاوية بن عمّار المتقدّم قال:

______________________________

(1) وسائل الشيعة 13: 11، كتاب الحج، أبواب كفارات الصيد، الباب 2، الحديث 10.

(2) وسائل الشيعة 13: 10، كتاب الحج، أبواب كفارات الصيد، الباب 2، الحديث 5.

(3) وسائل الشيعة 13: 13، كتاب الحج، أبواب كفارات الصيد، الباب 2، الحديث 14.

(4) وسائل الشيعة 13: 9، كتاب الحج، أبواب كفارات الصيد، الباب 2، الحديث 3.

(5) وسائل الشيعة 13: 12، كتاب الحج، أبواب كفارات الصيد، الباب 2، الحديث 12.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 380

و كفّارة صيد المُحرِم البقرَ الوحشيّ، فإنّها بقرة، و إن عجز عنها يفضّ ثمنها على الطعام، و يتصدّق به علىٰ ثلاثين مسكيناً (17)

______________________________

فإن لم يقدر على ذلك صام مكان ذلك ثمانية عشر يوماً «1».

و لا يخفى: أنّ وجوب صوم ثمانية عشر يوماً في هذه الروايات الثلاثة و نحوها و إن كان مترتّباً على العجز عن إطعام ستّين مسكيناً و لكنّه يترتّب عليه بواسطة العجز عن الصيام بقدر ما بلغ لكلّ طعام مسكين إلى ستّين يوماً؛ و ذلك لظاهر الآية و الروايات المذكورة الدالّة

على وجوب الصوم مكان كلّ مسكين يوماً.

(17) دليل وجوب كفّارة البقرة في صيد البقر الوحشي خبر أبي بصير المتقدّم عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: و سألته عن محرم أصاب بقرة؟ قال

عليه بقرة «2».

و صحيح علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السّلام) قال: و سألته عن محرم أصاب بقرة ما عليه؟ قال

عليه بقرة «3».

و موثّق أبي بصير المتقدّم عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)، قال: قلت: فإن أصاب بقرة أو حمار وحش ما عليه؟ قال

عليه بقرة «4».

و دليل وجوب إفضاض ثمن البقرة على الطعام و التصدّق به على ثلاثين مسكيناً مع العجز عن البقرة، ذيل موثّق أبي بصير المتقدّم عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قلت: فإن لم يقدر على بقرة؟ قال

فليطعم ثلاثين مسكيناً.

و ذيل خبر أبي بصير المتقدّم قال: قلت: و إن لم يقدر على بقرة؟ قال

فليطعم ثلاثين مسكيناً.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 13: 13، كتاب الحج، أبواب كفارات الصيد، الباب 2، الحديث 13.

(2) وسائل الشيعة 13: 9، كتاب الحج، أبواب كفارات الصيد، الباب 2، الحديث 3.

(3) وسائل الشيعة 13: 10، كتاب الحج، أبواب كفارات الصيد، الباب 2، الحديث 7.

(4) وسائل الشيعة 13: 12، كتاب الحج، أبواب كفارات الصيد، الباب 2، الحديث 12.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 381

لكلّ واحد مُدّ على الأقوىٰ (18)، و الأحوط مُدّان (19)، فإن زاد فله، و إن نقص لا يجب عليه الإتمام (20)، و لا يحتاط بالمُدّين مع إيجابه النقص كما تقدّم (21)، و لو عجز عنه صام على الأحوط عن كلّ مُدّ يوماً إلى الثلاثين، و هي غاية كفّارته (22)، و لو عجز صام تسعة أيام (23)،

______________________________

و صحيح

علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السّلام) المتقدّم قال

فإن لم يجد فليتصدّق على ثلاثين مسكيناً.

(18) و يدلّ عليه عموم صحيح عبد اللّٰه بن سنان المتقدّم حيث قال (عليه السّلام) بوجوب إطعام كلّ مسكين مدّاً بجزاء ما قتل «1».

(19) وجه الاحتياط عموم صحيح أبي عبيدة الحذّاء المتقدّم حيث حكم فيه بنصف الصاع لكلّ مسكين فيما أصابه المحرم و لم يجد ما يكفّر من موضعه «2».

(20) هذه المسألة إجماعية.

(21) أي النقص عن ثلاثين مسكيناً؛ و ذلك لكون الثلاثين متعلّقاً لوجوب الإطعام.

(22) و يدلّ عليه عموم صحيح عبد اللّٰه بن سنان قال (عليه السّلام)

و إمّا أن ينظر كم يبلغ عدد ذلك من المساكين فيصوم مكان كلّ مسكين يوماً «3».

(23) و يدلّ عليه خبر أبي بصير المتقدّم عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قلت: فإن لم يقدر على أن يتصدّق به؟ قال

فليصم تسعة أيّام «4».

و صحيح علي بن جعفر

______________________________

(1) وسائل الشيعة 13: 13، كتاب الحج، أبواب كفارات الصيد، الباب 2، الحديث 14.

(2) وسائل الشيعة 13: 8، كتاب الحج، أبواب كفارات الصيد، الباب 2، الحديث 1.

(3) وسائل الشيعة 13: 13، كتاب الحج، أبواب كفارات الصيد، الباب 2، الحديث 14.

(4) وسائل الشيعة 13: 9، كتاب الحج، أبواب كفارات الصيد، الباب 2، الحديث 3.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 382

و حمار الوحش كذلك (24)،

______________________________

المتقدّم عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السّلام) قال

فإن لم يجد فليصم تسعة أيّام «1».

و موثّق أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)، قال: قلت: فإن لم يقدر على ما يتصدّق به؟ قال

فليصم تسعة أيّام «2».

و صحيح معاوية بن عمّار المتقدّم قال (عليه السّلام)

فإن لم يجد فليصم تسعة

أيّام «3».

و لا يخفى أيضاً: أنّ وجوب صوم تسعة أيّام بعد العجز عن إطعام ثلاثين مسكيناً إنّما هو بواسطة العجز عن الصيام بقدر ما بلغ لكلّ طعام مسكين إلى ثلاثين يوماً؛ لما ذكر سابقاً.

(24) أي كالبقر الوحشي في الأحكام و كون كفّارته البقرة؛ و ذلك لصحيح حريز عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في قول اللّٰه عزّ و جلّ فَجَزٰاءٌ مِثْلُ مٰا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ، قال

في النعامة بدنة و في حمار وحش بقرة و في الظبي شاة «4».

و صحيح أبي الصباح قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن قول اللّٰه عزّ و جلّ في الصيد مَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزٰاءٌ مِثْلُ مٰا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ، قال

في الظبي شاة و في حمار وحش بقرة و في النعامة جزور «5».

و صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) في قوله تعالى لٰا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ وَ مَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزٰاءٌ مِثْلُ مٰا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ قال

من أصاب نعامة فبدنة و من أصاب حماراً أو شبهه فعليه

______________________________

(1) وسائل الشيعة 13: 10، كتاب الحج، أبواب كفارات الصيد، الباب 2، الحديث 7.

(2) وسائل الشيعة 13: 12، كتاب الحج، أبواب كفارات الصيد، الباب 2، الحديث 12.

(3) وسائل الشيعة 13: 13، كتاب الحج، أبواب كفارات الصيد، الباب 2، الحديث 13.

(4) وسائل الشيعة 13: 5، كتاب الحج، أبواب كفارات الصيد، الباب 1، الحديث 1.

(5) وسائل الشيعة 13: 6، كتاب الحج، أبواب كفارات الصيد، الباب 1، الحديث 3.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 383

و الأحوط أنّه كالنعامة (25)، و كفّارة صيد المُحرِم الغزالَ، فإنّها شاة (26)،

______________________________

بقرة. «1»

الخبر. و صحيح آخر لأبي الصباح الكناني في قوله تعالى وَ

مَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزٰاءٌ مِثْلُ مٰا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ؟ قال

في الظبي شاة، و في الحمامة و أشباهها و إن كان فراخاً فعدلها من الحملان، و في حمار الوحش بقرة، و في النعامة جزور «2».

و صحيح داود بن سرحان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

من قتل من النعم و هو محرم نعامة فعليه بدنة و في حمار الوحش بقرة. «3»

الخبر. و موثّق أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قلت: فإن أصاب بقرة أو حمار وحش ما عليه؟ قال

عليه بقرة «4».

(25) أي كفّارته بدنة؛ و ذلك لصحيحة سليمان بن خالد عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)

في الحمار بدنة «5».

و صحيح يعقوب بن شعيب عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قلت له: المحرم يقتل نعامة، قال

عليه بدنة من الإبل

، قلت: يقتل حمار وحش، قال

عليه بدنة. «6»

الخبر.

و لا يخفى: أنّ هذا الاحتياط استحبابي؛ لجواز الاجتزاء في كفّارة الحمار الوحش بالبقرة؛ فكفّارة البدنة مستحبّة.

(26) و يدلّ عليه أخبار كثيرة متواترة: منها صحيح حريز عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)

______________________________

(1) وسائل الشيعة 13: 6، كتاب الحج، أبواب كفارات الصيد، الباب 1، الحديث 5.

(2) وسائل الشيعة 13: 7، كتاب الحج، أبواب كفارات الصيد، الباب 1، الحديث 6.

(3) وسائل الشيعة 13: 7، كتاب الحج، أبواب كفارات الصيد، الباب 1، الحديث 7.

(4) وسائل الشيعة 13: 12، كتاب الحج، أبواب كفارات الصيد، الباب 2، الحديث 12.

(5) وسائل الشيعة 13: 5، كتاب الحج، أبواب كفارات الصيد، الباب 1، الحديث 2.

(6) وسائل الشيعة 13: 6، كتاب الحج، أبواب كفارات الصيد، الباب 1، الحديث 4.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 384

و إن عجز عنها يفضّ ثمنها

على الطعام، و يتصدّق علىٰ عشرة مساكين؛ لكلّ مُدّ على الأقوىٰ (27)، و مُدّان على الأحوط (28).

______________________________

قال

و في الظبي شاة «1».

و صحيح سليمان بن خالد قال: قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام)

في الظبي شاة «2».

و صحيحي أبي الصباح الكناني عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

في الظبي شاة «3».

و صحيح داود بن سرحان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)

و في الظبي شاة «4».

و رواية علي بن أبي حمزة البطائني عن أبي بصير قال: قلت: فإن أصاب ظبياً؟ قال

عليه شاةٌ «5».

(27) و يدلّ عليه صحيح علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السّلام) قال

فإن لم يجد فليتصدّق على عشرة مساكين «6».

و موثّق أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قلت: فإن لم يجد شاة؟ قال

فعليه إطعام عشرة مساكين «7».

و صحيح معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

و من كان عليه شاة فلم يجد فليطعم عشرة مساكين «8».

(28) وجه الاحتياط صحيحة أبي عبيدة الحذّاء المتقدّمة قال (عليه السّلام)

ثمّ جعل لكلّ مسكين نصف صاع «9».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 13: 5، كتاب الحج، أبواب كفارات الصيد، الباب 1، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 13: 5، كتاب الحج، أبواب كفارات الصيد، الباب 1، الحديث 2.

(3) وسائل الشيعة 13: 6، كتاب الحج، أبواب كفارات الصيد، الباب 1، الحديث 3 و 6.

(4) وسائل الشيعة 13: 7، كتاب الحج، أبواب كفارات الصيد، الباب 1، الحديث 7.

(5) وسائل الشيعة 13: 9، كتاب الحج، أبواب كفارات الصيد، الباب 2، الحديث 3.

(6) وسائل الشيعة 13: 11، كتاب الحج، أبواب كفارات الصيد، الباب 2، الحديث 8.

(7) وسائل الشيعة 13: 12، كتاب الحج، أبواب كفارات الصيد، الباب

2، الحديث 12.

(8) وسائل الشيعة 13: 13، كتاب الحج، أبواب كفارات الصيد، الباب 2، الحديث 13.

(9) وسائل الشيعة 13: 8، كتاب الحج، أبواب كفارات الصيد، الباب 2، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 385

و حكم الزيادة و النقيصة و مورد الاحتياط كما تقدّم (29). و لو عجز صام على الأحوط عن كلّ مدّ يوماً إلىٰ عشرة أيّام غاية كفّارته (30)، و لو عجز صام ثلاثة أيّام (31).

و منها: ما يجب مخيّراً بينه و بين غيره، و هي كفّارة الإفطار في شهر رمضان (32)،

______________________________

(29) أمّا حكم الزيادة و النقيصة فإجماعي، و أمّا حكم مورد الاحتياط و أنّ لكلّ فقير مدّين فإنّما هو فيما لا يوجب النقص عن عشرة مساكين؛ لكون العشرة متعلّقاً لوجوب الإطعام فلا يجزي الإطعام على أقلّ منها.

(30) بل على الأقوى؛ لصحيحة عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

و إمّا أن ينظر كم يبلغ عدد ذلك من المساكين فيصوم مكان كلّ مسكين يوماً «1».

(31) و قد صرّح به في الأخبار المذكورة، كرواية علي بن أبي حمزة عن أبي بصير قال

فإن لم يقدر على ما يتصدّق به فعليه صيام ثلاثة أيّام «2»

، و صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السّلام) قال

فإن لم يجد فليصم ثلاثة أيّام «3»

، و موثّقة أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قلت: فإن لم يقدر على ما يتصدّق به؟ قال

فعليه صيام ثلاثة أيّام «4».

(32) و يدلّ عليه صحيح عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في رجل أفطر من شهر رمضان متعمّداً يوماً واحداً من غير عذر، قال

يعتق نسمة أو

يصوم

______________________________

(1) وسائل الشيعة 13: 13، كتاب الحج، أبواب كفارات الصيد، الباب 2، الحديث 14.

(2) وسائل الشيعة 13: 9، كتاب الحج، أبواب كفارات الصيد، الباب 2، الحديث 3.

(3) وسائل الشيعة 13: 11، كتاب الحج، أبواب كفارات الصيد، الباب 2، الحديث 8.

(4) وسائل الشيعة 13: 12، كتاب الحج، أبواب كفارات الصيد، الباب 2، الحديث 12.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 386

و كفّارة إفساد الاعتكاف بالجماع (33)،

______________________________

شهرين متتابعين أو يطعم ستّين مسكيناً. «1»

الخبر.

و موثّق سماعة الوارد في خصوص الإفطار بالجماع، قال: سألته عن رجل أتى أهله في شهر رمضان متعمّداً، قال

عليه عتق رقبة أو إطعام ستّين مسكيناً أو صوم شهرين متتابعين. «2»

الخبر.

(33) و يدلّ عليه موثّق سماعة بن مهران عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن معتكف واقع أهله، قال

عليه ما على الذي أفطر يوماً من شهر رمضان متعمّداً؛ عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستّين مسكيناً «3».

و موثّق آخر لسماعة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن معتكف واقع أهله، فقال

هو بمنزلة من أفطر يوماً من شهر رمضان «4».

و لا يخفى: أنّه قد ورد في بعض الروايات المعتبر سنداً: أنّ كفّارة إفساد الاعتكاف بالجماع هي كفّارة الظهار، كصحيحة زرارة قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن المعتكف يجامع (أهله)، قال

إذا فعل فعليه ما على المظاهر «5».

و صحيحة أبي ولّاد الحنّاط قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن امرأة كان زوجها غائباً فقدم و هي معتكفة بإذن زوجها فخرجت حين بلغها قدومه من المسجد إلى بيتها فتهيّأت لزوجها حتّى واقعها، فقال

إن كانت خرجت من المسجد قبل أن تقضي ثلاثة أيّام

______________________________

(1)

وسائل الشيعة 10: 44، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 8، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 10: 49، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 8، الحديث 13.

(3) وسائل الشيعة 10: 547، كتاب الاعتكاف، الباب 6، الحديث 5.

(4) وسائل الشيعة 10: 547، كتاب الاعتكاف، الباب 6، الحديث 2.

(5) وسائل الشيعة 10: 546، كتاب الاعتكاف، الباب 6، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 387

و كفّارة جزّ المرأة شعرها في المصاب (34)، و كفّارة النذر و العهد (35)، فإنّها فيها مخيّرة بين الخِصال الثلاث.

______________________________

و لم تكن اشترطت في اعتكافها فإنّ عليها ما على المظاهر «1».

و الأحوط كفّارة الظهار.

(34) و يدلّ عليه رواية خالد بن سدير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

ففي جزّ الشعر عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستّين مسكيناً «2»

، لا يخفى: أنّ الرواية ضعيفة لجهالة خالد، و الوجوب ليس مشهوراً؛ فهي محمولة على الاستحباب للتسامح في أدلّة السنن.

(35) أمّا كفّارة النذر: فقد ورد في بعض الروايات أنّ كفّارة النذر هي كفّارة الإفطار العمدي مخيّرة بين الخصال الثلاث المعهودة.

و يدلّ عليه رواية عبد الملك بن عمرو الأحول الكوفي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عمّن جعل لِلّٰه عليه أن لا يركب محرّماً سمّاه فركبه، قال: لا، و لا أعلمه إلّا قال

فليعتق رقبة أو ليصم شهرين متتابعين أو ليطعم ستّين مسكيناً «3»

، و عبد الملك في هذه الرواية لم يثبت وثاقته و لا مدحه إلّا بشهادته لنفسه قال: قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام)

إنّي لأدعو لك حتّى اسمّي دابّتك

أو قال

أدعو لدابّتك «4»

، و هو غير مفيد.

و في بعض الروايات: أنّ كفّارته تحرير رقبة مؤمنة.

و يدلّ عليه صحيح

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 548، كتاب الاعتكاف، الباب 6، الحديث 6.

(2) وسائل الشيعة 22: 402، كتاب الإيلاء و الكفارات، أبواب الكفارات، الباب 31، الحديث 1.

(3) وسائل الشيعة 22: 394، كتاب الإيلاء و الكفارات، أبواب الكفارات، الباب 23، الحديث 7.

(4) اختيار معرفة الرجال 2: 687/ 730.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 388

..........

______________________________

علي بن مهزيار قال: و كتب إليه يسأله: يا سيّدي رجل نذر أن يصوم يوماً فوقع ذلك اليوم على أهله، ما عليه من الكفّارة؟ فكتب إليه

يصوم يوماً بدل يوم و تحرير رقبة مؤمنة «3».

و لا يخفى: أنّ الفتوى بكفّارة خصوص عتق الرقبة غير مشهورة.

و ورد في بعض الروايات: أنّ كفّارته مدّ طعام في حنث نذر الصوم فيمن فاته صلاة الليل كما في رواية علي و إسحاق ابني سليمان بن داود: إنّ إبراهيم بن محمّد أخبرهما قال: كتبتُ إلى الفقيه (عليه السّلام): يا مولاي نذرتُ أن أكون متى فاتتني صلاة الليل صمت في صبيحتها ففاته ذلك كيف يصنع؟ و هل له من ذلك مخرج؟ و كم يجب عليه من الكفّارة في صوم كلّ يوم تركه إن كفّر إن أراد ذلك؟ فكتب

يفرِّق عن كلّ يوم بمدّ من طعام كفّارةً «1».

و في بعض الروايات: أنّ كفّارته كفّارة حنث اليمين، و هو الأظهر عندي. و يدلّ عليه صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

إن قلت: لِلّٰه عليَّ فكفّارة يمين «2».

و صحيح صفوان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قلت له: بأبي أنت و أُمّي جعلت على نفسي مشياً إلى بيت اللّٰه، قال

كفّر يمينك فإنّما جعلتَ على نفسك يميناً، و ما جعلته للّٰه ففِ به «5».

و موثّق حفص

بن غياث عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن كفّارة النذر، فقال

كفّارة النذر كفّارة اليمين. «4»

الخبر. و صحيح جميل بن صالح الأسدي عن أبي الحسن موسى (عليه السّلام) أنّه قال

كلّ من عجز عن

______________________________

(3) وسائل الشيعة 22: 392، كتاب الإيلاء و الكفارات، أبواب الكفارات، الباب 23، الحديث 2.

(1) وسائل الشيعة 22: 394، كتاب الإيلاء و الكفارات، أبواب الكفارات، الباب 23، الحديث 8.

(2) وسائل الشيعة 22: 392، كتاب الإيلاء و الكفارات، أبواب الكفارات، الباب 23، الحديث 1.

(5) وسائل الشيعة 22: 392، كتاب الإيلاء و الكفارات، أبواب الكفارات، الباب 23، الحديث 3.

(4) وسائل الشيعة 22: 393، كتاب الإيلاء و الكفارات، أبواب الكفارات، الباب 23، الحديث 4.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 389

[ (مسألة): يجب التتابع في صوم شهرين من كفّارة الجمع و كفارة التخيير و الترتيب]

(مسألة): يجب التتابع في صوم شهرين من كفّارة الجمع و كفارة التخيير و الترتيب (36)،

______________________________

نذرٍ نذره فكفّارته كفّارة يمين «1».

و صحيح عمرو بن خالد الحنّاط عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

النذر نذران؛ فما كان للّٰه فَفِ به، و ما كان لغير اللّٰه فكفّارته كفّارة يمين «2»

، و في «الوسائل» يحتمل أن يكون المراد ب

ما كان لغير اللّٰه

ما وقع الحنث فيه أو ما كان معلّقاً على شرط كحصول شفاء المريض. و على كلّ تقدير فالحنث مراد، و إلّا لم تجب الكفّارة.

و أمّا كفّارة العهد: فالظاهر أنّها مخيّرة بين الخصال الثلاث في الإفطار العمدي. و يدلّ عليه حسنة العمركي عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السّلام) قال: سألته عن رجل عاهد اللّٰه في غير معصية ما عليه إن لم يفِ بعهده؟ قال

يعتق رقبة أو يتصدّق بصدقة أو يصوم شهرين متتابعين «3»

و حسن الرواية بمحمّد بن أحمد

بن إسماعيل العلوي، قال الوحيد: إنّه ثقة، و الحقّ أنّه حسن؛ لقول النجاشي: إنّه من شيوخ من أصحابنا. و رواية أبي بصير عن أحدهما (عليهما السّلام) قال

من جعل عليه عهد اللّٰه و ميثاقه في أمر لِلّٰه طاعة فحنث فعليه عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستّين مسكيناً «4».

(36) دليل وجوب التتابع في صوم شهرين، تقييد الشهرين بالمتتابعين في صريح الأدلّة في كفّارات الجمع؛ و هي في موردين:

______________________________

(1) وسائل الشيعة 22: 393، كتاب الإيلاء و الكفارات، أبواب الكفارات، الباب 23، الحديث 5.

(2) وسائل الشيعة 22: 393، كتاب الإيلاء و الكفارات، أبواب الكفارات، الباب 23، الحديث 6.

(3) وسائل الشيعة 22: 395، كتاب الإيلاء و الكفارات، أبواب الكفارات، الباب 24، الحديث 1.

(4) وسائل الشيعة 22: 395، كتاب الإيلاء و الكفارات، أبواب الكفارات، الباب 24، الحديث 2.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 390

..........

______________________________

الأوّل: الإفطار بالمحرّم في شهر رمضان؛ ففي صحيحة عبد السلام بن صالح الهروي قال: قلت للرضا (عليه السّلام): يا ابن رسول اللّٰه. إلى أن قال (عليه السّلام)

متى جامع الرجل حراماً أو أفطر على حرام في شهر رمضان فعليه ثلاث كفّارات: عتق رقبة و صيام شهرين متتابعين و إطعام ستّين مسكيناً. «1»

الخبر.

الثاني: كفّارة قتل العمد إذا عفي عنه؛ ففي صحيحة عبد اللّٰه بن سنان و ابن بكير جميعاً عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سئل عن المؤمن يقتل المؤمن متعمّداً. إلى أن قال: فقال

إن لم يكن علم به انطلق إلى أولياء المقتول فأقرّ عندهم بقتل صاحبه، فإن عفوا عنه فلم يقتلوه أعطاهم الدية و أعتق نسمة و صام شهرين متتابعين و أطعم ستّين مسكيناً توبةً إلى اللّٰه عزّ و جلّ «2».

و مثلها

صحيحتان أُخريان لابن سنان في الباب.

و أمّا الكفّارة المخيّرة ففي موارد: منها: كفّارة إفطار شهر رمضان بالمحلّل.

و منها: كفّارة إفساد الاعتكاف بالجماع.

و منها: كفّارة جزّ المرأة شعرها في المصاب.

و منها: كفّارة العهد، و قد ذكرنا أدلّتها، و اتّصف فيها الشهران بالمتتابعين.

و أمّا كفّارة الترتيب فموردها: كفّارة الظهار: ففي صحيحة حمران بن أعين عن أبي جعفر (عليه السّلام) في حديث الظهار. إلى أن قال

فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين. «3»

الخبر.

و كفّارة قتل الخطأ: ففي صحيحة عبد اللّٰه بن سنان قال: قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام):

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 53، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 10، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 22: 398، كتاب الإيلاء و الكفارات، أبواب الكفارات، الباب 28، الحديث 1.

(3) وسائل الشيعة 22: 359، كتاب الإيلاء و الكفارات، أبواب الكفارات، الباب 1، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 391

و يكفي في حصوله صوم الشهر الأوّل و يوم من الشهر الثاني كما مرّ (37). و كذا يجب التتابع على الأحوط في الثمانية عشر بدل الشهرين، بل هو الأحوط في صيام سائر الكفّارات (38).

______________________________

كفّارة الدم إذا قتل الرجل مؤمناً متعمّداً.

إلى أن قال

و إذا قتل خطأً أدّى ديته إلى أوليائه ثمّ أعتق رقبة، فإن لم يجد صام شهرين متتابعين فإن لم يستطع أطعم ستين مسكيناً مدّاً مدّاً. «1»

الخبر.

(37) قد مرّ البحث فيه تفصيلًا في شرح المسألة العاشرة من مسائل «القول فيما يترتّب على الإفطار»؛ ففي موثّقة سماعة بن مهران قال: سألته عن الرجل يكون عليه صوم شهرين متتابعين أ يفرّق بين الأيّام؟ فقال

إذا صام أكثر من شهر فوصله ثمّ عرض له أمرٌ فأفطر فلا بأس، فإن كان أقلّ من

شهر أو شهراً فعليه أن يعيد الصيام «2».

و في صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن قطع صوم كفّارة اليمين و كفّارة الظهار و كفّارة القتل، فقال

إن كان على رجل صيام شهرين متتابعين و التتابع أن يصوم شهراً و يصوم من الآخر شيئاً أو أيّاماً منه فإن عرض له شي ء يفطر منه أفطر ثمّ يقضي ما بقي عليه، و إن صام شهراً ثمّ عرض له شي ء فأفطر قبل أن يصوم من الآخر شيئاً فلم يتابع أعاد الصوم كلّه «3».

(38) وجه الاحتياط في الثمانية عشر فتوى المشهور بوجوب التتابع. و في «الجواهر» ما حاصله: أنّ الشارع اقتصر لدى عجز المكلّف عن صيام الشهرين

______________________________

(1) وسائل الشيعة 22: 374، كتاب الإيلاء و الكفارات، أبواب الكفارات، الباب 10، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 10: 372، كتاب الصوم، أبواب بقية الصوم الواجب، الباب 3، الحديث 5.

(3) وسائل الشيعة 10: 373، كتاب الصوم، أبواب بقية الصوم الواجب، الباب 3، الحديث 9.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 392

..........

______________________________

المتتابعين على صوم ثمانية عشر يوماً إرفاقاً و تخفيفاً، فكأنّ صيام ثمانية عشر جزء من الشهرين؛ فيعتبر التتابع فيها كالشهرين.

و لا يخفى: أنّ ما في «الجواهر» مبتنٍ على كون الثمانية عشر بدلًا من صيام الشهرين، و أنّى له بإثباته؟! بل يظهر من بعض الروايات أنّها بدل عن الطعام لا الصيام؛ ففي صحيحة أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن رجل كان عليه صيام شهرين متتابعين فلم يقدر على الصيام و لم يقدر على العتق و لم يقدر على الصدقة، قال

فليصم ثمانية عشر يوماً عن كلّ عشرة مساكين ثلاثة أيّام «1».

و لا دليل معتبر على وجوب التتابع

في صيام الثمانية عشر، و لا في غيره من صيام الكفّارات، إلّا في كفّارة اليمين فإنّه يعتبر فيها التوالي؛ لصحيحة عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

كلّ صوم يفرّق إلّا ثلاثة أيّام في كفّارة اليمين «2».

و صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في حديث قال

صيام ثلاثة أيّام في كفّارة اليمين متتابعات و لا يفصل بينهنّ «3».

و قد ورد في بعض الروايات لزوم التتابع في صوم بدل الهدي؛ ففي صحيحة العمركي الخراساني عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السّلام) قال: سألته عن صوم ثلاثة أيّام في الحجّ و السبعة أ يصومها متوالية أو يفرّق بينها؟ قال

يصوم الثلاثة لا يفرّق بينها و السبعة لا يفرّق بينها و لا يجمع السبعة و الثلاثة جميعاً «4».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 381، كتاب الصوم، أبواب بقية الصوم الواجب، الباب 9، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 10: 382، كتاب الصوم، أبواب بقية الصوم الواجب، الباب 10، الحديث 1.

(3) وسائل الشيعة 10: 383، كتاب الصوم، أبواب بقية الصوم الواجب، الباب 10، الحديث 4.

(4) وسائل الشيعة 10: 383، كتاب الصوم، أبواب بقية الصوم الواجب، الباب 10، الحديث 5.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 393

و لا يضرّ بالتتابع فيما يشترط فيه ذلك الإفطارُ في الأثناء لعذر من الأعذار، فيبني علىٰ ما مضى كما تقدّم (39).

______________________________

(39) قد مرّ البحث فيه تفصيلًا في المسألة العاشرة من مسائل «القول فيما يترتّب على الإفطار».

و يدلّ على عدم الإضرار بالتتابع فيما أفطر في الأثناء لعذر من الأعذار صحيح رفاعة قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل عليه صيام شهرين متتابعين فصام شهراً و مرض، قال

يبني عليه، اللّٰه حبسه

، قلت: امرأة كان عليها صيام شهرين متتابعين فصامت و أفطرت أيّام حيضها، قال

تقضيها

، قلت: فإنّها قضتها ثمّ يئست من المحيض؟ قال

لا يعيدها أجزأها ذلك «1».

و صحيح سليمان بن خالد قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل كان عليه صيام شهرين متتابعين فصام خمسة و عشرين يوماً ثمّ مرض، فإذا برأ يبني على صومه أم يعيد صومه كلّه؟ قال

بل يبني على ما كان صام

، ثمّ قال

هذا ممّا غلب اللّٰه عليه، و ليس على ما غلب اللّٰه عزّ و جلّ عليه شي ء «2».

و صحيح آخر لرفاعة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

المظاهر إذا صام شهراً ثمّ مرض اعتدّ بصيامه «3».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 374، كتاب الصوم، أبواب بقية الصوم الواجب، الباب 3، الحديث 10.

(2) وسائل الشيعة 10: 374، كتاب الصوم، أبواب بقية الصوم الواجب، الباب 3، الحديث 12.

(3) وسائل الشيعة 10: 375، كتاب الصوم، أبواب بقية الصوم الواجب، الباب 3، الحديث 13.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 394

[و أمّا المندوب منه]

و أمّا المندوب منه فالمؤكّد منه أفراد:

منها: صوم ثلاثة أيّام من كلّ شهر. و أفضل كيفيّتها: أوّل خميس منه، و آخر خميس منه، و أوّل أربعاء في العشر الثاني (40).

و منها: أيّام البيض، و هي الثالث عشر و الرابع عشر و الخامس عشر (41).

______________________________

(40) و يدلّ عليه صحيح حمّاد بن عثمان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

صام رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) حتّى قيل ما يفطر، ثمّ أفطر حتّى قيل ما يصوم، ثمّ صام صوم داود (عليه السّلام) يوماً و يوماً لا، ثمّ قبض (عليه السّلام) على صيام ثلاثة أيّام

في الشهر و قال: يعدلن صوم الدهر (الشهر) و يذهبن بوحر الصدر

، و قال حمّاد: الوحر الوسوسة، قال حمّاد: فقلت: و أيّ الأيّام هي؟ قال

أوّل خميس في الشهر و أوّل أربعاء بعد العشر منه و آخر خميس فيه

، فقلت: و كيف صارت هذه الأيّام التي تصام؟ فقال

لأنّ من قبلنا من الأُمم كانوا إذا نزل على أحدهم العذاب نزل في هذه الأيّام، فصام رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) هذه الأيّام لأنّها الأيّام المخوفة «1»

، و كذا غيره من روايات الباب، إلّا أنّ الأربعاء فيها مطلقة لم تقيّد بالأوّل.

(41) و تدلّ عليه رواية ابن مسعود عن النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) في حديث

إنّ اللّٰه أهبط آدم إلى الأرض مسودّاً، فلمّا رأته الملائكة ضجّت و بكت و انتحبت.

إلى أن قال

________________________________________

بنى فضل، مرتضى بن سيف على، مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، در يك جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، تهران - ايران، اول، 1422 ه ق

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم؛ ص: 394

فنادى منادٍ من السماء: أن صم لربّك اليوم فصام فوافق يوم ثالث عشر

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 415، كتاب الصوم، أبواب الصوم المندوب، الباب 7، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 395

و منها: يوم الغدير، و هو الثامن عشر من ذي الحجّة (42).

______________________________

من الشهر فذهب ثُلث السواد، ثمّ نودي يوم الرابع عشر: أن صم لربّك اليوم فصام فذهب ثلث السواد، ثمّ نودي يوم خمسة عشر بالصيام فصام و قد ذهب السواد كلّه، فسمّيت أيّام البيض للّذي ردّ اللّٰه عزّ و جلّ على آدم من بياضه، ثمّ نادى منادٍ من السماء: يا

آدم هذه الثلاثة أيّام جعلتُها لك و لولدك من صامها في كلّ شهر فكأنّما صام الدهر «1».

و رواية علي بن موسى بن طاوس في «الدروع الواقية» نقلًا من كتاب «تحفة المؤمن» تأليف عبد الرحمن بن محمّد بن علي الحلواني عن علي بن أبي طالب (عليه السّلام) قال

قال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) أتاني جبرئيل فقال: قل لعلي: صم من كلّ شهر ثلاثة أيّام يكتب لك بأوّل يوم تصومه عشرة آلاف سنة، و بالثاني ثلاثون ألف سنة، و بالثالث مائة ألف سنة، قلت: يا رسول اللّٰه إليّ ذلك خاصّة أم للناس عامّة؟ فقال: يعطيك اللّٰه ذلك و لمن عمل مثل ذلك، فقلت: ما هي يا رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)؟ قال: الأيّام البيض من كلّ شهر؛ و هي الثالث عشر و الرابع عشر و الخامس عشر «2».

(42) و يدلّ عليه رواية عبد الرحمن بن سالم عن أبيه، قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام): هل للمسلمين عيدٌ غير يوم الجمعة و الأضحى و الفطر؟ قال

نعم أعظمها حرمة

، قلت: و أيّ عيد هو جعلت فداك؟ قال

اليوم الذي نصب فيه رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) أمير المؤمنين (عليه السّلام) و قال: من كنت مولاه فعلي مولاه

، قلت: و أيّ يوم هو؟ قال

و ما تصنع باليوم أنّ السنة تدور و لكنّه يوم ثمانية عشر من

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 436، كتاب الصوم، أبواب الصوم المندوب، الباب 12، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 10: 437، كتاب الصوم، أبواب الصوم المندوب، الباب 12، الحديث 3.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 396

و منها: يوم مولد النبيّ (صلّى

اللّٰه عليه و آله و سلّم)، و هو السابع عشر من ربيع الأوّل (43).

______________________________

ذي الحجّة

، فقلت: و ما ينبغي لنا أن نفعل في ذلك اليوم؟ قال

تذكرون اللّٰه عزّ ذكره فيه بالصيام و العبادة و الذكر لمحمّد و آل محمّد؛ فإنّ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) أوصى أمير المؤمنين (عليه السّلام) أن يتّخذ ذلك اليوم عيداً، و كذلك كانت الأنبياء تفعل كانوا يوصون أوصياءهم بذلك، فيتّخذونه عيداً «1».

و غيرها من روايات الباب؛ خصوصاً رواية علي بن الحسين العبدي قال: سمعت أبا عبد اللّٰه الصادق (عليه السّلام) يقول

صيام يوم غدير خم يعدل صيام عمر الدنيا لو عاش إنسان ثمّ صام ما عمرت الدنيا لكان له ثواب ذلك و صيامه يعدل عند اللّٰه عزّ و جلّ في كلّ عام مائة حجّة و مائة عمرة مبرورات متقبّلات؛ و هو عيد اللّٰه الأكبر «2».

(43) و يدلّ عليه رواية إسحاق بن عبد اللّٰه العلوي العريضي قال: ركب أبي و عمومتي إلى أبي الحسن (عليه السّلام) و قد اختلفوا في الأيّام التي تصام في السنة و هو مقيم بقرية قبل سيره إلى سرّ من رأى، فقال لهم

جئتم تسألوني عن الأيّام التي تصام في السنة

، فقالوا: ما جئناك إلّا لهذا، فقال

اليوم السابع عشر من ربيع الأوّل و هو اليوم الذي ولد فيه رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)، و اليوم السابع و العشرون من رجب و هو اليوم الذي بُعث فيه رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)، و اليوم الخامس و العشرون من ذي القعدة و هو اليوم الذي دحيت فيه الأرض تحت الكعبة، و اليوم الثامن عشر من

ذي الحجّة و هو يوم الغدير «3».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 440، كتاب الصوم، أبواب الصوم المندوب، الباب 14، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 10: 442، كتاب الصوم، أبواب الصوم المندوب، الباب 14، الحديث 4.

(3) وسائل الشيعة 10: 455، كتاب الصوم، أبواب الصوم المندوب، الباب 19، الحديث 3.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 397

و منها: يوم مبعثه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)، و هو السابع و العشرون من رجب (44).

و منها: يوم دَحو الأرض، و هو الخامس و العشرون من ذي القعدة (45).

و منها: يوم عَرَفة لمن لم يُضعفه الصوم (46) عمّا عزم عليه من الدعاء؛ مع تحقّق الهلال علىٰ وجه لا يحتمل وقوعه في يوم العيد.

______________________________

(44) و يدلّ عليه رواية الحسن بن راشد عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في حديث قال

و لا تدع صيام يوم سبعة و عشرين من رجب؛ فإنّه هو اليوم الذي أُنزلت فيه النبوّة على محمّد (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و ثوابه مثل ستين شهراً لكم «1»

، و غيرها من روايات الباب، و في بعض الروايات

إنّ صوم يوم المبعث كصوم سبعين عاما «2».

(45) و يدلّ عليه صحيح الحسن بن علي الوشّاء قال: كنتُ مع أبي و أنا غلام فتعشينا عند الرضا (عليه السّلام) ليلة خمس و عشرين من ذي القعدة، فقال له

ليلة خمس و عشرين من ذي القعدة ولد فيها إبراهيم (عليه السّلام) و ولد فيها عيسى بن مريم (عليه السّلام)، و فيها دحيت الأرض من تحت الكعبة، فمن صام ذلك اليوم كان كمن صام ستّين شهراً «3».

(46) و يدلّ على استحبابه موثّق عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه عن أبي الحسن (عليه

السّلام) قال

صوم يوم عرفة يعدل السنة. «4»

الخبر. و يدلّ على اشتراط استحبابه بعدم تضعيفه الصائم عن الدعاء مع تحقّق الهلال على وجه لا يحتمل معه وقوع الصوم في يوم العيد صحيح حنّان بن سدير، عن أبيه، عن

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 446، كتاب الصوم، أبواب الصوم المندوب، الباب 15، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 10: 447، كتاب الصوم، أبواب الصوم المندوب، الباب 15.

(3) وسائل الشيعة 10: 449، كتاب الصوم، أبواب الصوم المندوب، الباب 16، الحديث 1.

(4) وسائل الشيعة 10: 465، كتاب الصوم، أبواب الصوم المندوب، الباب 23، الحديث 5.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 398

و منها: يوم المباهلة، و هو الرابع و العشرون من ذي الحجّة، يصومه بقصد القربة المطلقة؛ و شكراً لإظهار النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) فضيلة عظيمة من فضائل مولانا أمير المؤمنين (عليه السّلام) (47).

و منها: كلّ خميس و جمعة (48).

______________________________

أبي جعفر (عليه السّلام) قال: سألته عن صوم يوم عرفة، فقلت: جعلت فداك إنّهم يزعمون أنّه يعدل صوم سنة، فقال

كان أبي لا يصومه؛ قلت: و لِمَ ذلك جعلت فداك؟ قال: إنّ يوم عرفة يوم دعاء و مسألة، و أتخوّف أن يضعّفني عن الدعاء و أُكره أن أصومه، و أتخوّف أن يكون يوم عرفة يوم أضحى و ليس بيوم صوم «1».

(47) و يدلّ عليه ما روى في «المراقبات» عن السيّد في «الإقبال» بإسناده إلى محمّد بن علي بن أبي قرّة بإسناده إلى محمّد بن علي القمي، رفعه في خبر المباهلة قال: و أصحّ الروايات يوم أربعة و عشرين و الزيادة فيه قال

إذا أردت ذلك فابدأ بصوم ذلك اليوم شكراً لِلّٰه تعالى، و اغتسل و البس أنظف ثيابك

و تطيّب بما قدرت عليه، و عليك بالسكينة و الوقار. «2»

الخبر.

(48) لا يخفى: أنّ صوم يوم الخميس كلّه لا تأكيد في استحبابه في الروايات إلّا الخميس الأوّل و الآخر من كلّ شهر. و أمّا رواية الزهري عن علي بن الحسين (عليه السّلام) قال

و أمّا الصوم الذي يكون صاحبه فيه بالخيار فصوم يوم الجمعة و الخميس.

إلى أن قال

فكلّ ذلك صاحبه فيه بالخيار؛ إن شاء صام و إن شاء أفطر «3»

، فلا تدلّ على تأكيد الاستحباب.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 465، كتاب الصوم، أبواب الصوم المندوب، الباب 23، الحديث 6.

(2) مستدرك الوسائل 6: 351، كتاب الصلاة، أبواب بقية الصلوات المندوبة، الباب 39، الحديث 1.

(3) وسائل الشيعة 10: 411، كتاب الصوم، أبواب الصوم المندوب، الباب 5، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 399

و منها: أوّل ذي الحجّة إلىٰ يوم التاسع (49).

و منها: رجب و شعبان كلّا أو بعضاً و لو يوماً من كلّ منهما (50).

______________________________

و أمّا يوم الجمعة فقد أُكّد في استحباب صومه في بعض الروايات، كما في رواية «عيون الأخبار» عن الرضا (عليه السّلام) قال: قال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)

من صام يوم الجمعة صبراً و احتساباً اعطي ثواب صيام عشرة أيّام غرّ زهر لا تشاكل أيّام الدنيا «1»

، و صحيحة هشام بن الحكم عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في الرجل يريد أن يعمل شيئاً من الخير مثل الصدقة و الصوم و نحو هذا، قال

يستحبّ أن يكون ذلك يوم الجمعة؛ فإنّ العمل يوم الجمعة يضاعف «2».

(49) و يدلّ عليه رواية محمّد بن علي بن الحسين عن موسى بن جعفر (عليه السّلام) قال

من صام أوّل يوم من العشر

عشر ذي الحجّة كتب اللّٰه له صوم ثمانين شهراً، فإن صام التسع كتب اللّٰه له صوم الدهر «3».

(50) أمّا صوم رجب: فيدلّ عليه رواية الصدوق قال: و قال أبو الحسن موسى بن جعفر (عليه السّلام)

رجب نهر في الجنّة أشدّ بياضاً من اللبن و أحلى من العسل؛ فمن صام يوماً من رجب سقاه اللّٰه من ذلك النهر «4»

، و غيرها من روايات الباب.

و أمّا صوم شعبان: فيدلّ عليه رواية سليمان بن المروزي عن الرضا (عليه السّلام) قال

كان رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) يكثر الصيام في شعبان.

إلى أن قال

و كان يقول:

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 412، كتاب الصوم، أبواب الصوم المندوب، الباب 5، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 10: 412، كتاب الصوم، أبواب الصوم المندوب، الباب 5، الحديث 4.

(3) وسائل الشيعة 10: 453، كتاب الصوم، أبواب الصوم المندوب، الباب 18، الحديث 3.

(4) وسائل الشيعة 10: 472، كتاب الصوم، أبواب الصوم المندوب، الباب 26، الحديث 3.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 400

و منها: يوم النيروز (51).

و منها: أوّل يوم من المحرّم و ثالثه (52).

______________________________

شعبان شهري و هو أفضل الشهور بعد شهر رمضان؛ فمن صام فيه يوماً كنت شفيعه يوم القيامة «1»

، و غيرها من روايات الباب.

(51) و يدلّ عليه رواية المعلّى بن خنيس عن الصادق (عليه السّلام) في يوم النيروز قال

إذا كان يوم النيروز فاغتسل و البس أنظف ثيابك و تطيّب بأطيب طيبك و تكون ذلك اليوم صائماً «2».

(52) و يدلّ عليه صحيح الريان بن شبيب قال: دخلت على الرضا (عليه السّلام) في أوّل يوم من المحرّم، فقال لي

أ صائم أنت يا بن شبيب؟

فقلت: لا، فقال

إنّ هذا اليوم هو اليوم

الذي دعا فيه زكريا (عليه السّلام) ربّه.

إلى أن قال

فمن صام هذا اليوم ثمّ دعا اللّٰه عزّ و جلّ استجاب اللّٰه له كما استجاب لزكريا (عليه السّلام) «3».

و ما عن النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)

إنّ من صام اليوم الثالث من المحرّم استجيب دعوته «4».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 490، كتاب الصوم، أبواب الصوم المندوب، الباب 28، الحديث 12.

(2) وسائل الشيعة 10: 468، كتاب الصوم، أبواب الصوم المندوب، الباب 24، الحديث 1.

(3) وسائل الشيعة 10: 469، كتاب الصوم، أبواب الصوم المندوب، الباب 25، الحديث 2.

(4) وسائل الشيعة 10: 470، كتاب الصوم، أبواب الصوم المندوب، الباب 25، الحديث 9.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 401

[و أمّا المكروه]

و أمّا المكروه فصوم الضيف نافلة من دون إذن مُضيّفه (53)، و كذا مع نهيه (54)، و الأحوط تركه حتّى مع عدم الإذن (55)، و صوم الولد من دون إذن والده (56) مع عدم الإيذاء له من حيث الشفقة، و لا يُترك الاحتياط مع نهيه و إن لم يكن إيذاء (57)، و كذا مع نهي الوالدة (58). و الأحوط إجراء الحكم على الولد و إن نزل و الوالد و إن علا (59)،

______________________________

(53) و يدلّ عليه صحيح الفضيل بن يسار عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

و لا ينبغي للضيف أن يصوم إلّا بإذنهم لئلّا يعملوا له الشي ء فيفسد عليهم «1».

(54) و ذلك لإطلاق الصحيح المزبور.

(55) و ذلك لما يستفاد من التعليل في الصحيح المذكور.

(56) و يدلّ عليه صحيح هشام بن الحكم عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

قال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم).

إلى أن قال

و مِن برّ الولد بأبويه أن لا يصوم

تطوّعاً إلّا بإذن أبويه و أمرهما «2».

(57) و ذلك لإناطة صحّة صومه تطوّعاً بإذن والده؛ فلا يصحّ بدون الإذن؛ خصوصاً فيما نهاه عنه و لو لم يكن إيذاء.

(58) لشمول الروايات عليها بقوله (عليه السّلام)

أبويه.

(59) و ذلك لإطلاق الولد و الوالد في النصوص.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 528، كتاب الصوم، أبواب الصوم المحرم و المكروه، الباب 9، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 10: 530، كتاب الصوم، أبواب الصوم المحرم و المكروه، الباب 10، الحديث 2.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 402

بل الأولىٰ مراعاة إذن الوالدة أيضاً (60). و الأولى ترك صوم يوم عرفة لمن يُضعفه الصوم عن الأدعية و الاشتغال بها، كما أنّ الأولىٰ ترك صومه مع احتمال كونه عيداً (61)، و أمّا الكراهة بالمعنى المصطلح حتّى في العبادات فيهما فالظاهر عدمها (62).

______________________________

(60) بل مراعاة إذنها متعيّن؛ للتصريح بالأبوين في الروايات.

(61) و يدلّ عليه صحيح حنّان بن سدير عن أبيه عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: سألته عن صوم يوم عرفة فقلت: جعلت فداك إنّهم يزعمون أنّه يعدل صوم سنة، فقال

كان أبي لا يصومه، قلت: و لِمَ ذلك جعلت فداك؟ قال: إنّ يوم عرفة يوم دعاء و مسألة و أتخوّف أن يضعّفني عن الدعاء و أكره أن أصومه، و أتخوّف أن يكون يوم عرفة يوم أضحى و ليس بيوم صومٍ «1».

(62) هذا دفع لتوهم كراهة صوم يوم عرفة بالمعنى المصطلح في العبادات، كما هو المصرّح به في كلام كثير من فقهائنا ففي «العروة الوثقى»: «و أمّا المكروه منه بمعنى قلّة الثواب»، و حاصل الدفع أنّ الكراهة في صوم يوم عرفة لمن يضعفه عن الاشتغال بالأدعية أو يحتمل كونه عيداً ليس بمعنى المصطلح في العبادة، أي أقلّ

ثواباً، بل بمعنى أنّ تركه لهما أفضل من فعله و إن كان في فعله لهما أجر عظيم كما نطقت به الأخبار. و لذا فسّر السيّد البروجردي (رحمه اللّٰه) في حاشيته على «العروة الوثقى» المكروه بمعنى المزاحمة بما هو أفضل منه.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 465، كتاب الصوم، أبواب الصوم المندوب، الباب 23، الحديث 6.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 403

[و أمّا المحظور]

و أمّا المحظور فصوم يومي العيدين (63)، و صوم يوم الثلاثين من شعبان بنية أنّه من رمضان (64)،

______________________________

(63) و تدلّ عليه رواية الزهري عن علي بن الحسين (عليه السّلام) في حديث قال

و أمّا الصوم الحرام فصوم يوم الفطر و يوم الأضحى و ثلاثة أيّام من أيّام التشريق و صوم يوم الشكّ أُمرنا به و نهينا عنه.

إلى أن قال

و صوم الوصال حرامٌ و صوم الصمت حرامٌ و صوم نذر المعصية حرامٌ و صوم الدهر حرامٌ «1».

و رواية حمّاد بن عمرو و أنس بن محمّد عن أبيه جميعاً عن الصادق عن آبائه: في وصية النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) لعلي (عليه السّلام) قال

يا علي صوم الفطر حرامٌ و صوم يوم الأضحى حرامٌ «2».

(64) هذه المسألة إجماعية. و يدلّ عليه رواية الزهري المتقدّمة. و رواية عبد الكريم بن عمر و كرام الخثعمي قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام). إلى أن قال

و لا اليوم الذي يشكّ فيه «3».

و رواية محمّد بن شهاب الزهري قال: سمعت علي بن الحسين (عليه السّلام) يقول

يوم الشكّ أُمرنا بصيامه و نهينا عنه؛ أُمرنا أن يصومه الإنسان على أنّه من شعبان، و نهينا عن أن يصومه على أنّه من شهر رمضان و هو لم ير الهلال

«4»

، و غيرها من روايات الباب.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 513، كتاب الصوم، أبواب الصوم المحرم و المكروه، الباب 1، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 10: 514، كتاب الصوم، أبواب الصوم المحرم و المكروه، الباب 1، الحديث 3.

(3) وسائل الشيعة 10: 26، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم و نيته، الباب 6، الحديث 3.

(4) وسائل الشيعة 10: 26، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم و نيته، الباب 6، الحديث 4.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 404

و صوم أيّام التشريق لمن كان بمنىٰ (65) ناسكاً كان أو لا (66)، و الصوم وفاء بنذر المعصية (67)،

______________________________

(65) و يدلّ عليه صحيح معاوية بن عمّار قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن صيام أيّام التشريق فقال

أمّا بالأمصار فلا بأس به و أمّا بمنى فلا «1».

و صحيح آخر لابن عمّار قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن صيام أيّام التشريق، فقال

إنّما نهى رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) عن صيامها بمنى، فأمّا بغيرها فلا بأس «2»

، و غيرهما من روايات الباب.

(66) و لعلّه لإطلاق الروايات، و لكن في حرمة الصوم بمنى لغير الناسك إشكالٌ، وجه الإشكال: ما يستفاد من صحيح حمّاد بن عيسى من أنّ أيّام التشريق أيّام الأكل و الشرب «3»، و مرسل «الفقيه» قال: و عن النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و الأئمّة:

إنّما كره الصيام في أيّام التشريق لأنّ القوم زوّار اللّٰه؛ فهم في ضيافته، و لا ينبغي للضيف أن يصوم عند من زاره و أضافه «4»

، فلا مناسبة للصوم فيها لخصوص الناسك الذي هو زائر اللّٰه و في ضيافته؛ فلا يعمّ غير الناسك.

و لقد استفاد صاحب «مستند العروة الوثقى» من

صحيح حمّاد و نحوه عكس ما استفدناه و أنّ مقتضى كونها أيّام الأكل و الشرب هو التعميم لكلّ من كان بمنى، و هو كما ترى.

(67) و تدلّ عليه رواية الزهري المتقدّمة «5» و رواية حمّاد بن عمرو و أنس بن

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 516، كتاب الصوم، أبواب الصوم المحرم و المكروه، الباب 2، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 10: 517، كتاب الصوم، أبواب الصوم المحرم و المكروه، الباب 2، الحديث 2.

(3) وسائل الشيعة 10: 518، كتاب الصوم، أبواب الصوم المحرم و المكروه، الباب 2، الحديث 10.

(4) وسائل الشيعة 10: 517، كتاب الصوم، أبواب الصوم المحرم و المكروه، الباب 2، الحديث 6.

(5) وسائل الشيعة 10: 524، كتاب الصوم، أبواب الصوم المحرم و المكروه، الباب 6، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 405

و صوم السكوت؛ بمعنى كونه كذلك منويّاً و لو في بعض اليوم (68). و لا بأس بالسكوت إذا لم يكن منويّاً و لو كان في تمام اليوم (69). و صوم الوصال، و الأقوى كونه أعمّ من نية صوم يوم و ليلة إلى السحر (70) و يومين مع ليلة (71)،

______________________________

محمّد عن أبيه جميعاً عن الصادق عن آبائه: في وصية النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) لعلي (عليه السّلام) قال

و صوم نذر المعصية حرامٌ «1».

(68) و يدلّ عليه صحيح زرارة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في حديث قال

و لا صمت يوماً إلى الليل «2»

، و رواية الزهري عن علي بن الحسين (عليه السّلام) في حديث قال

و صوم الصمت حرامٌ «3».

(69) إذ لا دليل على حرمة السكوت مطلقاً.

(70) و يدلّ عليه صحيح حفص بن البختري عن أبي عبد اللّٰه (عليه

السّلام) قال

الواصل في الصيام يصوم يوماً و ليلة و يفطر في السحر «4».

(71) و تدلّ عليه رواية محمّد بن سليمان عن أبيه قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام). إلى أن قال

إذا أفطر من الليل فهو فصل، و إنّما قال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): لا وصال في صيام؛ يعني لا يصوم الرجل يومين متواليين من غير إفطار.

الخبر «5».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 525، كتاب الصوم، أبواب الصوم المحرم و المكروه، الباب 6، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 10: 523، كتاب الصوم، أبواب الصوم المحرم و المكروه، الباب 5، الحديث 1.

(3) وسائل الشيعة 10: 523، كتاب الصوم، أبواب الصوم المحرم و المكروه، الباب 5، الحديث 2.

(4) وسائل الشيعة 10: 521، كتاب الصوم، أبواب الصوم المحرم و المكروه، الباب 4، الحديث 9.

(5) وسائل الشيعة 10: 496، كتاب الصوم، أبواب الصوم المندوب، الباب 29، الحديث 3.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 406

و لا بأس بتأخير الإفطار إلى السَّحَر و إلى الليلة الثانية مع عدم النية بعنوان الصوم (72)؛ و إن كان الأحوط اجتنابه (73). كما أنّ الأحوط ترك الزوجة الصوم تطوّعاً بدون إذن الزوج (74)، بل لا تترك الاحتياط مع المزاحمة لحقّه (75)، بل مع نهيه مطلقاً (76).

______________________________

(72) و ذلك لعدم الدليل على حرمة تأخير الإفطار بدون نية الصوم، و ليس الإفطار في الوقت واجباً.

(73) و لعلّه لما يستفاد من بعض الروايات في معنى الوصال و النهي عنه، كما في صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

الوصال في الصيام أن يجعل عشاه سحوره «1»

، و رواية محمّد بن سليمان عن أبيه المتقدّمة «2» حيث يدلّ على أنّ الفصل المطلوب

يحصل بالإفطار من الليل فلا يؤخّره.

(74) و في صحيحة هشام بن الحكم عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

قال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): من فقه الضيف أن لا يصوم تطوّعاً إلّا بإذن صاحبه، و من طاعة المرأة لزوجها أن لا تصوم تطوّعاً إلّا بإذنه و أمره. «3»

الخبر.

(75) و ذلك لتقدّم حقّ الناس على حقّ اللّٰه، و هو الأقوى.

(76) أي و إن لم يكن صومها مزاحماً لحقّه؛ و ذلك لوجوب إطاعتها لزوجها.

تمّ كتاب الصوم بعون اللّٰه و منّه و يتلوه كتاب الاعتكاف.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 521، كتاب الصوم، أبواب الصوم المحرم و المكروه، الباب 4، الحديث 7.

(2) وسائل الشيعة 10: 496، كتاب الصوم، أبواب الصوم المندوب، الباب 29، الحديث 3.

(3) وسائل الشيعة 10: 530، كتاب الصوم، أبواب الصوم المحرم و المكروه، الباب 10، الحديث 2.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 407

[خاتمة]

اشارة

خاتمة في الاعتكاف و هو اللَّبث في المسجد بقصد التعبّد به. و لا يعتبر فيه ضمّ قصد عبادة أُخرى خارجة عنه (1)؛

______________________________

(1) اختلف فقهاؤنا في حقيقة الاعتكاف؛ فقال بعضهم: إنّه عبارة عن نفس اللبث في المسجد بقصد التعبّد بنفس اللبث فيه، من غير حاجة إلى قصد عبادة أُخرى غير اللبث من الذكر و قراءة القرآن و غيرهما.

و قال آخرون: إنّه عبارة عن اللبث فيه بقصد عبادة أُخرى؛ ففي «الشرائع»: أنّه اللبث المتطاول للعبادة «1»، و في «التذكرة»: أنّه لبث مخصوص للعبادة «2»، و في «الدروس»: أنّه اللبث في مسجد جامع ثلاثة أيّام فصاعداً صائماً للعبادة «3»، و في «الفقه على المذاهب الأربعة»: هو اللبث في المسجد للعبادة على وجه مخصوص «4».

______________________________

(1) شرائع الإسلام 1: 192.

(2) تذكرة الفقهاء 6:

239.

(3) الدروس الشرعية 1: 298.

(4) الفقه على المذاهب الأربعة 1: 463.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 408

..........

______________________________

الحقّ عند المصنّف (رحمه اللّٰه) و هو المختار أنّه اللبث في المسجد بقصد التعبّد به، و إنّ نفس اللبث بقصد التعبّد عبادة.

و يمكن استفادته من ظاهر الآية وَ عَهِدْنٰا إِلىٰ إِبْرٰاهِيمَ وَ إِسْمٰاعِيلَ أَنْ طَهِّرٰا بَيْتِيَ لِلطّٰائِفِينَ وَ الْعٰاكِفِينَ وَ الرُّكَّعِ السُّجُودِ «2»، حيث إنّ العكوف في البيت عبادة في نفسه، كالطواف و الركوع و السجود فيها.

و صحيح داود بن سرحان قال: كنت بالمدينة في شهر رمضان فقلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): إنّي أُريد أن أعتكف، فماذا أقول؟ و ما ذا أفرض على نفسي؟ فقال

لا تخرج من المسجد إلّا لحاجة لا بدّ منها، و لا تقعد تحت ظلال حتّى تعود إلى مجلسك «3».

و يمكن استئناسه من الروايات الدالّة على أنّ الملازمة على المسجد و المشي إليه ممّا ندب إليه في الشرع و له أجرٌ و ثوابٌ جزيل؛ ففي صحيحة السكوني عن جعفر بن محمّد عن أبيه (عليهما السّلام) قال

قال النبي (صلّى الهّٰف عليه و آله و سلّم): من كان القرآن حديثه و المسجد بيته بنى اللّٰه له بيتاً في الجنّة «1».

و في «الإرشاد» للديلمي عن علي (عليه السّلام) قال

الجلسة في الجامع خيرٌ لي من الجلسة في الجنّة؛ لأنّ الجنّة فيها رضى نفسي و الجامع فيه رضى ربّي «12»

، و في «عقاب الأعمال» عن رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) قال

من مشى إلى مسجد من مساجد اللّٰه فله بكلّ خطوة خطاها حتّى يرجع إلى منزله عشر حسنات،

______________________________

(2) البقرة (2): 125.

(3) وسائل الشيعة 10: 550، كتاب الاعتكاف، الباب 7، الحديث 3.

(1) وسائل

الشيعة 5: 198، كتاب الصلاة، أبواب أحكام المساجد، الباب 3، الحديث 2.

(12) وسائل الشيعة 5: 199، كتاب الصلاة، أبواب أحكام المساجد، الباب 3، الحديث 6.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 409

و إن كان هو الأحوط (2). و هو مستحبّ بأصل الشرع، و ربما يجب الإتيان به لأجل نذر أو عهد أو يمين أو إجارة و نحوها (3). و يصحّ في كلّ وقت يصحّ فيه الصوم (4)، و أفضل أوقاته شهر رمضان (5)،

______________________________

و محي عنه عشر سيّئات، و رفع له عشر درجات «1».

(2) وجه الاحتياط صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في حديث قال

كان رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): إذا كان العشر الأواخر اعتكف في المسجد و ضربت له قبّة من شعر و شمّر الميزر و طوى فراشه «2»

، حيث إنّ تشمير الميزر و طيّ الفراش كان لعبادات مخصوصة للعشر الأواخر من رمضان.

(3) يعني أنّ الاعتكاف مستحبّ في نفسه لا يتّصف بالوجوب بسبب النذر و غيره ممّا ذكر في المتن. نعم يجب بالنذر و غيره إتيان ما هو مستحبّ في نفسه بنية الاستحباب، و هذا كما لو نذر صلاة الليل مثلًا فإنّ صلاة الليل لا تصير واجبةً بالنذر، بل الواجب هو الوفاء بالنذر بإتيان العمل المستحبّ؛ فالتعبير بأنّه ينقسم إلى واجب و مستحبّ كما في «العروة الوثقى» غير جيّد.

(4) لأنّ من شرائط صحّة الاعتكاف الصوم فلا يصحّ في الأيّام التي لا يصحّ فيها الصوم كالفطر و الأضحى.

(5) و يدلّ عليه موثّق السكوني بإسناده يعني عن الصادق (عليه السّلام) عن آبائه: قال

قال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): اعتكاف عشر في شهر رمضان تعدل حجّتين

و عمرتين «3».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 5: 201، كتاب الصلاة، أبواب أحكام المساجد، الباب 4، الحديث 3.

(2) وسائل الشيعة 10: 533، كتاب الاعتكاف، الباب 1، الحديث 1.

(3) وسائل الشيعة 10: 534، كتاب الاعتكاف، الباب 1، الحديث 3.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 410

و أفضله العشر الآخر منه (6). و الكلام في شروطه و أحكامه.

______________________________

(6) و يدلّ عليه صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) المتقدّم، و صحيح أبي العبّاس البقباق عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

اعتكف رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) في شهر رمضان في العشر الأوّل، ثمّ اعتكف في الثانية في العشر الوسطى، ثمّ اعتكف في الثالثة في العشر الأواخر، ثمّ لم يزل يعتكف في العشر الأواخر «1».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 534، كتاب الاعتكاف، الباب 1، الحديث 4.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 411

[القول في شروط الاعتكاف]

اشارة

القول في شروط الاعتكاف

[يشترط في صحّته أُمور]

اشارة

يشترط في صحّته أُمور:

[الأوّل: العقل]

الأوّل: العقل، فلا يصحّ من المجنون و لو أدواراً في دور جنونه، و لا من السكران و غيره من فاقدي العقل (7).

[الثاني: النية]

الثاني: النية (8)، و لا يعتبر فيها بعد التعيين أزيد من القُربة و الإخلاص (9).

______________________________

(7) كان على المصنّف (رحمه اللّٰه) أن يذكر اشتراط الإسلام و الإيمان؛ لكونهما من شرائط الصحّة عنده في العبادات. و وجه اشتراط العقل: أنّ الاعتكاف عبادة لا بدّ في تحقّقها من قصد التقرّب به إلى اللّٰه تعالى، و لا اعتبار بقصد من لا عقل له و عمده خطأ.

(8) و ذلك لأنّ الأعمال بالنيّات.

(9) يعني أنّ الاعتكاف بما أنّه عبادة يعتبر فيه قصد القربة و الإخلاص، و كذا يعتبر فيه التعيين فيما يحتاج إليه ممّا يترتّب الأثر على نوعه الخاصّ، كما لو كان أجيراً عن شخصين في الاعتكاف لكلّ منهما، و كما لو كان عليه اعتكافان: أحدهما بالإجارة و الآخر بالنذر؛ فلا بدّ حينئذٍ من التعيين و أنّه للغير وفاءً بعقد الإجارة أو لنفسه وفاءً بالنذر. و أمّا فيما كان عليه اعتكافان لا امتياز لأحدهما على الآخر بل يشتركان في الخصوصية فلا يحتاج إلى التعيين، كما في المنذورين مثلًا.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 412

و لا يعتبر فيها قصد الوجه من الوجوب أو الندب كغيره من العبادات (10)؛ فيقصد الوجوب في الواجب و الندب في المندوب؛ و إن وجب فيه الثالث (11). و الأولى ملاحظته في ابتداء النية، بل تجديدها في الثالث (12).

______________________________

(10) إذ لا دليل على اعتبار قصد الوجه في العبادات أيّ عبادة كانت و يكفي فيها الإتيان بداعي القربة و الإخلاص و التعيين فيما يحتاج إليه.

(11) لا يخفى ما في العبارة من المسامحة؛ إذ لا معنى لقصد

الوجوب و الندب بعد نفي اعتبار قصد الوجه. و لقد أجاد في «العروة الوثقى» في العبارة حيث قال: و إن أراد أن ينوي الوجه ففي الواجب منه ينوي الوجوب و في المندوب الندب.

و كيف كان: فلا منافاة بين نية الندب في المندوب و وجوب الاعتكاف في اليوم الثالث؛ لأنّ وجوب الثالث من أحكام المندوب، كما في الصلوات المندوبة بالنسبة إلى إتمامها أو أجزائها؛ فإنّها في نفسها مستحبّة و لكنّه يجب تكميلها بعد الشروع فيها، بناءً على القول بوجوب الإتمام، و كما في الحجّ المندوب فإنّ الشروع فيه مستحبّ و الإتمام بعد الإحرام واجبٌ.

(12) يعني أنّه إذا كان اليوم الثالث واجباً في الاعتكاف المندوب فالأولى للمعتكف أحد أمرين:

الأوّل: ملاحظة وجوب اليوم الثالث و قصده في ابتداء النية؛ بأن ينوي حين الشروع بالعمل المستحبّي وجوب اليوم الثالث؛ لكون نفس العمل في الواقع مركّباً من المستحبّ في اليومين و الواجب في اليوم الثالث، و إن كان واحداً صورة.

و الثاني: أن ينوي في الابتداء العمل المستحبّي و يجدّد النية و يقصد الوجوب

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 413

و وقتها في ابتداء الاعتكاف: أوّل الفجر من اليوم الأوّل؛ بمعنى عدم جواز تأخيرها عنه، و يجوز أن يشرع فيه في أوّل الليل أو أثنائه فينويه حين الشروع (13)، بل الأحوطُ إدخالُ الليلة الأُولىٰ أيضاً و النيّةُ من أوّلها (14).

______________________________

في الثالث حتّى يقترن نية الوجوب بالواجب. و به قال المحقّق في «الشرائع» و اختاره صاحب «المدارك» و قال: و لو اقتصر على نية اليومين الأوّلين ندباً ثمّ جدّد نية الثالث على وجه الوجوب كما هو ظاهر عبارة المصنّف (رحمه اللّٰه) كان جيّداً «1»، انتهى.

(13) يعني أنّه لا يجوز تأخير نية

الاعتكاف من ابتدائه و حين شروعه أيّ وقت كان فلو شرع به في أوّل الليل أو في وسطه أو عند طلوع الفجر وجبت نيته حين الشروع؛ لاشتراط مقارنة النية للعبادة. و أمّا تقديم النية على الشروع في الاعتكاف كمن كان أوّل الليل أو في وسطه خارج المسجد و نوى في ذلك الوقت المكث في المسجد من طلوع الفجر فالظاهر من المصنّف (رحمه اللّٰه) أنّه لا يجوز، قال: فينويه حين الشروع، و هو الأقوى؛ و ذلك لما أشرنا إليه من مقارنة النية بالعمل. نعم لو نواه قبل الشروع فيه و استمرّت نيته إلى زمان الشروع فيه لكان كافياً، و أمّا لو نوى قبل الشروع و ذهل عن نيته حين الشروع فلا يكفي، و الاكتفاء به في الصوم لدليل؛ و هو الإجماع.

(14) وجه الاحتياط هو استعمال اليوم عرفاً فيما يشمل الليل، كذا قيل في نسبة الفرائض الخمس إلى اليوم، و إنّ المراد من اليوم هو مقدار من الزمان شامل للّيل أيضاً، كأربعة و عشرين ساعة.

______________________________

(1) مدارك الأحكام 6: 311.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 414

[الثالث: الصوم]

الثالث: الصوم، فلا يصحّ بدونه (15)، و لا يعتبر فيه كونه له، فيكفي صوم غيره؛ واجباً كان أو مستحبّاً، مؤدّياً عن نفسه أو متحمّلًا عن غيره؛ من غير فرق بين أقسام الاعتكاف و أنواع الصيام، بل يصحّ إيقاع الاعتكاف النذري و الإجاري في شهر رمضان إن لم يكن انصراف في البين، بل لو نذر الاعتكاف في أيّام معيّنة و كان عليه صوم منذور، أجزأه الصوم في أيّام الاعتكاف وفاءً بالنذر (16).

______________________________

(15) اشتراط الصوم في صحّة الاعتكاف إجماعي عند الإمامية، و به قال مالك مطلقاً و أبو حنيفة في الاعتكاف الواجب. و

تدلّ عليه أخبار مستفيضة: منها صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) أنّه قال

لا اعتكاف إلّا بصوم «1».

و صحيح ابن مسلم قال: قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام)

لا اعتكاف إلّا بصوم «2».

و صحيح آخر لابن مسلم قال: قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام)

لا يكون الاعتكاف إلّا بصيام «3».

و في صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)

و تصوم ما دمت معتكفاً «4»

، و غيرها من روايات الباب.

(16) يعني أنّه لا يعتبر في الصوم المشروط به صحّة الاعتكاف أن يكون لأجل الاعتكاف، فيكفي صوم غيره مطلقاً؛ سواء كان الصوم واجباً بأقسامه أو مستحبّاً، و سواءٌ كان المعتكف مؤدّياً للاعتكاف عن نفسه أو عن غيره، تبرّعاً أو إجارة، و سواء كان اعتكافه واجباً أو مندوباً.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 536، كتاب الاعتكاف، الباب 2، الحديث 3.

(2) وسائل الشيعة 10: 536، كتاب الاعتكاف، الباب 2، الحديث 6.

(3) وسائل الشيعة 10: 537، كتاب الاعتكاف، الباب 2، الحديث 8.

(4) وسائل الشيعة 10: 535، كتاب الاعتكاف، الباب 2، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 415

[الرابع: أن لا يكون أقلّ من ثلاثة أيّام بلياليها المتوسّطة]

الرابع: أن لا يكون أقلّ من ثلاثة أيّام (17) بلياليها المتوسّطة (18).

______________________________

و بالجملة: يكفي الصوم الواجب في الاعتكاف المندوب و بالعكس؛ فمن نذر الصوم لحاجة و نذر الاعتكاف في أيّام معيّنة يجوز له إتيان الصوم المنذور في تلك الأيّام؛ كلّ ذلك لإطلاق الاعتكاف و الصوم في لسان الأدلّة.

(17) و يدلّ عليه صحيح أبي أيّوب عن أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

لا يكون الاعتكاف أقلّ من ثلاثة أيّام «1».

و موثّق عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

لا يكون الاعتكاف أقلّ من ثلاثة أيّام «2».

خلافاً للعامّة؛ فقال

الشافعي إنّ أقلّه لا يقدّر بحدّ، فجوّزه و لو بساعة واحدة و أقلّ، و به قال أحمد بن حنبل، و لأبي حنيفة قولان: الأوّل ما قال به الشافعي، و الثاني: أنّه لا يجوز أقل من يوم واحد، و لمالك قولان: الأوّل هو القول الثاني لأبي حنيفة، و الثاني: أنّه لا يكون أقلّ من عشرة.

(18) دخول الليلتين المتوسّطتين مشهور بين الأصحاب، بل كاد أن يكون إجماعياً؛ لأنّ المتفاهم العرفي من ثلاثة أيّام هو اتّصالها و استمرارها كما في إقامة العشرة أيّام، فتدخل في اعتكاف ثلاثة أيّام الليلتان المتوسّطتان.

و يمكن الاستدلال بدخول الليلتين في الاعتكاف بحرمة الخروج من المسجد فيهما و حرمة الجماع أيضاً فيهما كما في النهار، و سيأتي البحث عن حرمتهما مع أدلّتها.

و يظهر من الشيخ (رحمه اللّٰه) في «الخلاف» دخول الليلتين حيث قال (رحمه اللّٰه) في

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 544، كتاب الاعتكاف، الباب 4، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 10: 544، كتاب الاعتكاف، الباب 4، الحديث 5.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 416

و أمّا الأزيد فلا بأس به (19)، و لا حدّ لأكثره (20) و إن وجب الثالث لكلّ اثنين (21)،

______________________________

المسألة المئة و الواحدة: لا يكون الاعتكاف أقلّ من ثلاثة أيّام و ليلتين «2»، ثمّ قال (رحمه اللّٰه) في المسألة المئة و الخامس عشرة: إذا قال: لِلّٰه عليّ أن أعتكف ثلاثة أيّام بلياليهنّ، لزمه ذلك، و إن قال «متتابعة» لزمه بينها ليلتان، و إن لم يشترط المتتابعة جاز له أن يعتكف نهاراً ثلاثة أيّام لا للياليهنّ. ثمّ استدلّ (رحمه اللّٰه) عليه بأنّ الأصل براءة الذمّة، و الذي وجب عليه بالنذر الاعتكاف ثلاثة أيّام، و اليوم عبارة عمّا بين طلوع الفجر الثاني إلى غروب

الشمس، هكذا ذكره الخليل و غيره من أهل اللغة، و الليل لم يجر له ذكر فوجب أن لا يلزمه «1»، انتهى. و قوله نادر لا يعبأ به.

(19) و تدلّ عليه معتبرة أبي عبيدة الحذّاء عن أبي جعفر (عليه السّلام) في حديث قال

من اعتكف ثلاثة أيّام فهو يوم الرابع بالخيار؛ إن شاء زاد ثلاثة أيّام أُخر و إن شاء خرج من المسجد، فإن أقام يومين بعد الثلاثة فلا يخرج من المسجد حتّى يتمّ ثلاثة أيّام أُخر «3»

، هذه الرواية موثّقة من طريق الشيخ (رحمه اللّٰه) قد وقع فيه علي بن الحسن بن فضّال، و صحيحة من طريق الكليني (رحمه اللّٰه)؛ و على أيّ حال فهي معتبرة.

(20) و لا خلاف في عدم التحديد بحدّ في أكثره، و الروايات الدالّة على تحديده متعرّضة لأقلّه، و لا تعرّض فيها لأكثره؛ فتكون بالنسبة إليه مطلقة.

(21) لا يخفى: أنّه لا دليل على وجوب اليوم الثالث بعد الاثنين إلّا في موردين:

______________________________

(2) الخلاف 2: 232، المسألة 101.

(1) الخلاف 2: 239، المسألة 115.

(3) وسائل الشيعة 10: 544، كتاب الاعتكاف، الباب 4، الحديث 3.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 417

فإذا اعتكف خمسة أيّام وجب السادس، و إذا صار ثمانية وجب التاسع على الأحوط و هكذا.

______________________________

أحدهما: الثالث بعد اليومين الأوّلين، و يدلّ عليه صحيح محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

إذا اعتكف يوماً و لم يكن اشترط فله أن يخرج و يفسخ الاعتكاف، و إن أقام يومين و لم يكن اشترط فليس له أن يفسخ (و يخرج) اعتكافه حتّى تمضي ثلاثة أيّام «1».

الثاني: السادس الواقع بعد اليومين الواقعين بعد الثلاثة الأُولى، و يدلّ عليه معتبرة أبي عبيدة المتقدّمة قال

فإن أقام

يومين بعد الثلاثة فلا يخرج من المسجد حتّى يتمّ ثلاثة أيّام أُخر «2».

و أمّا وجوب اليوم التاسع و الثاني عشر و هكذا أي كلّ ثالث بعد كلّ اثنين غير الموردين المذكورين فلا دليل عليه، نعم هو أحوط.

و قال جماعة من فقهائنا بوجوب كلّ ثالث وقع بعد اثنين؛ منهم الشهيد (رحمه اللّٰه) في «الدروس» قال: و لو زاد على الثلاثة يومين وجب السادس، و كذا كلّ ثالث «3»، انتهى. و في «المدارك»: الأصحّ وجوب كلّ ثالث؛ لدلالة خبر أبي عبيدة على وجوب السادس صريحاً و عدم القائل بالفصل «4»، انتهى. و في «المسالك»: أمّا السادس فهو منصوص في خبر أبي عبيدة عن الباقر (عليه السّلام)، و أمّا ما بعده فلعدم القائل بالفرق «5».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 543، كتاب الاعتكاف، الباب 4، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 10: 544، كتاب الاعتكاف، الباب 4، الحديث 3.

(3) الدروس الشرعية 1: 301.

(4) مدارك الأحكام 6: 319.

(5) مسالك الأفهام 2: 95 96.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 418

و اليوم من طلوع الفجر إلىٰ زوال الحُمرة المشرقيّة (22)، فلو اعتكف من طلوع الفجر إلىٰ غروب اليوم الثالث كفىٰ (23)، و لا يشترط إدخال الليلة الأُولىٰ و لا الرابعة و إن جاز (24)،

______________________________

(22) و هذا المعنى هو المتبادر لغةً و شرعاً من لفظ «اليوم» في مقابل لفظ «الليل»، و لكن الصريح في كتب اللغة أنّ اليوم هو الوقت من طلوع الفجر إلى غروب الشمس. و لا يخفى: أنّ اليوم و إن كان عبارة من طلوع الفجر إلى استتار القرص إلّا أنّ من شرائط الاعتكاف الصوم، و وقت الإفطار في الصوم هو زوال الحمرة المشرقية؛ لمرسلة ابن أبي عمير عمّن ذكره عن أبي عبد

اللّٰه (عليه السّلام) قال

وقت سقوط القرص و وجوب الإفطار من الصيام أن تقوم بحذاء القبلة و تتفقّد الحمرة التي ترتفع من المشرق، فإذا جازت قمّة الرأس إلى ناحية المغرب فقد وجب الإفطار و سقط القرص «1».

(23) مراد المصنّف (رحمه اللّٰه) من غروب اليوم الثالث هو زوال الحمرة في اليوم الثالث؛ لأنّ الاعتكاف لا يكون أقلّ من ثلاثة أيّام، و اليوم عند المصنّف (رحمه اللّٰه) عبارة عن طلوع الفجر إلى زوال الحمرة المشرقية.

(24) أمّا الليلة الأُولى فقد أدخلها العلّامة (رحمه اللّٰه) و الشهيد الثاني (رحمه اللّٰه) في الاعتكاف؛ لاستعمال اليوم فيما يشمل الليل أيضاً، و لدخول الليلتين المتوسّطتين فيه.

و فيه أوّلًا: أنّ حقيقة اليوم هي الوقت من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، و الاستعمال فيما يشمل الليل مجاز لا يصار إليه إلّا بالقرينة المفقودة في المقام.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 124، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 52، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 419

و في كفاية الثلاثة التلفيقيّة؛ بأن يشرع من زوال يوم مثلًا إلىٰ زوال الرابع، تأمّل و إشكال (25).

______________________________

و ثانياً: أنّه قياس مع الفارق؛ لأنّ دخول الليلتين المتوسّطتين لأجل استمرار حكم الاعتكاف؛ و لذا يحرم فسخ الاعتكاف و الخروج من المسجد ليلًا لا لحاجة، و كذا يحرم الجماع فيه لا لصدق اليوم على الليل.

و أمّا الليلة الرابعة فهي خارجة قطعاً، و اليوم لا يشمل الليل الآتي لا لغةً و لا عرفاً، و لم يستعمل مجازاً فيما يشمله. و يؤيّده رواية عمر بن يزيد قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): إنّ المغيرية يزعمون أنّ هذا اليوم لهذه الليلة المستقبلة، فقال

كذبوا، هذا اليوم لليلة الماضية، إنّ أهل بطن نحلة

موضع بين مكّة و الطائف حيث رأوا الهلال قالوا: قد دخل الشهر الحرام «1»

، و الرواية ضعيفة لعبيد اللّٰه بن أحمد الدهقان، و في نسخة «الوسائل»: عبد اللّٰه بن أحمد الدهقان، و هو اشتباه.

نعم يجوز للمعتكف إدخال الليلة الأُولى و الرابعة في الاعتكاف.

(25) في المسألة قولان:

الأوّل: كفاية التلفيق، اختاره العلّامة (رحمه اللّٰه) في «المختلف» و قوّاه صاحب «الجواهر» (رحمه اللّٰه)، و استدلّ عليه بالصدق العرفي و أنّه استعمل اليوم في الملفّق في موارد في الشرع، كما في أقلّ الحيض و أنّه ثلاثة أيّام و أكثره و هو عشرة أيّام، و أكثر النفاس عشرة أيّام، و في إقامة العشرة، و أيّام العدّة، و ثلاثة أيّام في خيار الحيوان و غيرها.

الثاني: عدم الكفاية؛ لكون اليوم حقيقة في مقدار معيّن من الوقت؛ و هو

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 280، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 8، الحديث 7.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 420

[الخامس: أن يكون في أحد المساجد الأربعة]

الخامس: أن يكون في أحد المساجد الأربعة: المسجد الحرام و مسجد النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و مسجد الكوفة و مسجد البصرة، و في غيرها محلّ إشكال، فلا يترك الاحتياط في سائر المساجد الجامعة؛ بإتيانه رجاءً و لاحتمال المطلوبيّة. و أمّا غير الجامع كمسجد القبيلة أو السوق فلا يجوز (26).

______________________________

طلوع الفجر إلى غروب الشمس.

و لا يخفى: أنّ الظاهر من ثلاثة أيّام في الاعتكاف هو الأيّام من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، و الاكتفاء بالتلفيق في الموارد المعهودة للإجماع بثبوت أحكامها من حين حدوث موضوعاتها، و الإجماع غير ثابت فيما نحن فيه.

و لا يخفى أيضاً: أنّ اعتبار الصوم في الاعتكاف لا يستشهد به على كون المراد من الأيّام هو من

طلوع فجرها إلى غروبها؛ لعدم المنافاة بين الثلاثة التلفيقية و الصوم؛ إذ من الجائز أن يصوم أربعة أيّام و يشرع اعتكافه من ظهر اليوم الأوّل و يختمه في ظهر اليوم الرابع؛ إذن كان اعتكافه ثلاثة أيّام تلفيقية و قد صام فيها. و قال السيّد الحكيم (رحمه اللّٰه) في «مستمسك العروة الوثقى»: إنّ المناسب للأدلّة الدالّة على اعتبار الصوم إرادة أيّام الصوم، ثمّ أمر (رحمه اللّٰه) بالتأمّل، و لعلّ وجه التأمّل ما ذكرناه من عدم المنافاة.

(26) لا يخفى: أنّه قد ورد في بعض الأخبار: أنّ الاعتكاف لا يكون إلّا في المسجد الجامع، كصحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

لا اعتكاف إلّا بصوم في مسجد الجامع «1».

و صحيحة داود بن سرحان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

إنّ علياً (عليه السّلام) كان يقول: لا أرى الاعتكاف إلّا في المسجد الحرام و مسجد

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 538، كتاب الاعتكاف، الباب 3، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 421

..........

______________________________

الرسول (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) أو مسجد جامع «1»

، بناءً على كون المسجدين من أفضل مصاديق الجامع.

و في بعضها: أنّه لا يكون إلّا في مسجد جماعة، كصحيحة يحيى بن العلاء الرازي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

لا يكون اعتكاف إلّا في مسجد جماعة «2»

، و في صحيحة عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في حديث قال

لا يصلح العكوف في غيرها يعني غير مكّة إلّا أن يكون في مسجد رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) أو في مسجد من مساجد الجماعة «3».

و في بعضها: أنّه لا يصلح الاعتكاف إلّا في المسجد الحرام أو

مسجد الرسول أو مسجد الكوفة أو مسجد جماعة، كما في صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) «4».

و في بعضها: أنّه لا يصلح إلّا في مسجد جماعة قد صلّى فيه إمام عدل صلاة جماعة، و نفي البأس عن الاعتكاف في المساجد الأربعة، كرواية عمر بن يزيد قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): ما تقول في الاعتكاف ببغداد في بعض مساجدها؟ فقال

لا اعتكاف إلّا في مسجد جماعة قد صلّى فيه إمام عدل صلاة جماعة، و لا بأس أن يعتكف في مسجد الكوفة و البصرة و مسجد المدينة و مسجد مكّة «5».

و نقل العلّامة (رحمه اللّٰه) عن ابن أبي عقيل: إنّ الاعتكاف يصحّ في كلّ مسجد من المساجد، إلّا أنّ الأفضل مسجد الحرام و مسجد الرسول (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و مسجد الكوفة

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 541، كتاب الاعتكاف، الباب 3، الحديث 10.

(2) وسائل الشيعة 10: 539، كتاب الاعتكاف، الباب 3، الحديث 6.

(3) وسائل الشيعة 10: 539، كتاب الاعتكاف، الباب 3، الحديث 3.

(4) وسائل الشيعة 10: 540، كتاب الاعتكاف، الباب 3، الحديث 7.

(5) وسائل الشيعة 10: 540، كتاب الاعتكاف، الباب 3، الحديث 8.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 422

[السادس: إذن من يعتبر إذنه، كالمستأجر بالنسبة إلىٰ أجيره الخاصّ]

السادس: إذن من يعتبر إذنه، كالمستأجر بالنسبة إلىٰ أجيره الخاصّ إذا وقعت الإجارة بحيث ملك منفعة الاعتكاف (27)،

______________________________

و مساجد الجماعات في سائر الأمصار «1».

و في بعض الأخبار، كرواية ابن سعيد يعني الحسين الأهوازي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) جواز الاعتكاف في كلّ مسجد صلّى فيه إمام عدل صلاة الجمعة جماعة، و في المسجد الذي تصلّي فيه الجمعة بإمام و خطبة «2».

و في بعضها اعتبار كونه في مسجد البلد، كرواية

داود بن حصين عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

لا اعتكاف إلّا بصوم و في المصر الذي أنت فيه «3».

و مقتضى الجمع بين الأخبار المذكورة أن يكون الاعتكاف في المسجد الجامع الذي هو محلّ تجمّع الناس لإقامة الجمعة أو الجماعة في مقابل مسجد القبيلة و السوق، و الأفضل كونه في المساجد الأربعة. و اشتراط كونه في خصوص مسجد جماعة قد صلّى فيه إمام عدل صلاة جماعة ممّا لم يقل به أحدٌ من الأصحاب. و القول بصحّته في كلّ مسجد من المساجد نادر لا يعبأ به. و أمّا حصر الاعتكاف في مسجد البلد الذي أنت فيه فيقيّد بالجامع، و إلّا فلا وجه للحصر.

(27) المراد من الأجير الخاصّ مَن كان جميع منافعه و منها اعتكافه ملكاً للمستأجر؛ فصحّة اعتكافه لنفسه أو للمستأجر منوط بإذنه، و لا يصحّ شي ء من أعماله التي هي مملوكة للغير بدون إذن المالك المستأجر.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 542، كتاب الاعتكاف، الباب 3، الحديث 13.

(2) وسائل الشيعة 10: 542، كتاب الاعتكاف، الباب 3، الحديث 14.

(3) وسائل الشيعة 10: 541، كتاب الاعتكاف، الباب 3، الحديث 11.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 423

و إلّا فاعتبار إذنه غير معلوم، بل معلوم العدم في بعض الفروض (28)، و كالزوج بالنسبة إلى الزوجة إذا كان منافياً لحقّه علىٰ إشكال، و لكن لا يُترك الاحتياط (29)،

______________________________

(28) أي و إن لم يكن منفعة الاعتكاف مملوكاً للمستأجر؛ فلا مانع من اعتكافه إلّا بناءً على أنّ الأمر بالوفاء بعقد الإجارة يقتضي النهي عن أضداده التي منها الاعتكاف.

و فيه أوّلًا: أنّ اقتضاء الأمر بالشي ء النهي عن ضدّه ممنوع، كما حقّق في الأُصول. و ثانياً: أنّه على فرض تسليم الاقتضاء مورده الضدّان لا

ثالث لهما، و ما نحن فيه ليس منه. و ثالثاً: أنّا نفرض الكلام فيما لم يكن نفس الاعتكاف و الأعمال التي يعملها المعتكف منافياً لما يستحقّه المستأجر من أعمال الأجير؛ بأن كان أجيراً للكتابة أو الخياطة مثلًا فهي مملوكة للمستأجر و لا ينافي اعتكاف الأجير، و لا يتوقّف حينئذٍ على الإذن.

(29) يعني يعتبر إذن الزوج للزوجة في صحّة اعتكافها إذا كان اعتكافها منافياً لحقّه، و وجه الإشكال و أنّه صحيح و إن كان منافياً لحقّه هو البناء على عدم اقتضاء الأمر بالشي ء أداء الزوجة حقّ الزوج النهي عن ضدّه الاعتكاف و لكن لا يترك الاحتياط فيما كان منافياً لحقّه، بل هو الأقوى للنصوص الدالّة على حرمة خروجها عن بيت زوجها بدون إذنه، فيكون اعتكافها المنطبق عليها الخروج عن منزل الزوج بدون إذنه منهياً عنه و فاسداً.

و يدلّ على حرمة خروجها من منزله بدون إذنه أخبار كثيرة: منها صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: جاءت امرأة إلى النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) فقالت:

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 424

و الوالدين بالنسبة إلىٰ ولدهما إن كان مستلزماً لإيذائهما، و مع عدمه لا يعتبر إذنهما و إن كان أحوط (30).

______________________________

يا رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) ما حقّ الزوج على المرأة؟ فقال لها

أن تطيعه و لا تعصيه، و لا تصدّق من بيته إلّا بإذنه، و لا تصوم تطوّعاً إلّا بإذنه، و لا تمنعه نفسها و إن كانت على ظهر قتب، و لا تخرج من بيتها إلّا بإذنه، و إن خرجت بغير إذنه لعنتها ملائكة السماء و ملائكة الأرض و ملائكة الغضب و ملائكة الرحمة حتّى ترجع

إلى بيتها. «1»

الخبر.

و كذا لا يصحّ اعتكافها فيما كان صومها في الاعتكاف مندوباً، بناءً على عدم صحّة صومها بدون إذن الزوج. نعم إذا كان صومها واجباً كما في اليوم الثالث فلا أثر لنهيه؛ إذ لا طاعة للمخلوق في معصية الخالق، فضلًا أن يشترط صحّته بإذنه.

(30) اعتكاف الولد فيما لم يستلزم الإيذاء صحيح لا يحتاج إلى الإذن في الصوم المندوب بناءً على عدم اعتبار إذن الوالدين في صحّة صوم الولد المندوب، و لا يصحّ مع نهيه و إن لم يكن إيذاء.

و أمّا في الصوم الواجب فلا أثر لنهيه و إن كان فيه إيذاءٌ. و أمّا اعتكافه مع استلزامه إيذاءهما فصحّته يحتاج إلى إذنهما، فلا يصحّ بدون الإذن؛ لأنّ الاعتكاف عبادة لا يتقرّب بها مع حرمته لأجل الإيذاء.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 20: 157، كتاب النكاح، أبواب مقدّمات النكاح و آدابه، الباب 79، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 425

[السابع: استدامة اللبث في المسجد]

السابع: استدامة اللبث في المسجد، فلو خرج عمداً و اختياراً لغير الأسباب المبيحة، بطل (31) و لو كان جاهلًا بالحكم (32). نعم لو خرج ناسياً أو مكرهاً لا يبطل (33)،

______________________________

(31) هذه المسألة إجماعية. و يدلّ عليه صحيح داود بن سرحان قال: كنت بالمدينة في شهر رمضان فقلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): إنّي أُريد أن أعتكف فماذا أقول؟ و ما ذا أفرض على نفسي؟ فقال

لا تخرج من المسجد إلّا لحاجة لا بدّ منها. «1»

الخبر. و موثّق عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في حديث قال

و لا يخرج المعتكف من المسجد إلّا في حاجة «2»

، و غيرهما من روايات الباب حيث إنّ حرمة الخروج في مدّة الاعتكاف مستلزمة لاستدامة اللبث.

(32) أمّا الجاهل

المقصّر فهو كالعامد، و أمّا الجاهل القاصر فيفسد اعتكافه بالخروج عن المسجد؛ و ذلك لإطلاق الأدلّة الدالّة على وجوب استدامة اللبث و كون الخروج لا لحاجة مفسداً. و التمسّك بحديث

رفع ما لا يعلمون «3»

في إثبات صحّة اعتكاف الجاهل الفاقد للبث في بعض الأزمنة غير صحيح؛ لأنّ حديث الرفع شأنه الرفع لا الإثبات.

(33) عدم بطلان الاعتكاف بالخروج عن المسجد نسياناً إن كان مشهوراً بين الفقهاء فهو، و إلّا فمشكل. و قد يستدلّ عليه بأنّ الأدلّة الناهية عن الخروج لا تشمل الناسي؛ لعدم التفاته حين الخروج إلى اعتكافه، و هذا الاستدلال يتمّ لو ثبت انصراف الأدلّة الناهية إلى الملتفت. و الاستدلال بحديث رفع النسيان على صحّة

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 550، كتاب الاعتكاف، الباب 7، الحديث 3.

(2) وسائل الشيعة 10: 550، كتاب الاعتكاف، الباب 7، الحديث 5.

(3) وسائل الشيعة 15: 369، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس، الباب 56، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 426

و كذا لو خرج لضرورة عقلًا أو شرعاً أو عادة، كقضاء الحاجة من بول أو غائط أو للاغتسال من الجنابة و نحو ذلك (34).

______________________________

الخارج ناسياً غير سديد؛ لما ذكر من شأن الحديث و أنّه ليس للإثبات، فهو يرفع المؤاخذة على الخروج. و الأحوط وجوباً هو إتمام الناسي اعتكافه ثمّ إعادته فيما كان واجباً بالنذر أو الإجارة مثلًا.

و أمّا الخروج مكرهاً فقال المحقّق (رحمه اللّٰه) في «الشرائع» و «المعتبر»: إنّه مبطل كالخروج طوعاً، و استدلّ له في «المعتبر» بأنّ الاعتكاف هو اللبس في المسجد، و الخروج منافٍ له.

و فصّل العلّامة (رحمه اللّٰه) في «التذكرة» فقال: إنّ الاعتكاف إنّما يبطل بالخروج المحرّم إذا وقع اختياراً. أمّا إذا خرج كرهاً فلا يبطل إلّا

مع طول الزمان بحيث يخرج عن كونه معتكفاً، و اختاره صاحب «المدارك» و «الحدائق».

و الحقّ: أنّ الخروج كرهاً لا يبطل. و يدلّ عليه صحيح داود بن سرحان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في حديث قال

و لا ينبغي للمعتكف أن يخرج من المسجد الجامع إلّا لحاجة لا بدّ منها. «1»

الخبر.

و موثّق عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في حديث قال

و لا يخرج المعتكف من المسجد إلّا في حاجة «2»

، حيث إنّ دفع الضرر المتوعّد به بالخروج المكره عليه من الحاجات اللابدّ منها، بل هو أولى من الخروج عن المسجد لحفظ المال عن اللصّ و الغرق مثلًا.

(34) الضرورة العقلية المبيحة للخروج عن المسجد للمعتكف كمعالجة

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 549، كتاب الاعتكاف، الباب 7، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 10: 550، كتاب الاعتكاف، الباب 7، الحديث 5.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 427

و لا يجوز الاغتسال في المسجد الحرام و مسجد النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) (35)،

______________________________

المرض أو دفع الشرّ و نحوهما. و الضرورة الشرعية كالخروج للبول و الغائط؛ لأنّ تلويث المسجد حرامٌ فيجب الخروج عنه. و الضرورة العادية كالخروج لاحترام الضيف الوارد من شأنه الخروج إليه. فيجوز الخروج من المسجد في الموارد المذكورة و نحوها؛ للروايات الدالّة على جواز الخروج لحاجة لا بدّ منها. و يجوز أيضاً الخروج لجنازة أو عيادة مريض، و يدلّ عليه صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

لا ينبغي للمعتكف أن يخرج من المسجد إلّا لحاجة لا بدّ منها، ثمّ لا يجلس حتّى يرجع، و لا يخرج في شي ء إلّا لجنازة أو يعود مريضاً. «1»

الخبر.

و أمّا الخروج عنها لقضاء

حاجة المؤمن، كما في خبر ميمون بن مهران قال: كنت جالساً عند الحسن بن علي (عليهما السّلام) فأتاه رجل فقال له: يا ابن رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) إنّ فلاناً له عليّ مال و يريد أن يحبسني؟ فقال

و اللّٰهِ ما عندي مال فأقضي عنك

، قال: فكلِّمه، قال: فلبس (عليه السّلام) نعله، فقلت له: يا ابن رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) أنسيت اعتكافك؟ فقال له

لم أنس و لكنّي سمعت أبي يحدّث عن جدّي رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) أنّه قال: من سعى في حاجة أخيه المسلم فكأنّما عبدَ اللّٰه عزّ و جلّ تسعة آلاف سنة صائماً نهاره قائماً ليله «2»

، فلا يجوز لضعف الرواية سنداً و قصور دلالته؛ إذ من المحتمل أنّه (عليه السّلام) خرج في الاعتكاف المندوب قبل اليوم الثالث.

(35) يجب على الجنب في المسجد الحرام و مسجد النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) المرور

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 549، كتاب الاعتكاف، الباب 7، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 10: 550، كتاب الاعتكاف، الباب 7، الحديث 4.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 428

و يجب عليه التيمّم و الخروج للاغتسال، و في غيرهما أيضاً إن لزم منه اللبث أو التلويث (36)،

______________________________

فيهما متيمّماً حتّى يخرج و يغتسل خارجهما؛ فلا يجوز له الاغتسال حال المرور فيهما، فضلًا عن حال المكث.

و يدلّ عليه مرفوع محمّد بن يحيى عن أبي حمزة قال: قال أبو جعفر (عليه السّلام)

إذا كان الرجل نائماً في المسجد أو مسجد الحرام أو مسجد الرسول (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) فاحتلم فأصابته جنابة فليتيمّم، و لا يمرّ في المسجد

إلّا متيمّماً حتّى يخرج منه ثمّ يغتسل. و كذلك الحائض. «1»

الخبر.

و صحيح محمّد بن يحيى عن أبي حمزة قال: قال أبو جعفر (عليه السّلام)

إذا كان الرجل نائماً في المسجد الحرام أو مسجد الرسول (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) فاحتلم فأصابته جنابة فليتيمّم، و لا يمرّ في المسجد إلّا متيمّماً. و لا بأس أن يمرّ في سائر المساجد، و لا يجلس في شي ء من المساجد «2».

(36) يحرم الاغتسال في غير المسجدين من المساجد لو استلزم اللبث جنباً؛ للنهي عن القرب من المساجد إلّا اجتيازاً و مروراً في قوله تعالى يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لٰا تَقْرَبُوا الصَّلٰاةَ أي أماكن الصلاة؛ و هي المساجد كما في «مجمع البيان» وَ أَنْتُمْ سُكٰارىٰ حَتّٰى تَعْلَمُوا مٰا تَقُولُونَ وَ لٰا جُنُباً إِلّٰا عٰابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُوا «3»، و في صحيح جميل بن درّاج قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الجنب

______________________________

(1) وسائل الشيعة 2: 205، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 15، الحديث 3.

(2) وسائل الشيعة 2: 206، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 15، الحديث 6.

(3) النساء (4): 43.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 429

و مع عدم لزومهما جاز، بل هو الأحوط (37)

______________________________

يجلس في المساجد، قال

لا، و لكن يمرّ فيها كلّها. «1»

الخبر. و في المرفوع المتقدّم عن أبي حمزة عن أبي جعفر (عليه السّلام). إلى أن قال

و لا بأس أن يمرّا أي الحائض و الجنب في سائر المساجد، و لا يجلسان فيها.

و رواية جميل بن درّاج عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

للجنب أن يمشي في المساجد كلّها و لا يجلس فيها. «2»

الخبر. و صحيح محمّد بن حمران عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)

قال: سألته عن الجنب يجلس في المسجد؟ قال

لا، و لكن يمرّ فيه. «3»

الخبر. و صحيح أبي حمزة قال: قال أبو جعفر (عليه السّلام)

و لا بأس أن يمرّ في سائر المساجد و لا يجلس في شي ء من المساجد «4».

و صحيح زرارة و محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام) قالا: قلنا له: الحائض و الجنب يدخلان المسجد أم لا؟ قال

الحائض و الجنب لا يدخلان المسجد إلّا مجتازين. «5»

الخبر. و كذا يحرم الاغتسال إذا استلزم تلويث المسجد المحرّم إجماعاً فتوًى و نصّاً.

(37) كمن احتلم و خرج من المسجد و طهر بدنه من النجاسة و نسي الغسل ثمّ رجع إلى المسجد قبل أن يغتسل و تذكّر، فحينئذٍ جاز له قصد الخروج من المسجد و الغسل حال الخروج من غير مكث، أو مكث للغسل في وقت يساوي وقت الخروج أو يكون أقلّ منه؛ فيجوز حينئذٍ أيضاً الغسل، و هو الأحوط جمعاً بين

______________________________

(1) وسائل الشيعة 2: 205، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 15، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 2: 206، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 15، الحديث 4.

(3) وسائل الشيعة 2: 206، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 15، الحديث 5.

(4) وسائل الشيعة 2: 206، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 15، الحديث 6.

(5) وسائل الشيعة 2: 207، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 15، الحديث 10.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 430

و إن جاز الخروج له (38).

[مسألة 1: لا يشترط في صحّة الاعتكاف البلوغ]

(مسألة 1): لا يشترط في صحّة الاعتكاف البلوغ، فيصحّ من الصبيّ المميّز على الأقوىٰ (39).

[ (مسألة 2): لا يجوز العدول من اعتكاف إلى اعتكاف آخر]

(مسألة 2): لا يجوز العدول من اعتكاف إلى اعتكاف آخر؛ و إن اتّحدا في الوجوب و الندب، و لا عن نيابة شخص إلىٰ نيابة شخص آخر، و لا عن نيابة غيره إلىٰ نفسه و بالعكس (40).

______________________________

الفرار عن الكون في المسجد جنباً و بين لزوم اللبث في المسجد للمعتكف.

(38) و ذلك للروايات المجوّزة للخروج لحاجة لا بدّ منها.

(39) و ذلك لإطلاق أدلّة مشروعية المستحبّات كالأدعية و قراءة القرآن و الأذكار و الصلوات و الصيام و الحجّ المندوبات و كذلك الاعتكاف.

و الاستدلال على مشروعية اعتكاف الصبي بقوله (عليه السّلام)

مروا صبيانكم بالصلاة و الصيام «1»

بناءً على كون الأمر بالأمر بشي ء أمراً من الآمر الأوّل إلى المأمور الثاني، غير تامّ؛ لأنّ مورده الأحكام الإلزامية. كما أنّ الاستدلال بحديث رفع القلم عن الصبي على نفي مشروعية اعتكاف الصبي غير سديد؛ لأنّ حديث رفع القلم يرفع التكاليف الإلزامية؛ لوروده مورد الامتنان.

(40) و ذلك لأنّ العبادة المركّبة من الأجزاء أمر واحد اعتباري يشترط فيها النية ابتداءً و استدامة، و كذا الاعتكاف حيث إنّ حقيقته اللبث الاستمراري و العدول في وسط عمل إلى عمل آخر يستلزم قطع العمل الأوّل و كون العمل الثاني غير تامّ؛ لأنّ ما أتى به كان من أجزاء المعدول عنه، فالعدول خلاف القاعدة و مستلزم لبطلان

______________________________

(1) راجع وسائل الشيعة 4: 19، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 3، الحديث 5، و 10: 234، كتاب الصوم، أبواب من يصحّ منه الصوم، الباب 29، الباب 3.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 431

[ (مسألة 3): يجوز قطع الاعتكاف المندوب في اليومين الأوّلين]

(مسألة 3): يجوز قطع الاعتكاف المندوب في اليومين الأوّلين، و بعد تمامهما يجب الثالث (41)، بل يجب الثالث لكلّ اثنين على الأقوىٰ في الثالث الأوّل و الثاني؛

أي السادس، و على الأحوط في سائرهما (42).

______________________________

المعدول عنه و المعدول إليه كليهما، إلّا في موارد خاصّة خارجة بالدليل، كالعدول عن الحاضرة إلى الفائتة و عن اللاحقة إلى السابقة أو الفريضة إلى النافلة فيما لو أُقيمت الجماعة.

(41) و يدلّ على جواز قطع الاعتكاف في اليوم الأوّل و كذا في اليوم الثاني قبل تمامه، و على وجوب الثالث من ليله بعد تمام اليومين، صحيح محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

إذا اعتكف يوماً و لم يكن اشترط فله أن يخرج و يفسخ الاعتكاف، و إن أقام يومين و لم يكن اشترط فليس له أن يفسخ اعتكافه حتّى تمضي ثلاثة أيّام «1».

(42) دليل وجوب الثالث الأوّل و الثاني الذي هو اليوم السادس معتبرة أبي عبيدة عن أبي جعفر (عليه السّلام) في حديث قال

من اعتكف ثلاثة أيّام فهو يوم الرابع بالخيار؛ إن شاء زاد ثلاثة أيّام أُخر و إن شاء خرج من المسجد، فإن أقام يومين بعد الثلاثة فلا يخرج من المسجد حتّى يتمّ ثلاثة أيّام أُخر «2»

، حيث إنّ ثلاثة أيّام أُخر هي الثلاثة بعد الثلاثة الأُولى فيكون الثالث في الثلاثة الأُولى و في الثلاثة الثانية واجباً. و وجه الاحتياط في وجوب كلّ ثالث بعد الاثنين من التاسع و الثاني عشر و هكذا، هو شمول قوله

يتمّ ثلاثة أيّام أُخر

لكلّ ثلاثة فيكون المراد أنّه إن أقام يومين بعد كلّ ثلاثة يتمّهما بثالث؛ فيشمل التاسع و الثاني عشر و هكذا.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 543، كتاب الاعتكاف، الباب 4، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 10: 544، كتاب الاعتكاف، الباب 4، الحديث 3.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 432

و أمّا المنذور فإن كان معيّناً فلا يجوز

قطعه مطلقاً، و إلّا فكالمندوب (43).

[ (مسألة 4): لا بدّ من كون الأيّام متّصلة]

(مسألة 4): لا بدّ من كون الأيّام متّصلة، و يدخل الليلتان المتوسّطتان كما مرّ، فلو نذر اعتكاف ثلاثة أيام منفصلة أو من دون الليلتين، لم ينعقد إن كان المنذور الاعتكاف الشرعي (44)، و كذا لو نذر اعتكاف يوم أو يومين مقيّداً بعدم الزيادة (45). نعم لو لم يقيّده به صحّ و وجب ضمّ يوم أو يومين (46).

______________________________

(43) و يدلّ على عدم جواز قطع الاعتكاف المنذور المعيّن مفهوم صحيح محمّد بن مسلم المتقدّم، حيث إنّ مفهومه أنّه لا يجوز فسخ الاعتكاف في اليوم الأوّل و الثاني فيما اشترطه على نفسه؛ أي أوجبه بالنذر المعيّن. و الظاهر أنّه كذلك فيما أوجبه عليه بعقد الإجارة على الاعتكاف في أيّام معيّنة؛ إذ يصدق عليه أنّه اعتكف يوماً و أنّه أقام يومين و اشترط. و أمّا المنذور الغير المعيّن و الاستيجاري في أيّام غير معيّنة فيجوز قطعه في اليومين الأوّلين لسعة وقتهما، دون اليوم الثالث لوجوبه على كلّ حال في كلّ اعتكاف.

(44) قد مرّ في شرح الشرط الرابع: أنّ المتفاهم العرفي من ثلاثة أيّام هو اتّصالها و استمرارها، فتدخل في ثلاثة أيّام الليلتان المتوسّطتان، فراجع. و الغرض من طرح المسألة هنا التعرّض بأنّه لو نذر اعتكاف ثلاثة أيّام منفصلة أو من دون الليالي لم ينعقد؛ لعدم جوازه شرعاً بعنوان الاعتكاف الشرعي. نعم لو نذر مجرّد اللبث في المسجد في زمان من الأزمنة أيّ زمان و أيّ يوم كان؛ حتّى يوم العيدين ينعقد نذره؛ لرجحان مجرّد الكون في المسجد في نفسه.

(45) و ذلك لتعلّق نذره باعتكاف لا يراه الشارع صحيحاً.

(46) و ذلك لتعلّق نذره باعتكاف يوم أو يومين مطلقاً من غير تقييد بعدم الزيادة، فهو

يصلح لأن ينضمّ إليه الباقي و يصحّ؛ فحينئذٍ وجب عليه ضمّ الباقي من

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 433

[ (مسألة 5): لو نذر اعتكاف شهر يجزيه ما بين الهلالين و إن كان ناقصاً]

(مسألة 5): لو نذر اعتكاف شهر يجزيه ما بين الهلالين و إن كان ناقصاً، لكن يضمّ إليه حينئذٍ يوماً على الأحوط (47).

[ (مسألة 6): يعتبر في الاعتكاف الواحد وحدة المسجد]

(مسألة 6): يعتبر في الاعتكاف الواحد وحدة المسجد، فلا يجوز أن يجعله في المسجدين و لو كانا متّصلين، إلّا أن يعدّا مسجداً واحداً (48)،

______________________________

يوم أو يومين ليتحقّق منذورة بالفرد الراجح من المطلق.

(47) يعني أنّه إذا نذر اعتكاف شهر يجزيه اعتكاف ما بين الهلالين؛ سواءٌ كان ثلاثين يوماً أو ناقصاً و تسعة و عشرين يوماً؛ و ذلك لكون المتبادر من الشهر ما بين الهلالين.

و أمّا وجه ضمّ يوم واحد إلى الناقص فهو أنّه لمّا تمّ اعتكاف الناقص ففي الواقع قد أتمّ ثلاثة أيّام تسع مرّات؛ و هي سبعة و عشرين يوماً، و زاد عليها يومين، و قد وجب عليه اليوم الثالث بعد إتمام اليومين لوجوبه احتياطاً عقيب كلّ اثنين. نعم لو كان منذورة في نيته مقدار الشهر وجب الثلاثون يوماً؛ للانصراف حيث إنّ مقدار الشهر في العرف هو ثلاثون يوماً.

(48) دليل اشتراط وحدة المسجد في الاعتكاف الواحد هو ظهور الروايات في ذلك، كما في صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

لا اعتكاف إلّا بصوم في مسجد الجامع «1»

، حيث إنّ «مسجد الجامع» ظاهر في الواحد.

و إن أبيت عن ظهوره فيه و أنّه للجنس، و أنّ الروايات في صدد بيان اشتراط الاعتكاف بالصوم و بكونه في مسجد الجامع و بسائر الشرائط، فنقول: إنّه يمكن استفادة اشتراط وحدة المسجد من الروايات التي حكم فيها برجوع المعتكف إلى

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 538، كتاب الاعتكاف، الباب 3، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 434

..........

______________________________

المسجد الذي اعتكف فيه إذا خرج منه لحاجة بحيث

لا يجوز له إلّا العود و الرجوع إلى مسجد الاعتكاف فقط، كما في صحيحة داود بن سرحان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

ثمّ لا يجلس حتّى يرجع «1»

، و في صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

و لا يجلس حتّى يرجع «2».

و في صحيحة أُخرى لداود بن سرحان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

و لا تقعد تحت ظلال حتّى تعود إلى مجلسك «3»

، و صحيح منصور بن حازم عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

المعتكف بمكّة يصلّي في أيّ بيوتها شاء، و المعتكف بغيرها لا يصلّي إلّا في المسجد الذي سمّاه «4».

و صحيحة عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

و لا يصلّي المعتكف في بيت غير المسجد الذي اعتكف فيه، إلّا بمكّة فإنّه يعتكف بمكّة حيث شاء؛ لأنّها كلّها حرم اللّٰه «5»

، فيستفاد من التعليل أنّ عدم جواز الصلاة في بيت غير المسجد الذي اعتكف فيه لأجل أنّ اعتكافه لا بدّ أن يكون في ذلك المسجد، و أنّه إذا خرج لحاجة لزم العود إليه، و إن كان مسجد جامع آخر أقرب لمحلّ الحاجة من مسجد الاعتكاف.

فالحاصل: أنّه لا يجوز الاعتكاف في المسجدين و لو كانا متّصلين، إلّا أن يعدّا في العرف مسجداً واحداً؛ بأن كان في وسطهما بابٌ واسع بحيث إذا فتح يعدّان مسجداً واحداً قد جعل بينهما بابٌ لأجل إمكان إيجاد الحرارة في أحدهما في فصل

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 549، كتاب الاعتكاف، الباب 7، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 10: 549، كتاب الاعتكاف، الباب 7، الحديث 2.

(3) وسائل الشيعة 10: 550، كتاب الاعتكاف، الباب 7، الحديث 3.

(4) وسائل الشيعة 10: 551،

كتاب الاعتكاف، الباب 8، الحديث 2.

(5) وسائل الشيعة 10: 552، كتاب الاعتكاف، الباب 8، الحديث 3.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 435

و لو تعذّر إتمام الاعتكاف في محلّ النية لخوف أو هدم و نحو ذلك بطل، و لا يجزيه إتمامه في جامع آخر (49).

[ (مسألة 7): سطوح المساجد و سراديبها و محاريبها من المساجد]

(مسألة 7): سطوح المساجد و سراديبها و محاريبها من المساجد، فحكمها حكمها ما لم يُعلم خروجها، بخلاف ما أُضيف إليها كالدهليز و نحوه، فإنّها ليس منها ما لم يعلم دخولها و جعلها منها، و من ذلك بقعتا مسلم بن عقيل (عليه السّلام) و هاني؛، فإنّ الظاهر أنّهما خارجان عن مسجد الكوفة (50).

______________________________

الشتاء مثلًا. و في «الجواهر»: المدار على صدق الوحدة عرفاً «1».

(49) إذا شرع في الاعتكاف في مسجد جامع و تعذّر الإتمام فيه لحدوث مانع من خوف أو هدم محلّ الاعتكاف أو نحو ذلك بطل اعتكافه، و لا يجب الإتمام في ذلك المكان بعد ارتفاع العذر؛ لانقطاع الاستمرار في اللبث. و لا يجزيه إتمامه في غير المكان الأوّل؛ لاشتراط وحدة محلّ الاعتكاف من أوّله إلى آخره. و يجوز له استئناف الاعتكاف الجديد في مسجد جامع آخر، هذا في الاعتكاف المندوب.

و أمّا الاعتكاف الواجب بالنذر مثلًا فإن كان مطلقاً يجب استئنافه في مسجد جامع آخر، أو ينتظر حتّى يزول الخوف أو يبنى المسجد و يعتكف في ذلك المسجد الذي شرع فيه و بطل، و إن كان نذراً معيّناً بالأيّام المخصوصة و مسجد جامع خاصّ يقضيه فيه بعد زوال العذر. و يحتمل عدم انعقاد نذره من أصله.

________________________________________

بنى فضل، مرتضى بن سيف على، مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، در يك جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، تهران - ايران،

اول، 1422 ه ق

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم؛ ص: 435

(50) يعني أنّ الظاهر عند المتشرّعة كون سطح المسجد و سردابه و محرابه من المسجد، فيجري عليها أحكام المسجد؛ و منها جواز الاعتكاف فيها. فمع الشكّ

______________________________

(1) جواهر الكلام 17: 171.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 436

[ (مسألة 8): لو عيّن موضعاً خاصّاً من المسجد محلّا لاعتكافه لم يتعيّن]

(مسألة 8): لو عيّن موضعاً خاصّاً من المسجد محلّا لاعتكافه لم يتعيّن، و يكون قصده لغواً حتّى فيما لو عيّن السطح، دون الأسفل أو العكس (51)، بل التعيين ربما يورث الإشكال في الصحّة في بعض الفروض (52).

[ (مسألة 9): من الضروريّات المبيحة للخروج، إقامةُ الشهادة و عيادة المريض]

(مسألة 9): من الضروريّات المبيحة للخروج، إقامةُ الشهادة و عيادة المريض إذا كان له نحو تعلّق به؛ حتّى يُعدّ ذلك من الضروريّات العرفيّة (53)،

______________________________

في كونها من المسجد لا يجري استصحاب عدم المسجدية؛ لتقدّم الظاهر المذكور على الاستصحاب، فيحكم بكونها من المسجد حتّى يعلم أنّها لم تجعل جزءً من المسجد.

كما أنّ الظاهر خروج الدهليز و مخلع النعل و محلّ تهيئة الشاي و الأنبار لجمع أثاث المسجد و بيت الخادم و نحوها منه إلّا أن يعلم كونها جزءً منه. و من هذا القبيل قبر مسلم و هاني (رحمهما اللّٰه) فإنّ الظاهر أنّهما مدفونان خارج مسجد الكوفة؛ لأنّ بناء ابن مرجانة لعنه اللّٰه كان على إهانتهما لا على تكريمهما بدفنهما في المسجد.

(51) وجه عدم التعيّن بالتعيين هو الأصل و أنّ موضوع الحكم هو عنوان المسجد الجامع الصادق على مجموع أجزائه على السواء. و معنى التعيّن أنّه يجب في الموضع المتعيّن لا غير، و مع الشكّ في وجوب التعيّن فالأصل عدمه.

(52) كما لو تعبّد بأنّ الاعتكاف لا يكون إلّا في موضع خاص من المسجد دون غيره و أنّه لا يحصل الامتثال إلّا بكونه في ذلك الموضع الخاص، فيشكل حينئذٍ صحته، بل يبطل لكونه تشريعاً.

(53) أمّا الخروج لإقامة الشهادة أو لتحمّلها فلم أعثر على نصّ خاصّ فيه، فلا دليل على جواز الخروج لهما، إلّا أن يندرجا في إطلاق الحاجة اللابدّ منها في الروايات، و هذا يتصوّر فيما تعيّنا عليه.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم،

ص: 437

و كذا الحال في تشييع الجنازة، و تشييع المسافر، و استقبال القادم، و نحو ذلك (54)؛ و إن لم يتعيّن عليه شي ء من ذلك (55). و الضابط: كلّ ما يلزم الخروج إليه عقلًا أو شرعاً أو عادة من الأُمور الواجبة أو الراجحة؛ سواء كانت متعلّقة بأُمور الدنيا أو الآخرة، حصل ضرر بترك الخروج أو لا (56).

______________________________

و أمّا الخروج لعيادة المريض فيدلّ على جوازه صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

أو يعود مريضاً «1»

، و المريض في النصّ و إن كان مطلقاً إلّا أنّ نظر المصنّف (رحمه اللّٰه) في تقييده بما إذا كان له تعلّق بالمعتكف حتّى يعدّ ذلك من الضروريات العرفية إلى الروايات التي جوّز الخروج فيها لحاجة لا بدّ منها. و لا يخفىٰ: أنّ صحيح الحلبي المذكور قد تعرّض أوّلًا بالخروج لحاجة لا بدّ منها، و ثانياً بالخروج لجنازة أو عيادة مريض؛ فيبعد تقييدهما بالحاجة اللابدّ منها.

(54) يعني يشترط في جواز الخروج أن يكون لهم نحو تعلّق بالمعتكف، هذا مسلّم في تشييع المسافر و استقبال القادم و نحوهما لتكون من موارد الحاجة اللابدّ منها. و أمّا تشييع الجنازة فلا؛ لوروده في صحيحة عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

ليس للمعتكف أن يخرج من المسجد إلّا إلى الجمعة أو جنازة أو غائط «11».

(55) و ذلك لكونها من الضروريات العرفية، و لا يشترط في كونها من الضروريات العرفية تعيّنها للمعتكف.

(56) كلّ هذه المذكورات في المتن و غيرها ممّا يتعارف القيام به في جوامع العرف يندرج في قولهم

لا يخرج من المسجد إلّا لحاجة لا بدّ منها

، و ليس

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 549، كتاب الاعتكاف، الباب

7، الحديث 2.

(11) وسائل الشيعة 10: 550، كتاب الاعتكاف، الباب 7، الحديث 6.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 438

نعم الأحوط مراعاة أقرب الطرق و الاقتصار علىٰ مقدار الحاجة و الضرورة (57). و يجب أن لا يجلس تحت الظلال مع الإمكان (58)، و الأحوط عدم الجلوس مطلقاً إلّا مع الضرورة (59)،

______________________________

المراد من اللابدّية هي اللابدّية العقلية و الشرعية فقط، بل تعمّهما و العادية و العرفية أيضاً. و قد نقل صاحب «الجواهر» (رحمه اللّٰه) عن شيخه في كتابه «البغية» أمثلة كثيرة ممّا تعلّق بنفس المكلّف و غيره؛ حتّى الإتيان بماءٍ أو حطب أو علف لدابّته أو نحو ذلك. إلى أن قال: و من الحاجة امتثال أمر المالك و الوالدين و الخادم لمخدومه و المتعلّم لمعلّمه و المنعم لصاحب نعمته و غيرها «1»، فراجع.

(57) مراعاة أقرب الطرق و الاقتصار على مقدار الحاجة و الضرورة في الخروج عن المسجد هو الأقوى؛ لأنّ الزائد على أقرب الطرق و مقدار الحاجة و الضرورة يصدق عليه الخروج لا لحاجة، و هو مبطل للاعتكاف.

و في «مستند الشيعة»: لو كان لمكان الحاجة طريق أقرب من الآخر قالوا: يجب سلوك الأقرب، و كذا يسلك مسلك الاقتصار على قدر الضرورة؛ لأنّ الضرورة تقدّر بقدرها، و لعدم كون الزائد حاجة «2»، انتهى.

(58) و يدلّ عليه صحيح داود بن سرحان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

و لا تقعد تحت ظلال حتّى تعود إلى مجلسك «3».

(59) وجه الاحتياط صحيح داود بن سرحان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

ثمّ

______________________________

(1) جواهر الكلام 17: 182.

(2) مستند الشيعة 10: 559.

(3) وسائل الشيعة 10: 550، كتاب الاعتكاف، الباب 7، الحديث 3.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 439

بل الأحوط

أن لا يمشي تحت الظلال و إن كان الأقوىٰ جوازه (60).

______________________________

لا يجلس حتّى يرجع «1»

، و مثله صحيح الحلبي عنه (عليه السّلام) «2»، حيث إنّ الجلوس مطلق؛ سواء كان تحت الظلال أو لم يكن.

(60) قال المحقّق (رحمه اللّٰه) في «الشرائع»: إذا خرج لشي ء من ذلك لم يجز له الجلوس و لا المشي تحت الظلال «3».

و صاحب «الجواهر» (رحمه اللّٰه) بعد أن نقل تقييد حرمة الجلوس بكونه تحت الظلال عن الشيخين و الفاضلين و المرتضى و سلّار و أبي الصلاح قال: لكن قد يناقش بأنّ التقييد مبني على حجّية مفهوم المكان، و يمكن منعها و أنّها كمفهوم اللقب؛ و مقصوده (رحمه اللّٰه): أنّ الجلوس مطلقاً حرام. ثمّ نسب (رحمه اللّٰه) القول بحرمة المشي تحت الظلال إلى الشيخ و المحقّق و العلّامة، و قال: و عن المرتضى (رحمه اللّٰه): ليس للمعتكف إذا خرج عن المسجد أن يستظلّ بسقف حتّى يعود إليه؛ للإجماع و طريقة الاحتياط، ثمّ ارتضى (رحمه اللّٰه) باحتجاج المرتضى و قال: و لعلّه حجّة.

و أضاف (رحمه اللّٰه) على الاستدلال بالإجماع دليلين آخرين: أحدهما أنّ المعتكف و المحرم متساويان فيحرم لهما المشي تحت الظلال. و الثاني: احتمال إلغاء خصوصية الجلوس في الروايات و أنّ المانع هو تحت الظلال؛ سواء كان بالجلوس أو بالمشي أو بالوقوف من غير فرق بينها.

ثمّ قال (رحمه اللّٰه): و في «الوسائل»: أنّه قد تقدّم ما يدلّ على عدم جواز الجلوس

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 549، كتاب الاعتكاف، الباب 7، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 10: 549، كتاب الاعتكاف، الباب 7، الحديث 2.

(3) شرائع الإسلام 1: 194.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 440

و أمّا حضور الجماعة في غير مكّة المعظّمة فمحلّ إشكال (61).

[ (مسألة 10): لو أجنب في المسجد وجب عليه الخروج للاغتسال]

(مسألة 10): لو أجنب في المسجد وجب عليه الخروج للاغتسال؛ إذا لم يمكن إيقاعه فيه بلا لبث و تلويث، و قد مرّ حكم المسجدين (62)،

______________________________

و المرور تحت الظلّ للمعتكف «1».

و لا يخفى ما فيه أوّلًا: أنّ الإجماع الذي استدلّ به المرتضى (رحمه اللّٰه) على حرمة المشي تحت الظلال غير ثابت. و ثانياً أنّه أيّ دليل يدلّ على مساواة المعتكف للمحرم في حرمة المشي تحت الظلال. نعم قال الشيخ في «المبسوط»: و قد روي أنّه يجتنب ما يجتنبه المحرم، و ذلك مخصوص بما قلناه؛ لأنّ لحم الصيد لا يحرم عليه و عقد النكاح مثله «2»، انتهى. و ثالثاً: أنّ مجرّد احتمال إلغاء الخصوصية عن الجلوس لا يكون دليلًا على كون المانع منه هو تحت الظلال. و رابعاً: أنّه لم يتقدّم من «الوسائل» ما دلّ على المنع من المرور تحت الظلّ للمعتكف، نعم صاحب «الوسائل» (رحمه اللّٰه) قد ذكر المشي في عنوان الباب الثامن من كتاب الاعتكاف و لكن لم يذكر ما يدلّ عليه. و مع ذلك كلّه فالاحتياط الاستحبابي ترك المشي تحت الظلال.

(61) بل محلّ منع؛ لأنّ المنصوص هو الخروج للجمعة لا الجماعة، و أمّا في مكّة فيجوز الخروج للصلاة فرادى و جماعة في غير المحلّ الذي اعتكف؛ للأخبار المعتبرة المذكورة في الباب الثامن من أبواب الاعتكاف من «الوسائل» «3».

(62) قد مرّ في بيان الشرط السابع: أنّه لو أجنب في المسجدين وجب

______________________________

(1) جواهر الكلام 17: 185.

(2) المبسوط 1: 293.

(3) وسائل الشيعة 10: 551، كتاب الاعتكاف، الباب 8.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 441

و لو ترك الخروج بطل اعتكافه من جهة حرمة لبثه (63).

[ (مسألة 11): لو دفع من سبق إليه في المسجد و جلس فيه]

(مسألة 11): لو دفع من سبق إليه في المسجد و جلس

فيه، فلا يبعد عدم بطلان اعتكافه (64).

______________________________

الخروج منهما متيمّماً، و يحرم الاغتسال فيهما حتّى من غير مكث، فراجع.

(63) المعتكف المجنب وظيفته الخروج من المسجد للاغتسال فيما إذا استلزم الاغتسال اللبث. و لو ترك الخروج فهل يبطل اعتكافه؟ قال المصنّف (رحمه اللّٰه) وفاقاً ل «العروة الوثقى» بالبطلان من جهة حرمة لبثه.

و لا يخفى: أنّ حرمة اللبث لا يستلزم البطلان مطلقاً، بل فيما زاد زمان اللبث على زمان الاغتسال خارج المسجد. و أمّا لو فرض تساوي الزمانين بأن كان زمان الخروج من المسجد و الاغتسال في الحمّام مثلًا حتّى يعود إلى المسجد ساعة و لم يخرج و لبث في المسجد إلى أن أحضر الماء فخرج و اغتسل جنب المسجد و كان زمان لبثه في المسجد و اغتساله خارج المسجد ساعة أيضاً فحينئذٍ لا يكون اعتكافه باطلًا؛ لأنّ اللبث بمقدار نصف ساعة و إن كان محرّماً لكنّه ليس جزءً من اعتكافه؛ لأنّ الاعتكاف هو اللبث العبادي، و اللبث حال الجنابة محرّم لا يصلح للعبادية، و ليس أيضاً من شرائط صحّة الاعتكاف.

و كذا لا يكون باطلًا فيما أجنب في آخر ساعة من اليوم الثالث و ترك الخروج و لبث في المسجد إلى الغروب. و فرض أنّه لو خرج و اغتسل تمّ وقت الاعتكاف فهذا المقدار من الوقت مستثنى من أوقات الاعتكاف؛ سواء خرج فيه و اغتسل حتّى غرب أو لبث في المسجد و غرب، إلّا أنّ اللبث فيه حرامٌ لجنابته و لا يخلّ باعتكافه.

(64) إذا سبق أحدٌ من الناس إلى موضع من المسجد و شغله للعبادة اعتكافاً

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 442

..........

______________________________

كان أو غيره و زاحمه المعتكف و أزاله من موضعه فهل يبطل اعتكافه أو لا؟

فيه قولان مبنيان على أنّ للسابق حقّ اختصاص بذلك الموضع بسبقه إليه فيكون كالملك لا يجوز التصرّف فيه لأحد إلّا بإذنه فيبطل اعتكاف المزاحم و كذلك صلاته فيه، أو أنّ للسابق الشاغل أولوية و أحقّية لا يجوز مزاحمته، و بعد المزاحمة و ارتكاب المعصية يبقى الموضع على إباحته فيصحّ الاعتكاف و الصلاة فيه.

قال السيّد (رحمه اللّٰه) في «العروة الوثقى»: الأقوى بطلان اعتكافه؛ لأنّ مكث المعتكف بغير إذن السابق عليه حرامٌ؛ فلا يصلح أن يكون عبادة فيبطل.

و قال المصنّف (رحمه اللّٰه): إنّه لا يبعد عدم بطلان اعتكافه، و لعلّه لكون السابق أحقّ و أولى لا يجوز مزاحمته، و بعد المزاحمة يبقى الموضع على إباحته للمزاحم و غيره، هذا.

و لا بدّ لنا من ملاحظة روايات السبق؛ ففي مرسلة محمّد بن إسماعيل عن بعض أصحابه عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قلت له: نكون بمكّة أو بالمدينة أو الحيرة أو المواضع التي يرجىٰ فيها الفضل، فربّما خرج الرجل يتوضّأ فيجي ء آخر فيصير مكانه، فقال

من سبق إلى موضع فهو أحقّ به يومه و ليلته «1»

، قد يستدلّ بها على أنّ السابق له حقّ اختصاص بالموضع الذي سبقه فيكون كالأملاك.

و فيه: أنّ الرواية مخدوشة سنداً و دلالةً:

أمّا سنداً: فلإرسالها حيث إنّ محمّد بن إسماعيل و إن كان مردّداً بين ابن بزيع العدوي و هو من صالحي هذه الطائفة و ثقاتهم و له كتب، و عن الحسين بن خالد الصيرفي قال: كنّا عند الرضا (عليه السّلام) و نحن جماعة، فذكر محمّد بن إسماعيل بزيع، فقال (عليه السّلام)

وددتُ أنّ فيكم مثله «2»

و بين ابن ميمون أبي عبد اللّٰه الزعفراني و هو

______________________________

(1) وسائل الشيعة 5: 278، كتاب الصلاة، أبواب أحكام

المساجد، الباب 56، الحديث 1.

(2) تنقيح المقال 2: 81/ السطر 37 (أبواب الميم).

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 443

..........

______________________________

ثقة عين، لكنّه لم يثبت حجّية مراسيلهما مطلقاً.

و أمّا دلالةً: فلأنّ الفقهاء لم يلتزموا بتحديد الأحقّية بيوم و ليلة، بل هي على فرض ثبوتها بمقدار اشتغالها في موضع سبق إليه و بمقدار عبادته المعمول. و في رواية طلحة بن زيد عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

قال أمير المؤمنين: سوق المسلمين كمسجدهم؛ فمن سبق إلى مكان فهو أحقّ به إلى الليل «1»

، قال الشيخ (رحمه اللّٰه): طلحة بن زيد له كتاب و هو عامّي المذهب، إلّا أنّ كتابه معتمد، و الاعتماد على كتابه لأجل الوثوق برواياته، و قد وقع في طريق «كامل الزيارات».

و بالجملة: الرواية موثّقة و دلالتها تامّة من جهة إثبات الأحقّية لمن سبق إلى المسجد كمن سبق إلى السوق، إلّا أنّ تحديده بقوله

إلى الليل

من مختصّات السوق لمناسبته له دون المسجد، و في المسجد بمقدار وقت يشغله للعبادة؛ أيّ وقت كان.

و في مرسلة ابن أبي عمير عن بعض أصحابه عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

سوق المسلمين كمسجدهم؛ يعني إذا سبق إلى السوق كان له مثل المسجد «2»

، و المشهور في مرسلات ابن أبي عمير أنّها كمسنداته، و دلالة هذه المرسلة أوضح من الأُوليين؛ لعدم تقييدها بيوم و ليلة أو بقوله

إلى الليل.

و بالجملة: الرواية الأُولى غير نقية سنداً. و الثالثة معتبرة عند المشهور. و رواية طلحة بن زيد لا إشكال في اعتبارها، و إنّما الكلام في مقدار دلالتها و أنّ المراد من الأحقّية ما هو؟ هل هي الأحقّية كأحقّية الملّاك لأملاكهم حتّى لا يجوز التصرّف للمعتكف المزاحم إلّا بإذن السابق الشاغل،

أو الأحقّية للاستفادة بحيث يحرم مزاحمته؟ القدر المتيقّن من الأحقّية هو الأحقّية للاستفادة و حرمة المزاحمة

______________________________

(1) وسائل الشيعة 5: 278، كتاب الصلاة، أبواب أحكام المساجد، الباب 56، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 17: 406، كتاب التجارة، أبواب التجارة، الباب 17، الحديث 2.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 444

و كذا لو جلس علىٰ فراش مغصوب (65)، كما لا إشكال في الصحّة لو كان جاهلًا بالغصب أو ناسياً (66). و لو فرش المسجد بتراب أو آجر مغصوب، فإن أمكن التحرّز عنه وجب، و لو عصىٰ فلا يبعد الصحّة (67)،

______________________________

و الزائد يحتاج إلى دليل، فلا دليل على حرمة مكث المعتكف؛ فيصحّ حينئذٍ اعتكافه.

(65) الجلوس على فراش مغصوب في المسجد و نحوه من الأماكن العمومية حرامٌ مسلّماً؛ لكونه غصباً و تصرّفاً في مال الغير بلا إذن منه، لكنّه لا يسري حرمته إلى المكث في الموضع؛ لمغايرتهما و إن كانا متلازمين في المورد، فيكون المكث مباحاً و الاعتكاف صحيحاً كما في لبس المعتكف لباساً غصبياً. فلا فرق بين الجلوس على فراش مغصوب و لبس لباس مغصوب بالنسبة إلى الاعتكاف. و فرّق بينهما السيّد (رحمه اللّٰه) في «العروة الوثقى»، و هو كما ترى.

(66) يعني أنّه بناءً على كون الجلوس على فراش مغصوب مبطلًا للاعتكاف في صورة العمد يبنى على صحّته فيما لو كان الجلوس عليه جاهلًا أو ناسياً، و كذلك لو كان مكرهاً أو مضطرّاً؛ و ذلك لكون الجهل و النسيان و الإكراه و الاضطرار أعذاراً شرعية، و حديث الرفع يرفع الحرمة واقعاً عن التصرّف في ملك الغير؛ فيكون التصرّف مباحاً لهم واقعاً؛ و لذلك يجوز الصلاة للجاهل و المكره و المضطرّ في المكان المغصوب و التوضّي في الماء المغصوب.

و

أمّا الناسي للغصب فيصحّ اعتكافه فيما لم يكن غاصباً؛ لأنّ الغاصب الناسي للغصب حكمه كالعالم العامد.

(67) وجوب التحرّز عن التراب أو الآجر المغصوبين مع الإمكان لحرمة التصرّف في مال الغير، فيجب إزالته و التحرّز عنه. و لو عصى اختياراً في صورة

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 445

و إن لم يمكن فلا يترك الاحتياط بالاجتناب عنه (68).

[ (مسألة 12): لو طال الخروج في مورد الضرورة]

(مسألة 12): لو طال الخروج في مورد الضرورة بحيث انمحت صورة الاعتكاف بطل (69).

[ (مسألة 13): يجوز للمعتكف أن يشترط حين النية الرجوع عن اعتكافه متى شاء]

(مسألة 13): يجوز للمعتكف أن يشترط حين النية الرجوع عن اعتكافه متى شاء؛ حتّى اليوم الثالث لو عرض له عارض و إن كان من الأعذار العرفيّة العاديّة، كقدوم الزوج من السفر (70)،

______________________________

إمكان التحرّز فلا يبعد الصحّة؛ لما ذكر في الجلوس على الفراش المغصوب من عدم سراية الحرمة من الجلوس إلى المكث.

(68) يعني أنّه إذا لم يمكن إزالة التراب و الآجر المغصوبين و قلعهما من المسجد فلا يترك الاحتياط بالاجتناب عنه و ترك الجلوس عليه؛ لأنّه إذا لم يمكن قلعهما صارا بمنزلة التالف و يخرجان عن المالية و الملكية، إلّا أنّ للمالك حقّا تعلّق به لا يجوز مزاحمته لو أراد استيفاء حقّه منه.

نعم مع المزاحمة لا يضرّ بالاعتكاف؛ خصوصاً بناءً على القول بأنّ الضمان بالتلف موجب لانتقال الملك إلى الضامن.

(69) لا يخفى: أنّ الضرورة و الحاجة اللابدّ منها و إن كانت مجوّزة للخروج عن المسجد إلّا أنّ صحّة الاعتكاف مشروطة في الواقع بحفظ صورته التي بها قوامه، و هذا واضح.

(70) لا يخفى: أنّ في الرجوع عن الاعتكاف أقوالًا ثلاثة:

الأوّل: أنّه لا يجوز الرجوع عنه و إبطاله بل يجب بمجرّد الشروع فيه كالحجّ، و هو قول الشيخ و أبي الصلاح، قال في «المبسوط»: و متى شرط المعتكف على نفسه (ربّه خ. ل) أنّه متى عرض له عارض رجع فيه كان له الرجوع فيه أيّ وقت

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 446

..........

______________________________

شاء ما لم يمض به يومان، فإن مضى به يومان وجب عليه تمام الثالث، فإن لم يشرط وجب عليه بالدخول فيه تمام ثلاثة أيّام؛ لأنّ الاعتكاف لا يكون أقلّ من ثلاثة

أيّام «1»، انتهى.

الثاني: أنّه يجوز الرجوع و الإبطال متى شاء؛ حتّى في اليوم الثالث مطلقاً و بلا شرط، و هو خيرة السيّد المرتضى (رحمه اللّٰه) و ابن إدريس و العلّامة في «المنتهي» و «المختلف» و «التذكرة» و «القواعد» و المحقّق في «المعتبر». و هذان القولان ضعيفان؛ لمخالفتهما النصوص.

الثالث: أنّه يجوز الرجوع و فسخه في اليومين الأوّلين دون الثالث، و هذا القول هو المشهور و المختار. و قد مرّ الاستدلال عليه بالروايات المعتبرة، فراجع.

و الكلام هنا في أنّه يجوز للمعتكف حين النية أن يشترط لنفسه على ربّه الرجوع من اعتكافه و فسخه متى شاء؛ حتّى في اليوم الثالث. و يدلّ عليه عموم

المؤمنون عند شروطهم «2»

، و مفهوم صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

إذا اعتكف يوماً و لم يكن اشترط فله أن يخرج و يفسخ الاعتكاف، و إن أقام يومين و لم يكن اشترط فليس له أن يفسخ (و يخرج) اعتكافه حتّى تمضي ثلاثة أيّام «3».

حيث يدلّ منطوقها على جواز فسخ الاعتكاف في اليومين الأوّلين لو لم يشترط و لم يلتزم على نفسه بنذر و شبهه و إجارة و أمر الوالدين مثلًا، و يدلّ بالمنطوق أيضاً على أنّه ليس له الفسخ في اليوم الثالث لو لم يشترط على نفسه، و مفهومه أنّه يجوز له الفسخ لو شرط لنفسه.

______________________________

(1) المبسوط 1: 289.

(2) وسائل الشيعة 21: 276، كتاب النكاح، أبواب المهور، الباب 20، الحديث 4.

(3) وسائل الشيعة 10: 543، كتاب الاعتكاف، الباب 4، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 447

..........

______________________________

و كذا يدلّ عليه مفهوم صحيحة أبي ولّاد الحنّاط قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن امرأة كان زوجها غائباً فقدم

و هي معتكفة بإذن زوجها فخرجت حين بلغها قدومه من المسجد إلى بيتها فتهيّأت لزوجها حتّى واقعها، فقال

إن كانت خرجت من المسجد قبل أن تقضي ثلاثة أيّام و لم تكن اشترطت في اعتكافها فإنّ عليها ما على المظاهر «1»

، حيث دلّت بمفهومها على أنّ الزوجة لو اشترطت في اعتكافها التهيّؤ لزوجها يجوز لها إبطال الاعتكاف بالجماع و لا كفّارة عليها.

و أمّا تقييد جواز اشتراط فسخ الاعتكاف بعروض العارض فيدلّ عليه صحيح أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

و ينبغي للمعتكف إذا اعتكف أن يشترط كما يشترط الذي يحرم «2»

حيث إنّه شبّه الاشتراط في الاعتكاف باشتراط الإحلال في الإحرام، و معلوم أنّ الاشتراط في الإحرام إنّما هو مع عروض العارض.

و موثّق عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في حديث قال

و اشترط على ربّك في اعتكافك كما تشترط في إحرامك أن يحلّلك من اعتكافك عند عارض إن عرض لك من علّة تنزل بك من أمر اللّٰه تعالى «3»

، و هذه الموثّقة صريحة في تقييد اشتراط الإحلال من الاعتكاف بعروض العارض.

و بهذين الخبرين المعتبرين يخصّص و يقيّد عموم

المؤمنون عند شروطهم

و إطلاق الصحيحين لابن مسلم و أبي ولّاد.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 548، كتاب الاعتكاف، الباب 6، الحديث 6.

(2) وسائل الشيعة 10: 552، كتاب الاعتكاف، الباب 9، الحديث 1.

(3) وسائل الشيعة 10: 553، كتاب الاعتكاف، الباب 9، الحديث 2.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 448

و لا يختصّ بالضرورات التي تبيح المحظورات، فهو بحسب شرطه إن عامّا فعامّ و إن خاصّا فخاصّ (71). و أمّا اشتراط الرجوع بلا عروض عارض فمحلّ إشكال بل منع. و يصحّ للناذر اشتراط الرجوع عن اعتكافه

لو عرضه عارض في نذره؛ بأن يقول: للّٰه عليّ أن أعتكف؛ بشرط أن يكون لي الرجوع عند عروض كذا مثلًا، فيجوز الرجوع، و لا يترتّب عليه إثم و لا حنث و لا قضاء (72). و لا يترك الاحتياط بذكر ذلك الشرط حال الشروع في الاعتكاف أيضاً (73)،

______________________________

(71) و ذلك لإطلاق الاشتراط و العارض في صحيح محمّد بن مسلم و موثّق عمر بن يزيد المتقدّمين.

(72) ليس المراد من اشتراط الرجوع في نذره رجوع الشرط إلى نفس النذر؛ لأنّ الشرط في النذر لا دليل على صحّته بل هو لغو، بل المراد منه اشتراط الرجوع في الاعتكاف نفسه بأن يكون المنذور هو الاعتكاف المشروط بالرجوع فيه، و هذا الشرط نافذ؛ لرجوعه في الحقيقة إلى الاعتكاف؛ فيصحّ للناذر أن يشترط منذورة من أوّل الأمر بأن يقول: لِلّٰه عليّ إن كان كذا فعليّ الاعتكاف المشروط بالرجوع فيه لو عرض عارضٌ، فلو عرض عارضٌ في أثناء الاعتكاف في اليوم الثالث فله فسخه. و مع ذلك فقد وفىٰ بنذره بإتيانه منذورة و هو الاعتكاف المشروط بالرجوع فيه و فسخه و لا يترتّب عليه إثم و لا حنث و لا قضاء.

(73) أي كما أنّه ينوي الشرط حال النذر لكون منذورة مشروطاً، كذلك يجب احتياطاً ذكره في حال الاعتكاف؛ لرجوع الشرط في الحقيقة إلى الاعتكاف الذي هو منذورة.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 449

و لا اعتبار بالشرط المذكور قبل نية الاعتكاف و لا بعدها (74)، و لو شرط حين النية ثمّ أسقط شرطه فالظاهر عدم سقوطه (75).

______________________________

(74) و ذلك لأنّ الشرط بالأخرة شرط للاعتكاف و لا بدّ أن يقترن بنية الاعتكاف.

(75) لأنّ الأعمال بالنيّات؛ فالمنوي عبادة هو الاعتكاف المشروط بالرجوع عند عروض العارض

فكيف يصير في الأثناء مطلقاً بإسقاط الشرط مع فقد الدليل على صحّته؟!

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 450

[القول في أحكام الاعتكاف]

اشارة

القول في أحكام الاعتكاف يحرم على المعتكف أُمور:

منها: مباشرة النساء بالجِماع و باللمس و التقبيل بشهوة (1)،

______________________________

(1) و يدلّ على حرمة مباشرة النساء بالجماع على المعتكف قوله تعالى وَ لٰا تُبَاشِرُوهُنَّ وَ أَنْتُمْ عٰاكِفُونَ فِي الْمَسٰاجِدِ «1» و موثّق الحسن بن الجهم عن أبي الحسن (عليه السّلام) قال: سألته عن المعتكف يأتي أهله، فقال

لا يأتي امرأته ليلًا و لا نهاراً و هو معتكف «2».

و صحيح زرارة قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن المعتكف يجامع (أهله)، قال

إذا فعل فعليه ما على المظاهر «3».

و موثّق سماعة قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن معتكف واقع أهله، فقال

هو بمنزلة من أفطر يوماً من شهر رمضان «4».

و صحيح عبد الأعلى بن أعين قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل وطئ امرأته و هو معتكف ليلًا في شهر رمضان، قال

عليه الكفّارة

، قال: قلت: فإن وطئها نهاراً؟ قال

عليه كفّارتان «5».

و موثّق آخر لسماعة بن مهران عن

______________________________

(1) البقرة (2): 187.

(2) وسائل الشيعة 10: 545، كتاب الاعتكاف، الباب 5، الحديث 1.

(3) وسائل الشيعة 10: 546، كتاب الاعتكاف، الباب 6، الحديث 1.

(4) وسائل الشيعة 10: 547، كتاب الاعتكاف، الباب 6، الحديث 2.

(5) وسائل الشيعة 10: 547، كتاب الاعتكاف، الباب 6، الحديث 4.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 451

..........

______________________________

أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن معتكف واقع أهله، قال

عليه ما على الذي أفطر يوماً من شهر رمضان متعمّداً؛ عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستّين مسكيناً «1».

و أمّا حرمة اللمس و

التقبيل بشهوة فلم يدلّ عليها نصٌّ خاصٌّ، و من قال بحرمتهما تمسّك بالنهي في الآية المذكورة وَ لٰا تُبَاشِرُوهُنَّ.

قال في «الخلاف»: إذا باشر امرأته في حال اعتكافه فيما دون الفرج أو لمس ظاهرها بطل اعتكافه؛ أنزل أو لم ينزل، و به قال الشافعي. إلى أن قال: و قال أبو حنيفة: إن أنزل بطل و إن لم ينزل لم يبطل. دليلنا: قوله تعالى وَ لٰا تُبَاشِرُوهُنَّ وَ أَنْتُمْ عٰاكِفُونَ فِي الْمَسٰاجِدِ، و هذا عامّ في كلّ مباشرة أنزل أو لم ينزل و النهي يدلّ على فساد المنهي عنه «2»، انتهى.

و يظهر من صاحب «الحدائق» (رحمه اللّٰه) حرمة التقبيل بشهوة، و استند فيه إلى ظاهر الآية، قال في «الحدائق»: و المسألة عندي بالنسبة إلى إبطال الاعتكاف بالمباشرة و التقبيل بشهوة محلّ توقّف. أمّا التحريم فلا ريب فيه لظاهر الآية «3»، انتهى.

و يظهر من صاحب «الجواهر» (رحمه اللّٰه) تقوية الاستدلال على حرمة التقبيل و اللمس بشهوة بعموم الآية، حيث إنّه (رحمه اللّٰه) بعد حكاية نسبة الحرمة إلى قطع الأصحاب عن صاحب «المدارك» قال: الذي بملاحظته يقوى إرادة ما يعمّ ذلك من المباشرة في الآية «4»، انتهى ملخّصاً.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 547، كتاب الاعتكاف، الباب 6، الحديث 5.

(2) الخلاف 2: 229.

(3) الحدائق الناضرة 13: 491.

(4) جواهر الكلام 17: 200.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 452

بل هي مبطلة للاعتكاف (2)،

______________________________

و لا يخفى: أنّ مباشرة النساء منصرفة إلى الجماع في الآية الشريفة و في غيرها من موارد الاستعمال؛ فحينئذٍ إن قام إجماع أو شهرة محقّقة على حرمة اللمس و التقبيل بشهوة على المعتكف فهو، و إلّا فلا دليل على حرمتهما عليه.

و في «الجواهر»: و لا أجد فيه خلافاً، سوى ما

عساه تشعر به عبارة «التهذيب» فإنّه بعد أن روى عن الصادق (عليه السّلام) في الحسن

كان رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) إذا كان العشر الأواخر اعتكف في المسجد و ضربت له قُبّةٌ من شعر و شمّر المئزر و طوى فراشه

، فقال بعضهم: و اعتزل النساء؟ فقال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام)

أمّا اعتزال النساء فلا

، قال: فإنّه أراد بذلك مخالطتهنّ و مجالستهنّ و محادثتهنّ دون الجماع، و الذي يحرم على المعتكف من ذلك الجماع دون غيره، مع احتمال إرادته الحصر الإضافي؛ فلا يشمل اللمس و التقبيل بشهوة «2»، انتهى.

فهذه العبارة من صاحب «الجواهر» (رحمه اللّٰه) تدلّ على تحقّق الإجماع على حرمة اللمس و التقبيل بشهوة حيث وجّه (رحمه اللّٰه) مراد «التهذيب» بما لا ينافي الإجماع.

(2) لا خلاف في كون الجماع مبطلًا للاعتكاف. و قد يستدلّ عليه بالنهي في الآية. و يظهر من صاحب «الجواهر» ما ملخّصه: أنّ حكم الفقهاء بالبطلان بالجماع و اللمس و التقبيل بشهوة لا وجه له إلّا الفهم العرفي المشترك بين الجميع الحاصل بملاحظة أنّ الشارع في أمثال ذلك معظم نظره بيان الصحّة و الفساد، بل قد لا يكون مقصوده إلّا ذلك و إن أدّاه بلفظ النهي. ثمّ حكى (رحمه اللّٰه) عن «المنتهي» زيادة الجماع في غير الفرجين أنزل أو لم ينزل و عن الإسكافي زيادة اتّباع النظر للنظر بشهوة من

______________________________

(2) جواهر الكلام 17: 200.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 453

و لا فرق بين الرجل و المرأة، فيحرم ذلك على المعتكفة أيضاً (3).

______________________________

محرم «1»، انتهى ملخّصاً، هذا كلّه في اللمس و التقبيل بشهوة.

و أمّا بغير شهوة ففي «الجواهر»: أنّه لا بأس به؛ للأصل السالم عن المعارض، بل

في «المنتهي»: لا نعرف فيه خلافاً. و فيه أيضاً: أنّه ثبت أنّ النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) كان يلامس بعض نسائه في الاعتكاف «2»، انتهى.

أقول: روى البخاري في صحيحه عن عائشة قالت: كان النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) يقبّل و يباشر و هو صائم، و قالت: إن كان رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) ليقبّل بعض أزواجه و هو صائم ثمّ ضحكت «3». و في «شرح البخاري» للكرماني: و المراد من المباشرة اللمس باليد؛ و هو التقاء البشرتين و لا يريد به الجماع، انتهى. و لا يخفى: أنّ هذين الخبرين من العامّة لا يرتبطان بالاعتكاف.

(3) بلا خلاف فيه؛ و ذلك لقاعدة الاشتراك في التكاليف إلّا فيما اختصّ كلّ من الرجل و المرأة به. و استدلّ صاحب «الجواهر» (رحمه اللّٰه) ببعض النصوص؛ و هو صحيح أبي ولّاد الحنّاط قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن امرأة كان زوجها غائباً فقدم و هي معتكفة بإذن زوجها، فخرجت حين بلغها قدومه من المسجد إلى بيتها فتهيّأت حتّى واقعها، فقال

إن كانت خرجت من المسجد قبل أن تقضي ثلاثة أيّام و لم تكن اشترطت في اعتكافها فإنّ عليها ما على المظاهر «4»

، حيث إنّ الكفّارة وجبت على المرأة لجماعها مع زوجها.

______________________________

(1) جواهر الكلام 17: 200 201.

(2) نفس المصدر 17: 201 202.

(3) صحيح البخاري 3: 74/ 184 و 185.

(4) وسائل الشيعة 10: 548، كتاب الاعتكاف، الباب 6، الحديث 6.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 454

و منها: الاستمناء على الأحوط (4).

و منها: شمّ الطيب و الريحان متلذّذاً (5)،

______________________________

و استشكل السيّد الحكيم (رحمه اللّٰه) في «مستمسك العروة الوثقى» بأنّ الظاهر من

صحيح أبي ولّاد كون الكفّارة للخروج عن المسجد السابق على الوطء.

و فيه: أنّ خروجها من المسجد إلى بيتها حين بلغها قدوم زوجها من الحاجات العرفية التي لا توجب الكفّارة، و الموجب للكفّارة عليها هو الوقاع.

(4) وجه الاحتياط هو الإجماع الذي ادّعاه في «الخلاف» قال: المسألة الثالثة و العشرون، المعتكف إذا وطء في الفرج نهاراً أو استمنىٰ بأيّ شي ء كان لزمته كفّارتان، و إن فعل ذلك ليلًا لزمته كفّارة واحدة و بطل اعتكافه، و قال الشافعي و أبو حنيفة و مالك و سائر الفقهاء: يبطل اعتكافه و لا كفّارة عليه. إلى أن قال: دليلنا إجماع الفرقة «1».

و لا يخفى: أنّه يمكن استفادة حرمة الاستمناء للمعتكف من موثّقة سماعة المستفيضة قال: سألته عن رجل لزق أهله فأنزل، قال

عليه إطعام ستّين مسكيناً؛ مدّ لكلّ مسكين «2»

حيث لم يقيّد بخصوص صوم شهر رمضان.

(5) و يدلّ عليه صحيح أبي عبيدة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

المعتكف لا يشمّ الطيب و لا يتلذّذ بالريحان و لا يماري و لا يشتري و لا يبيع «3»

، خلافاً للشيخ في «المبسوط» قال: و يشمّ الطيب.

______________________________

(1) الخلاف 2: 238.

(2) وسائل الشيعة 10: 40، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 4، الحديث 4.

(3) وسائل الشيعة 10: 553، كتاب الاعتكاف، الباب 10، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 455

ففاقد حاسّة الشمّ خارج (6).

و منها: البيع و الشراء (7)، و الأحوط ترك غيرهما أيضاً من أنواع التجارة كالصلح و الإجارة و غيرهما (8)، و لو أوقع المعاملة صحّت و ترتّب عليها الأثر على الأقوىٰ (9). و لا بأس بالاشتغال بالأُمور الدنيويّة من أصناف المعايش؛ حتّى الخياطة و النساجة و نحوهما (10) و

إن كان الأحوط الاجتناب (11). نعم لا بأس بها مع الاضطرار، بل لا بأس بالبيع و الشراء إذا مسّت الحاجة إليهما للأكل و الشرب مع عدم إمكان التوكيل، بل مع تعذّر النقل بغير البيع و الشراء أيضاً (12).

______________________________

(6) و يدلّ على خروجه قوله (عليه السّلام) في صحيحة أبي عبيدة

و لا يتلذّذ.

(7) بلا خلاف في حرمتهما، و يدلّ عليه صحيح أبي عبيدة المتقدّم.

(8) وجه الاحتياط احتمال إرادة مطلق التجارة و المعاملة من البيع و الشراء في صحيحة أبي عبيدة، كما قد يطلق عليه في الاستعمالات.

(9) لأنّ النهي عن المعاملة لأجل الاعتكاف لا يدلّ على فسادها، كالنهي عن البيع وقت النداء لصلاة الجمعة.

(10) هذا ردٌّ للعلّامة (رحمه اللّٰه) في «المنتهي» حيث قال: الوجه تحريم الصنائع المشتغلة عن العبادة، كالخياطة و شبهها، إلّا ما لا بدّ منه «1». و لعلّ وجهه القياس بالبيع و الشراء، و هو كما ترى، مع أنّ الأصل الجواز.

(11) هذا الاحتياط استحبابي؛ لأجل أنّ الاعتكاف ليس إلّا لتحصيل الثواب الأُخروي؛ فيستحبّ ترك الأُمور الدنيوية.

(12) لأنّ الضرورات تبيح المحظورات فيما لم يكن التخلّص عن المحذور

______________________________

(1) منتهى المطلب 2: 639/ السطر 13.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 456

و منها: الجدال علىٰ أمر دنيويّ أو دينيّ إذا كان لأجل الغلبة و إظهار الفضيلة (13)، فإن كان بقصد إظهار الحقّ و ردّ الخصم عن الخطأ، فلا بأس به، و الأحوط للمعتكف اجتناب ما يجتنبه المحرم (14)، لكن الأقوىٰ خلافه، خصوصاً لبس المخيط و إزالة الشعر و أكل الصيد و عقد النكاح، فإنّ جميع ذلك جائز له (15).

______________________________

بغير ما اضطرّ إليه.

(13) أمّا حرمة الجدال للمعتكف فيدلّ عليه صحيح أبي عبيدة المتقدّم قال (عليه السّلام)

و لا يماري

،

و معلوم أنّ الجدال المحرّم هو الجدال لأمر من أُمور الدنيا أو لأمر ديني و لكن لغرض فاسد كإثبات الغلبة على الخصم و إظهار الفضيلة. و يدلّ على حرمته أخبار كثيرة مذكورة في الباب السابع عشر من كتاب العلم من «البحار» فراجع «1». و أمّا إذا كان بقصد إظهار الخصم و ردّ الخصم عن الخطأ فلا بأس به، بل هو من أفضل العبادات.

(14) وجه الاحتياط ما رواه في «المبسوط» مرسلًا قال: و قد روي أنّه يجتنب ما يجتنبه المحرم. نعم نفس الشيخ (رحمه اللّٰه) في «المبسوط» لم يقل بما رواه؛ لأنّه (رحمه اللّٰه) بعد قوله: «و قد روي أنّه يجتنب ما يجتنبه المحرم» قال بلا فصل: و ذلك مخصوص بما قلناه؛ لأنّ صيد اللحم لا يحرم عليه، و عقد النكاح مثله «2»، انتهى.

(15) و ذلك للأصل و عدم دليل معتبر على حرمتها مع عدم الخلاف في المسألة. و وجه الخصوصية فيما ذكر في المتن دعوى نفي الخلاف من العلّامة (رحمه اللّٰه) على جوازها، قال في «التذكرة»: لا يحرم على المعتكف لبس المخيط إجماعاً،

______________________________

(1) بحار الأنوار 2: 125.

(2) المبسوط 1: 293.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 457

[ (مسألة 1): لا فرق في حرمة ما سمعته على المعتكف بين الليل و النهار]

(مسألة 1): لا فرق في حرمة ما سمعته على المعتكف بين الليل و النهار، عدا الإفطار (16).

[ (مسألة 2): يُفسد الاعتكاف كلّ ما يفسد الصوم من حيث اشتراطه به]

(مسألة 2): يُفسد الاعتكاف كلّ ما يفسد الصوم من حيث اشتراطه به، فبطلانه يوجب بطلانه (17)، و كذا يفسده الجِماع و لو وقع في الليل (18)، و كذا اللّمس و التقبيل بشهوة (19). ثمّ إنّ الجِماع يُفسده و لو سهواً (20)،

______________________________

و لا إزالة الشعر، و لا أكل الصيد، و لا عقد النكاح. إلى أن قال: و يجوز له قصّ الشارب و حلق الرأس و الأخذ من الأظفار، و لا نعلم فيه خلافاً «1»، انتهى.

(16) و ذلك لأنّ حرمة المحرّمات على المعتكف ليس لأجل صومه حتّى يختصّ باليوم بل لأجل اعتكافه؛ فتحرم في الليل أيضاً. و يستفاد ذلك من إطلاق دليلها كما في صحيحة أبي عبيدة المتقدّمة قال (عليه السّلام)

المعتكف لا يشمّ الطيب و لا يتلذّذ بالريحان و لا يماري و لا يشتري و لا يبيع «2»

، نعم حرمة الإفطار يختصّ باليوم.

(17) يعني أنّ صحّة الاعتكاف مشروطة بالصوم؛ فبالإخلال على الصوم يَفسد الاعتكاف.

(18) لا يخفى: أنّ الجماع حرام على المعتكف تكليفاً و وضعاً إجماعاً؛ حتّى في اليومين الأوّلين. و هذا لا ينافي جواز فسخ الاعتكاف في اليومين الأوّلين؛ إذ الفسخ يحصل بالإعراض عن الاعتكاف و الرجوع عن قصده.

(19) هذا بناءً على ثبوت حرمتهما.

(20) لا إشكال و لا خلاف في كون الجماع العمدي مفسداً للاعتكاف. و أمّا

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء 6: 262.

(2) وسائل الشيعة 10: 553، كتاب الاعتكاف، الباب 10، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 458

و أمّا سائر ما ذكر من المحرّمات، فالأحوط في صورة ارتكابها عمداً أو سهواً و كذا اللمس و التقبيل بشهوة إذا وقعا

سهواً إتمام الاعتكاف، و قضاؤه إن كان واجباً معيّناً، و استئنافه في غير المعيّن منه إن كان في اليومين الأوّلين، و إتمامه و استئنافه إن كان في اليوم الثالث (21).

______________________________

الجماع سهواً فحكي عن «المختلف» أنّه لا يبطل؛ لانصراف أدلّة المنع إلى العمدي حيث أوجبت الكفّارة، و في بعضها نزّل المُجامع منزلة من أفطر يوماً من شهر رمضان.

و الدليل على كون الجماع الواقع سهواً مفسداً هو أنّ قوله (عليه السّلام)

لا يأتي امرأته ليلًا و لا نهاراً و هو معتكف «1»

لبيان مانعية الجماع و أنّ الجماع بوجوده الواقعي مانع عن صحّة الاعتكاف، من غير فرق بين حال العمد و حال السهو.

(21) وجه الاحتياط في إتمام الاعتكاف كون حرمة المحرّمات غير الجماع تكليفية لا وضعية؛ و لذا أفتى في «العروة الوثقى» بأنّه إذا صدر منه أحد المحرّمات المذكورة سهواً فالظاهر عدم بطلان اعتكافه.

و وجه القضاء في الواجب المعيّن و الاستئناف في غير المعيّن إن كان في اليومين الأوّلين هو أنّه من المحتمل أن تكون محرّمات الاعتكاف في لسان الأدلّة مأخوذة بعنوان المانعية و أنّ العبادة تبطل بوجودها، كما في صحيحة أبي عبيدة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

المعتكف لا يشمّ الطيب و لا يتلذّذ بالريحان و لا يماري و لا يشتري و لا يبيع «2»

، فيجب القضاء في الواجب المعيّن و الاستئناف في الواجب الغير المعيّن.

و ممّا ذكرنا يظهر وجه الاحتياط في إتمامه و استئنافه إن كان في اليوم الثالث.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 545، كتاب الاعتكاف، الباب 5، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 10: 553، كتاب الاعتكاف، الباب 10، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 459

و إذا أفسده فإن كان واجباً معيّناً وجب قضاؤه (22)، و

لا يجب الفور فيه و إن كان أحوط (23)، و إن كان غير معيّن وجب استئنافه (24)، و كذا يجب قضاء المندوب إن أفسده بعد اليومين. و أمّا قبلهما فلا شي ء عليه (25)، بل في مشروعيّة قضائه إشكال (26).

______________________________

(22) وجه وجوب القضاء شمول أدلّة وجوب قضاء الفوائت للاعتكاف.

(23) و ذلك لأصالة عدم وجوب الفور بعد فقد الدليل عليه. و وجه الاحتياط الاستحبابي أنّ تأخير قضاء الواجب بغير عذر قد يؤدّي إلى تركه فيعاقب عليه.

(24) و ذلك لأجل تحصيل امتثال الأمر بفرد صالح لكونه مأموراً به بعد فساد المأتي به و عدم صلاحيته لإسقاط أمر الواجب.

(25) وجه وجوب قضاء الاعتكاف المندوب فيما لو أفسده في اليوم الثالث هو كونه واجباً بعد اليومين، فقد فات منه الواجب فيجب قضاؤه بقضاء الاعتكاف. و أمّا لو أفسده في اليومين فلا شي ء عليه، هذا كلّه بالنسبة إلى القضاء. و أمّا الكفّارة فسيجي ء تفصيلها.

(26) و ذلك لعدم وجود دليل على مشروعية قضاء النوافل كلّها؛ صلاة كانت أو غيرها. نعم بعض المندوبات له خصوصية من جهة الزمان يقضي لأجلها كما في نوافل الليل يستحبّ قضاؤها لمن فاتت عنه. و في الاعتكاف في شهر رمضان قد قضى رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) ما فات عنه؛ ففي مرسلة الصدوق (رحمه اللّٰه) قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام)

كانت بدر في شهر رمضان و لم يعتكف رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)، فلمّا أن كان من قابل اعتكف عشرين؛ عشراً لعامه و عشراً قضاءً لما فاته «1».

و هذه الرواية بعينها

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 533، كتاب الاعتكاف، الباب 1، الحديث 2.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 460

و إنّما

يجب القضاء أو الاستئناف في الاعتكاف الواجب؛ إذا لم يشترط الرجوع فيه بما مرّ، و إلّا فلا قضاء و لا استئناف (27).

[ (مسألة 3): إذا أفسد الاعتكاف الواجب بالجِماع و لو ليلًا وجبت الكفّارة]

(مسألة 3): إذا أفسد الاعتكاف الواجب بالجِماع و لو ليلًا وجبت الكفّارة (28).

______________________________

قد نقلها الكليني (رحمه اللّٰه) بطريق صحيح عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن حمّاد عن الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) «1».

(27) لأنّه إذا جاز له الرجوع عن اعتكافه و فسخه عند عروض العارض فحينئذٍ ينفسخ اعتكافه بمجرّد قصد الرجوع؛ سواء فيه قبل ارتكاب أحد المحرّمات أو بعده، فلا يجب عليه القضاء. و أمّا الاعتكاف الواجب المطلق فيجب قضاؤه.

(28) و يدلّ عليه صحيح زرارة قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن المعتكف يجامع أهله، قال

إذا فعل فعليه ما على المظاهر «2».

و موثّق سماعة قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن معتكف واقع أهله، قال

هو بمنزلة من أفطر يوماً من شهر رمضان «3».

و صحيح عبد الأعلى بن أعين قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل وطء امرأته و هو معتكف ليلًا في شهر رمضان، قال

عليه الكفّارة

، قال: قلت: فإن وطئها نهاراً؟ قال

عليه كفّارتان «4».

و في صحيح أبي ولّاد الحنّاط عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)

فإنّ عليها ما على المظاهر «5».

______________________________

(1) الكافي 4: 175/ 2.

(2) وسائل الشيعة 10: 546، كتاب الاعتكاف، الباب 6، الحديث 1.

(3) وسائل الشيعة 10: 547، كتاب الاعتكاف، الباب 6، الحديث 2.

(4) وسائل الشيعة 10: 547، كتاب الاعتكاف، الباب 6، الحديث 4.

(5) وسائل الشيعة 10: 548، كتاب الاعتكاف، الباب 6، الحديث 6.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 461

و كذا في المندوب على الأحوط لو جامع من

غير رفع اليد عن الاعتكاف، و أمّا معه فالأقوىٰ عدم الكفّارة (29)،

______________________________

(29) قد تقدّم منّا أنّه يحرم على المعتكف الجماع؛ حتّى في اليومين الأوّلين من غير قصد الإعراض عن اعتكافه به، و هو موجب للكفّارة مطلقاً حتّى في المندوب؛ و ذلك لإطلاق أدلّة وجوب الكفّارة على المعتكف بالجماع. و أمّا مع قصد الإعراض عن اعتكافه به فلا شي ء عليه، و ذلك واضح.

و قال صاحب «الجواهر»: قد يقال: إنّ مقتضى ترك الاستفصال في النصوص وجوب الكفّارة به مطلقاً، من غير فرق بين المندوب منه و الواجب معيّناً و مطلقاً في اليومين الأوّلين و في غيرهما. و لا ينافي ذلك الندبية و التوسعة في المطلق. إلى أن قال: اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ تعليق الكفّارة على عدم الاشتراط في صحيح أبي ولّاد المتقدّم «1» يومي إلى عدم وجوبها مع عدم تعيّن الاعتكاف؛ حتّى في اليوم الثالث إذا فرض الاشتراط فيه على وجه يرفع وجوبه. مضافاً إلى أصالة البراءة و نحوه، و هو قوي جدّاً؛ فيكون المدار حينئذٍ في وجوبها بالجماع و عدمه بتزلزل الاعتكاف و عدمه؛ فتجب في الثاني دون الأوّل «2»، انتهى.

و فيه: أنّ المستفاد من صحيح أبي ولّاد هو أنّ الجماع موجب للكفّارة فيما لم يشترط؛ سواء فيه اليومان الأوّلان و الثالث في الاعتكاف الواجب و المندوب، و لا كفّارة مع الاشتراط كذلك؛ أي سواءٌ فيه اليومان الأوّلان و الثالث في الواجب و المندوب في الاعتكاف.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 548، كتاب الاعتكاف، الباب 6، الحديث 6.

(2) جواهر الكلام 17: 208.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 462

كما لا تجب في سائر المحرّمات و إن كان أحوط (30). و كفّارته ككفّارة شهر رمضان؛ و إن كان

الأحوط كونها مرتّبة ككفّارة الظهار (31).

______________________________

(30) وجه عدم وجوب الكفّارة في سائر المحرّمات اختصاص وجوبها بالجماع فقط في النصوص و عدم دليل معتبر على ثبوتها في غير الجماع. و وجه الاحتياط فيها قول جماعة بوجوب الكفّارة في سائر المحرّمات؛ منهم الشيخ المفيد و السيّدان و العلّامة.

قال (رحمه اللّٰه) في «التذكرة»: اعلم أنّ الكفّارة تجب بإفساد الاعتكاف الواجب بالجماع إجماعاً، و كذا بالإنزال بالمباشرة و شبهها عند علمائنا و أكثر العامّة، و هل تجب بالأكل و الشرب؟ خلاف عند علمائنا؛ المشهور أنّها تجب، و قال بعض علمائنا: لا تجب للأصل، و النصّ إنّما ورد في الجماع. إلى أن قال (رحمه اللّٰه): قال المفيد و السيّد المرتضى: إنّه تجب الكفّارة بكلّ مفطر في شهر رمضان، و قال بعض علمائنا: إن كان الاعتكاف في نهار رمضان وجب الكفّارة بكلّ مفطر، و كذا إن كان منذوراً معيّناً؛ لأنّه بحكم رمضان، و لو كان الاعتكاف مندوباً أو واجباً غير معيّن بزمان لم تجب الكفّارة إلّا بالجماع خاصّة «1»، انتهى.

(31) لا يخفى: أنّ في كفّارة الاعتكاف قولين:

الأوّل: أنّها ككفّارة الظهار، و به قال صاحب «المدارك» و «المسالك» و النراقي في «مستند الشيعة»، و قال السيّد الخوئي (رحمه اللّٰه) في حاشيته على «العروة الوثقى»: لا يبعد أن تكون كفّارته ككفّارة الظهار.

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء 6: 318.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 463

..........

______________________________

الثاني: أنّها كفّارة إفطار، و هو المشهور بين فقهائنا، و نسبه العلّامة (رحمه اللّٰه) إلى علمائنا، قال في «التذكرة»: كفّارة الاعتكاف عند علمائنا هي كفّارة رمضان: عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستّين مسكيناً، و به قال الحسن و الزهري، إلّا أنّهما قالا بالترتيب. إلى أن قال: و قال

بعض الحنابلة: تجب كفّارة يمين، و المشهور عن أحمد أنّه قال: من أصاب في اعتكافه فهو كهيئة المظاهر «1»، انتهى.

و يدلّ على القول الأوّل صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن المعتكف يجامع أهله، قال

إذا فعل فعليه ما على المُظاهر «2»

، و صحيح أبي ولّاد الحنّاط عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

فإنّ عليها ما على المظاهر «3».

و يدلّ على القول الثاني موثّقة سماعة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن معتكف واقع أهله، فقال

هو بمنزلة من أفطر يوماً من شهر رمضان «4».

و موثّقة أُخرى لسماعة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن معتكف واقع أهله، قال

عليه ما على الذي أفطر يوماً من شهر رمضان متعمّداً: عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستّين مسكيناً «5».

و المختار عندنا أنّها كفّارة شهر رمضان جمعاً بين الروايات و حملًا للصحيحين على الاستحباب.

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء 6: 315.

(2) وسائل الشيعة 10: 546، كتاب الاعتكاف، الباب 6، الحديث 1.

(3) وسائل الشيعة 10: 548، كتاب الاعتكاف، الباب 6، الحديث 6.

(4) وسائل الشيعة 10: 547، كتاب الاعتكاف، الباب 6، الحديث 2.

(5) وسائل الشيعة 10: 547، كتاب الاعتكاف، الباب 6، الحديث 5.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 464

[ (مسألة 4): لو أفسد الاعتكاف الواجب بالجِماع في نهار شهر رمضان فعليه كفّارتان]

(مسألة 4): لو أفسد الاعتكاف الواجب بالجِماع في نهار شهر رمضان فعليه كفّارتان (32). و كذا في قضاء شهر رمضان إذا كان بعد الزوال (33). و إذا أكره زوجته الصائمة في شهر رمضان، فإن لم تكن معتكفة فعليه كفّارتان: عن نفسه لاعتكافه و صومه، و كفّارة عن زوجته لصومها (34). و كذا إن كانت معتكفة على الأقوىٰ (35)؛

______________________________

(32) و يدلّ

عليه صحيح عبد الأعلى بن أعين عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قلت: فإن وطئها نهاراً؟ قال

عليه كفّارتان «1».

و مرسل الصدوق (رحمه اللّٰه) قال: و قد روي

أنّه إن جامع بالليل فعليه كفّارة واحدة، و إن جامع بالنهار فعليه كفّارتان «2».

(33) فرض المسألة أن ينوي المعتكف في اعتكافه قضاء صوم شهر رمضان و يفسده بعد الزوال؛ فإنّه يجب عليه كفّارتان: إحداهما لأجل إفساد الاعتكاف، و الأُخرى لأجل إبطال صوم القضاء بعد الزوال. و أمّا لو أفسده قبل الزوال فعليه كفّارة واحدة لإفساد الاعتكاف.

(34) أمّا كفّارة زوجته لصومها عليه فإجماعي قد مرّ البحث فيها تفصيلًا في شرح المسألة السادسة من مسائل «القول فيما يترتّب على الإفطار»، فراجع.

(35) أي لا يجب على الزوج كفّارة رابعة من ناحية إفساده اعتكاف زوجته؛ لعدم الدليل عليه، و الأصل عدم وجوبها عليه.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 547، كتاب الاعتكاف، الباب 6، الحديث 4.

(2) وسائل الشيعة 10: 547، كتاب الاعتكاف، الباب 6، الحديث 3.

مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، ص: 465

و إن كان الأحوط كفّارة رابعة عن زوجته لاعتكافها (36)، و لو كانت مطاوعة فعلى كلّ منهما كفّارة واحدة إن كان في الليل، و كفّارتان إن كان في النهار.

______________________________

(36) وجه الاحتياط إلحاق الاعتكاف بالصوم في إكراه الزوج زوجته. و حكي عن السيّد و الشيخ الفتوى بوجوب كفّارة الزوجة المكرهة على الجماع على الزوج المكره. و فيه: أنّه لا دليل على الإلحاق.

تمّ كتاب الصوم من مدارك تحرير الوسيلة في صبيحة يوم الثلاثاء الثالث و العشرين من شهر جمادى الأُولى سنة 1414 بيد الحقير: مرتضى بني فضل بن الحاجّ سيفعلي غفر اللّٰه لهما. اللهمّ اجعله ذخيرة ليوم فاقتي بحقّ محمّد و آله الطاهرين،

آمين.

________________________________________

بنى فضل، مرتضى بن سيف على، مدارك تحرير الوسيلة - الصوم، در يك جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، تهران - ايران، اول، 1422 ه ق

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.